أبو أيمن أمين الجزائري.
:: متابع ::
- انضم
- 31 مايو 2024
- المشاركات
- 26
- الإقامة
- الجزائر العاصمة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أيمن
- التخصص
- أصول الفقه - فقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- الجزائر العاصمة
الحمد لله وبعد:
فعن سعيد بن حريث المخزومي قال: سمعت رسول اللهِﷺ يقول: [ من باعَ دارًا أو عقارًا فلم يجعَل ثمنَه في مثلِه كانَ قمِنًا أن لا يبارَكَ فيه ](1).
#قوله: [كانَ قمِنًا] أي: حريا وجديرا.
#فهذا الحديث فيه دليل على النهي عن بيع العقار ثم جعل ثمنه في غيره، وإنما المطلوب فعله هو جعل ثمنه في مثله، بأن يبيع دارا أو أرضا فيشتري دارا أخرى، أو أرضا أخرى، وقد روى البيهقي عن سفيان بن عيينة -رحمه الله- أنه قال في تفسير هذا الحديث: "من باع دارا ولم يشتر من ثمنها دارا لم يبارك له في ثمنها"، قال: إن الله يقول: ﴿وبارك فيها وقدر فيها أقواتها﴾ [فصلت ١٠]، يقول: فلما خرج من البركة ثم لم يعدها في مثلها لم يبارك له"(2)، قال الطحاوي موضحا: "فكان من باع دارا أو عقارا، فقد باع ما بارك الله عز وجل فيه، فعاقبه بأن جعل ما استبدله به، يعني من ما سواه من الآدر والعمارات غير مبارك له فيه، والله عز وجل نسأله التوفيق"اه(3).
-قلت: فتبين مما سبق أن علة النهي كون البائع قد باع ما هو مبارك فيه، فيكون قد فعل ما هو خلاف الحكمة، لأن المبيع مبارك فيه، فيكون هذا البائع قد عدل عما بورك فيه إلى ما يكون سببا في نزع البركة ومحقها، وقال المحقق المناوي أيضا في تعليل النهي: "لأنها ثمن الدنيا المذمومة، وقد خلق الله الأرض وجعلها مسكنا لعباده، وخلق الثقلين ليعبدوه، وجعل ما على الأرض زينة لهم ﴿لنبلوهم أيهم أحسن عملا﴾، فصارت فتنة لهم ﴿إلا من رحم ربك﴾، فعصمه وصارت سببا للمعاصي فنزعت البركة منها، فإذا بيعت وجعل ثمنها متجرا لم يبارك له في ثمنها، ولأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهادا، وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له، فيناله من البركة التي بارك فيها، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه"اه(4).
-وأيضا، فإن المال في هذه الحال إذا وضع في غير العقار كتجارة ونحو ذلك فإنه قد يضيع ويتلف، وذلك بسبب خسارة، أو فقدانه..(5)، بخلاف ما لو وضع فيه (أي العقار) فإنه يحفظ، وذلك لكونه في محله فيبارك له فيه أيضا، يقول الساعاتي -رحمه الله-: "لما كانت الدار كثيرة المنافع، قليلة الآفة، لا يسرقها سارق، ولا يصيبها ما يصيب المنقولات، كره الشارع بيعها لأن مصير ثمنها الى التلف، إلا اذا اشترى به غيرها فلا كراهة"اه(6).
-وهذا الذي ذكرناه، إنما هو فيمن باع على سبيل الاختيار، أما من باع على سبيل الحاجة أو الاضطرار فقد أجيز له ذلك، ويؤيده ما جاء في حديث معقل بن يسار قال: سمعت رسول اللهِﷺ يقول: [ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ عُقْدَةً (أي: عقارا) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، بَعَثَ اللَّهُ لَهُ تَالِفًا يُتْلِفُهَا ](7).
-كما استثني من النهي ما إذا جعل جزءا من ثمن المبيع في مثله، فقد قيل بأنه لا بأس به، لما جاء في بعض الروايات بلفظ: [ مَن باع دارًا أو عقارًا، ثمَّ لم يجعَلْ ثمنَه -أو مِن ثمنِه- في مِثلِه لم يُبارَكْ له فيه ](8)، فدل على أن جزءا من ثمن المبيع لو جعله في مثله لما شمله النهي، فلا يشترط جعل جميع الثمن في مثله، والله أعلم.
