العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة ( وتنبيه هام جداً )

أبو عبيدة الغامدي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
6 فبراير 2009
المشاركات
46
التخصص
إسلامية
المدينة
بيشة
المذهب الفقهي
حنبلي
تنبيه هام جداً :
أحبتي في الله : اسأل الله العلي العظيم لي ولكم الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه ، هذا الموضوع من كتاب : ( تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم) للشيخ الفاضل : علي محمد محمد الصلابي وفقه الله . كتاب رائع جداً ، قرأت هذا المقال وقمت بإضافة ما أراه مناسباً للموضوع باللون الأزرق الذي بين المعكوفتين [ .... ] وإلا من أنا حتى أضيف على كلام الشيخ ، إلا أنه يحدوني في ذلك أن رسول الله r أخبر أن بالسهم الواحد يدخل الجنة ثلاثة نفر : ( صانعه وحامله وراميه ) وإن كنت مصيباً فذلك فضل من الله عليَّ فله الحمد والشكر ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله تعالى ورسوله r بريئان ، وأتقبلُ التوجيه بكل صدر رحب ، فأنا منكم وأنتم مني {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}الحجرات(10) .

مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة

إن رسل الله الكرام عليهم أفضل الصلوات والسلام عندما بلغوا رسالات الله إلى أقوامهم، اختاروا من الناس من استجاب لدعوتهم وغرسوا في نفوسهم المعاني الإيمانية والأخلاق الربانية حتى يستطيعوا أن يحملوا معهم دعوة الله إلى الناس، فهذا رسول الله موسى قام بهذه المهمة الشاقة,[ ضد فرعون ومن معه من الجند ] وذاك رسول الله عيسى الذي اختار أنصاره الحواريين الذين حملوا دعوته ورسالته من بعده, [ فكانوا أنصاراً له في التوجه إلى الله ، والدعوة إليه وإقامة دينه ] ، وإن كان بعضهم انحرف عن المنهج الرباني الصحيح، ومن سيرة النبي r نرى أن هذه المرحلة واضحة المعالم في اختيار العناصر التي لها استعداد لتحمل تكاليف ومشاق ومصاعب الدعوة إلى الله ، [ أختار رسول الله r أصحابه وتعاهدهم حتى أصبحوا أمة قوية ، لتحمل الدعوة شرقاً وغرباً وتعاهدهم منذ الصغر ، وحرص على هذه المرحلة العمرية لما لها أهميها ، ونجد ذلك جلياً في سيرته r تعاهدهم حتى غدوا أهلاً لذلك في إصلاح البشرية ، فأصبحوا قوة مؤثرة في الدعوة إلى الله تعالى ، ومن بين هؤلاء أبو بكر الصديق عاش حياة الدعوة فسلك منهج رسول الله r في الدعوة على بصيرة فرضي الله عنهم وأرضاهم ] .
وقد اهتم كثير من الدعاة إلى الله بهذه المرحلة وأعطوها اهتماما خاصا على مر العصور، وكر الدهور، ولا زال المهتمون بأمر الدعوة والذين يسعون لتطبيق شرع الله تعالى يعطون هذه المرحلة أوقاتهم وجهدهم، ولقد أرشد القرآن الكريم الأمة إلى الاهتمام بالإعداد في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ...} [الأنفال: 60].
إن الإعداد في الآية الكريمة كلمة عامة تبدأ بالإعداد النفسي، [ كان المربي الأول r يهتم بهذا الإعداد الإعداد النفسي ، وهو جلي في مواقف عديدة مع أصحابه ، خذ موقف رسول r مع أبو بكر الصديق يوم كان في الغار لمدة ثلاثة أيام أخذ يطمئن نفسية أبو بكر إعداداً للمرحلة المقبلة في الهجرة إلى المدينة النبوية وما في الطريق من مخاطر ، فقال له مداوياً نفسيته كما قال الله :{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}التوبة40، فما أعظمه من إعداد يمارسه رسول الله r ليأخذ من بعده ، قال الله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21] ،وتنتهي بكل أنواع الإعداد المادية التي قد تحتاج إليها المعركة، والمسلم في هذه المرحلة بالذات عليه أن يعد نفسه للقاء أعداء الله، فيأخذ نفسه بكل أسباب القوة، ويحول بينه وبين أي سبب من أسباب الضعف، ويعيش منتظرا ذلك اليوم الذي يجاهد فيه في سبيل الله، ويقاتل أعداءه، ويسعى لإزالة الحواجز التي تمنع دخول الناس في الإسلام، وتمنع تحكيم شرع الرحمن([1]).
إن مرحلة اختيار العناصر اللازمة لتحمل الدعوة وتربيتهم على الكتاب والسنة من أهم المراحل في تمكين دين الله، كما أن أهدافها أكثر دقة من أهداف المرحلة التي قبلها.
أولا: أهم أهداف هذه المرحلة:
الهدف الأول: الاصطفاء:
وهو الاختيار والانتقاء للعناصر التي أنهت مرحلة التعريف بنجاح حتى يتأهلوا لحمل أعباء وتكاليف الجهاد في مرحة المغالبة، والشروع لهيمنة الإسلام من خلال دولة محكمة([2]). وهذا الاصطفاء له معايير أهمها:
1- القدرة الروحية:
ويكون لدى الشخص المختار استعداد في هذه المرحلة من الناحية الروحية إذا توافرت فيه بعض الصفات من أهمها: صفاء الروح، الشعور بمراقبة الله، أن يظهر حبه لله في سلوكه، وكذلك ارتباطه الوثيق بالله.
2- القدرة العقلية:
وأهم الصفات التي تؤهل الشخص من الناحية العقلية، الذكاء الذي يساعده على العلم والتحصيل، ونبذ المسلمات القائمة على الظنون والأوهام: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36], وأن يتصف في الحكم على الناس والأشياء بالتأني والتثبت في كل الأمور، لأن التسرع يوقع في الخطأ من جانب ويضيع كثيرا من الفرص للتعرف الحقيقي على الناس من جانب آخر, قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6], وأن يتصف بعمق النظر، وقدرته على التدبر واستنباط الحكم الكامنة في المخلوقات، لأن ذلك ينضج الفكر ويزيد الإيمان، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الحجر: 85].
3- القوة البدنية:
وذلك أن هذه المرحلة إعداد لمرحلة الجهاد، فليس بأهل لها إلا رجلاً قوي البدن, سليم الحواس، خاليًا من الأمراض والعاهات، ومن كان قادرا على أن يأخذ نفسه وبدنه بأسباب القوة، ويباعد بين نفسه وبدنه وبين أسباب الضعف فذلك شخص مطلوب.
4- القدرة الحركية:
وتتحقق القدرة الحركية في الشخص إذا توافرت فيه صفات نذكر منها: الرغبة في الاختلاط بالناس، وعقد الصلات بهم، والقدرة على جذب الناس إليه، والقدرة على التأثير في الناس، وتصنيفهم. وتكون هذه الصفات من مقومات الشخصية المختارة.
5- القدرة الإنتاجية:
يكون قد استقطب وضم للصف الإسلامي آخر أو آخرين، لصفوف العمل الإسلامي عموما، أو إلى صفوف مرحلة الدعوة والتبليغ, وأن يتصف بالإيجابية الفعالة القادرة على العمل وأن يكون متحمسا للعمل لا يفتر عنه، وأن يكون محسنا في العمل الذي يسند إليه, وأن يكون ذا علاقة جيدة بالناس، وأن يكون قد فقه تماما معنى كونه داعية إلى الله، ومن لم تتوافر له هذه الصفات، أو تلك الشروط، وفق تلك المعايير التي ذكرنا يكون له موقع آخر في العمل الإسلامي أكثر انسجامًا وملائمة لطاقته وقدراته، وأفيد للعمل، لأن من الأمور التي تهلك الأعمال توسيدها إلى غير أهلها. [ لك أن تعيش حياة أبو بكر الدعوية وممارسته لهذا العمل الدعوي بكل حماس وما ذاك إلا ليضم رجالاً في الصف المسلم ليحملوا الدعوة ، وكان رضي الله عنه لا يألو جهداً بنفسه وماله في الحرص على إسلام كثير من الخلق ، فمن الذين أسلموا على يديه خمسة من المبشرين بالجنة ، وهم : عثمان بن عفان ، الزبير ابن العوام ، عبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيدالله ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، لقد فهم أبو بكر الصديق كونه داعية إلى الله ، وعاش لهذا الدين وتبليغه بين الناس] .
الهدف الثاني: التوظيف:
أي تحديد العمل للفرد، وتقديره في حدود إمكانات الفرد وطاقته, ويحدد له الزمن المناسب لأداء العمل, وإسناد العمل المناسب للفرد المناسب يستوجب على من يشرف على العمل أن يكون على علم ووعي وإدراك لما يلي:
-تحديد الهدف من كل عمل من الأعمال.
-تحديد الوسائل التي تكفل للعمل النجاح .
- تحديد الفرد والأفراد الملائمين للعمل .
- تحديد الإطار الزمني للعمل.
الهدف الثالث: الإعداد والتربية:
ونعني بهذا الهدف تهيئة الأفراد وتجهيزهم وتنمية قواهم الجسدية والخلقية والعقلية، ليكونوا أقوياء قادرين على حمل أعباء الجهاد في سبيل الله، ولذلك تعتبر مرحلة الإعداد والتربية من أهم مراحل الدعوة إلى الله، لأنها تكون أفرادا متكاملي البناء، وحسبهم أنهم قادرون على حمل أعباء الجهاد الذي كما هو معروف سنام الإسلام، وأعلى منزلة بين منازله.
الهدف الرابع: الانضباط:
وذلك بالوصول بالأفراد إلى الانضباط وحفظهم بالحزم حفظا جيدا، وإحكام إعدادهم وتكوينهم والقيام على أمرهم خير قيام.
إن حياة المسلم العادي منضبطة في كل شيء، وفق القوانين التي جاء بها الإسلام, فمن باب أولى الذين يعدون لحمل تكاليف الجهاد, فالمسلم منضبط وفق الشرع في العقيدة والفكر، وفي العبادة، وفي الخلق والسلوك وفي المعاملات كلها، وفي الكلام والصمت وفي الزي والمأكل والمشرب والمنكح، وفي النوم واليقظة، وفي الحقوق والواجبات، وفي محاسبة النفس, وفي الدعوة إلى الله والعمل من أجل الإسلام، وفي الالتزام بوعده وموعده، وفي الانتماء والاعتزاز بأنه مسلم ، وليس المسلمون في ذلك سواء فمنهم من ينضبط وفق هذه المعايير، ومنهم من يقصر في بعضها، ومنهم من يلبس عليه الشيطان أو الهوى أمره فلا ينضبط, ولقد كان من حكمة الله سبحانه ورحمته بالناس، أن جعل لعدم الانضباط عقوبات مقدرة «حدودا» ليلتزم الناس بأدب الإسلام وخلقه، ومنهجه، ونظامه.
إن مرحلة الإعداد والتربية من أهدافها الأصيلة، أن يتربى المسلم على الانضباط في كل شيء وفق المعايير والقوانين التي شرعها الله سبحانه وتعالى ليحقق الآخذ بها سعادة الدنيا والآخرة ، ومن أهم الوسائل لتحقيق هذه الأهداف أن يتعهد الأفراد المستهدفون في هذه المرحلة من قبل مشرف مختص ليشرف على تربيتهم أسبوعيًا، وفق دراسة معينة، ويُتعهدوا أيضا كل شهر ونصف ببرنامج مكثف, وتستخدم الدورات والندوات والمخيمات والمعسكرات والرحلات لتحقيق هذه الأهداف السامية، أما البرنامج المعد لهذه المرحلة فيحتوي على تربية روحية وعقلية وجسمية واجتماعية وخلقية.
ثانيًا: التربية الروحية:قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85] وقال تعالى:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [ص: 72] وقال تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9]. ولتزكية الروح وتربيتها طرق عدة من أهمها:
1- التدبر في كون الله ومخلوقاته وفي كتاب الله تعالى حتى تشعر بعظمة الخالق وحكمته سبحانه وتعالى, قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
2- التأمل في علم الله الشامل وإحاطته الكاملة بكل ما في الكون، بل بما في عالم الغيب والشهادة، لأن ذلك يملأ الروح والقلب بعظمة الله ويطهر النفس من الشكوك والأمراض ، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ` وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الانعام: 59، 60].
3- عبادة الله من أعظم الوسائل لتربية الروح وأجلها قدرا، إذ العبادة هي غاية التذلل لله سبحانه, ولا يستحقها إلا الله وحده، ولذلك قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] ، والعبادات التي تسمو بالروح وتطهر النفس نوعان:
النوع الأول: العبادات المفروضة كالطهارة، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج وغيرها.
النوع الثاني: العبادات بمعناها الواسع، الذي يشمل كل عمل يعمله الإنسان أو يتركه، بل كل شعور يقبل عليه الإنسان تقربًا به إلى الله تعالى، بل يدخل فيها كل شعور يطرده الإنسان من نفسه تقربا به إلى الله تعالى، مادامت نية المتعبد بهذا العمل هي إرضاء الله سبحانه وتعالى، فكل الأمور، مع نية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى عبادة يثاب صاحبها، وتربى روحه تربية حسنة([3]).
إن أثر تربية الروح يتمثل في أمور عديدة نشير إلى أهمها فيما يلي: توثيق صلة الإنسان بربه سبحانه وتعالى، وتوضيح صلة الإنسان بالكون وما فيه، وترشيد هذه الصلة، وتحبيب الإنسان لأخيه المسلم، وحرصه على هدايته وحب الخير له, وتحبيب الإنسان لمخلوقات الله كلها، والتعامل معها، وفق منهج الإسلام ونظامه، وتحبيب الإنسان في الخير عموما والتقرب به إلى الله, واستعلاء الإنسان على شهواته، وسيطرته على نزعاته، وتوجيه ذلك كله، وفق منهج الله، ونظامه في الحياة الدنيا، واستعلاء الإنسان على القوة المادية، وعدم الوقوع في أسرها، بل إعطاؤها حجمها الصحيح، ومكانها المناسب، وتتكون في العبد ملكة يستمد بها القوة من الله وحده([4]).
ثالثًا: التربية العقلية:
ونعني بها تربية المخ وتنمية قدرته على النظر والتأمل والتفكر والتدبر، وذلك هو الذي يؤهله لحمل أعباء الدعوة إلى الله، وهذا المطلب القرآني أرشد إليه ربنا سبحانه وتعالى في محكم تنزيله، وجعله أمرًا لكل إنسان, قال تعالى:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]. وقوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137]. وقوله سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآَخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20]. وقوله سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص: 29]. وقوله جل شأنه: {فَلْيَنظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ` أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ` ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا ` فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ` وَعِنَبًا وَقَضْبًا ` وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً ` وَحَدَائِقَ غُلْبًا ` وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ` مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24- 32]. والعقل إحدى طاقات الإنسان المهمة, ولذلك اهتمت التربية الإسلامية بالنظر إليه وجعله المولى عز وجل مناط التكليف عند الإنسان، فمن حرم العقل لجنون أو غيره، فهو غير مكلف، أو قد سقط عنه التكليف، قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36] كما يعتبر العقل نعمة من الله على الإنسان، يتمكن بها من قبول العلم واستيعابه ولذلك وضع الإسلام لتربية العقل منهجًا يتمثل في عدد من النقاط من أهمها:
1- تجريد العقل من المسلمات المبنية على الظن والتخمين، أو التبعية والتقليد, فقد حذر القرآن الكريم من ذلك، في الآيات الكريمة التالية: قوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]. وقوله سبحانه: {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].
2- إلزام العقل بالتحري والتثبت, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
3- دعوة العقل إلى التدبر والتأمل في نواميس الكون, قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الحجر: 85].
4- دعوة العقل إلى التأمل في حكمة ما شرع الله لعباده من عبادات، ومعاملات, وأخلاق وآداب، وأسلوب حياة كامل، في السلم والحرب، في الإقامة والسفر، لأن ذلك فوق أن ينضج العقل وينميه بتعرفه على تلك الحكم، يعطيه أحسن الفرص ليطبق الشرع الرباني في حياته، ولا يبغي عنه حولا، لما فيه من السكينة والطمأنينة والسعادة البشرية، ولأن الله سبحانه وتعالى إنما شرع ما شرع لذلك, قال سبحانه: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ` وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا ` يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 26- 28]. وقال سبحانه: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119] ، إن علماء الأمة وفقهاءها على مر العصور والأزمان منذ بزوغ الإسلام إلى عصرنا الحاضر غاصوا في حكم التشريع وحكمته وتركوا للعالم كله رصيدا هائلا ضخما في أبواب الفقه الإسلامي، والمعاملات بين الناس كان من أسباب سعادة الدنيا والآخرة لمن التزم بالمنهج الرباني([5]).
5- دعوة العقل إلى النظر في سنة الله في الناس عبر التاريخ البشري، ليتعظ الناظر في تاريخ الآباء والأجداد والأسلاف, ويتأمل في سنن الله في الأمم والشعوب والدول. قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6].
وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ` ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 13، 14]. وقال سبحانه: {أَوَ لَمْ يَسيِرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم: 9]. وهذا هو المنهج الرباني للعقل لكي لا يضل في التيه، الذي ضل فيه كثير من الفلاسفة الذين قدسوا العقل وأعطوه أكثر مما يستحق ، وأما الآثار العملية من هذا التوجيه الرباني في العقل فتتمثل في أمور من أهمها:
1- تنقية العقل من الوهم والخرافة، والدجل والمسلمات المبنية على الظنون والأوهام وتربيته على التريث والتثبت، حتى لا يتسرع فيظلم ويندم وحينئذ لا ينفع الندم.
2- تعويد العقل على إدراك حقيقة هذا الكون الذي يعيش فيه وإلزامه بأن يتعرف على الحق عن قرب ويقين.
3- إقدار العقل على التأمل والنظر في حكمة الله سبحانه وتعالى، فيما شرعه للناس من منهج ونظام، يحقق لهم سعادة الدارين، وتمكين العقل من التأمل في تاريخ البشرية، وهذا التاريخ هو أكبر كتاب وأوسعه أبوابًا وفصولا ليخرج بفائدة جليلة يستطيع أن يقارن بدقة وحسم بين الكفر والإيمان، وأعمال المؤمنين وضلال الكافرين.
رابعًا: تربية الجسم:
