العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

محمد المنوني من رموز الخبرة التراثية بالمغرب في القرن العشرين

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
محمد المنوني


يعتبر محمد المنوني (المولود بمدينة مكناس سنة 1915م والمتوفي بمدينة الرباط سنة 1999م) رمزا من رموز الخبرة التراثية في البلاد العربية في القرن العشرين، حيث كان خبيرا في البحث والكشف عن خبايا تراثنا الثقافي سواء منه المطبوع أو المخطوط، في مختلف الخزانات المغربية والمكتبات..


وقد قضى محمد المنوني حياته بين أحضان الجامعة المغربية والمكتبات معلما وأستاذا ومحققا ودارسا ومفهرسا. ولعل الخزانة الوطنية بالرباط والمكتبة الحسنية بالقصر الملكي العامر خير شاهد على ذلك. كان متضلعا في الدراسات الفقهية والحضارة الإسلامية، خبيرا بمختلف المراحل التي مر بها المغرب وعصوره وأطواره ووقائعه ورجالاته ومظاهر حضاراته المتنوعة. تميز بعصاميته وصموده وبمؤازرة زملائه الأعلام... فكان بحق مرجعا ومصدرا للإرشاد والتوجيه والخبرة والتعريف والضبط والتوثيق...
كتب سيرته الذاتية في مرحلة متأخرة من حياته بإلحاح الكثير من الباحثين والمهتمين، فكشف بذلك عن جانب مهم من شخصيته العلمية والفكرية. ففي سيرته هذه يرصد لنا مختلف مراحل أوليته ونشأته ودراسته، حيث ذكر الحلقات الدراسية التي استفاد من الشيوخ الذين جلس إليهم في الدراسة الحرة والنظامية، في كل من مكناس وفاس.

1- مسير المنوني الدراسي
ففي عامه الرابع أدخله والده الكتاب (المسيد)..حيث حفظ القرآن وتعلم الكتابة والقراءة وحفظ المتون..ثم تفرغ بمكناس للتفقه في مختلف العلوم خاصة منها المادة الفقهية، حيث درس أهم المصنفات الفقهية المغربية كـ "مختصر خليل" و"المرشد المعين" "بشرح ميارة، والرسالة... ثم بعد ذلك التحق "بجامع القرويين"، ومكنه ذلك من الاطلاع على خزانة القرويين التي كانت منبعه المعرفي الأول حيث جلس إلى حلقات مشيخة فاس ليدرس أمهات المصنفات، وليرتقي من الثانوي إلى العالي حيث آثر الالتحاق بالشعبة الشرعية. وقد توجت هذه السنوات من التحصيل سواء في الدروس النظامية أو التطوعية أن تكونت لدى الفقيه المنوني حصيلة علمية مهمة في مختلف فروع المعرفة من فقه وتفسير وحديث ونحو وبلاغة.. وغيرها. وبعد حصوله على شهادة العالمية، تصدر للتدريس، فدرس "مختصر خليل" ضمن ما درس من مختلف المواد.
لما تخرج من "القرويين" حاملا الشهادة العالمية، تفرغ للكتابة والتدريس ومتابعة بحوثه التراثية الحضارية إلى أن أحرز المغرب على استقلاله فالتحق بالمكتبة الوطنية بالرباط ثم الخزانة الملكية في القصر الملكي. كل ذلك مكنه من الاطلاع على عيون التراث المغربي حيث أخذ ينشر أبحاثا تعرف بنفائسه ونوادره وأمهاته.
نال الفقيه إجازات علمية من كبار العلماء، وصفوه فيها ب"الفقيه الأديب الحيي الدراك النجيب" كما وصفه مترجموه بالفقيه المشارك البحاثة.

2- نوعية الأبحاث التي اهتم بها
انصبت اهتمامات المنوني العلمية على المصادر التاريخية والأدبية والفقهية وباقي فنون المعرفة التي كان علماء المغرب يخصونها بكتاباتهم وتقييداتهم وأبحاثهم. وقد تجلت في جل أبحاثه عن تاريخ النهضة المغربية وفي قبساته من مصادر المغرب وفي إحاطته بمصادر التاريخ الفكري المغربي وفي تحقيقاته العلمية... شخصية مغربية أصيلة تمثلت الهوية الثقافية المغربية في أبعد حدودها.
لقد تميز المنوني بثقافته الواسعة والمتنوعة، حيث لم يقتصر في تحصيله العلمي على التركيز على العلوم الشرعية أو الدينية، بل شملت ثقافته أيضا التاريخ والأدب والفكر والعلوم. وربما كان تعامله المباشر مع مختلف المخطوطات والوثائق هو الذي أكسبه هذا الإلمام الواسع بشتى فنون المعرفة. فكان على علم غزير بكثير من الأعلام ومؤلفاتهم والأسر العلمية وبرامج العلماء وفهارسهم...

