العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

من أحكام المسح على الخفين.

انضم
31 مايو 2024
المشاركات
25
الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أيمن
التخصص
أصول الفقه - فقه
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر العاصمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذا بحث مختصر لطيف، يحوي الكلام عن أحكام مختصرة، وفوائد مشتهرة، تتعلق بالمسح على الخفين، جمعتها بغية نشرها، وليستفيد بها من شاء الله أن يستفيد، وهي أحكام والحمد لله دلت عليها السنة النبوية، وشهدت لها الآثار السلفية، والله العظيم أسأل التوفيق والسداد.

《《تعريف المسح على الخفين》》

■المسح لغة: مصدر مسح، قال ابن فارس: الميم والسين والحاء أصل صحيح، وهو إمرار الشيء على الشيء بسطا(1).
■والمسح على الخفين: هو إصابة البلة لخف مخصوص، في محل مخصوص، في زمن مخصوص(2).
■والخف: هو ما يلبس في الرجل من جلد رقيق، وإذا كان من قماش فيسمى شرابا أو جوارب.
■والجوارب -كما قال العلماء- تلحق بالخفاف من طريق العموم اللفظي.

《《مشروعية المسح على الخفين》》

فقد دل على مشروعية المسح على الخفين الكتاب والسنة والإجماع.
▪أما الكتاب: قوله-تعالى-:{وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}، فعلى قراءة "الجر"، تحمل على المسح على الخفين، وعلى قراءة النصب فتحمل على الأرجل.
▪وأما من السنة فهي كثيرة، بل نص غير واحد من أهل العلم على أنها متواترة(3)، وأصرح حديث في ذلك حديث جرير بن عبد الله الذي رواه مسلم عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال: [بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟، فقال: رأيت رسول اللهِﷺ بال ثم توضأ ومسح على خفيه، قال الأعمش: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ](4)، ومعنى هذا: أن إسلام جرير لو كان قبل نزول المائدة لاحتمل كون حديثه منسوخا، فلما علمنا أن الأمر ليس كذلك تبين أن حديثه محكم ويعمل به، ويؤكد هذا أن آية المائدة -كما قال أهل العلم- نزلت في غزوة المريسيع سنة "ست" للهجرة، وحديث المسح ثابت في غزوة تبوك سنة "تسع" للهجرة، فانتفت بذلك شبهة النسخ، والله الموفق.
▪ وأما الإجماع: فقد نقل ابن المنذر اﻹجماع على جواز المسح على الخفين(5).

《《الحكم التكليفي للمسح على الخفين》》

■فقد اختلف العلماء في ذلك على أربعة أقوال، والأظهر منها هو القول بالتفصيل، وذلك بحسب حال اللابس، فإن كان لابسا الخف فالمسح هو الأفضل، وإن لم يكن لابسا فالغسل أفضل، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(6).

《《بيان مدة وبداية المسح على الخفين》》

■ إعلم أن الشرع قد حدد مدة المسح على الخفين، فللمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والدليل على ذلك أحاديث كثيرة، حتى ذكر الطحاوي أنها متواترة(7)، منها حديث علي رضي الله عنه[أن النبيﷺ جعل ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم](8)، وهذا قول أكثر الفقهاء والتابعين(9)، خلافاً للإمام مالك رحمه الله.
■وتبتدئ المدة من حين يمسح على القول الراجح، لقولهﷺ:[يمسح المسافر]و [يمسح المقيم]، فعلق الحكم بالمسح، ولأن الماسح لا يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح، وبهذا قال الإمام أحمد والأوزاعي وغيرهما(10).

《《شروط المسح على الخفين》》
-ومنها:
■ أن يلبسهما على طهارة.
■ أن يكون في الوقت المحدد شرعا وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر.
■ أن يكون عن الحدث الأصغر، وأما عن الحدث الأكبر فلا يجوز، وقد نقل الإجماع في ذلك.
■ أن يكون الخفان طاهرين غير نجسين عينا.
■ أن يكونا ساترين لمحل الفرض، وفيه خلاف.

《《محل المسح وصفته》》

■أما محل المسح، فإن المشروع هو المسح على ظاهر الخف فقط، لحديث علي رضي الله عنه قال:(لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، ولقد رأيت رسول اللهﷺ يمسح على ظاهر خفيه)(11)، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد(12)، وهو الراجح.
■وأما صفته: فاﻷظهر أنه يمسح بما يطلق عليه اسم المسح.