إن الله تعالى أخبرنا أنه خلق آدم عليه السلام من سلالة من طين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل له السمع والبصر والفؤاد, قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ ` ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ` ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 7- 9]. وهذه الآيات إشارة إلى أن الإنسان يتكون من طاقات ثلاث منحها الله للإنسان: طاقة العقل، وطاقة الروح، وطاقة الجسم، ثم استخلفه الله في الأرض، وطلب منه أن يعمرها, قال سبحانه: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]. وقد بينت منهج الإسلام في تربية الروح والعقل، ولابد من بيان منهج القرآن الكريم في تربية الجسم البشري، بحيث يؤدي وظيفته دون إسراف أو تقتير، ودون محاباة لطاقة من طاقاته، على حساب طاقة أخرى، ولذلك أرشد القرآن إلى ما أحله الله من الطيبات، واجتناب ما حرم الله من الخبائث, وأنكر على أولئك الذين يحرمون أبدانهم من تلبية حاجاتها على الوجه المشروع، فقد قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ` وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}[المائدة: 87، 88]. ولا شك أن تحقيق هذه الحاجات، يمكن الإنسان من أداء وظائفه، التي وظفه الله لها في الأرض من عبادة الله واستخلاف في الأرض، وإعمارها، وتعارف وتعاون وتناصر وتمكن وأمر بمعروف ونهي عن المنكر وجهاد في سبيل الله، وبغير تحقيقها لا يكون شيء من ذلك([6]). ولذلك ضبطت الشريعة على نحو دقيق حاجات الجسم البشري على النحو التالي:
1- ضبط حاجته إلى الطعام والشراب بقول الله تعالى: {وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31].
2- وضبط حاجته إلى الملبس والمأوى، بأن أوجب من اللباس ما يستره العورة، ويحفظ الجسم، من عاديات الحر والبرد، وأوجب ما يكون زينة عند الذهاب إلى المسجد قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]
3- وضبط الحاجة إلى المأوى بقوله تعالى:{وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}[النحل:8].
4- وضبط حاجته إلى الزواج والأسرة، بإباحة النكاح، بل إيجابه في بعض الأحيان، وتحريم الزنا والمخادنة، واللواط، قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ`إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ`فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون: 5-7].
5- وضبط حاجته إلى التملك والسيادة، بأن أباح التملك للمال والعقار، ولكن حرم الاحتكار، واكتناز الأموال، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف:46].
6- وضبط الإسلام السيادة بتحريم الظلم والعدوان والبغي, قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21] وقال تعالى: +وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا} [الفرقان:37]مع أنه سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة وسطا قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة: 143].
7- وضبط حاجته إلى العمل والنجاح، بأن جعل من اللازم أن يكون العمل مشروعا، وغير ضار بأحد من الناس، ونادى على المسلمين أن يعملوا في هذه الحياة الدنيا ما يكفل لهم القيام بعبء الدعوة والدين، وما يدخرون عند الله سبحانه، قال تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[الأعراف: 129] وربط العمل بالإيمان في كثير من آيات القرآن الكريم، وشرط في العمل أن يكون صالحا، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً" [الكهف: 30]. بل طالب بالإحسان في العمل، فقال سبحانه:+إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ}[النحل:90].
8- وضبط النجاح بأن يكون الهدف من العمل الناجح وجه الله ورضاه, قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}[النساء: 125].
9- وضبط حاجة الجسم إلى الراحة والاسترواح، بأن حذر من الإسراف فيها، حتى لا تتحول إلى دعة وكسل, والأصل في الشريعة الإسلامية أنها خالية من كل إعنات، أو إرهاق للإنسان, قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. وقال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]. وحذر سبحانه من الدعة والبطر، والاغترار بالنعمة, قال سبحانه: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 58]. وقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 47]. هذه بعض التعاليم من منهج الإسلام في تربية الجسم، حتى يستطيع أن يتحمل أثقال الجهاد وهموم الدعوة وصعوبة الحياة. ولا شك أن كل هذه الأنواع من تربية الإسلام للجسم، يحتاج إليها كل الناس، ولكن المنضمين إلى مرحلة الإعداد والتربية يحتاجون إلى هذه الأمور احتياجا أساسيا.
خامسًا: تربية الحس الاجتماعي: لقد اهتم القرآن الكريم بنزعة التربية الاجتماعية في الإنسان ووضع لها دعائم:
الدعامة الأولى: تنمية حب الإنسان لأخيه الإنسان المؤمن:
وتلك القاعدة التي ترتكز عليها الحاسة الاجتماعية في البشر عموما، ويتضح هذا من سيرة النبي r عندما وصل إلى المدينة فآخى بين المهاجرين والأنصار في الله، وأصبحوا إخوة, وسجل ذلك في وثيقة مكتوبة، نقشت في قلب كل مؤمن، بل صاروا يتوارثون بمقتضى هذه الأخوة، وظل هذا التوارث ساريا حتى نزل قول الله تبارك وتعالى: {وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الأنفال: 75]. فألغى التوارث، وبقيت الأخوة في الله على ما كانت عليه، من قوة ووثاقة, ولا تزال بين الواعين من المؤمنين حتى اليوم، ولقد تأكدت الأخوة بين المؤمنين بقوله سبحانه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. ولقد كان من مقتضى فقه الأنصار للأخوة في الله، أن حملوا أعباء إخوانهم المهاجرين، ومدح الله سبحانه ذلك الفقه والعمل، وأثنى عليه بقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
الدعامة الثانية: استجابة الإسلام لحاجات المجتمع كاستجابته لحاجات الفرد:
وقد عمل على تحقق حاجات المجتمع في إطار ما أحل الله، وبحيث لا يضر بأحد من الناس. ومن حاجات المجتمع([7]):
1- التعاون والتكافل: لقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتعاون وأوجبه عليهم, قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
2- التناصر والتواصي بالحق والصبر:قال تعالى: {وَالْعَصْرِ ` إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ` إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1- 3] والتواصي بالحق يدفع عن الناس كل مصيبة ويقضي على المنكرات والآثام التي في المجتمع ويجعلها تنحسر، والتواصي بالصبر يجعل المجتمع تسري فيه العدالة ويرتفع الظلم وتسوده المودة وتزول العجلة.
3- الحث على التراحم بين أفراد المجتمع:قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. وأثنى سبحانه وتعالى على المؤمنين المتراحمين في قوله سبحانه: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ` أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}[البلد: 17، 18]. وهذه الآيات لم تحصر حاجات المجتمع، بل حثته بمفهومها العام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى جلب المصالح ودفع المفاسد، والجهاد في سبيل الله وتجهيز الغزاة وعلى تأمين العيش الكريم لكل أفراده([8]). [ على الداعية أن لا يعيش لنفسه بل لابد أن يعيش لأمته ، يهمه ما يهمهم ( ومن لم يهمه أمرنا فليس منا ) ، يشعر بإخوانه المسلمين ويتلطف بهم ، يجالس الفقراء ويحسن إليهم ، يعود المريض ، فقد عاد رسول r الغلام اليهودي ، وليجعل بين عينيه قول رسول r : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ] .
الدعامة الثالثة: تحديد الصفات التي يجب أن تسود المجتمع:
قال تعالى: {فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ` وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ` وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ` وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ` وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ` وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ` إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ` وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى: 36- 43] ، لقد ذكرت الآيات الكريمة الصفات الرفيعة والتي إن سادت في المجتمع يصبح سعيدا راشدا.
فقد أشارت إلى الإيمان بالله، والتوكل عليه سبحانه، واجتناب كل إثم وفاحشة والصفح والتسامح، والاستجابة لكل ما أمر الله به، وإقام الصلاة، وممارسة الشورى في كل ما يعنيهم من أمر، والإنفاق في سبيل الله ووجوه الخير، والانتصاف من كل عدو للإسلام والمسلمين، وهو مقتضى العدل، والعفو والتسامح مع القدرة على الانتصاف، وهو مقتضى الإحسان, والانتصار بعد الظلم، والصبر على المظالم والتجاوز عن الظالم لعل الله يهديه بشرط ألا يكون ذلك مؤديا إلى الفساد والشر والدعوة للمعرفة, وهكذا يكون المجتمع الإسلامي([9]).
الدعامة الرابعة: تأكيد خيرية هذا المجتمع:
الذي انصهر في تعاليم الإسلام ووضعه في مقدمة المجتمعات لقيادته كلها إلى الإيمان والمنهج الرباني والحق والخير والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}[آل عمران: 110]. وهذه خيرية تقوم على الإيمان، والعمل الصالح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بعيدة كل البعد عن الخيرية العرقية، والجنسية، والقومية, كما زعمت أمة اليهود، وانخدعت أمة الألمان بالعرقية منذ خمسة عقود فكفلتها وكلفت العالم كله حربا دامية مات فيها ملايين من البشر. [ نعم لقد كانت هذه الآية وصف لهذه الأمة المختارة من بين الأمم فمن صفاتها الممتدحة بها : أنها آمرة بالمعروف ، ناهية عن المنكر ، مؤمنة بالله ، لقد قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية فقال : ( والذي نفسي بيده لا يتم أول الآية حتى يتم آخرها ) نعم إنها حلقة متصلة من الصفات الخيرية متصلة ببعضها لا يمكن أخذ شيء منها وترك الآخر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من باب الدعوة إلى الله تعالى ، ولعظم شأنه قدمه الله في هذه الآية على الإيمان به عزوجل ، وعدم التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر مترتب عليه لعنة من الله تعالى ، فقد لعن كفار بني إسرائيل لعدم التناهي عن المنكر ، فقال سبحانه : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}المائدة78 – 79 ، وهذا تحذير من الله لهذه الأمة ، وحثها على عدم ترك هذا الأمر العظيم ، ولعظم الأمر بالمعروف والتناهي عن المنكر ، ولعموم منفعته ، وتأثيره في المجتمع كان من أخص أخلاق المؤمنين ، قال الله تعالى واصفاً لهم : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71 ، ولك أن تتأمل بماذا بدأ الله تعالى به في هذه الآية المباركة ! ] .
هذه الدعائم التي يجب أن تسود في المجتمع, وينبغي أن يقوم برنامج هذه المرحلة عليها, وأن يوزع على كل المشرفين في مرحلة الإعداد في القرى والأرياف والحواضر والبوادي والمدن والبلديات, ولاشك أن مرحلة الإعداد والتربية من أهم المراحل التي يبني عليها الأهداف في الوصول إلى التمكين وسيادة شرع الله على العالمين وإقامة دولة الإيمان والتوحيد.
سادسًا: عدة القائمين على مرحلة الإعداد والتربية:
مما لا ريب فيه أن الذين يشرفون على مرحلة الإعداد والتربية لهم مواصفات خاصة من التميز الإيماني والتفوق الروحاني، والرصيد العلمي والزاد الثقافي ورجاحة العقل وقوة الحجة، ورحابة الصدر، وسماحة النفس، والخبرات والتجارب الكثيرة، والسياسة الحكيمة, وسوف نركز على أمرين خوفا من الإطالة:
أ- الخبرات والتجارب: إن التجربة لها الأثر العظيم في اكتساب المهارات والخبرات وهي من أعظم اكتساب الحكمة، والتجربة لا تخرج الحكمة عن كونها فضلاً يؤتيه الله من يشاء، فإنه المعطي الوهاب {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [النحل: 53] ولكنه سبحانه جعل لكل شيء سببا يوصل إليه، والتجربة في العلم اختبار منظم لظاهرة أو ظواهر يراد ملاحظتها ملاحظة دقيقة منهجية للكشف عن نتيجة ما، أو تحقيق غرض معين، وما يعمل أولا لتلافي النقص في شيء وإصلاحه([10]), ويقال: جربه تجربة: اختبره، ورجل مجرب، أي: عرف الأمور([11])، تقول: جربت الشيء تجريبا: اختبرته مرة بعد أخرى، والاسم التجربة والجمع تجارب([12]). وعن معاوية([13]) t قال: «لا حكيم إلا ذو تجربة»([14]), ومن المعلوم أن الحكيم لابد له من تجارب قد أحكمته، ولهذا قيل: «لا حليم إلا ذو كثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة»([15]). وبهذا نقول إن الداعية إلى الله إذا خالط الناس، وعرف عاداتهم وتقاليدهم، وأخلاقهم الاجتماعية، ومواطن الضعف، والقوة سيركز على ما ينفع الناس، ويضع الأشياء في مواضعها، لأنه قد جربهم، فالتجارب تنمي المواهب والقدرات، وتزيد البصير صبرًا، والحليم حلما، وتجعل العاقل حكيما، وقد تشجع الجبان، وتسخي البخيل، وقد تلين قلب القاسي، وتقوي قلب الضعيف، ومن زادته التجارب عمى إلى عماه فهو من الحمقى الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون([16]). وأعظم الناس تجربة وأكملهم حكمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنهم صفوة البشر اصطفاهم الله ربهم، ثم أرسلهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومع هذا ما بعث الله من نبي إلا رعى الغنم، كما قال r: «نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة»([17]) والحكمة من ذلك - والله أعلم – أن الله - عز وجل - يلهم الأنبياء قبل النبوة رعي الغنم، ليحصل لهم التمرين والتجربة برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتهم ما يحصل لهم الحلم، والشفقة كما قال : «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة, وألين قلوبًا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم»([18]), ولأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها، من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طبائعها، وشدة تفرقها مع ضعفها، واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طبائعها وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم المشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة، لما يحصل لهم من التدريب على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر، لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادا من غيرها([19]). [ لقد ذكر الشيخ : علي محمد الصلابي في كتابه الرائع ( السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث ) كلاماً رائعاً عن رعي رسول الله r للغنم ، فقال :
كان أبو طالب مُقلاًّ فيالرزق فعمل النبي r برعي الغنم مساعدة منه لعمه، فلقد أخبر صلىالله عليه وسلم عن نفسه الكريمة وعن إخوانه من الأنبياء أنهم رعوا الغنم، أما هوفقد رعاها لأهل مكة وهو غلام وأخذ حقه عن رعيه، ففي الحديث الصحيح قال رسول الله r : ( ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم ) فقال: أصحابه: وأنت؟ قال : ( نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ) ، إن رعي الغنم كان يتيح للنبي r الهدوء الذي تتطلبه نفسه الكريمة، ويتيح له المتعة بجمال الصحراء، ويتيحله التطلع إلى مظاهر جلال الله في عظمة الخلق، ويتيح له مناجاة الوجود في هدأةالليل وظلال القمر ونسمات الأشجار، يتيح له لونًا من التربية النفسية من الصبروالحلم والأناة، والرأفة والرحمة، والعناية بالضعيف حتى يقوى، وزم قوى القوي حتىيستمسك للضعيف ويسير بسيره، وارتياد مشارع الخصب والري وتجنب الهلكة ومواقع الخوف من كل ما لا تتيحه حياة أخرى بعيدة عن جو الصحراء وهدوئها وسياسة هذا الحيوانالأليف الضعيف ، وتذكرنا رعايته للغنم بأحاديثه صلى الله عليه وسلم التي توجهالمسلمين للإحسان للحيوانات ، فكان رعي الغنم للنبي r دربةومرانًا له على سياسة الأمم.
ورعي الغنميتيح لصاحبه عدة خصال تربوية منها:
1- الصبر: على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها، نظرا لبطء الغنم في الأكل،فيحتاج راعيها إلى الصبر والتحمل، وكذا تربية البشر، إن الراعي لا يعيش فيقصر منيف ولا في ترف وسرف، وإنما يعيش في جو حار شديد الحرارة، وبخاصة في الجزيرةالعربية، ويحتاج إلى الماء الغزير ليذهب ظمأه، وهو لا يجد إلا الخشونة في الطعام وشظف العيش، فينبغي أن يحمل نفسه على تحمل هذه الظروف القاسية، ويألفها ويصبر عليها .
2- التواضع: إذ طبيعة عمل الراعيخدمة الغنم، والإشراف على ولادتها، والقيام بحراستها والنوم بالقرب منها، وربماأصابه ما أصابه من رذاذ بولها أو شيء من روثها فلم يتضجر من هذا، ومع المداومةوالاستمرار يبعد عن نفسه الكبر والكبرياء، ويرتكز في نفسه خلق التواضع ، وقد وردفي صحيح مسلم أن رسول الله r قال: ( لا يدخل الجنة من كان في قلبهمثقال ذرة من كبر ) فقال رجل: الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا؟ فقال: ( إن الله جميليحب الجمال، الكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس ) .
3- الشجاعة: فطبيعة عمل الراعي الاصطدام بالوحوش المفترسة، فلا بد أن يكون علىجانب كبير من الشجاعة تؤهله للقضاء على الوحوش ومنعها من افتراس أغنامه.
4- الرحمة والعطف: إن الراعي يقوم بمقتضى عملهفي مساعدة الغنم إن هي مرضت أو كُسرت أو أصيبت، وتدعو حالة مرضها وألمها إلى العطفعليها وعلاجها والتخفيف من آلامه، فمن يرحم الحيوان يكون أشد رحمة بالإنسان، وبخاصةإذا كان رسولاً أرسله الله تبارك وتعالى لتعليم الإنسان، وإرشاده وإنقاذه من الناروإسعاده في الدارين.