-واعلم أن هذه المسألة هي في الحقيقة محل خلاف بين أهل العلم، بيد أن الذي ذكرته هو مبني على صحة الحديث، ولهذا قال به من قال من أهل العلم.
والعلم عند الله تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
______________________
1)- أخرجه أحمد(١٨٧٣٩)، وابن ماجه(٢٤٩٠)، وابن أبي شيبة في"مسنده"(١٨١/٢)، وإسناده ضعيف، فيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي ضعفه غير واحد من أهل العلم.
لكن له شاهد عن حذيفة رضي الله عنه عند ابن ماجه (٢٤٩١)، والبيهقي(٥٥/٦)، والطيالسي(٣٣٨/١)، وغيرهم، وإسناده فيه كلام.
والحديث له طرق وشواهد وبعض المتابعات، ولهذا قال الألباني في"الصحيحة"(٤٣٠/٥) بعد كلام : "وجملة القول أن الحديث بمتابعته وشاهده الأول لا ينزل عن رتبة الحسن، والله سبحانه وتعالى أعلم"، وقد حسنه في "صحيح ابن ماجه"(٢٠٣٥)، و"صحيح الجامع"(٦١٢٠).
2)-سنن البيهقي(٣٣٣/٣).
3)- شرح مشكل الآثار(١٠١/١٠).
4)- فيض القدير(٩٢/٦)، وانظر: التنوير(١٥٧/١٠)للصنعاني، حاشية السندي على ابن ماجة(٩٧/٢).
5)- مستفاد من كلام الشيخ محمد بازمول بتصرف.
6)- الفتح الرباني(٢٦/١٥)، وانظر: مرقاة المفاتيح
(١٩٨٣/٥).
7)- أخرجه الطبراني في"الأوسط"(٢٦٣/٨)(٨٥٨٦)،وقال: لم يروِ هذَا الحديث عن حفص بن أَبِي حرب إِلا علي بن عثمان اللاحقي. وقال الهيثمي في"المجمع"(٤/١١٤): فيه جماعة لم أعرفهم، منهم عبد الله بن يعلى الليثي. والحديث ضعفه الألباني في"الضعيفة"(٤٥٧٧).
8)- أخرجه الطحاوي في"مشكل الآثار"(٣٩٤٧)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
فعن سعيد بن حريث المخزومي قال: سمعت رسول اللهِﷺ يقول: [ من باعَ دارًا أو عقارًا فلم يجعَل ثمنَه في مثلِه كانَ قمِنًا أن لا يبارَكَ فيه ](1).
#قوله: [كانَ قمِنًا] أي: حريا وجديرا.
#فهذا الحديث فيه دليل على النهي عن بيع العقار ثم جعل ثمنه في غيره، وإنما المطلوب فعله هو جعل ثمنه في مثله، بأن يبيع دارا أو أرضا فيشتري دارا أخرى، أو أرضا أخرى، وقد روى البيهقي عن سفيان بن عيينة -رحمه الله- أنه قال في تفسير هذا الحديث: "من باع دارا ولم يشتر من ثمنها دارا لم يبارك له في ثمنها"، قال: إن الله يقول: ﴿وبارك فيها وقدر فيها أقواتها﴾ [فصلت ١٠]، يقول: فلما خرج من البركة ثم لم يعدها في مثلها لم يبارك له"(2)، قال الطحاوي موضحا: "فكان من باع دارا أو عقارا، فقد باع ما بارك الله عز وجل فيه، فعاقبه بأن جعل ما استبدله به، يعني من ما سواه من الآدر والعمارات غير مبارك له فيه، والله عز وجل نسأله التوفيق"اه(3).
-قلت: فتبين مما سبق أن علة النهي كون البائع قد باع ما هو مبارك فيه، فيكون قد فعل ما هو خلاف الحكمة، لأن المبيع مبارك فيه، فيكون هذا البائع قد عدل عما بورك فيه إلى ما يكون سببا في نزع البركة ومحقها، وقال المحقق المناوي أيضا في تعليل النهي: "لأنها ثمن الدنيا المذمومة، وقد خلق الله الأرض وجعلها مسكنا لعباده، وخلق الثقلين ليعبدوه، وجعل ما على الأرض زينة لهم ﴿لنبلوهم أيهم أحسن عملا﴾، فصارت فتنة لهم ﴿إلا من رحم ربك﴾، فعصمه وصارت سببا للمعاصي فنزعت البركة منها، فإذا بيعت وجعل ثمنها متجرا لم يبارك له في ثمنها، ولأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهادا، وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له، فيناله من البركة التي بارك فيها، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه"اه(4).
