العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل تناقض ابن حزم رحمه الله أثناء تطبيقه لقاعدة ترجيح العام المخصوص على غير

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
مذهب الجمهور : ترجيح ما لم يخصص من العام على ما دخله التخصيص , وذهبت طائفة إلى العكس ,
أما ابن حزم فاعتبرهما سواء . لأنه لا دليل على تقديم العام على العام المخصوص فهو تحكم بلا دليل , ولأن استعمال كل النصوص أولى .
وقال الدكتور علي باروم –في رسالة دكتوراه بعنوان مسالك الترجيح التي ردها ابن حزم- إن ابن حزم خالف أصله في مسائل فقهية والتحق بالحمهور ...
من هذه المسائل :
مسألة تطهير البدن والثوب من الدم :
فمذهب ابن حزم رحمه الله أن تطهير الدم بالماء واجب ما خلا دم البراغيث ودم الجسد للحرج الذي يلحق الإنسان..
ومن دليله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟قال : لا , إنما ذلك عرق وليست بالحيضة , فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة , فإذا ادبرت فاغسلي عنك الدم وصلي". والحديث في البخاري والترمذي وغيرهما.
قال ابن حزم : وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِنَوْعِ الدَّمِ, وَلاَ نُبَالِي بِالسُّؤَالِ إذَا كَانَ جَوَابُهُ عليه السلام قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِضَمِيرٍ إلَى السُّؤَالِ."
ثم قال ابن حزم رحمه في معرض الرد على بعض أهل العلم –رحم الله الجميع- (المحلى1/102 ط:دار الفكر): وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَغَيْرِ الْمَسْفُوحِ, وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ دَمٍ وَكُلَّ مَيْتَةٍ, فَكَانَ هَذَا شَرْعًا زَائِدًا عَلَى الآيَةِ الآُخْرَى, وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ مَا لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا لاَ نَفْسَ لَهَا.".
فقال الدكتور –وفقه الله- : "قلت : هذا تقرير من ابن حزم لأصل القاعدة الترجيحية التي يعملها الجمهور من حيث تقديم العام على ما دخله التخصيص , وإن خالفوه في الحكم الممثل به لابن حزم".

قلت –والله أعلم- : أصل الفكرة الحزمية في هذا المبحث , قاعدة عامة وهي (استعمال كل النصوص واجب وإهمال أحدها بلا برهان تحكم).
وقد رد ابن حزم في الإحكام –في ذات القضية- على من مثل بآية النهي عن الجمع بين الأختين مع الآية التي فيها إباحة ذلك بملك اليمين .
حيث قال هؤلاء –وهم طائفة المغلبين للعام الذي لم يخصص- نغلب آية إباحة ملك اليمين لأنها عموم لم يدخله تخصيص ,
فرد عليهم ابن حزم بأن القاعدة تقول (استعمال كل النصوص واجب) وآية إباحة ملك اليمين أكثر معاني , فنستثني منها ما ورد في آية النهي عن الجمع بين الأختين ..فنكون بذلك قد استعملنا الأقل معاني على عمومه , واستعملنا الأكثر معاني حاشا ما استثني منه .
أي نكون : قد عملنا بآية النهي عن الجمع بين الأختين , وفي الوقت ذاته نكون قد عملنا بآية إباحة ملك اليمين.
أما في مسألة تطهير الدم : فلا نعمل هذه القاعدة لأنها مفضية إلى إبطال دلالة أحد النصين وهو الأكثر معاني , وهو قوله تعالى :( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ).
أما إذا اعتبرنا هذه الآية شرعا زائدا –وهو كذلك- فإننا نكون قد استعملنا النصين معا , وعملنا باليقين الذي امرنا الله تعالى به :
فإن آية النهي عن الدم المسفوح حكمها متضمن في آية النهي عن عموم الدم .
فهذه هي نظرة ابن حزم للموضوع ككل : فالحاصل أن القضية ليست (روبوت) بمعنى أنها قاعدة يصير العمل بها آليا , كما انقلب إليه الحال لما صارت العلوم صناعة, وهو صنيع مخالف لما كان عليه السلف , والكلام عن هذه القضية ذو شجون ...


فالخلاصة :
1-العمل بالنصوص كلها واجب بل آكد الواجبات.
2-العمل بالزائد فالزائد من الشرائع= وسيلة للعمل بكل النصوص
3- استثناء الأقل معاني معاني من الأكثر معاني = وسيلة للعمل بكل النصوص.
والقاعدتين الأخيرتين يُحتاج للعمل بهما إلى حكمة بالغة...
إذ يقتضي تقديم إحداهما على الأخرى النظر في ايهما سبيل إلى العمل بكل النصوص الواردة في المسألة المبحوثة...
فلو كان العمل بقاعدة (استثناء الأقل معاني) يفضي إلى إبطال بقية ما دلت عليه الآية فلا ينبغي المصير إليها , بل يجب العمل –والحالة هذه- بقاعدة (الزائد فالزائد) .
وعليه فلا يكون الإمام متناقضا -على الأقل في هذه القضية- لأنه في الإحكام إنما رد بما يناسب المقام على من قال بتغليب العام الذي لم يدخله تخصيص على ما دخله , والدليل أنه استدل عليهم بقاعدته لما قال : (فوجب استثناء كل ذلك بالتحريم لأنه أقل معاني مما أبيح بالنكاح فنكون على يقين من استعمالنا جميع النصوص الواردة وأننا لم نخالف منها شيئا ولا تناقضنا في تخصيص ما خصصنا واستثنائنا ما استثنينا)


***************

ملحق :

ضابط الباب : أعني باب التعارض عند الإمام في مجمله كالتالي :
الضرب الأول :
وفيه ثلاثة اقسام:
1-أن يكون أحد النصين اقل معاني .
2-أن يكون أحدهما حاظرا والآخر مبيحا.
3-أن يكون أحدهما موجبا والثاني نافيا.
= والعمل في هذه الأوجه الثلاثة : أن نستثني الأقل معاني من الأكثر معاني. وهذا كآية إباحة ملك اليمين مع آية النهي عن الجمع بين الأختين.

الضرب الثاني :
1- أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النص الآخر.
2-أن يكون أحد النصين حاظرا بعض ما حظره النص الآخر .
فلا تعارض هنا , إذ إن حكم النص الثاني متضمن لما في النص الأول . وهذا كالحال في تحريم الدم المسفوح في آية , وتحريم الدم مطلقا في أخرى.

ولا زال في باب التعارض ضوابط أخرى , لا متعلق لها بهذه القضية.

والله أعلم.
 
أعلى