5-حب الكسب من عرقالجبين: إن الله قادر على أن يغني محمدا r عن رعي الغنم،ولكن هذه تربية له ولأمته للأكل من كسب اليد وعرق الجبين، ورعي الغنم نوع من أنواعالكسب باليد، روى البخاري عن المقدامرضي اللهعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أكل أحد طعاما قط خيرًا منأن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده ) .
ولا شك أن الاعتماد على الكسب الحلال يكسب الإنسان الحرية التامة والقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها ، وكم من الناس يطأطئون رؤوسهم للطغاة، ويسكتون علىباطلهم، ويجارونهم في أهوائهم خوفًا على وظائفهم عندهم ، إن إقبال النبي r على رعي الأغنام لقصد كسب القوت والرزق يشير إلى دلائل هامة فيشخصيته المباركة منها: الذوق الرفيع والإحساس الدقيق اللذان جمّل الله تعالى بهمانبيه r ، لقد كان عمه يحوطه بالعناية التامة، وكان له في الحنووالشفقة كالأب الشفوق، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما إن آنس في نفسه القدرة علىالكسب حتى أقبل يكتسب ويتعب نفسه لمساعدة عمه في مؤونة الإنفاق، وهذا يدل على شهامةفي الطبع وبر في المعاملة، وبذل للوسع.
والدلالة الثانية: تتعلق ببيان نوعالحياة التي يرتضيها الله تعالى لعباده الصالحين في دار الدنيا، لقد كان سهلاً علىالله أن يهيئ للنبي r وهو في صدر حياته من أسباب الرفاهيةووسائل العيش ما يغنيه عن الكدح ورعاية الأغنام سعيًا وراء الرزق. ولكن الحكمةالربانية تقتضي منا أن نعلم أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بكد يمينه ولقاء ما يقدمهمن الخدمة لمجتمعه وبني جنسه ] .
ثم بعد رعيهم الغنم جربوا الناس، وعرفوا طبائعهم، فازدادوا تجارب إلى تجاربهم، ولهذا قال موسى r لمحمد r عندما فرضت عليه الصلاة خمسين صلاة في كل يوم ليلة الإسراء والمعراج: «إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, فما زال النبي r يراجع ربه ويضع عنه حتى أمر بخمس صلوات كل يوم»([20]). فموسى r قد جرب الناس، وعلم أن أمة محمد r أضعف من بني إسرائيل أجسادا، وأقل منهم قوة، والعادة أن ما يعجز عنه القوي فالضعيف من باب أولى([21]).
فالداعية بتجاربه بالسفر، ومعاشرته الجماهير، وتعرفه على عوائد الناس وعقائدهم، وأوضاعهم، ومشكلاتهم، واختلاف طبائعهم وقدراتهم، سيكون له الأثر الكبير في نجاح دعوته وابتعاده عن الوقوع في الخطأ، لأنه إذا وقع في خطأ في منهجه في الدعوة إلى الله، أو أموره الأخرى لا يقع فيه مرة أخرى، وإذا خدع مرة لم يخدع مرة أخرى، بل يستفيد من تجاربه وخبراته ولهذا قال r : «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»([22]). وقال: «كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون» ([23]). وسبيل الاستفادة من التجارب والخبرات هو خوضها, فمثلا من أراد إصلاح المتدينين وتوجيههم فعليه أن يعيش معهم في مساجدهم، ومجتمعاتهم، ومجالسهم، وإذا أراد إصلاح الفلاحين والعمال عاش معهم في قراهم ومصانعهم، وإذا أراد أن يصلح المعاملات التجارية بين الناس، فعليه أن يختلط بهم في أسواقهم ومتاجرهم، وأنديتهم، ومجالسهم، وإذا أراد أن يصلح الأوضاع السياسية فعليه أن يختلط بالسياسيين ويتعرف إلى تنظيماتهم ويستمع لخطبهم، ويقرأ لهم برامجهم, ثم يتعرف إلى البيئة التي يعيشون فيها، والثقافة التي حصلوا عليها والاتجاه الذي يندفعون نحوه، ليعرف كيف يخاطبهم بما لا تنفر منه نفوسهم، وكيف يسلك في إصلاحهم بما لا يدعوهم إلى محاربته عن كره نفس واندفاع عاطفي, فيحرم نفسه من الدعوة إلى الله ويحرم الناس من علم([24])، وهذا يؤهله إلى أن يحدث الناس بما يعرفون ولا يحدثهم حديثا لا تبلغه عقولهم، قال علي t: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله»([25]). وقال ابن مسعود t: «ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»([26]). وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة المسئولون عن إعداد الربانيين حتى يورثوهم خبراتهم وتجاربهم في الحياة ومعرفتهم بشئون الناس([27])
ب- أن يكون ذا سياسة حكيمة:
إن النبي r هو أسوتنا وقدوتنا، وإمام الدعاة إلى الله، فقد سلك مسلكًا عظيمًا في سياسته الحكيمة فكان له عظيم النفع والأثر في نجاح دعوته، وإنشاء دولته، وقوة سلطانه، ورفعة مقامه، ولم يعرف في تاريخ السياسات البشرية أن رجلا من الساسة المصلحين في أي أمة من الأمم كان له مثل هذا الأثر العظيم، ومَن من المصلحين المبرزين - سواء كان قائدا محنكا، أو مربيا حكيما - اجتمع لديه من رجاحة العقل، وأصالة الرأي، وقوة العزم، وصدق الفراسة ما اجتمع في رسول الله r ؟ ولقد برهن على وجود ذلك فيه، صحة رأيه، وصواب تدبيره، وحسن تأليفه، ومكارم أخلاقه r ([28]).
وأهم الطرق في السياسة الحكيمة في الدعوة إلى الله كثيرة منها ما يأتي:
1- تحري أوقات الفراغ، والنشاط، والحاجة عند المدعوين:
حتى لا يملوا عن الاستماع ويفوتهم من الإرشاد والتعليم النافع، والنصائح الغالية الشيء الكثير، وقد ثبت عن النبي r أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة كراهة السآمة عليهم، فعن عبد الله بن مسعود t قال: «كان النبي r يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا»([29]). ولهذا طبق الصحابة هذه السياسة، فقد كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: «أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي r يتخولنا بها مخافة السآمة علينا»([30]). وقد ثبت عنه r أنه قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»([31]). [ساعة وساعة : يقول الصحابي الجليل حنظلة الأسيدي: لقيني أبو بكر وقال: "كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله r يذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا – لاعبنا وخالطنا - الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا! فقال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. قال حنظلة: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله r قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا. فقال رسول الله r : ( والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة – وكررها ثلاثا ) رواه مسلم في صحيحه ، إن الترويح عن قلوب الناس بالترويح المباح ، وخاصة المدعوين ليس من تضييع الأوقات ، وإنما هو من الإيمان ، ( فإن القلوب إذا كلت عميت ) ، فعلى الداعية أن يلتمس في بعض كلامه وفعله ما يشرح به صدر المدعو ، فخذ هذا الموقف الضريف من رسول الله r وهو يداعب امرأة سألته أن يعطيها بعيراً تركبه ، فقال : ( أحملك على ولد الناقة ، فتعجبت : ما أصنع بولد الناقة ؟ فقال لها : ( وهل تلد الإبل إلا ولد النوق ) ].
2- أن يحرص على سلاح التأليف بالعفو عند المقدرة:
فيعمل على أن يضع الإحسان في مكان الإساءة، واللين في موضع المؤاخذة، والصبر على الأذى، فيقابل الأذى بالصبر الجميل، ويقابل الحمق بالرفق والحلم، ويقابل العجلة والطيش بالأناة والتثبت، وبذلك يملك قلوب إخوانه والمدعوين إلى الإسلام عموما ، وبمثل هذه المعاملة الحسنة جمع النبي r قلوب أصحابه حوله فتفانوا في محبته والدفاع عنه، وعن دعوته بمؤازرته ومناصرته، وقد مدح الله رسوله rوأمره بالعفو والصفح والاستغفار لمن تبعه من المؤمنين {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: 159].{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].
3- عدم مواجهة أحد بعينه عندما يريد أن يؤدبه أو يزجره مادام يجد في الموعظة العامة كفاية:
وهذا من السياسة البالغة في منتهى الحكمة، ولهذا كان النبي r يسلك هذا الأسلوب الحكيم، فعندما فقد r ناسا في بعض الصلوات، فقال: «والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فأحرق عليهم بيوتهم»([32]). وقال r: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة» فاشتد قوله في ذلك حتى قال: «لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم»([33]). وقال r: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»([34]). ولما بلغه أن قوما اشترطوا الولاء بعد بيع الأمة فخطب الناس فقال: «ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن شرط مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق»([35])،وهذا إرشاد نبوي حكيم في عدم مواجهة الناس بالعتاب سترًا عليهم ورفقًا بهم، وتلطفًا,ويستطيع أن يخاطب الناس عن طريق مخاطبة الجمهور إذا كان المدعو المقصود بينهم ومن جملتهم وهذا من أحكم الأساليب.
4- إعطاء الوسائل صورة ما تصل إليه:
كقوله r: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»([36]). فقد صور r الدلالة على فعل الخير في صورة الفعل نفسه ، [ وكقوله r : ( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عملبها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليهوزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئاً) خرجه مسلم في صحيحه .
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي r أنه قال : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر من أجور من تبعه لا ينقص منأجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك منآثامهم شيئاً) اخرجه مسلم في صحيحه ] .
وكقوله r: «من جهز غازيا فقد غزا»([37]). وقال r: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟، قال:يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه»([38]). وهذا أصل في سد الذرائع، ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم([39])، كما قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]. فقد أعطى النبي r من يسب أبا الغير وأمه صورة من يسب والديه، لأنه تسبب في سبهما.
5- أن تكون له مقدرة على ضرب الأمثال:
قال r: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه»([40]). وقد مثل النبي r المؤمنين في تبادل الرحمة والمودة والعطف بالجسد في روابطه العضوية، إذا مرض عضو مرضت باقي الأعضاء فقال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»([41]).[ يحتاج الداعية إلى وسيلة في دعوته تنفع المدعو وتأسر قلبه ، وتوضح الفكرة المراد توضيحها ، وتفتح المجال أمامه ليتعلم ، لقد كان رسول الله r المعلم الأول في هذا المجال الخصب ، ونجد هذا في أقواله وأحاديثه ، لعلمه r على ما في ضرب الأمثال من قدرة على تقريب المعنى للمدعو ، وتأمل هذه الأحاديث بقلبك قبل عينيك لتعرف كيف كان حرص رسول الله r على ضرب الأمثال في دعوته للناس :
1- ما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي r قال : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الاترجة طعمها طيب وريحها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرا القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ،ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر ) فانظر أخي المبارك إلى هذا التفصيل ما أروعه ، ثم تأمل أثر التمثيل في بيان حقيقة المؤمن والمنافق الذي يقرأ القرآن والذي لا يقرأ القرآن .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتاص فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين ) قال ابن حجر : فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت ..ثم قال : وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وفضل النبي r على سائر النبيين ، وأن الله ختم به المرسلين ، وأكمل به شرائع الدين ] .
وهذه من أهم الوسائل التي إذا وصل إليها الداعية أصبحت له سياسة حكيمة في معرفة الناس وتربيتهم وإعدادهم، وعلى الأخ الداعية المربي أن يلم بفقه الدعوة وأسسها وأصولها التي تقوم عليها حتى يسير في دعوته على بصيرة، ولا شك أن فهم هذه الأركان يدخل في قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. إن فهم أساليب الدعوة ووسائلها يعطي الداعية كفاءة وبصيرة وتزيده إتقانا وخبرة.
سابعا: صفات جيل التمكين:
في مرحلة الإعداد والتربية يهتم المشرفون عليها من الدعاة بصفات جيل التمكين ويعملون على غرسها في نفوس العناصر التي اختيرت لهذه المرحلة؛ لعلمهم اليقيني أن لجيل التمكين صفات خاصة، تميزه عن غيره من الأجيال وسمات يعرف بها, ذلك أنه الجيل الذي يعد ليكون مؤهلا لنصر الله وسببا لإعادة مجد الأمة التي اختارها الله لإعلاء كلمته ونصر دينه وعقيدته، وعندما تبرز صفات جيل التمكين في الصف الإسلامي يكون مؤهلا للتغلب على التحديات التي تواجهه سواء كانت محلية، أو كانت داخلية، أو كانت عالمية، ويمكننا تقسيم صفات جيل التمكين إلى: صفات إيمانية، صفات سلوكية أخلاقية، صفات حركية ودعوية، صفات نفسية.
أ- صفات إيمانية:
1- ربانية وإخلاص:
يعيش جيل التمكين الرباني في الدنيا بقلوب أهل الآخرة, ويعيشون فوق الأرض وقلوبهم تهفو إلى رضا المولى عز وجل ودخول جناته, ورفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وأبرز ما يميزهم عن غيرهم أنهم مخلصون لله رب العالمين، فإذا جاءتهم الدنيا جعلوها في أيديهم ولم يدخلوها في قلوبهم، لا يعبدون الأشخاص, ولا الأهواء, ولا الطاغوت أيا كان فقد تبين لهم الرشد من الغي, فكفروا بالطاغوت وآمنوا بالله وحده فاستمسكوا بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
2- الشعور بمعية الله عز وجل:
وهذا الشعور يدفع العبد المؤمن إلى الصدع بالحق ويطلق صاحبه الجبن والخوف والهلع, ويحدث في النفس انقلابا نفسيا في حياة الداعية, ولنتذكر حين قال أصحاب موسى: إنا لمدركون قال موسى عليه السلام : {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]. [ ومن ذلك عندما خرج r من الطائف مطروداً حزيناً وخاصة من أبناء عبد ياليل الذين سخروا منه ، شعر بحزن مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فأرد r أن يغرس في نفسه الأمن ويخبره أن الله تعالى معهم وجاعل لما هم فيه فرج ، ليشعره r بمعية الله وليزيل عنه سحابة الكآبة والحزن مما هم فيه ، فأخبره أن سيعود إلى مكة ، فتعجب زيد من ذلك ، كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك يعني قريش ؟ فقال له r بيقين معية الله لهم : ( يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً ، وأن الله ناصر دينه ومظهر نبيه ] .
3- غرباء في هذه الدنيا:
إن هذا الصنف هو الذي أشار إليه رسول الله r حين قال: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء ، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس»([42]). والمسلم إذا شرح الله صدره للإسلام وملأ قلبه بالإيمان يستسهل كل صعب ويستعذب كل كدر، إن هذا الغريب يرسل للناس من الأشعة الهادية ما ينير لهم الطريق، فهي ليست غربة عزلة وفرار، ولكنها غربة رفعة وسمو وحرص على إيصال دعوته للجميع، فهو لا يعيش في برج عاج بعيدًا عن الناس، بل يتفاعل معهم ويحمل همومهم ويعاونهم في حل مشاكلهم, فالناس جزء منه وهو جزء منهم فلا يتصور أن يتعالى عليهم.[ فإليك أخي هذه المواقف التي تبين أن رسول الله r مع الصغير والكبير لا يتعالى على أحد : عن زهرة بن معبد عن جّده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي r وذهبت به أمه إلى النبي r فقالت: يا رسول الله، بايعه!فقال: هو صغير! فمسح رأسه ودعا له، وكان إذا خرج إلى السوق يلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان:أشركنا؛ فإن النبي r قد دعا لك بالبركة، فيشركهم ! رواه البخاري .
وهذا ابن عباس - رضي الله عنه - قال:دخل رسول الله r المخرج وخرج فإذا تور مغطى، قال: من صنع هذا؟ فقلت: أنا! فقال: اللهم علّمه تأويل القرآن. فانظر إلى نباهته على صغر سنه في خدمته للكبار حيث إن النبي r قبض وهو ابن عشر سنين.
قال الشاعر الحكيم داعياً إلى الإحسان :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ولطالما استعبد الإحسان إنسانا
فإن قصد الإنسان بالإحسان إلى الغير، نزل في قلب ذلك الغير منزلة حسنة، ووهبه الله تعالى لين قلبه وخشوعه.
أيها الداعية : تصدق بمشاعرك، تبرع بأحاسيسك، و جعل قلبك يعمل قبل جوارحك فإن ذلك يزيل سواد قلب المدعو وينظف ما بداخله من سوء الفعل والقول ] .
4- طلاب آخرة:
لعلمهم بأن متاع الدنيا قليل وبأنه ينتهي ويزول {وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 77] ولذلك تنشئ سعة في نفوسهم، ورقة في مشاعرهم، وتحررا من المادة وظلامها. [ قال ابن القيم رحمه الله : ( طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيره وطلبه إلا بحبسين : حبسه قلبه في طلبه ومطلوبه ، وحبسه عن الالتفات إلى غيره ، وحبس لسانه عما لا يفيد ، وحبسه على ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته ، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات ، وحبسها على الواجبات والمندوبات ، فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه ، فيخلصه من السجن إلى أوسع فضاء وأطيبه ، ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفرَّ منهما إلى فضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفضيع عند خروجه من الدنيا ، فكل خارج من الدنيا إما متخلص من الحبس وإما ذاهب إلى الحبس ) ، أيها الداعية يا طالب الآخرة تذكر أن هذا الطريق يحتاج لقلب مليء بالإيمان فاحرص على زيادته وإذا حدثتك نفسك بالفتور فاعلم أن القافلة تسير والركب يسبقك واعلم أنك لن تنال المفاخر إذا كنت في الصف الآخر ، واعلم أن هذا الطريق يحتاج لقلب صادق مخلص أواب تواب يبذل بلا مقابل يضحي ويعمل ويدعو ويجاهد لا يلين ولا يضعف شجاع يترك الباطل ويتمسك بالحق الذي معه ].