-وأيضا، فإن المال في هذه الحال إذا وضع في غير العقار كتجارة ونحو ذلك فإنه قد يضيع ويتلف، وذلك بسبب خسارة، أو فقدانه..(5)، بخلاف ما لو وضع فيه (أي العقار) فإنه يحفظ، وذلك لكونه في محله فيبارك له فيه أيضا، يقول الساعاتي -رحمه الله-: "لما كانت الدار كثيرة المنافع، قليلة الآفة، لا يسرقها سارق، ولا يصيبها ما يصيب المنقولات، كره الشارع بيعها لأن مصير ثمنها الى التلف، إلا اذا اشترى به غيرها فلا كراهة"اه(6).
-وهذا الذي ذكرناه، إنما هو فيمن باع على سبيل الاختيار، أما من باع على سبيل الحاجة أو الاضطرار فقد أجيز له ذلك، ويؤيده ما جاء في حديث معقل بن يسار قال: سمعت رسول اللهِﷺ يقول: [ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ عُقْدَةً (أي: عقارا) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، بَعَثَ اللَّهُ لَهُ تَالِفًا يُتْلِفُهَا ](7).
-كما استثني من النهي ما إذا جعل جزءا من ثمن المبيع في مثله، فقد قيل بأنه لا بأس به، لما جاء في بعض الروايات بلفظ: [ مَن باع دارًا أو عقارًا، ثمَّ لم يجعَلْ ثمنَه -أو مِن ثمنِه- في مِثلِه لم يُبارَكْ له فيه ](8)، فدل على أن جزءا من ثمن المبيع لو جعله في مثله لما شمله النهي، فلا يشترط جعل جميع الثمن في مثله، والله أعلم.
-واعلم أن هذه المسألة هي في الحقيقة محل خلاف بين أهل العلم، بيد أن الذي ذكرته هو مبني على صحة الحديث، ولهذا قال به من قال من أهل العلم.
والعلم عند الله تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
______________________
1)- أخرجه أحمد(١٨٧٣٩)، وابن ماجه(٢٤٩٠)، وابن أبي شيبة في"مسنده"(١٨١/٢)، وإسناده ضعيف، فيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي ضعفه غير واحد من أهل العلم.
لكن له شاهد عن حذيفة رضي الله عنه عند ابن ماجه (٢٤٩١)، والبيهقي(٥٥/٦)، والطيالسي(٣٣٨/١)، وغيرهم، وإسناده فيه كلام.
والحديث له طرق وشواهد وبعض المتابعات، ولهذا قال الألباني في"الصحيحة"(٤٣٠/٥) بعد كلام : "وجملة القول أن الحديث بمتابعته وشاهده الأول لا ينزل عن رتبة الحسن، والله سبحانه وتعالى أعلم"، وقد حسنه في "صحيح ابن ماجه"(٢٠٣٥)، و"صحيح الجامع"(٦١٢٠).
2)-سنن البيهقي(٣٣٣/٣).
3)- شرح مشكل الآثار(١٠١/١٠).
4)- فيض القدير(٩٢/٦)، وانظر: التنوير(١٥٧/١٠)للصنعاني، حاشية السندي على ابن ماجة(٩٧/٢).
5)- مستفاد من كلام الشيخ محمد بازمول بتصرف.
6)- الفتح الرباني(٢٦/١٥)، وانظر: مرقاة المفاتيح
(١٩٨٣/٥).
7)- أخرجه الطبراني في"الأوسط"(٢٦٣/٨)(٨٥٨٦)،وقال: لم يروِ هذَا الحديث عن حفص بن أَبِي حرب إِلا علي بن عثمان اللاحقي. وقال الهيثمي في"المجمع"(٤/١١٤): فيه جماعة لم أعرفهم، منهم عبد الله بن يعلى الليثي. والحديث ضعفه الألباني في"الضعيفة"(٤٥٧٧).
8)- أخرجه الطحاوي في"مشكل الآثار"(٣٩٤٧)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