《《حكم المسح على الجوربين والنعلين》》

■أما المسح على الجوربين فقد اختلف العلماء في ذلك، لكن الراجح الصحيح هو الجواز، لحديث المغيرة بن شعبة[أن رسول اللهﷺ مسح على الجوربين والنعلين](13)، ولحديث
[المسح على التساخين](14)، ولأنه فعل الصحابة رضي الله عنهم، فقد حكاه أبو داود عن تسعة منهم، وابن المنذر عن خمسة(15)،وقال ابن قدامة: "لم يظهر لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا"(16)، قلت: وهذا الإجماع يعبر عنه أصوليا باﻹجماع السكوتي، وهو حجة عند جمهورهم،وبالجواز قال الإمام أحمد وإسحاق، وطائفة من السلف، ونقله ابن القيم عن أكثر العلماء(17).
■وأما المسح على النعلين استقلالاً، فالظاهر جواز ذلك لحديث المغيرة المذكور آنفاً، فقد يحتمل أنه رأى النبيﷺ يمسح تارة على الجوربين، وتارة على النعلين، قال العلامة الإمام الألباني:"قد صح عنهﷺ المسح على النعلين استقلالاً، دون ذكر الجوريين من حديث علي بن أبي طالب، وأوس بن أبي أوس الثقفي، وابن عمر، وصححه ابن القطان كما في "شرح علوم الحديث" للعراقي(ص١٢)، وقد تكلمت على أسانيدها في"صحيح سنن أبي داود"(رقم١٥٠ و١٥٦)اه‍ (18).

《《مبطلات المسح على الخفين》》
وهي :
■ إنقضاء مدة المسح.
■ الجنابة.
■ نزع الخفين والإحداث قبل لبسه.

#مسألة:
●واعلم أن الأظهر أن نزع الخفين لا يبطل به الوضوء، لعدم الدليل على ذلك، ولأن النواقض هي الأحداث، ونزع الخف ليس بحدث، ومما يقوي هذا ما صح عن علي رضي الله عنه (أنه بال قائما ثم توضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى بالناس)(19)، وبهذا يقول الحسن والنخعي وطاوس وقتادة وعطاء، وبه كان يفتي سليمان بن حرب وداود، واختاره ابن المنذر وابن حزم والنووي(20).
والله أعلم.

قال مقيده-عفا الله عنه-:
هذا ما تيسر جمعه، ولله الحمد والمنة.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
________________________
1)-أنظر: معجم مقاييس اللغة(٣٢٢/٥).
2)-أنظر: الدر المختار(١٧٤/١).
3)-أنظرلزاماً: الإشراف(٢٢٩/١)لابن المنذر، المغني (٣٥٩/١)، التوضيح(٣٥٥/٤) لابن الملقن.
4)-أخرجه البخاري(٣٨٧)، ومسلم(٢٧٢).
5)-الإجماع(ص٣٥)، وانظر: شرح مسلم(١٦٤/٣).
6)-أنظر: الاختيارات العلمية(ص٣٢).
7)-أنظر: مشكل الآثار(٧٢/١).
8)-رواه مسلم(٢٧٦)، والنسائي(٨٤/١).
9)أنظر: التمهيد(١٥٣/١١)، المغني(٢٠٩/١)، المحلى (٨٠/٢).
10)-مسائل الإمام أحمد(١٠)ﻷبي داود، المحلى (٩٥/٢).
11)-رواه:أبو داود(١٦٢)، والدارقطني(٧٣)، والبيهقي(١١١/٢) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في"التلخيص"(١٦٠/١)، ووافقه الألباني في "الإرواء"(١٠٣).
12)-المغني(٣٧٩/١)، بداية المجتهد(٦٠/١).
13)-رواه أبو داود(١٥٩)، والترمذي(٩٩) وقال:حسن صحيح، وصححه الألباني في"الإرواء"(١٠١).
14)-رواه أحمد(٢٧٧/٥)، وأبو داود(١٤٦)، والحاكم(١٦٩/١) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه أيضا النووي في"المجموع"(٤٠٨/١)، والألباني في"الإرواء"(١٠٣).
15)-سنن أبي داود(١٥٩)، الإشراف(٢٥١/١).
16)-المغني(٣٧٦/١).
17)-الفتاوى الكبرى(٤٤٩/١)،تهذيب السنن(١٢١/١).
18)-تمام المنة(ص١١٣) للألباني.
19)-أخرجه البيهقي(٢٨٨/١)، والطحاوي في"شرح المعاني"(٥٨/١) بإسناد صحيح على شرط الشيخين كما في"تمام المنة"(ص١١٥).
20)-أنظر: الأوسط(٤٦٠/١)، المحلى(١٠٥/٢)، المجموع(٥٥٨/١).
 
أعلى