5- أوابون توابون:
يجب أن يتربى المسلمون على الحذر من معصية الله أكثر مما نحذر من أعداء الله، ويجب أن نخاف المعاصي، والمسالك التي تقرب منها سدا للذريعة وبعدا عن الفتنة واتقاء للشبهة، ونستغفر الله ونذكره كثيرا إذا وقعنا في معصية, فهذه ميزة الصالحين {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
ورحم الله عمر الفاروق t عندما وصى سعد بن أبي وقاص وهو في مسيره إلى حرب الفرس، فقال: «... أما بعد, فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة([43]) في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، وعدتنا ليست كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا ولن يسلط علينا وإن أسأنا ، فرب قوم سلط عليم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بالمعاصي كفار المجوس{فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً}[الإسراء: 5]. وسلوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم...» ([44]). [ أيها الداعية المبارك : احذر المعاصي فإنها تورث الذل ولا بد ؛ فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى ، قال تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}فاطر10 ، أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعته وكان من دعاء بعض السلف : ( اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك ) ، قال الحسن البصري : ( إنهم وان طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، إن ذل المعصية لا تفارق قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه ) ، وقال عبد الله بن المبارك :
رأيت الذنوب تميتالقلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
تجنب الذنوب والمعاصي فهي تمحق بركة العمل وتفشل ريحه ؛ وقد تنبه إلىهذاوكيع بن الجراح عندما شكا إليه الشافعي _ وكان تلميذه _ ضعف الحفظ وبطءالتعلم ؛ فأجابه بأن المعاصي مصدر من مصادر ضعف التحصيل وترديالحفظ وقد دونالشافعي ذلك الجواب بقوله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى تركالمعاصي
وأخبرني بأن الــعلم نـور ونور الله لا يؤتى لعاصي
وهذه مفاهيم إيمانية يجب أن تعيشها الأمة:
1- اليقين والثقة بمنهج الله وهو الحق وما عداه باطل.
2- الوعي بدورها ومهمتها وهي الشهادة على العالمين ولن تتحقق إلا بالعيش مع الكتاب والسنة.
3- اليقين بضخامة الأجر وعظم المنزلة المترتبة على القيام بالشهادة.
4- اليقين بنصر الله وأنه لابد آت. [ أيها الداعية ثق بأن نصر الله قادم اجعل حقيقة اليقين بنصر الله تجري في دمك لتستقر في سويداء قلبك ، فإن النصر يخرج من الضعف حين يحلك الظلام ، و يشتد الضيق ، و تجتمعالكروب ، و تتكالب الأمم ، لأن الأمل في الله كبير ، و الطريق إلى إقامة دين الله والسبيل إلى ذلك بالصبر و اليقين قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( بالصبر و اليقين تنال الإمامةفي الدين ) ثم تلا قوله تعالى : {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ}القصص41، و لا تهلك الأمة إلا حين يبخل أبناؤها عنتقديم الجهود المتاحة لنصرتها ثم يتجرعون كؤوس الأمل بلا عمل ، لذلك قال r :( صلاح أول هذه الأمة بالزهد و اليقين ، و يهلك آخرها بالبخل و الأمل ) ، صحيح الجامع برقم 3845 حسن .
إن الثقة التي يريدها الرب سبحانه و تعالى من عباده هي تلك التي تحققت في أم موسى عملياً ، حين قال عنها {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }القصص7 ، وكتب الله له النجاة ، و تلقى فرعون ذلك الطفل الرضيع ، فكان هلاك فرعون على يديه ،و هكذا تجري عجائب قدرته سبحانه وتعالى .
إن عقيدة الإيمان بالقدر مصدر من مصادرالثقة بأن العاقبة للمتقين ، وأن النصر لعباده المؤمنين قال الله : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51 ، وقال الرسول r : ( إن لكل شيء حقيقة ، و ما بلغ عبد حقيقة الإيمان ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، و ماأخطأه لم يكن ليصيبه ) ( صحيح الجامع 2150 صحيح ] .
5- اليقين بأن نصر الله لا يتنزل جزافا.
ب- صفات سلوكية وأخلاقية:ولابد لجيل التمكين من صفات أخلاقية سلوكية يجب أن يتحلى بها ومن أبرزها:
1- الصدق:
وهو سلوك وصف الله عز وجل به أنبياءه عليهم السلام:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا}[مريم: 54],واتصف به حبيبنا r حتى قبل بعثته، ووصف به ربنا سبحانه الرجال, فقال تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23].
2- الصبر:
خلق وصف الله تعالى به الدعاة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا...} [السجدة: 24] وهو خلق لازم للداعية ويكفي أن يعلم الداعية جزاء الصبر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]. ولنا في قدوتنا r أسوة حسنة في صبره على أهل مكة وما لاقاه عند عودته من الطائف وغيرها. [ فما أحراك أيها الداعية أن تعيش قليلاً بين نماذج من صبر رسول الله r ليكون لك ثباتاً في دربك ، وتسلية لك على المضي قدماً ، وعدم اليأس ، فهو r لم يجزع يوماً ولم يتخلى عن دعوته التي عاش من أجلها ، وأن صبر رسول الله r فيها لهو أعظم ما يسليك ويثبتك على الطريق ، فخذ هذه المواقف : لقد عرف رسول الله r طبيعة ما سيلقاه في هذا الطريق , منذ اللحظة الأولى لنزول هذا الدين ، وبعد أول لقاء بالملك ، حين ذهبت به خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، فقال له ورقة: يا ليتني كنت حياً إذ يخرجك قومك ، فقال له عليه الصلاة والسلام : أو مخرجي هم ، قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي . فوطن نفسه منذ البداية على تحمل الصد والإيذاء والكيد والعداوة .
ومن المواقف التي يتجلى فيها صبره r ما تعرض له من أذى جسدي من قومه وأهله وعشيرته وهو بمكة يبلغ رسالة ربه ، ومن ذلك ما جاء عند البخاري أن عروة بن الزبير سأل عبد الله ابن عمرو بن العاص عن أشد شيء صنعه المشركون بالنبي r ؟ فقال : بينا النبي r يصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ، ودفعه عن النبي rوقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله .
وفي يوم من الأيام كان r يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى سجد النبي r وضعه على ظهره بين كتفيه، فجعلوا يضحكون و يميل بعضهم على بعض ، ورسول الله r ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره الأذى ].
3- الحب والإيثار:
أي يرى الأخ أن إخوانه أولى به من نفسه، فهو يحب لهم الخير ويعمل على هدايتهم, ولابد أن يفصح لهم عن حبه لهم ويخبرهم به، وأن يترجمه لهم في تصرفاته، فإن هذا أدعى إلى التفاف الناس حوله واستجابتهم له. وأعلى مراتب الحب الإيثار وأدناها سلامة الصدر، وأن يكون لإخوانه كالبنيان يشد بعضه بعضا([45]), قال تعالى: {وَإِن يُّرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ` وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62، 63].[مصطلح ( الإيثار ) لن تجده إلا في مدرسة النبي r في وسط رجال آمنوا بالإسلام وعاشوا للإسلام ، و معناه : أن تفضل أخاك على نفسك ، شيء من "حظوظ الدنيا" تتركه لأخيك فيستمتع هو به وتفقده أنت رغبة " في حظوظ الآخرة " ، نموذج في إيثار النبي r :
جاء أعرابي للنبي r بعد أن فتحت مكة وخبير و كثرت الغنائم والنبي والصحابة في حالة شدة وفقر فقد كان r يربط حجرين على بطنه من شدة الجوع فبعد أن من الله عليهم بكل هذه الفتوحات، كان نصيب النبي من الغنائم، عدد أغنام ما بين جبلين، فنظر لهذه الغنائم فقال له النبي : "أتعجبك ؟" قال : نعم ، قال له النبي :" هي لك" ، فقال له : يا محمد ، أتَصدقني القول ؟ قال : "نعم خذها إن شئت " فقام الرجل وجرى إلى الغنم وهو يلتفت حوله، وأخذها كلها وعاد بها إلى قومه وقال لهم : أسلموا فقد جئتكم من عند خير الناس، إن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً.
يقول الإمام الغزالي في كتابه الإحياء ، الإيثار على ثلاثة منازل :
الأولى و هي الأدنى: أن تنزل أخوك من نفسك منزلة الخادم فتطعمه وتعطيه مما يبقى وهذا إيثار .
الثانية: أن تنزله منزلة نفسك فكما تأخذ تعطيه.
والثالثة و هي الأعظم: أن تنزله فوق نفسك ، فتفضل حاجته على حاجتك ، هذه هي منازل الإيثار الثلاثة أختر لنفسك منها.
أخي : عندما تعيش لنفسك فقط تعيش حياة قصيرة ، تولد صغار وتموت صغارا ، لكن عندما تعيش من أجل أمتك من أجل غيرك تعيش كبارا وحياتك تمتد بامتداد البشرية ، وهذا كلام حقيقي إذا عشت لغيرك وليس لنفسك فقط ، ستجد سعادتك في بسمة غيرك ، وفرصتك في فرصة غيرك وستجد السعادة الكاملة عندما تجد من يدعو الله لك ويقول يا رب ارضى عنه كما أرضاني ، لذة عجيبة , جربها ستجدها أعظم من اللذة التي كنت ستشعر بها إذا حصلت على الفائدة والمنفعة بمفردك .
ولقد قسّم بعض العلماء خلق الإيثار إلى مراتب ودرجات، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
الأولى :أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما يرضي الله ورسوله وهذه هي درجات المؤمنين من الخلق، والمحبين من خلصاء الله.
الثانية: إيثارُ رضاء الله على رضاء غيره وإن عظُمت فيه المحن، ولو أغضب الخلْق. وهي درجة الأنبياء، وأعلاها لِلرسل عليهم صلوات الله وسلامه.
والإيثار في أبسط معانيه هو أن تؤثر منافع غيرك على منافعك، أن تحب لأخيك كما تحب لنفسك بل وأكثر مما تحب لنفسك، أن تعطي لأخيك مثل أو أكثر مما تعطي لنفسك، وبالتعبير المكتوب في الكتب: أن تفضل منافع الغير على منافع نفسك رغبة في رضاء الله].
4- العطاء والبذل والجود:
وهي صفة بارزة في حياة المؤمن فهي قاعدة المجتمع المؤمن المتكافل المتضامن، عن أنس t أن رسول الله r «لم يكن يسأل شيئا إلا أعطاه، وقال: فأتاه رجل فسأله فأمر له بشياه كثيرة بين جبلين من شياه الصدقة، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر»([46]). ونعم العطاء هذا الذي يجعل البعض يحب الإسلام وأهله ويفتح الأبواب الموصدة والقلوب المغلقة، إن الإيثار على النفس مع الحاجة قمة عليا يجب لمن وصل إلى مرحلة الإعداد والتربية أن يكون له فيها نصيب كبير.
ومراتب الجود والإيثار كثيرة منها:
- الجود بالنفس وهو أعلى المراتب.
- الجود بالعلم وبذله.
- الجود بالنفع بالجاه كالمشي في قضاء مصالح المسلمين. [الحياة قاسية، وأهوالها كثيرة ومصائبها جمة، والإسلام دين الحياة الاجتماعيةالسليمة، يريد من أتباعه أن يكونوا كالطود الشامخ بل كالجسد إذا اشتكى منه عضوتداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
وفي ظل تلك الحياة يشعر المسلمبالطمأنينة والهناء، وترفرف عليه السعادة لشعوره بأنه لا يواجه الحياة بمفرده فيخطوبها الجليلة، فإن إخوته المؤمنين يمسحون آلامه ويقيلون عثراته، يعينونه برأيهموهم له ناصحون ويمدونه بمالهم وهم عليه مشفقون، ويسعون معه بجاههم وهم لخيره راغبونوفي كل ذلك يلتمسون الأجر والقرب منه تعالى.
روى الحاكم وقال صحيح الإسناد: ( لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته، وأشار بأصبعه أفضل منأن يعتكف في مسجدي هذا شهرين).وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي rقال: ( على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لميجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذاالحاجة الملهوف) رواه البخاري ومسلم.
فالمسلم يساعد أخاه المسلم, بقدر إمكانياته بيده، بماله، بجاهه ولا يضيق به مؤثراً السكينة وقد أخلد إلىالراحة.. بينما نجد غيره من إخوته تؤرقهم الهموم، وتقض مضاجعهم المحن.. وبإمكانه أنيمسحها بشيء من الإيثار ولو على حساب راحته.
قد تحل بأحد المسلمين مشكلةفماذا يكون موقف الآخرين منها؟ لن نتحدث عن ضعاف الإيمان وإنما نتحدث عن الصفوةالتي نأمل منها الكثير.. وكثير من هؤلاء يواجهون المشكلة بهز الكتفين ولسان حالأحدهميقول: مالي ولهذا الأمر، فأشغالي أجلمنها.
وفي أحسن حالاته يحوقل ويتأوه وكأنهيقول: ليس بالإمكان أحسن مما كان.
إن السلبية واللامبالاة لن تحل أمور المسلمين،وهذه التصرفات لابد أن نؤاخذ عليها.
فالنعمة التي خولها الله للعبد سيسألعنها فيم وضعها؟ فكيف إذا سئل العبد يوم القيامة إن فلاناً المسلم كان في ضائقةوكان بإمكانك مساعدته، وخذلانك له في هذه الحاجة قد ألجأه إلى الرشوة ليحصل علىحقه، إنك لو سعيت له في جاهك الذي حباك الله إياه لقضيت مصلحته ويسرت أمره وحلت دونلجوئه إلى الرشوة.
وكم من شاب قد ينحرف عن دينه لقضاء مصالحه عن طريق غيرالمسلمين إذا ساعدوه في المال لإنهاء دراسته! وكم من أسرة تضرع بالدعاء إلى من مدلها يد العون وقد يكون من أعداء الإسلام!.. وهذا ما يقوم به المنصرون فيكثير من ديار المسلمين الفقيرة، وأندونيسيا خير شاهد على ذلك.
كم من أسرةناشئة بنيت على غير مرضاة الله للتقصير في مساعدة الشباب على الإحصان الذي يدعو لهالشرع! كل ذلك في غيبة الوعي الفعلي والتقدير لقيمة العون، والله تعالىيقول: {مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌمِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا}النساء (85)
فلا تظن أخي المسلم أن العبادة مقصورة على نوع من القرباتيرسمها خيالك، إنها كل ما يحبه الله من قول أو عمل.
إن سيرك في حاجة أخيكالمسلم إن أحسنت النية واحتسبت الأجر من الله قد تكون من أفضلالعبادات.
يقول ابن القيم رحمه اللهفي معرضذكره للآراء في أفضل العبادات: ومنهم من رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها ما كان فيهنفع متعدٍ.فرأوه أفضل من ذي النفع القاصر.فرأوا خدمة الفقراء والاشتغالبمصالح الناس وقضاء حوائجهم ومساعدتهم بالمال والجاه والنفع أفضل فتصدوا له وعملواعليه واحتجوا بقول النبي r : ( الخلق كلهم عيالالله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) رواه أبو يعلى .
واحتجوا بأن عملالعابد قاصر على نفسه، وعمل النافع متعدٍ إلى الغير أين أحدهما منالآخر؟قالوا: ولهذا كان فضل العالم علىالعابد كفضل القمر على سائر الكواكب، واحتجوا أن صاحب العبادة إذا مات انقطععمله وصاحب النفع لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذي سعى إليه.
واحتجوا بأنالأنبياء إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق وهدايتهم ونفعهم في معاشهم ومعادهم، ولميبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس والرّهب، ولعل في هذا القول ما يشفيويكفي.
فإلى قضاء مصالح المسلمين ينبغي أن ينشط الدعاة المخلصون في كل مكان، ولا تشغلهم عنها كثرة التبعات، وما قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه معالمرأة التي كانت في حالة وضع، ومساعدة زوجها في طهي الطعام عنا ببعيدة.
إنالفطرة السوية لن تنسى اليد التي امتدت إليها ساعة المحنة.
أيها الأخ المسلم يا من تريد النجاح في الدارين: إن الأمر سهلميسور، إذا عودت نفسك على قضاء مصالح إخوانك ذوي الحاجات، ولن تنفع الخطب والمواعظإذا تقاعست عن أداء حق الأخوة والدين.
وتذكر كلما حببت إليك نفسك الراحة والسكون، أن الله في عون العبدما دام العبد في عون أخيه]
- الجود بالصبر والاحتمال.
- الجود بالراحة فيتعب في قضاء مصالح غيره. - الجود بترك ما في أيدي الناس لهم, فلا يلتفت إليه بقلبه ولا يتعرض له بحاله ولا بلسانه وغير ذلك من أنواع الجود.[عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي r فقال : يا رسول الله ، دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس ، فقال : ( ازهد في الدنيا يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس ) .
الإنسان اجتماعي بطبعه ، يحبّ أن يأنس بالناس ، وأن يأنس به الناس ، كما يعجبه أن يكون محبوبا في مجتمعه ، محترما في بيئته ، لذا فهو يسعى دائما لكسب ود الناس وحبهم ، والعاقل من البشر من يسعى لرضى ربّ الناس قبل سعيه في كسب رضى الناس .
ولا شك أن لنيل محبّة الله ثم محبّة الناس سبيل وطريق ، من حاد عنه ، خسر تلك المحبّة ، ومن سلكه فاز بها ، وأنس بلذتها ، ولذلك أورد الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث ، ليكون معلما ومرشدا ، وليبيّن لنا الكيفية التي ينال بها العبد محبة ربّه ومحبة خلقه .
إن محبّة الخالق للعبد منزلة عظيمة ، فهي مفتاح السعادة ، وباب الخير ، ولذلك فإنها لا تُنال بمجرّد الأماني ، ولكنها تحتاج من العبد إلى الجدّ والاجتهاد في الوصول إلى هذه الغاية ، وقد جاء في الكتاب والسنة بيان للعديد من الطرق التي تقرّب العبد من مولاه وخالقه ، وتجعله أهلا لنيل رضاه ومحبته ، وكان من جملتها ما أرشد إليه النبي r في هذا الحديث من التخلق بخلق الزهد .
والزهد هو قصر الأمل في الدنيا ، وعدم الحزن على ما فات منها ، وقد تنوعت عبارات السلف في التعبير عنه ، وأجمع تعريف للزهد هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : ( الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة ) ، وهذا يشمل ترك ما يضر ، وترك ما لا ينفع ولا يضر .
