توفي اليوم الإثنين 2 ربيع الأول 1447هـ
شيخنا ومجيزنا المحدِّث المكِّي
عبدالوكيل بن عبدالحق الهاشمي العُمَرِيّ -رفع الله درجته بجنَّة الفردوس-
وهذه الأبيات بصوته رحمه الله، وفي منزله من تسجيلي قـــرب الرحيـــل إلى ديـــار الآخـــرة ***** يا رب فاجعــل خيـــر عمري آخـــره ولئـــن رحمت فأنت أكـــرم راحـــم ***** فبحـــار جـــودك يا إلهـــي زاخــــرة آنس مبيتي في القبـور ووحشتي ***** وارحـم عظامي حيــن تبقى ناخـرة
الشيخ عبدالوكيل بن عبدالحق الهاشمي العُمَرِي (1357–1447هـ)
ترجمة أحد أعلام الحديث في عصرنا: لقد منَّ الله تعالى عليَّ أن أجلس بين يدي شيخنا المعمَّر العلَّامة، المحدِّث المحقِّق، المسند المجيز، عبدالوكيل بن عبدالحق بن عبدالواحد بن محمَّد بن الهاشم بن بلال الهاشمي العُمَرِي، المتَّصل نسبه بسيِّدنا الفاروق عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه وأرضاه-، جدُّه الثَّالث والأربعون. نهلت من علمه، وتشرَّفت بالإجازة منه، ووقفت على ثَبته المبارك الذي جمع فيه عوالي الأسانيد، ولطائف الرِّواية، فكان بحقٍّ وارثاً لعلوم السَّلف، حارساً لتراث الأُمَّة، خاتمة المحدِّثين بمكَّة المكرَّمة في عصره.
مولده ونشأته:
وُلد الشيخ في بهاولبور بالهند سنة (1357هـ)، في بيت علمٍ وصلاح، وكانت بداياته على يد جدِّه الشَّيخ عبدالواحد، ثم التحق بالمدارس النِّظاميَّة، فمدرسة دار الحديث المحمَّدية في "جلال بور"، فدرس على يد الشَّيخ سلطان محمود أربع سنوات. ثُمَّ انتقلت أسرته إلى مكَّة المكرَّمة حيث كان والده من علمائها، فالتحق بمدرسة تحفيظ القرآن، ثم بـدار الأرقم دار الحديث بأصل الصفا، وأكمل تكوينه العلمي على يد والده في المسجد الحرام، وكان لنشأته الأولى في الهند وصباه فيها أثرٌ في تمكُّن لهجته حتَّى بعد انتقاله إلى مكَّة المكرَّمة.
شيوخه:
أخذ الشَّيخ العلم عن والده الشَّيخ عبدالحق الهاشمي، كما تلقَّى الإجازة عن جملة من الأعلام، منهم:
الشيخ عبيد الله الرحماني، تلميذ المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي.
الشَّيخ عبدالسَّلام بستوي، مدير دار الحديث.
الشَّيخ سلطان محمود.
الشَّيخ شمس الحق بن عبدالحق.
الشَّيخ الحافظ محمد عبد الله بدهي مالوي.
كما قرأ على أعلام آخرين، منهم:
الشَّيخ تقي الدِّين الهلالي، قرأ عليه حديثاً من جامع التِّرمذي.
والشَّيخ محمد عبد الرزاق حمزة، قرأ عليه أجزاء من البداية والنهاية.
والشَّيخ أحمد شاكر، قرأ عليه حديثاً من جامع التِّرمذي.
والشَّيخ ناصر الدِّين الألباني، قرأ عليه بعض الأحاديث بالمدينة المنوَّرة.
وكان هو القارئ على والده في المسجد الحرام لكتب السُّنَّة، حتَّى صار مسنداً متفرِّداً، يُرحل إليه.
مجالسه ومكانته:
عرفته مكَّة المكرَّمة محدِّثاً جليلاً، يعقد مجالس الإقراء صباحاً حتَّى الظُّهر، ثُمَّ من العصر إلى العشاء، لا يقطعها إِلَّا الصلاة. حضرها طُلَّاب العلم بل والعلماء من شتَّى الأقطار: من المغرب والشَّام، واليمن، ومصر، والعراق، والهند، وشتَّى أقطار الأرض. كان يجمع بين الجلد والصبر، والخلق الدَّمث، والتَّواضع الجمِّ، حتى قال عنه تلامذته: "ملأ الدُّنيا بـحدَّثنا وأخبرنا، وأحيا سنن الثِّقات والحُفَّاظ".
مؤلفاته وآثاره:
ترك الشَّيخ آثاراً باقيةً، بعضها طُبع وبعضها لا يزال مخطوطاً في مكتبته. ومن أهمِّ مؤلَّفاته:
عناية الباري في ضبط مواضع أسماء الرِّجال في صحيح البخاري.