3- من أهم مؤلفاته
خلف المنوني مؤلفات في غاية من الأهمية والدقة، سيما ما تعلق منها بتاريخ المغرب ومصادره ومخطوطات خزاناته، كما قام بعدة أبحاث ومقالات ومساهمات في مختلف الندوات واللقاءات العلمية والمنتديات الفكرية.
لذا فإن مصنفاته هذه تعد في نظر كثير من المهتمين من روائع البحث المصدري، ومن بين تلك المصنفات:
*- العلوم والآداب على عهد الموحدين : أبان فيه عن مظاهر ازدهار الحركة العلمية والأدبية والفنية المعمارية في العهد الموحدي.. فكان هذا المؤلف بحق مرجعا مهما لكثير من الباحثين.
*- مظاهر يقظة المغرب الحديث : يعتبر هذه المؤلف من أهم ما كتبه المنوني، إذ أبان في هذا الكتاب ذلك التطور الحضاري الذي وصل إليه المغرب، وأشاد بتلك الإصلاحات التي حققها على مختلف المستويات التعليمة أو الإدارية أو العسكرية أو الفنية..وأبرز هذه الجوانب جميعها بالحجة والدليل.
*- تاريخ الوراقة المغربية: هذا المؤلف يحوي على ترجمة ما يناهز 600 شخصية ذات الصلة بالكتاب من وراقين ونساخين وموثقين وغيرهم. وقد تطرق في هذا الكتاب إلى التعريف بالإسهامات المغربية في مجال وضع الكتاب العربي والإسلامي ابتداء من "العصر الإدريسي" إلى "العصر العلوي".
*- التنبيه المعرب عما عليه الآن حال المغرب: وذلك سنة 1994م، حيث حقق وأخرج نص "الوزير محمد الطيب بن اليماني بوعشرين" (ت1859) حول أحوال المغرب في منتصف القرن 19
*- تاريخ الوراقة المغربية أو صناعة المخطوط المغربي من العصر الوسيط إلى الفترة المعاصرة: وهو آخر ما صدر له من مصنفات في عالم المخطوطات.
*- دور الكتب في ماضي المغرب: الذي أهداه لجلالة محمد الخامس في عام 1961م، وهو عبارة عصارة لما تحويه بطون الخزائن العلمية بالمغرب من نوادر ومخطوطات، وهو أيضا تتويج علمي لمختلف تجاربه العلمية التي قضاها في عالم المخطوطات والتراجم والفهارس.
4- ريادته للبحث المصدري
تميز منهج البحث عند المنوني بمنهج خاص، يتجسد على الخصوص في استكشافه لمختلف المصادر التاريخية، وكتابة تراجم الأعلام المغاربة في مختلف العلوم والمعارف، والكشف عن المخطوطات المتعلقة بحضارة المغرب.
لقد انصبت مجهودات المنوني في مجال المخطوط التراثية في أبعاد مختلفة منها:
*- العمل المكتبي في الخزانات العامة والخاصة ..
*- إنجاز الفهارس والكشافات: فإلى جانب تصنيف ما يفوق 200 مخطوط من الخزانة العامة بالرباط، و400 مخطوط في الخزانة الحسنية بالرباط.... أصدر المنوني عدة فهارس وكشافات منها: المصادر العربية لتاريخ المغرب: من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الحديث، والمصادر العربية لتاريخ المغرب، الفترة المعاصرة...
*- الإسهام في التعريف بصناعة المخطوط ..
هذه المجهودات جميعها أنتجت ثروة غنية من الكتابات البيبليوغرافية أهمها: "المصادر العربية لتاريخ المغرب" حيث تناول فيه بالوصف والتحليل 1613 مصدرا، مبينا مضمونها ونسخها..والكتاب ثروة نفيسة في بابه. ثم "فهرس المخطوطات العربية في الخزانة العانة بالرباط" و"منتخبات من نوادر المخطوطات بالخزانة الحسنية بالرباط" و"فهارس مخطوطات الخزانة الحسنية" و"دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت".
5- خدمته للمخطوطات المغربية
قدم خدمات جليلة للمخطوط العربي من ناحية التعريف بالمخطوط المغربي ونوادره ونشر تلك الأبحاث في مختلف المجلات والدوريات. كما اكتشف مخطوطات ووثائق نفيسة ومهمة حققها وأضاف إليها مادة علمية مهمة، لذلك كانت منهجيته في التحقيق رائدة في هذا المجال. كما أنه اهتم بالتأريخ للمخطوط المغربي سواء من الناحية العلمية، وذلك بإبراز المضمون العلمي للمخطوط المراد تحقيقه، أو من الناحية الفنية وذلك بالإشادة بالجانب الفني أو المادي للمخطوط أو ما اصطلح عليه "بالوراقة المغربية". لذلك فإن فهرسته لمختلف المخطوطات كانت تعتمد بالأساس رصد جميع العناصر المكونة للمخطوط سواء من الناحية المادية أو العلمية أو اللغوية. لذلك وفق إلى أبعد حد في رصد المخطوط ووصفه وصفا دقيقا.