ولا يفهم مما سبق أن الأخذ من طيبات الحياة الدنيا على قدر الحاجة ينافي معنى الزهد ، فقد كان من الصحابة من كانت لديه الأموال الكثيرة ، والتجارات العديدة ، كأمثال أبي بكر الصديق و عثمان بن عفان و عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين ، لكن هذه التجارات وتلك الأموال كانت في أيديهم ، ولم تكن في قلوبهم ، ولهذا ترى الصحابة رضي الله عنهم في باب الصدقة ، ومساعدة المحتاج ، والإنفاق في سبيل الله ، تراهم كمطر الخير الذي يعطي ولا يمنع ، ويسقي حتى يُشبِع .
وعلى هذا فإن حقيقة الزهد : أن تجعل الدنيا في يدك لا في قلبك ، فإذا كان العبد مقبلا على ربّه ، مبتعدا عن الحرام ، مستعينا بشيء من المباحات ، فذلك هو الزهد الذي يدعو إليه الحديث ، وصدق بشر رحمه الله إذ يقول : ( ليس الزهد في الدنيا تركها ، إنما الزهد أن يُزهد في كل ما سوى الله تعالى ، هذا داود و سليمان عليهما السلام قد ملكا الدنيا ، وكانا عند الله من الزاهدين ) .
ولقد وعى سلفنا الصالح تلك المعاني ، وقدروها حقّ قدرها ، فترجموها إلى مواقف مشرفة نقل التاريخ لنا كثيرا منها ، وكان حالهم ما قاله الحسن البصري رحمه الله : ( أدركت أقواما وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا إذا أقبل ، ولا يأسفون على شيء منها إذا أدبر ، وكانت في أعينهم أهون من التراب ) .
لقد نظروا إليها بعين البصيرة ، ووضعوا نُصب أعينهم قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }فاطر(5) وقوله : {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً }الكهف(45) ، فهانت عليهم الدنيا بكلّ ما فيها ، واتخذوها مطيّة للآخرة ، وسبيلاً إلى الجنّة .ثم يعلمنا النبي r السبيل إلى محبة الناس فقال : ( وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس ) ،ومعنى ذلك : ألا يكون القلب متعلقا بما في أيدي الناس من نعيم الدنيا ، فإذا فعل العبد ذلك ، مالت إليه قلوب الناس ، وأحبته نفوسهم .
والسرّ في ذلك أن القلوب مجبولة على حب الدنيا ، وهذا الحب يبعثها على بغض من نازعها في أمرها ، فإذا تعفف العبد عما في أيدي الناس ، عظم في أعينهم ؛ لركونهم إلى جانبه ، وأمنهم من حقده وحسده .
فما أعظم هذه الوصية النبوية ، وما أشد حاجتنا إلى فهمها ، والعمل بمقتضاها ، حتى ننال بذلك المحبة بجميع صورها] .
5- العفة والاستغناء عن الناس:
إنه جيل مرتبط بالله عز وجل لا يعمل إلا لله, ولا يسأل إلا الله, فهو غني بالله ولذلك امتلأت نفوسهم عفة لا يتطلعون إلا إلى فضل الله ولا يرجون إلا رحمة الله: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]. ورضي الله عن ابن عوف عندما عرض عليه أخوه سعد بن الربيع t أن يشاطره ماله وبيته ويتزوج إحدى نسائه فقال له: بارك الله لك في مالك وأهلك ولكن دلني على السوق([47]). لقد علم أن الغنى في قناعة النفس ورضا القلب وغناه عن التطلع لما في أيدي الناس من حظوظ الدنيا. [ مراتب القناعة ( للماوردي( :
المرتبة الأعلى : أن يقتنع بالبَلغة من دنياه ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه .
المرتبة الأوسط : أن تنتهي به القناعة إلىالكفاية و يحذف الفضول و الزيادة .
المرتبة الأدنى : أن تنتهي به القناعةإلى الوقوف على ما سنح ، فلا يكره ما أتاه و إن كان كثيراً ، و لا يطلب ما تعذر وإن كان يسيراً .
آثار القناعة :
1- امتلاء القلب بالإيمان بالله سبحانه و تعالى والثقة به و الرضا بما قدر و قسم .
2- الحياة الطيبة .
3- تحقيق شكر المنعمسبحانه و تعالى .
4- الفلاح و البشرى لمن قنع .
5- الوقاية من الذنوب التي تفتكبالقلب و تذهب الحسنات كالحسد و الغيبة و النميمة و الكذب .
منالأسباب المؤدية للقناعة :
1- الاستعانة بالله و التوكل عليه و التسليملقضائه و قدره.
2- قدر الدنيا بقدرها و إنزالها منزلتها .
3- جعلالهمّ للآخرة و التنافس فيها .
4- النظر في حال الصالحين و زهدهم و كفافهمو إعراضهم عن الدنيا و ملذاتها .
5- تأمل أحوال من هم دونك .
6- مجاهدة النفس على القناعة و الكفاف .
7- معرفة نعم الله تعالى و التفكرفيها .
8- أن يعلم أن لبعض النعيم ترة و مفسدة .
9- أن يعلم أن فيالقناعة راحة النفس و سلامة الصدر و اطمئنان القلب .
10- الدعاء .
باختصار من كتاب كنز القناعة للشيخ د. محمد الركبان - دار القاسم بالرياض- الطبعة الأولى 1422 هـ
و كذلك من الأسباب المؤدية للقناعة :
1- تقوية الإيمان باللهتعالى ، و ترويض القلب على القناعة و الغنى .
2- اليقين بأن الرزق مكتوب والإنسان في رحم أمه .
3- تدبر آيات القرآن العظيم لا سيما ما تتحدث عنالرزق و الاكتساب .
4- معرفة حكمة الله تعالى في تفاوت الأرزاق و المراتببين العباد .
5- العلم بأن الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء وكثرة الحركة و سعة المعارف .
6- العلم بأن عاقبة الغنى شر و وبال على صاحبهإذا لم يكن الاكتساب و الصرف منه بالطرق المشروعة .
7- النظر في التفاوتالبسيط بين الغني و الفقير على وجه التحقيق .
باختصار من كتاب القناعةمفهومها . منافعها . الطريق إليها للشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل- دار ابن خزيمةبالرياض - الطبعة الأولى 1422هـ] .
جـ- الصفات الحركية والدعوية:
1- يجب أن يتولد لدى جيل التمكين شعور ذاتي بمسئولية العمل للإسلام: واستعداد كامل لتلبية حاجات هذه المسئولية من النفس والجهد، فهو لا ينتظر التكليف الحركي لينهض بالأعباء والمسئوليات، وإنما يتولد في أعماقه شعور بالمسئولية ويجري في عروقه إحساس رباني بالتكليف.
فهذا أبو بكر الصديق t عندما التزم بالإسلام تفجرت فيه الذاتية الحركية فذهب إلى بلال بن رباح، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان والزبير بن العوام، ودعاهم للإسلام فأسلموا، وقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة مؤمن آل فرعون وكيف قام بدعوة قومه إلى الإيمان بدعوة موسى عليه السلام. [نماذج لاستغلال المواهب والطاقات في خدمة لدين:
1- داود عليه السلام: لما أعطى الله داود عليه السلام إلانة الحديد، فيم استخدمها ذلك النبي الكريم؟ لقد استخدمها في صناعة الدروع، وملابس الحرب، والعتاد العسكري؛ ليجاهد في سبيل الله عز وجل .
ولما دخل رسول الله المدينة توزعت الطاقات، واستغلت المواهب: فهذا بلال يؤذن، وسعد وغيره لحراسة الرسول صلى الله عليه وسلم في مبدأ الأمر . وزيد وغيره لكتابة الوحي والرسائل، وخالد وغيره للقيادة . خالد الذي كان مبدعاً في القيادة استغل طاقته في أي شيء؟ استلم مباشرة الجيوش يقودها في سبيل الله، وحسان، وكعب، وابن رواحة للقيام بالدور الإعلامي المطلوب لخدمة الإسلام ، وابن مسعود صاحب النعلين والمطْهَرة؛ لأنه كان فقيها شديد التعلم كان يسأل رسول الله .. حتى في الأشياء الدقيقة ليتعلم.. وسلمان يدل على فكرة الخندق لما احتاج المسلمون.. ونعيم بن مسعود الثقفي يعرض خدماته لما أسلم..وأبو طلحة يأتي رسول الله بتبرع سخي بستان كبير، يقول: يا رسول الله ضعها حيث أراك الله .
ووضع التجار إمكاناتهم لنصرة الدين: فهذا عثمان رضي الله عنه يحفر بئراً على نفقته، ويجهز جيش العسرة على نفقته، ويفك أزمة المسلمين في وقت شدة بأن تبرع بالدواب التي حملت التجارة له بما عليها للمسلمين .. والملاحظ في السيرة النبوية أن هذا الاستغلال والتوزيع لم يظهر بشكل واضح إلا في المجتمع المدني بعد إرساء القاعدة الصلبة والهجرة إلى المدينة .
من' الطاقات والمواهب في خدمة الدين' كتبه الشيخ/ محمد صالح المنجد
ومن مجالات خدمة الإسلام في هذا العصر:
1. شراء الكتب الإسلامية النافعة وتوزيعها في الداخل والخارج مع الاهتمام بتوزيع الكتب المترجمة باللغات المختلفة.
2. شراء المطويات النافعة وتوزيعها.
3. شراء الأشرطة النافعة وتوزيعها.
4. شراء المصاحف وبخاصة المترجمة إلى اللغات الأخرى وتوزيعها.
5. المساهمة في بناء المساجد في الدول الفقيرة.
6. المساهمة في حفر الآبار وإنشاء المدارس وحلقات تحفيظ القرآن.
7. المساهمة في أيجاد فرص عمل للمسلمين في البلدان الفقيرة حتى يقوموا بكفالة أنفسهم ولا يحتاجوا إلى جهود المنصرين.
8. قيام الأطباء المسلمين بواجبهم في معالجة فقراء المسلمين في كل مكان.
9. قيام طلاب العلم بواجبهم في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذهاب إلى المسلمين في كل مكان لتعليمهم وإرشادهم.
10. التعاون مع المنظمات والهيئات الإغاثية الإسلامية في تقديم يد العون إلى إخوانهم في كل مكان.
11. المساهمة في إنشاء إذاعات ومحطات تلفزة إسلامية تعمل على نشر الفكر الإسلامي الصحيح.
12. المساهمة في إثراء المجلات والصحف والدوريات الإسلامية بكل مفيد.
13. دعم المسلمين الجدد مادياً ومعنوياً.
14. تكوين رأي عام إسلامي، وتعريف الناس بحقائق الإسلام ومحاسنه.
15. استغلال موسم الحج في ترسيخ مبادئ العقيدة الصحيحة والأخوة الإسلامية لدى الحجاج الذين يأتون من كل بقاع الدنيا.
16. الاهتمام بدعوة غير المسلمين الذين يعملون في بلادنا وتعريفهم بالوجه المشرق للإسلام والمسلمين. ( دار الوطن للنشر ) .
إن العمل للدين ليس وظيفة تصدر برقم وتاريخ ولكنه صدرت بمرسوم رباني كريم برقم 125 من سورة النحل. {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} إن العمل للدين ينبغي أن يبقى ظاهرا في حياتنا تراه:
في شاب يوزع شريطا أو كتابا.
تراه في شاب يبلغ كلمة.
تراه في موقف يعلن إنكار منكر.
تراه هنا وهنا وهناك.
إن العمل للدين أمر لا نستخفي به ولا نتستر عليه، بل ينبغي أن تبقى ساحتنا ساحة فوارة بالعمل الضخم للدين تراه في كل فلته وفي كل لفتة.
تراه في برنامج كل شاب.
تراه في برنامج كل مسلم. من مقال للشيخ : عبدالوهاب الطريري ( بتصرف ) ].
2- يؤمن بالواقعية والعملية: فهو بعيد عن الغوغائية ويحتكم إلى الحقائق لا إلى الأوهام، ولا ينسى وهو يتطلع إلى السماء أنه واقع على الأرض، فلا يجري وراء خيال كاذب ولا أماني موهومة فيسبح في غير ماء، ويطير بغير جناح، جيل كبير الآمال ولكنه واقعي التفكير، ولا ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمة ربه لكنه يعرف حدود قدراته، ودوائر إمكاناته، يراعي سنن الله في كونه كما يراعي أحكامه في شرعه ويتبنى سياسة النفس الطويل والصبر الجميل، يؤمن بالعلم ويحترم العقل، ولا يتبع الظن وما تهوى الأنفس، ويرفض الخرافة.
3- جيل عمل وبناء جماعي: فلا يقف أبناؤه عند التغني بأمجاد الماضي، ولا عند النواح على هزائم الحاضر، ولا عند التمني لانتصارات المستقبل، إنما يؤمن بالعمل والعطاء والإنتاج، وأن الإيمان الحق ما وقر في القلب وصدقه العمل، وما خلق الله الناس إلا ليعملوا بل ما خلقهم إلا {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك: 2]. وقد علموا من حقائق التاريخ وقراءة الواقع أن أهل الباطل يتكتلون حول باطلهم فأولى بأهل الحق أن يتجمعوا حول حقهم {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}[الصف: 4]. لهذا صمموا على أن يبحثوا على أشباههم ممن ينشدون الحق ويرفضون الباطل, ويدعون إلى الخير وينكرون الشر, ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فمضوا في طريق العمل الجماعي يعملون في صمت، ويبنون في صبر ويجاهدون بلا كلل، ولا ملل، وعزموا على أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى متكاتفين في السراء والضراء.[غرس روح العمل الجماعي بين أعضاء الفريق ترجع أهمية القوة والانسجام في العمل الجماعي إلى الأسباب الآتية:
1. تحقيق التعاون بين أفراد العمل: حيث إن جزءًا كبيرًا من أي عمل يتم في ظل مجموعة من الأفراد, وكلما كان التعاون والتفاهم بين هذه المجموعة أكبر كلما كانت الإنتاجية في العمل أكبر والأداء أكثر كفاءة, والعكس صحيح.
2. يحب العاملون أن يعملوا في ظل جماعات؛ لأنها تشبع احتياجاتهم الاجتماعية, وتحميهم من أي أخطار خارجية, وتقوّي التفاهم والمشاركة الوجدانية، وبذلك يتم تحقيق التوازن بين إنتاجية الفرد وإشباع حاجاته.
3. إذا استطاع المدير أن يخلق من أفراد قسمه جماعة متماسكة فإنه يتجنب بذلك فرصة ظهور جماعة أو جماعات عمل "غير رسمية" قد تعرقل جهوده في العمل.
4. تُساعد على حل المشكلات بطريقة أكثر فاعلية عن طريق الاستفادة من المواهب المختلفة للأفراد, كما تخلق في الأفراد المشاركين في اتخاذ القرار الحافز القوي لتنفيذ هذا القرار الذي أجمعوا عليه ويشعرون بالمسئولية تجاهه.
5. تزيد من سهولة الاتصال بين الأعضاء والمشرفين في تنفيذ العمل, وتتدفق المعلومات بسهولة من أسفل إلى أعلى "من الأعضاء إلى المشرفين", ومن أعلى إلى أسفل "من المشرفين إلى الأعضاء"؛ ما يؤدي إلى عمل بطريقة أكثر فاعلية.
6. رفع الجودة، حيث يوجد الاهتمام بتحقيق الجودة والدقة؛ لأن العاملين يشعرون أنهم جزء من نشاط الفريق، ويرغبون في أن يظهر فريقهم بصورة جيدة قدر الإمكان، إضافة إلى ذلك يطمئن أعضاء الفريق إلى حصول كل واحد منهم على حاجته من الفريق لإنجاز أفضل عمل ممكن، وذلك نتيجة تعاون الأعضاء مع بعضهم البعض.
مواصفات فريق عمل جماعي متميز:
1- اعتبار الأهداف الشخصية وأهداف الفريق على نفس الدرجة من الأهمية, مع مراعاة عدم تداخل الأهداف الشخصية مع أهداف الفريق, هذا بالطبع إلى جانب الوضوح التام للأهداف في أذهان فريق العمل وتفهمهم لها.
2- الوحدة والتماسك بين الأعضاء: حيث تسود العلاقة القوية بين أفراد الفريق وتسهل الاتصالات الرسمية وغير الرسمية بينهم, ونتيجة لذلك ترتفع درجة الثقة بين أعضاء الفريق؛ ما يؤدي إلى التعبير عن الآراء والتنفيس عن المشاعر من دون حرج, وفي ظل هذا الجو تشبع حاجة الانتماء لدى الأشخاص.
3- سيادة جو من احترام وجهات النظر المتباينة بين أعضاء الفريق, بل واعتبار الاختلاف في الرأي من العلامات الصحية بهدف الوصول لأفكار جديدة, والبحث الدائم عن أرضية مشتركة.
4- العمل في جو مريح وغير رسمي قائم على المشاركة لا على التهديد, وقائم على التعاون للوصول إلى الهدف لا على المنافسة, بل يتم إشعار الجميع بأن المنافسة غير مقبولة.
5- سيادة الإقناع بدلاً من الإجبار كوسيلة للوصول إلى القرارات, ويتم الوصول للقرارات عن طريق الإجماع عليها.
6- يلتزم الجميع بتنفيذ القرارات.
7- النمو الذاتي وارتفاع كفاءات الأعضاء نتيجة الممارسة. نقلاً عن موقع مفكرة الإسلام، بتصرف].
4- جيل دعوة وجهاد: كما كان الصحابة من المهاجرين والأنصار لا يشغلهم جهاد عن جهاد ولا ميدان عن ميدان, فهم دائما في صراع متواصل مع الفجرة في الداخل والكفرة في الخارج، لا يلقون سلاحهم ولا يستريحون من كفاحهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
قد ترى أحدهم وهو العربي يقاوم الزحف الشيوعي الأحمر في أفغانستان، وترى آخر وهو أفغاني يقاتل الصرب في البوسنة, فالكفر ملة واحدة {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73].{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]. يجاهدون في سبيل الله في كل معركة تطلبهم وبكل سلاح يمكنهم.
5- جيل توازن واعتدال: فهم متوازنون معتدلون على صراط مستقيم لا يميلون إلى اليمين ولا ينحرفون إلى الشمال, لا يغرقون في الماديات ولا يغرقون في الروحانيات، يعلمون أن لربهم عليهم حقا وأن لأنفسهم عليهم حقا، وأن لأسرهم عليهم حقا، ولمجتمعهم عليهم حقا, فهم يعطون كل ذي حق حقه، غير جانحين إلى الإفراط ولا مائلين إلى التفريط، يأخذون بالعزائم ولا يغفلون الرخص, فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.. يبشرون ولا ينفرون، وييسرون ولا يعسرون، ويجادلون بالتي هي أحسن {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. يفرقون بين الأصول والفروع، والكليات والجزئيات، والقضايا المصيرية والمسائل الجانبية، ويمزجون بين الروح والمادة، والعقل والقلب، وبين الثبات على الغايات والتطور في الأساليب، بين أداء الواجبات وطلب الحقوق، بين الحرص على القديم والاستفادة من الجديد، فلا ينقطعون عن الماضي ولا ينعزلون عن الحاضر، فرسان بالنهار ورهبان بالليل، لا تلهيهم نافلة عن فريضة ولا فرض عن مثله.
6- جيل منضبط: يعيش جو الانطلاقة بضوابطه فيتحرك بدعوته وفكره بين الناس مراعيا الضوابط الحركية حتى لا تكون حركة غوغاء, ولا تمنعه الطاعة من إبداء آرائه في جو من الصراحة والوضوح وتتسع صدوره لآراء المخالفين، ولا يجد غضاضة في التنازل عن رأيه إذا استقر رأي الشورى على رأي آخر، يعرف ما الذي يعلن من دعوته فلا يتردد في الجهر به وتعليمه للناس, وما الذي يسر فلا يبوح به ولا لأقرب الناس إليه.
د- الصفات النفسية:من الصفات النفسية التي يجب أن يتحلى بها جيل التمكين:
1- إرادة قوية لا يتطرق إليها لين ولا ضعف:
يقول تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}[آل عمران: 146] ومن مظاهرها: معرفة الهدف والإصرار على تحقيقه والوفاء له .
- الهمة العالية والعمل الدائب المتواصل.[الهمة العالية : هي النية الصادقة، والإرادة القوية الرفيعة، والرغبة الأكيدة في التحلي بالفضائل والتخلي من الرذائل ، وقد قيل: الطير يطير بجناحيه، والمرء يطير بهمته ، وقال عمر الفاروق رضي الله عنه: ( لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته ) ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر .
إن رسولنا r يعلمنا علو الهمة عندما يقول : كما عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:( فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة) ، ويقول r : ( إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سَفْسَافَها ) ، وهذا أبو بكر يشمر عن همة علية فيقول لرسول الله r لما عد أبواب الجنة الثمانية : ( ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها ، قال نعم وأرجو أن يكون منهم ) ، وهذا ربيعة بن كعب رضي الله عنه يضرب لنا أروع الأمثلة في أصحاب الهمم العالية فيقول كما عند مسلم : كنت أبيت مع رسول الله r فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: ( سلني ) ، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: ( أوَغير ذلك؟) ، قلت: هو ذاك، قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ، لم يسأل بيتا ولا زوجة ولا دابة ، ولا شيئا دنيويا بل استغل الفرصة وسأل صحبة النبي r في الجنة ، فيا لها من همة عالية ونفس أبية ، وأمثلة ذلك كثيرة لا تحصر .
فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همته في الثريا
فلنشمر إخوة الإسلام عن ساعد الجد ، ولتكن همتنا فوق النجوم .. همة في العبادة ، وفي العلم ، وفي الدعوة إلى الله ، وفي نفع الناس ، ولا نكن مع الخوالف ، الذين غاية همهم متعة ولذة وأنس ، ولو كان ذلك على حساب الآخرة ، أو على حساب ما ينفع في الدنيا .
أن نربأ بهمتنا عن التفاهات ، وأن نتجاوز بعزيمتنا مقاصد الدنيا الفانية .. فلا تقتصر أماني العبد المسلم على تحصيل بيت وزوجة وسيارة واستراحة وعمل .. بل لا حد لمنتهاها إلا الجنة .. مناه أن يرفع نفسه بالعلوم النافعة ، وأن يرقى بمجتمعه عن البطالات والتفاهات ، وأن يدخل جنة عرضها الأرض والسموات .
ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب
قد يعرض لذي الهمة العالية من يثبطه ويثنيه عن طريقه ، ويرشقه بكلمات اللوم ، ليرفق بنفسه ، ويأخذ راحته ، ويقتصد في تحصيل ما يرنو إليه .. فلا يلتفت لهذا التخذيل فإن عالي الهمة يجد المتعة في الطريق الموصل لمبتغاه السامي ، ومن جدّ اليوم ، وجد الثمرة غدا ..
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ].
-محاسبة النفس بشدة والانتصار عليها
– مخالطة الناس والصبر على أذاهم
- الصبر وتحمل المشاق والصعاب والتغاضي عن الهفوات
- الصراحة في الحق والانصياع له والاعتراف بالخطأ وعدم إفشاء السر
- استشراف الأمل وعدم اليأس وسياسة النفس الطويل.[يُحكى أن قائدًا هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه، وذهب عنه الأمل، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال فيالصحراء، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة، وبينما هو على تلك الحال، رأى نملة صغيرةتَجُرُّ حبة قمح، وتحاول أن تصعد
بها إلى منزلها في أعلى الصخرة، ولما سارت بالحبةسقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخري. وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعودالنملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها...وهكذا.
فأخذ القائد يراقب النملة باهتمامشديد، ويتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيرًا في الصعود بالحبةإلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانهوقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام، وأخذيجهزهم لخوض معركة جديدة.. وبالفعل انتصر القائد على أعدائه، وكان سلاحه الأول هوالأمل وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة.
ما هو الأمل؟ الأمل هو انشراح النفس في وقتالضيق والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، والأمل يدفع الإنسان إلىإنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه.
الأمل عندالأنبياء:
الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوةأقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق، برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذي؛ أملافي هدايتهم في مقتبل الأيام.
الأمل عند الرسول r : كان النبي r حريصًا على هداية قومه، ولم ييأس يومًا من تحقيق ذلك وكاندائمًا يدعو ربه أن يهديهم، ويشرح صدورهم للإسلام ، وقد جاءه جبريل -عليه السلام- بعد رحلة الطائف الشاقة، وقال له: لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَأطبقتُ عليهم الأخشبيْن (اسم جبلين)، فقالr: ( بل أرجو أنيُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) متفقعليه ، وكان رسول الله r واثقًا في نصر الله له، وبدا ذلكواضحًا في رده على أبي بكر الصديق، أثناء وجودهما في الغار ومطاردة المشركين لهما،فقال له بكل ثقة وإيمان: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}التوبة(40) .
أمل نوح -عليه السلام-: ظل نبي الله نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنةإلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل كان يدعوهم بالليل والنهار.. فيالسر والعلن.. فُرَادَى وجماعات.. لم يترك طريقًا من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملافي إيمانهم بالله: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً{7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً{9} نوح: (5-9) فأوحى الله -تعالى- إليـه أنه لن يؤمن معه أحد إلا مناتبعه، فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
أمل يعقوب -عليه السلام-: ابتلىالله -سبحانه- نبيه يعقوب -عليه السلام- بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهماحزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكن يعقوب -عليه السلام- ظل صابرًا بقضاء الله، ولمييأس من رجوع ولديه، وازداد أمله ورجاؤه في الله -سبحانه- أن يُعِيدَهما إليه، وطلبيعقوب -عليه السلام- من أبنائه الآخرين أن يبحثوا عنهما دون يأس أو قنوط، لأن الأملبيد الله، فقال لهم: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}يوسف(87)، وحقق الله أمل يعقوبورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
أمل موسى -عليه السلام-: ظهر الأمل والثقة فينصر الله بصورة جليَّة في موقف نبي الله موسى -عليه السلام- مع قومه، حين طاردهمفرعون وجنوده، فظنوا أن فرعون سيدركهم، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربةمنهم، وليس أمامهم سوى البحر، فقالوا لموسى: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}الشعراء (61)فقال لهم نبي الله موسى عليه السلام في ثقة ويقين:{قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}الشعراء (62)فأمره الله -سبحانه- أن يضرب بعصاه البحر، فانشقنصفين، ومشى موسى وقومه، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان،فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
أمل أيوب -عليه السلام-: ابتلى الله -سبحانه- نبيه أيوب -عليه السلام- في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أنيرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}الأنبياء (83)فلم يُخَيِّب الله أمله، فحققرجاءه، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضه عما فقده.
فضل الأمل:
الأمل يدفع الإنسان دائمًا إلى العمل،ولولا الأمل لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، ولولاهلسيطر اليأس على قلبه، وأصبح يحرص على الموت، ولذلك قيل: اليأس سلم القبر، والأملنور الحياة.
وقيل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.
وقال الشاعر:
لاخير في اليأس كُلُّ الخير في الأمل
أَصْلُ الشجـاعـةِ والإقدام ِفيالرَّجُـلِ
وقال حكيم: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارسشجرًا.
ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأنالمخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة في أغلب الأحيان، وإنما حاول تحقيقهمرة بعد مرة دون يأس أو ملل، ولذلك قيل: الأمل يُنَمِّي الطموح والإرادة، واليأسيقتلهما.
فليحرص المسلم على الأمل في كل جوانب حياته، ولْيتمسك به تمسكهبالحياة، ولا يستسلم لليأس والقنوط أبدًا.
وقد قال الشاعر:
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بـالآمــال أَرْقُـبُها ما أَضْيَقَ الْعَيْـشَ لولا فُسْحَة الأمل
فالإنسان يصبر على ضيق العيش في الدنيا على أمل أن يفرج الله همومه، ويوسععليه، ولولا ذلك لضاق الإنسان بمعيشته، يقول الله سبحانه : {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }يوسف(87) ] .
2- تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل: ومن مظاهر التضحية العزيزة:
وضع الدعوة في قمة الأولويات مع استصحاب نية التضحية. [ التضحية علي طريق الدعوة : من هنا كانت التضحية في سبيل الدعوة ببذل الونفس والوقت والمال وكل شيئ في سبيل الغاية ، وفي ظلال هذه المعاني عاش صحابة رسول الله ومن سار علي نهجهم من الدعاة والمخلصين ، فقد كانوا يحيون لدعوتهم وبدعوتهم ، تراها في قلوبهم وتملأ عليهم حياتهم ، يحملون همها وينشغلون بها ، ويضحون من أجلها . ومما يطمئن المؤمن ويدفعه للبذل والتضحية أن ما يفعله لا يضيع بل يقابل بالإحسان وأعظم الجزاء {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }سبأ(39) {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}آل عمران(157) وإن أي شيء يبذله المسلم يؤجر عليه سواء كان صغيراً أو كبيراً وقد ساق الإمام البنا في هذا المعنى قوله تبارك وتعالى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(120،121) إن كل ما يقدمه المرء من تحمل للجوع والعطش والألم والتعب والخطوات التي يمشيها من أجل الدعوة والتي تغيظ أهل الكفر والطغيان وكل ما يسهم به من أجل نصرة الإسلام قليلاً أو كثيراً ، صغيراً أو كبيراً يحفظه الله لعبده ولا يضيع ويقابل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .
مفهوم التضحية :
كلمة التضحية في اللغة : مصدر للفعل ضحى ، يقال ضحى بالشاة ونحوها أي ذبحها في الضحى يوم عيد الأضحى ، ويقال ضحى بنفسه ، أو بعمله ، أو بماله : أي بذله دون مقابل ( المعجم الوجيز ) . من المفهوم يتضح أن الذي يضحي بوقته أو بماله أو بنفسه في سبيل غاية عظيمة ومقصد نبيل لاينتظر مقابل إلا رضا الله سبحانه وتعالي .
ورحم الله الإمام البنا وهو يتحدث في ركن التضحية فيقول : ( وأريد بالتضحية : بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه . ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية ، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل ، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم " شرعية وأهمية التضحية في سبيل الله :
إن التضحية بالنفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الله قد تكون واجباً لا فكاك عنه إذا كان لا بد منها لدفع الضرر عن المسلمين أو رد عدو عن أرضهم وقد تكون التضحية مندوبا إليها ومستحبة عندما لا تكون واجبة ، وقد طالب الإسلام المسلمين بالتضحية في سبيل الله ووعد بالجزاء عليها أحسن الجزاء قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111
ولما كانت الدعوة لا تحيا إلا بالجهاد ، ولا جهاد إلا بتضحية ، فقد وجبت التضحية وحرم القعود والبخل ولحق صاحبه الإثم ، فقد قال تعالى " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين " التوبة آية 24
بين التضحية والجهاد :
يعلق الأستاذ سعيد حوي رحمه الله حول هذا المعني فيقول : ( هناك فارق إلى حد ما بين الجهاد والتضحية فأحيانا يتطابقان وأحياناً يتكاملان ولذلك اعتبرهما الأستاذ " الإمام البنا " ركنين ، فقد يجاهد المجاهد حتى إذا جاء دور بذل الروح تردد ، وقد يجاهد المجاهد بالوقت ويضحى بالمال ولكنه لا يضحى بالحياة ، ومن ثم أدخل الأستاذ البنا التضحية بالنفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في هذا الركن ، إنه حيث وجد جهاد وجد نوع من التضحية غير أن الجهاد الكامل لا يكون إلا إذا وجدت تضحية كاملة ، وإن ميزان هذا الركن هو أن يبذل الإنسان نفسه وماله ووقته وحياته من أجل تحقيق الأهداف في سبيل الله ) .
ملامح الشخصية المجاهدة المضحية :
وقد حدد الإمام البنا ملامح الشخصية المضحية المجاهدة علي طريق الدعوة حيث قال :( أستطيع أن أتصور المجاهد شخصا قد اعد عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه ، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدر الاستعداد أبدا ، إن دعي أجاب وإن نودي لبى ، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته ، يجاهد في سبيلها ، تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع في فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوىَ لاصق وألم دفين ، وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة ).
من هنا وجب علي العاملين أن يشمروا عن سواعدهم ، وأن يتخففوا من أثقال هذه الدنيا ، وأن يعيشوا حياتهم عزيزة كريمة من أجل قضية كبيرة وغاية عظيمة ، وأن يعلموا أن نجاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخره مرهون بما قدموه لدينهم ودعوتهم .
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل _ مقال الأستاذ محمد حامد عليوة ( بتصرف ) .
لا تُنال المعالي بالأماني، ولا تقوم الدعوات إلا على ألوان البذل والتضحية بشتى صنوفها. وإذا عُرف أن ابتلاء الدعاة سنة ماضية تبين أن الدعوة الحقة لا تقوم بلا تضحية.
لا تقوم الدعوات إلا بالتضحيات:
باستقراء الحقائق، ومعرفة الواقع يتبين للبصير ما يلي:
1- كل دعوة لا تنتشر إلا بجهود أتباعها، ودين الإسلام لم ينتشر براحة الأبدان وسلامة النفوس.
2- تـتـسـع الثـغـرات على الدعوة الإسلامية يوماً بعد يوم، وتكثر المجالات الشاغرة التي تفتقر إلى من يقوم بها .
3 - يتزامن مع هذا قلة الموارد، وجفاف المنابع، وضيق ذات الدعاة مما يُخشى أن يشكل خطراً على بعض الدعاة وكثيراً من البرامج.
4 - هذا الواقع الصـعب يواجه أفراداً ممن عرفوا واجبهم ورأوا خطورة الأمر في حين أنه يحتاج إلى اجتماع الجهود واستعداد كل داعية غيور بالجود
والتضحية.
5 - وفي المقابل تزداد جهــود أهل الباطل قوة، وتزداد مخططاتهم دقة، وتتعدد أنشطتهم لتشمل شتى الجوانب.
ونجد هنا شكوى عمر ـ رضي الله عنه ـ الـمُرَّةَ ماثلةً: "اللهم إني أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة"، ولا يرفع هذا الواقع إلا الصدق مع الله، ودليل الصدق الاستعداد مع البذل والتضحية في كل جانب تحتاج إليه الدعـوة في وقت كهذا، وهو الوقت الذي يعظم فيه الأجر ويزداد فيه الفضل، وشتان بين من يضـحـي وهو يرى ثمرة الجهد وتلوح له أمارات النصر، وبين من يضحي وقد غابت عن ناظريه أمارات النصر ودلائل التمكين، قال الله عز وجل {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقَاتَلُوا وكُلاًّ وعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ( الحديد: 10).
وختاماً: فما دامت الدعوات لا تقوم إلا على التضحيات فقد أدرك كل واحد من الدعاة ما يجب عليه، مقال الأستاذ : عبد الحكيم بن محمد بلال من صيد الفوائد ( بتصرف ) ] .
- القدوة في بذل العزيز على النفس (المال - الراحة - النفس - فراق الأهل...)
- تربية من يعولهم على البذل والعطاء والتضحية
- ربط المصير بالمصير وأن يوطن ظروفه مع ظروف الدعوة
- تخليص النفس من كل مظاهر الطمع والبخل
- تقديم مصلحة الدعوة على المصلحة الفردية
- الاستعداد الكامل لتنفيذ الأمر على أي حال وتحت أي ظرف.
3- وفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر: ومن أنواع الوفاء:
وفاء مع الله - مع الدعوة - مع الإخوة - مع النفس - مع الناس ، ومن مظاهر الوفاء الثابت:
- الاعتراف بالجميل وتوريث الدعوة وفتح مجالات عمل جديدة .
- الاستمرارية في العمل حتى في أحلك الظروف .
- المصارحة والنصيحة بآدابها الشرعية .
- حمل الأهل والأقارب على احترام الدعوة والتحمس لها .
- تفقد الغائب والشعور بآلام الآخرين .
- إيثار المصلحة الدعوية على المصلحة الفردية. الذب والدفاع عن الإسلام وقياداته وعلمائه.
4- ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه أو الانحراف عنه أو المساومة عليه أو الخديعة بغيره:
- إخلاص الوجهة لله وتصحيح النية دائما .[الإخلاص: عمل من أعمال القلوب، بل هو في مقدمة الأعمال القلبية، لأن قبول الأعمال لا يتم إلا به.
والمقصود بالإخلاص: إرادة وجه الله تعالى بالعمل، وتصفيته من كل شوب ذاتي أو دنيوي، فلا ينبعث للعمل إلا لله تعالى والدار الآخرة، ولا يمازج عمله ما يشوبه من الرغبات العاجلة للنفس، الظاهرة أو الخفية، من إرادة مغنم، أو شهوة، أو منصب، أو مال، أو شهرة، أو منزلة في قلوب الخلق، أو طلب مدحهم، أو الهرب من ذمهم، أو إرضاء لعامة، أو مجاملة لخاصة، أو شفاء لحقد كامن، أو استجابة لحسد خفي، أو لكبر مستكن، أو لغير ذلك من العلل والأهواء والشوائب، التي عقد متفرقاتها هو: إرادة ما سوى الله تعالى بالعمل، كائنا من كان، وكائنا ما كان.
وأساس إخلاص العمل: تجريد "النية" فيه لله تعالى ، والمراد بالنية: انبعاث إرادة الإنسان لتحقيق غرض مطلوب له.
ضرورة الإخلاص للسالكين :
وقد أجمع الربانيون ـ من رجال التربية الروحية، وأهل الطريق إلى الله ـ على أهمية الإخلاص وضرورته لكل عمل من أعمال الآخرة، وكل سالك للطريق ، يقول الإمام أبو حامد الغزالي في مقدمة كتاب "النية والإخلاص والصدق" من ربع المنجيات من "الإحياء":