مفتاح القاري في عدَّ أسماء الكتب والأبواب والرُّواة والمعلَّقات والمتابعات من صحيح البخاري.
عناية الوهَّاب لمن أخرج لهم البخاري أو استشهد بهم.
إنعام الباري في معجم أحاديث شيوخ البخاري.
مسند القزويني: تهذيب سنن ابن ماجه على ترتيب المسند.
الحِطَّة في معجم أحاديث شيوخ الأئمَّة السِّتَّة.
البحر الزَّاخر فيما روى البخاري عن شيخه بواسطة آخر.
فتح الواحد فيما روى البخاري عن شيخين في حديث واحد.
التِّعداد فيمن خضب لحيته من الصَّحابة وأهل الحديث.
أربعين أثراً للسَّعادة.
البطشة الكبرى في غزوة بدر الكبرى.
تحقيق الأحاديث المنسوبة إلى الإمام الذُّهلي في البخاري.
دعاء المضطرِّين ومناجاتهم في السَّحَر.
يا أهل الفرش لِذُّوا بأسماء ذي العرش.
القول الصَّحيح فيما فات من ابن عدي وابن عساكر وابن مندة.
بدائع المنن في أسماء شيوخ الشَّيخ وأصحاب السُّنن.
مختصر عناية الباري.
أقوال المحدِّثين وجمهور الفقهاء في غسل الزَّوج لزوجته.
وقد كان إلى جانب ذلك يحقِّق كتب والده، ويجيد استعمال الحاسب الآلي، على ندرة ذلك في جيله.
وفاته وأثره:
بعد تسعين عاماً من العطاء في رواية سُنَّة سيِّد الأنبياء، انهدَّ ركنٌ من أركان الحديث، وأفل نجمٌ من نجوم الرِّواية، وسقط عمودٌ من أعمدة الإسناد، وانحطَّ بموته درجةٌ من درجات علوِّ السَّند، وذلك في يوم الإثنين، الثَّاني من ربيع الأول عام 1447هـ (2-3-1447هـ)، الموافق 25 من أغسطس، عام 2025م، (25-8-2025م)، وصُلِّي عليه فجر اليوم الثُّلاثاء بالمسجد الحرام، ودفن بمقبرة المعلاة.
خاتمة:
وقد شهدتُ هيبته في مجلس التَّحديث، وبشاشته في المحيَّا، وقد كان يُحبُّ أن يقرِّب السَّند، ويذكّر ببركته، ويحبِّب الطَّالب والرَّاغب إلى الرِّواية مع الدِّراية، حتَّى خصَّني – كما خصَّ غيري – بإجازة مرويَّاته وأسانيده، فحملتها وساماً، واعتبرتها من أعظم عطايا الله لي؛ إذ كانت صلتي ومتَّصلي برجالات الأُمَّة إلى الرَّعيل الأَوَّل من الصَّحابة والتَّابعين ومن تبعهم ولحقهم بإحسانٍ -حفاظاً على الشَّريعة نقلاً وفهماً- وصولاً إلى سيِّد البشر، نبيِّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم.
لقد كان شيخنا عبدالوكيل بن عبدالحق الهاشمي صفحةً مضيئةً في سجِّل علماء أُمَّة الإسلام، جمع بين شرف النَّسب، وعلوِّ الإسناد، وخدمة السُّنَّة. رحل عن الدُّنيا وقد ترك وراءه مكتبةً عامرة، ومؤلفات نافعةً بالعلوم زاخرة، وطلاباً يحملون علمه في الآفاق.