6- مميزات كتابات المنوني
لقد تميزت كتابات المنوني بخصائص ومميزات منهجية، منها:
قام المنوني في اغلب ما كتب حول تاريخ المغرب وحضارته برصد وتتبع كافة مظاهر وأسباب يقظة المغرب خلال الفترات التاريخية المختلفة، وخاصة في الفترة الحديثة. فقام بتحليل أسبابها ورصد معطياتها وتحديد أبعادها، كما أشاد بالخصائص الذاتية التي تميز بها المجتمع المغربي خلال مختلف تلك المراحل، فكانت سببا في ريادتهم وتميزهم في شتى ضروب العلم والمعرفة. فاتصفت كتابته بالدقة والأصالة، فأضفت على جل ما كتب وبحث أهمية فائقة وقيمة كبيرة.
ثم إن كثرة تحريه وشدة تنقيبه في مختلف الموضوعات التي بحثها أضفى على كتاباته طابعا فريدا ومميزا، كما مكنته هذه المنهجية من الغوص والإبحار في بطون المخطوطات الدفينة والوثائق النادرة فتمكن من الكشف عن كثير من الخفايا والدقائق العلمية. كما تمكن من التوثيق البيبلوغرافي لأغلب التراث المغربي المطبوع والمخطوط في مختلف الخزانات العامة والخاصة، كالخزانة الحسنية، والخزانة العامة .
لذلك يعتبر المنوني بحق عالم المخطوطات في العصر الحديث،وصاحب ثقافة متميزة وفريدة في هذا الميدان، وقد ترك آثارا كثيرة تقوم دليلا واضحا على تلك المكانة الهامة التي كان يتصدرها في هذا الميدان. لقد تجسدت خبرته الكبيرة في ميدان المخطوطات في إحاطته بتاريخ المكتبة المغربية كما يتضح ذلك من خلال دراساته المتعددة سيما المتعلقة منها بتاريخ الفكر والتأليف بالمغرب. فقد قام يببلوغرافية موضوعية أحصى فيها إنتاجات المغاربة في عدة ميادين، كما عرف بنوادر الكتب وبعدد من المؤلفين وبروايات الكتب وكيفية انتقالها بين المغرب وباقي البلدان الإسلامية.

خاتمة
يعتبر المنوني من رواد الثقافة الوطنية وحجة في تاريخ المغرب الحضاري. تألق في عالم التوثيق والتحقيق وعلم البيبلوغرافية ..فكانت له جهود مضنية في لجنة جائزة الحسن الثاني للمخطوطات والوثائق التي أنشئت منذ سنة 1969. كان محل تقدير وتكريم من الكثيرين، وفاز بعدة جوائز تقديرية وتشجيعية، فقد منحه محمد الخامس جائزة عيد العرش النثرية الثالثة لبحثه عن "تاريخ الراية المغربية" سنة 1947م. كما فاز بالجائزة الثانية لعيد العرش سنة 1948 عن بحثه "في تاريخ الديمقراطية بالمغرب". كما منحه الحسن الثاني "جائزة الاستحقاق الكبرى" لسنة 1989م.عن إنجازه لكتاب "المصادر العربية في تاريخ المغرب".
اقرأ أيضا:
محمد المنوني و منهجيته في إعادة صياغة التاريخ المغربي




 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
صدقا : ليس هناك مثل العلامة المنوني في سعة المعرفة بالتراث وفن الخط والتأريخ ، ولم يخلفه في المغرب غير محمد الأمين بوخبزة ، وليس بعد بو خبزة أحد : فهو آخر النساخين والخطاطين الأدباء والمتبحرين في معرفة التراث.
 
أعلى