( قد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان، وأنوار القرآن: أن لا وصول إلى السعادة، إلا بالعلم والعبادة، فالناس كلهم هلكى إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، فالعمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء، وهو للنفاق كفاء، ومع العصيان سواء، والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء، وقد قال الله تعالى في كل عمل كان بإرادة غير الله مشوبا مغمورا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً}الفرقان(23)وما قاله الغزالي سبق بنحوه العارف الرباني سهل بن عبد الله التستري، حيث قال: الناس كلهم سكارى إلا العلماء، والعلماء كلهم حيارى، إلا من عمل بعلمه ، وفي لفظ آخر قال: الدنيا جهل وموت، إلا العلم، والعلم كله حجة (أي على صاحبه)، إلا العمل به، والعمل كله هباء، إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به.وقال بعضهم: العلم بذر، والعمل زرع، وماؤه الإخلاص.
وقال ابن عطاء الله في "حكمه":إن الله لا يحب العمل المشترك، ولا القلب المشترك، فالعمل المشترك هو لا يقبله، والقلب المشترك هو لا يقبل عليه.
إن العلم الذي لا يصحبه الإخلاص صورة بلا حياة، وجثة بلا روح، والله تعالى إنما يريد من الأعمال حقائقها لا رسومها وصورها، ولهذا يرد كل عمل مغشوش على صاحبه، كما يرد الصيرفي الناقد العملة المزيفة.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة عن النبي r : ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم وصوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" وأشار بأصبعه إلى قلبه. وقال: ( التقوى ههنا ) وأشار إلى صدره ثلاث مرات.
المخلصين هم جند الدعوات :
إن المخلصين الذين يبتغون بعملهم وجه الله، يسمون فوق المنافع الذاتية والمصالح الشخصية، هم وحدهم جند الدعوات، وحملة الرسالات، وورثة النبوات، وهم الذين ينتصرون بالدعوة، وتنتصر بهم، ولو كانوا فقراء المال، ضعفاء الجاه، مغمورين في الناس، وهم الذين جاء فيهم الحديث الشريف: ( رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) (رواه مسلم).وقد روى النسائي وغيره عن سعد بن أبي وقاص ـ هو من هو سبقا في الإسلام وقرابة من رسول الله أنه ظن في نفسه يوما أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله r ، فقال النبي r: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) وهؤلاء الضعفاء المغمورون المخلصون، هم الذين أمر الله رسوله أن يصبر نفسه معهم، ولا يفرط في واحد منهم، ولا تعدو عيناه عنهم، إلى الشخصيات المرموقة في المجتمع، من ذوي المكانة والثراء والجاه، ممن يظن أنهم ينصرون دعوته بجاههم ومنزلتهم في الناس، يقول سبحانه:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}الكهف(28)إن جندي العقيدة لا يجري وراء المطامع، ولا يخطف بصره بريق الشهرة، ولا يجذب قلبه سطوة الجاه والنفوذ، إن الدنيا ليست أكبر همه ولا مبلغ علمه، إنه ينزلها منزلتها، فلا تزن عنده جناح بعوضة عند الله تعالى، إن أكبر همه أن يتقبله الله في عباده الصالحين، وجنده الصادقين، وحزبه المفلحين.
إن وضوح هذا الهدف أمر ضروري للعاملين لنصرة الإسلام، فقد يكون هدفهم إقامة دولة إسلامية، أو حضارة إسلامية، أو مجتمع إسلامي، أو نحو ذلك من الأهداف التي يسعون إليها، ويحرصون على تحقيقها، ولكن هدف الأهداف، وغاية الغايات من وراء ذلك كله، هو: رضوان الله عز وجل وابتغاء ما عنده، ومن أجل ذلك يستمرئون المر، ويسترخصون كل تضحية مادامت في سبيل الله.
من ثمرات الإخلاص :
ومن ثمرات الإخلاص: أن المخلص مؤيد من الله، مكفي به سبحانه، كما قال تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}الزمر(36) .
وعلى قدر إخلاص المرء لربه، وتجرده له، يكون مدد الله تعالى وعونه وكفايته وولايته، إن الإمداد على قدر الاستعداد: إمداد الله بالنصر والتأييد، أو بالتوفيق والتسديد، على حسب ما في القلوب من تجريد النية، وصفاء الطوية، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنفال(70)ويقول: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح(18)وقد جاء عن عمر رضي الله عنه في رسالته الشهيرة في القضاء قوله: (فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله).
قال ابن القيم في شرح هذه الكلمات في الإعلام: ( هذا شقيق كلام النبوة، وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المحدث الملهم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره، وانتفع غاية الانتفاع: فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله، والثانية أصل الشر وفصله، فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه، فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق، والله سبحانه لا غالب له، فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء؟ فإن كان الله مع العبد فمن يخاف؟ وإن لم يكن معه فمن يرجو؟ وبمن يثق؟ ومن ينصره من بعده؟
فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا، وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء، ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها، وجعل له فرجا ومخرجا، وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة، أو في اثنين منها، أو في واحد، فمن كان قيامه في باطل لم ينصر، وإن نصر نصرا عارضا فلا عاقبة له، وهو مذموم مخذول. وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله، وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق، أو التوصل إلى غرض دنيوي، كان هو المقصود أولا، والقيام في الحق وسيلة إليه، فهذا لم تضمن له النصرة، فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمن كان قيامه لنفسه ولهواه، فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين، وإن نصر فبحسب ما معه من الحق، فإن الله لا ينصر إلا الحق. وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر، والصبر منصور أبدا، فإن كان صاحبه محقا كان منصورا له العاقبة، وإن كان مبطلا لم يكن له عاقبة، وإذا قام العبد في الحق لله ولكن قام بنفسه وقوته، ولم يقم بالله مستعينا به متوكلا عليه، مفوضا إليه، بريا من الحول والقوة إلا به، فله من الخذلان وضعف النصرة بحسب ما قام به من ذلك. ونكتة المسألة أن تجريد التوحيدين في أمر الله لا يقوم له شيء البتة، وصاحبه مؤيد منصور، ولو توالت عليه زمر الأعداء).
قال الإمام أحمد: حدثنا داود، أنبأنا شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: من أسخط الناس برضاء الله عز وجل كفاه الله الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إلى الناس".
ومن ثمرات الإخلاص: أن الله تعالى يمد المخلص بعونه، ويحرسه بعينه التي لا تنام، ولا يتخلى عنه إذا حلت بساحته الخطوب، وأحاطت به الشدائد والكروب، فهو سبحانه يستجيب دعاءه، ويلبي نداءه، ويكشف عنه الغمة.
ومن عجيب ما ذكره القرآن في ذلك: استجابة الله تعالى دعاء المشركين، إذا جرت بهم الفلك في البحر، وهاجت عليهم الريح، وأحاط بهم الموج من كل مكان، فيدعون الله في تلك اللحظات بصدق وإخلاص، فيستجيب لهم، وإن غيروا بعد ذلك وبدلوا، يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }يونس(22)وإنما أنجاهم واستجاب لهم، لأنهم (دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فقد رجعوا في تلك اللحظة إلى الفطرة، وسقطت الآلهة المزيفة، ولم يبق لديهم إلا الله يدعونه بإخلاص ويتجهون إليه.
ومن أبرز الأمثلة والوقائع في أثر الإخلاص في إنقاذ المكروب من كربته: قصة الثلاثة "أصحاب الغار".
فمن رحمة الله تعالى: أن الأرض لا تخلو من المخلصين، فهم للحياة الروحية كالماء والهواء للحياة المادية، وقد عرف التاريخ نماذج رائعة، تجسد الإخلاص في وقائع مضيئة، تضرب المثل، وتبرز الأسوة للناس يحسن هنا أن نذكر بعضا منها، لنتخذ منه عظة وقدوة.
بدأ الحافظ المنذري كتابه "الترغيب والترهيب" بالترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة، ثم جعل أول حديث في كتابه حديث "أصحاب الغار" ، فمن رحمه الله تعالى: أن الأرض لا تخلو من المخلصين، فهم للحياة الروحية كالماء والهواء للحياة المادية، وقد عرف التاريخ نماذج رائعة، تجسد الإخلاص في وقائع مضيئة، تضرب المثل، وتبرز الأسوة للناس يحسن هنا أن نذكر بعضها منها، لنتخذ منه عظة وقدوة.
بدأ الحافظ المنذري كتابه "الترغيب والترهيب" بالترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة، ثم جعل أول حديث في كتابه حديث "أصحاب الغار" الذي قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم قصتهم، لما فيها من عبرة لأولي الألباب]. من كتاب : النية والإخلاص للشيخ : القرضاوي ( بتصرف ) .
- وضوح الهدف وطبيعة الطريق وكيفية الوصول إلى الأهداف .
- استشعار ثقل الأمانة والتبعة الملقاة على الدعاة .
- التمسك بالقرآن والسنة وفهم السلف الصالح . [إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاتَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءًا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْيُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
أما بعد :فالواجب على كل مسلم أن يعبد الله - تبارك وتعالى - على العلم النافعوالعمل الصالح ، ولعلكم جميعًا أو أكثركم يعلم أن العلم النافع لا يكون إلا إذا كان مستقىً ومستنبطًا من كتاب الله ومن سنة رسول الله - r - ، ثمما جاءنا عن السلف الصالح ؛ لأنهم هم القوم لا يشقى جليسهم وقد جاء الأمر باتباع الكتاب والسنة والسلف الصالح في غير ما حديث واحد ، لعلنا نقتصر على التذكير منها بحديث واحد ؛ ألا وهو حديث العرباض ابن سارية - رضي الله تعالى عنه - قال : وعظنا رسول الله r موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفتمنها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ! أوصنا ، قال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ،فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) .في هذاالحديث - كما سمعتم - الأمر بشيء زائد عن الكتاب والسنة ، وذلك باتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعد النبي الكريم r ؛ وما ذاك إلا لأن الخلفاء الراشدين تلقوا العلم والكتاب والسنة من النبي r مباشرة دون واسطةٍ ما ، وفهموا هذه السنة والقرآن الكريم كما علمهم رسول الله r ولذلك فينبغي على كل طالب للعلم ألا ينسى هذا الأمر النبوي الكريم في اتباع الخلفاء الراشدين ، ويُلحق بهم من كان من أهل العلم من الصحابة الآخرين .
فإذا الأمر كذلك ؛ فعلينا أن تكون دعوتنا وأن يكون علمنا مستنبطًا من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، من أجل ذلك يقول ابن قيم الجوزية - رحمه الله: العلم : ( قال الله ، قال رسوله ، قال الصحابة ليس بالتمويه ، ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيهِ كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذرًا منالتعطيل والتشبيه).
هذا ما يتعلق بالعلم النافع الذي يجب أن يكون هدف كلطالب علم ، وليس أن يكون هدفه طلب العلم التقليدي القائم على التعصب المذهبي ، فهذاحنفيٌ ! وذاك مالكيٌ ! والثالث شافعيٌ ! والرابع حنبليٌ !هؤلاء الأئمة - لاشك ولا ريب - أننا نجلهم ونقدرهم حق قدرهم ، ولذلك فنحن نتبع سبيلهم الذي انطلقوا وساروا عليه ، وما هو إلا سبيل السلف الصالح كما ذكرنا آنفًا ، ولكننا لا نتعصب لواحد منهم على الآخر ، هذا هو العلم النافع ، أي : المستقى من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح .
أما العمل فيجب أن يكون المسلم فيه مخلصًا لله - عز وجل - ،لا يبتغي من وراء ذلك جزاءًا ولا شُكورًا ، لا يبتغي من وراء ذلك أجرًا ولا ظهورًاولا وظيفةً ، ولا ما شابه ذلك ، وإنما يعمل العمل الصالح للهتبارك وتعالى - ، كما قال - عز وجل - في القرآن الكريم : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْيُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَرَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، قال علماء التفسير والفقه في هذه الجملة الأخيرة من الآية الكريمة : {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ، قالوا : لا يكون العمل صالحًا إلا إذا كان موافقًا للسنة ، ولا يكون مقبولاً عند الله ولوكان موافقًا للسنة إلا إذا كان خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدًا ، فحسبنا بين يدي هذه الأسئلة هذه الكلمة الوجيزة ، فهي تتلخص بأنه يجب على كل مسلم أن يحسن طلب العلم على ضوء الكتابوالسنة وعمل السلف الصالح ، وأن لا يبتغي من أعماله الصالحة إلا وجه الله - تباركوتعالى - ، هذا ما يسر الله عز وجل بناءًا على هذا الطلب . قاله سماحة الإمام المحدث محمد ناصر الدين بن نوح الألباني شريط : (الأجوبة الألبانيةعلى الأسئلة الكويتية)].
- العمل الجاد والمتواصل الذي يؤدي إلى أفضل النتائج بأقل مجهود .
- عدم الاجتهاد في الثوابت - محاسبة النفس واتهامها عند الاختلاف.
5- الاتزان النفسي «الانفعالي»:
وهي صفة مهمة يجب أن يتصف بها صاحب الشخصية السوية المتزنة, ومن أهم مظاهر الاتزان النفسي:
- الثقة بالله عز وجل وفي نصره وتأييده لأوليائه وحسن التوكل عليه .
- ملك النفس عند الغضب .
- العاطفة المتزنة .
- وضع الأمور في نصابها وحجمها دون تضخيم ولا تصغير .
- البعد عن الحساسية المفرطة وأن يؤخذ الكلام على أحسن محمل .
- الانضباط والكتمان وعدم الثرثرة - البعد عن الانطوائية.
ذلكم هو الجيل الذي ننشده وتنشده معنا الأمة بكاملها، وهو الجيل الذي تعمل القوى العالمية على إجهاضه، وشغله عن معاركه ومعارك أمته الكبرى بمعارك جانبية تافهة، وإغراقه في دوامة من الجدل لا يخرج منها، إن هذا الجيل هو جيل النصر الذي تتحرر على يديه كل أرض دنسها الطواغيت والفجار، هو الذي ترتفع به راية الله في أرض الله، هذا الجيل هو الجدير بأن يتنزل عليه نصر الله عز وجل، عندما كانت صفات جيل التمكين متمكنة في الجيل الإسلامي الأول استطاع ذلك الجيل:
أن يحرر الجزيرة العربية من دنس الصهيونية في بني النضير وبني المصطلق وبني قينقاع وخيبر.
أن يستأصل شأفة الوثنية في بدر والأحزاب وفتح مكة.
أن ينكس رايات الصهيونية في اليرموك وحطين.
أن يهزم المجوسية في القادسية.
نحن نحتاج اليوم إلى جيل كالجيل الذي كان منه:
- الحاكم الذي لا يستنكف عن الاعتراف بالخطأ فيقول في شجاعة كما قال عمر t: «أصابت المرأة وأخطأ عمر»([48]).
- الحاكم الذي يحرض الرعية على مراقبته والنصح له, فيقول كما قال الصديق t: «إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني»([49]).
- والعالم الرباني الذي لا تفتقده مسيرة الجهاد فيعطي العلم حقه، والجهاد حقه، ولكل حقه، ويكون إمام محراب وقائد حرب مثله كمثل عبد الله بن المبارك t المجاهد الذي كتب إلى أخ له عابد اعتكف في الحرم وترك مسيرة الجهاد فقال له: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك بالعبادة تلعب([50])
إن النبي r حرص كل الحرص في طور الدعوة السرية أن يربي أصحابه على صفات جيل التمكين, ونلاحظ من خلال دراستنا للسيرة أنه × قام بإعلان الدعوة على قريش والمشركين بعد الإعداد الجيد وبناء القاعدة الصلبة على أسس عقدية وخلقية وأمنية وتنظيمية، وحان موعد إعلان الدعوة بنزول قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ...} [الشعراء: 214] فخرج رسول الله r حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه, فاجتمعت إليه قريش، فقال: «يا بني فلان، يا بني عبد مناف ، يا بني عبد المطلب، أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟» قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد», فقال أبو لهب: تبا لك، أما جمعتنا إلا لهذا ثم قام([51]), فنزلت هذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد: 1]. «ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول r دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته، كما أن القيام بالدعوة في مكة لابد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من مركز ديني خطير، فجلبها إلى حظيرة الإسلام لابد أن يكون له وقع كبير على بقية القبائل، على أن هذا لا يعني أن رسالة الإسلام كانت في أدوارها الأولى محدودة
بقريش، لأن الإسلام كما يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية»([52]).
ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والإعراض والسخرية والإيذاء والتكذيب، والكيد المدبر المدروس،ولقد اشتد الصراع بين النبي rوصحبه، وبين شيوخ الوثنية وزعمائها, وأصبح الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك الصراع في كل مكان، وهذا في حد ذاته مكسب عظيم للدعوة، ساهم فيه أشد وألد أعدائها، ممن كانوا يشيعون في القبائل قالة السوء عنها، فليس كل الناس يسلمون بدعاوى القرشيين، بل كان يوجد من مختلف القبائل من يتابع الأخبار، ويتحرى الصواب فيظفر به.
وكانت الوسيلة الإعلامية في ذلك العصر تناقل الناس للأخبار مشافهة وسمع القاصي والداني بنبوة الرسول r , وأصبح هذا الحدث العظيم حديث الناس في كل مكان، وبدأ رسول الله r يشق طريقه لكسر الحصار المفروض على الدعوة، والانتقال بها إلى مواقع جديدة بعد أن رفضت قريش الاستجابة والانقياد للحق المبين([53]), وكان موقفهم كموقف الأقوام السابقة من رسلهم وتعرض النبي r وأصحابه لسنة الابتلاء.
([1]) انظر: فقه الدعوة إلى الله، د. علي عبد الحليم (1/447).