رحل شيخنا وعالمنا الجليل، وفقد مشايخنا كفقد آبائنا لا يعوَّضون، ولكنَّنا سنرحل من بعده أجمعين، غير أَنَّ اسمه سيبقى خالداً في سلاسل الإسناد، تتناقله أجيال أُمَّة الإسلام، وتصدح به الألسن في "حدَّثنا" و"أخبرنا". فرحمه الله رحمةً واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأنزله الفردوس الأعلى من الجنَّة، لاحقاً بركب النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم اغفر له وارحمه وارفع درجته في المهديين وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله
واجبر الأمة في مصابها
بعد تسعين عاماً من العطاء في رواية سُنَّة سيِّد الأنبياء، انهدَّ ركنٌ من أركان الحديث، وأفل نجمٌ من نجوم الرِّواية، وسقط عمودٌ من أعمدة الإسناد، وانحطَّ بموته درجةٌ من درجات علوِّ السَّند،
نعت مكة وعلماؤها وطلابها اليوم : شيخها ومحدثها ومسندها الشيخ المحدث : عبدالوكيل الهاشمي أنزله الله منازل الأبرار ، مآثره وبذله وجده للعلم توفيق من الله والتزكية لله ، مسيرة حافلة بالعطاء لهذا الدين والعلم وأهله ، وسأذكر أموراً منها : الأول : دأبه يختم القرآن كل ثلاثة أيام ، وفي رمضان يختم كل يوم مرتين . الثاني : أنه اعتمر قرابة ثلاثة آلاف عمرة، ويقول :" لقد اعتمر ابن عمر رضي الله عنه ألف عمرة " . الثالث : أنه كان يجلس الساعات الطوال تصل للعشر ساعات لإقراء السنة ، قُرأت عليه الصحاح والسنن والمسانيد مرات وكرات ، كرم بالعلم لا يضاهى ولا يجارى. هذا الفوز والنجاح والاستعداد الحقيقي للدار الآخرة ، ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ).قوم أبدانهم معنا في الدنيا وقلوبهم في الآخرة .لمثل هذا فليعمل العاملون . سيرة عطرة من سير العلماء والعباد والصالحين ، قطعة من سير أعلام النبلاء ، وصفوة الصفوة ، والكواكب السائرة. سيرة تذكرنا بمن كان يختم القران ويكثر العمرات من الصحابة والتابعين وسلف الأمة ، ومن يجلس الساعات الطوال النهار مع الليل للإقراء والتحديث . لم تنته سير العظماء الربانية ، وفي الأمة مازالت النماذج السامية لم تنقطع ، ولا يزال الخير في أمة محمد ﷺ إلى قيام الساعة ، وفي الزوايا خباياً وفي الرجال بقايا. إنها أنفاس طاهرة زاخرة، قدمت أرواحها ومهجتها في مرضاة الله ،فما أعظمها وأجلها. إنه نموذج للكبار والصغار ، والرجال والنساء ، والشباب والفتيات واليائسين والبائسين والمحبطين والمتشائمين والصادين والشاردين عن الله والغارقين في الشهوات والملذات وزخرف الدنيا . إنها رسالة لمن ليس عندهم هدف سماوي يعيشون لأجله ، ويفنون أعمارهم فيه ، ويضيعون الأوقات هنا وهناك وأمام شاشات الجوالات والقيل والقال والفري في أعراض الناس ورميهم بالجهالات والتبديع والتفسيق والتكفير والمجادلات والمهاترات ، فماذا قدموا لأنفسهم ودينهم وأمتهم ووطنهم؟!. إنه درس لشحذ الهمم والعزائم في طريق العلم والدعوة والتعبد لله، وكف الألسن والإعراض عن أمراض القلوب والنفوس . إنه درس للذين يعيشون الوهم في هذه الحياة ولم يدركوا المعنى الحقيقي لهذه الحياة ، وهكذا نتعلم من هذه الحياة وسير عظمائها ففيها الدروس والعبر والعظات . قد لا يستطيع الإنسان أن يفعل مثل هذه الفعال من العظماء في العلم والتعبد ولكن عليه أن يسير في ركبهم ومسيرتهم ، وأبواب الجنة والخير كثيرة ، كل يجاهد نفسه على ما يستطيع منها ، والله لا يضيع أجر المحسنين ، ومن صدق مع الله صدق الله معه . أيها الجيل : الله عزوجل يعطي ويوزع هذه القوى والفتوحات والبركات ، فمن الناس من يفتح الله عليه في العبادة ، وآخر في العلم والحفظ، وآخر في العمل الخيري وقضاء حاجات الناس ، والصدقات والإحسان إلى الناس ، يمضون الساعات الطوال والأيام ، كل في ما يفتح الله عليه ، وكل على خير ، الأهم والفلاح ألا ينقص المرء عن الواجبات وأصول الفضائل والروابح والتجارة مع الله ، ويضرب بسهم في كل باب من أبواب الخير ، وكل واحد يكون على ثغر من ثغور الإسلام ، يلقى الله عزوجل وهو عليه .
فاضرب بسهمٍ في سهام أئمةٍ
سبقوك في هذا السبيل القيمِ.
وافتح مغاليق القلوب لتهتدي
وعلى إلهك فاعتمد واستعصمِ. أيها الشيوخ والأساتذة والمربون :
أنتم القدوات والربانيون للأجيال وصمام الأمان وحراس الثغور ، والناس بكم تقتدي. أيتها الأجيال : أنتم الورثة للعظماء وخط الدفاع على ثغور دينكم وأوطانكم وأمتكم. العلم العلم، والعقل العقل ، والحكمة الحكمة ، ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ) . أيها الجيل العلمي : كونوا أوفياء وصوراً مشرقة مضيئة للعلم وأهله ، لا تدنسوا ثياب العلم ، فالعلم شريف وحملته شرفاء . أسأل الله الرحمة والمغفرة للشيخ ، ولموتى المسلمين وصلاح أحوالنا ، وعزاً ونصراً لولاتنا وبلادنا والمسلمين وتوفيقاً للعلماء والدعاة والشباب والفتيات .
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.