([2]) انظر: فقه الدعوة إلى الله، د. علي عبد الحليم (1/421).

([3])انظر: فقه الدعوة إلى الله، د. علي عبد الحليم (1/472،471).

([4])انظر: فقه الدعوة إلى الله، د. علي عبد الحليم (1/472،471).

([5]) انظر: فقه الدعوة إلى الله (1/475).

([6]) فقه الدعوة إلى الله (1/487).

([7]) انظر: فقه الدعوة إلى الله (1/507).

([8]) انظر: فقه الدعوة إلى الله (1/508).

([9]) انظر: فقه الدعوة إلى الله (1/509).

([10]) المعجم الوسيط، مادة: جرب (1/114).

([11]) القاموس المحيط، باب فصل جيم، ص85.

([12]) المصباح المنير، مادة جرب، ص59.

([13]) هو الصحابي كاتب الوحي وصهر الرسول r, تولى خلافة المسلمين وتوفي عام 60هـ، سير أعلام النبلاء (3/119).

([14]) البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين (10/529).

([15]) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في التجارب (4/379).

([16]) انظر: هكذا علمتني الحياة، للسباعي، ص47.

([17]) البخاري، كتاب الإجارة، باب: رعي الغنم (3/65).

([18]) مسلم، كتاب الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان (1/71).

([19]) انظر: الحكمة في الدعوة إلى الله، ص104.

([20]) البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب: المعراج (7/202).

([21]) انظر: الحكمة في الدعوة إلى الله، ص105.

([22]) البخاري مع الفتح, كتاب مناقب الأنصار، باب: المعراج (7/202).

([23]) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا هناد (4/659).

([24]) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر، ص41.

([25]) البخاري مع الفتح، كتاب العلم، باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم (1/225).

([26]) مسلم، في المقدمة، باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع (1/111).

([27]) انظر: الحكمة من الدعوة إلى الله، ص106.

([28]) انظر: هداية المرشدين، للشيخ علي بن محفوظ، ص24، 31.

([29]) البخاري مع الفتح, كتاب العلم، باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم (1/225).

([30]) البخاري كتاب العلم، باب: كان النبي يتخولهم بالموعظة (1/3).

([31]) المصدر نفسه (1/3) رقم 69.

([32]) البخاري، كتاب الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة (1/179) رقم 644.

([33]) البخاري، كتاب الأذان، باب: رفع البصر في الصلاة (1/205) رقم 750.

([34]) مسلم، كتاب الفضائل، باب: علمه × وشدة خشيته (4/1829).

([35]) مسلم، كتاب العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق (2/1142).

([36]) مسلم، كتاب الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله (3/1506).

([37]) المصدر السابق نفسه (3/1507).

([38]) البخاري، كتاب الأدب، باب: لا يسب الرجل والديه (7/92) رقم 5973.

([39]) انظر: الحكمة في الدعوة إلى الله، ص111.

([40]) البخاري، كتاب الصلاة، باب: تشبيك الأصابع (1/565) رقم 481.

([41]) البخاري، كتاب الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم، (1/103) رقم 6011.

([42]) مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبًا (1/130) رقم 145.

([43]) المكيدة: الخديعة.

([44]) إتمام الوفاء للخضري، ص72.

([45]) انظر: نظرات في رسالة التعليم، ص294.

([46]) مسلم، كتاب الفضائل، باب: كان رسول الله × أحسن الناس خلقا (4/1804) رقم 2312.

([47]) انظر: أسد الغابة (2/196).

([48]) سنن البيهقي (7/233) قال البيهقي: هذا منقطع ومع انقطاعه فيه مجالد وهو ضعيف.

([49]) الطبري في تاريخه (4/30).

([50]) انظر: عبد الله بن المبارك الإمام القدوة لمحمد عثمان.

([51]) دراسة في السيرة، عماد الدين خليل، ص66.

([52]) انظر: الغرباء الأولون، سلمان العودة، ص167.

([53]) انظر: الفوائد لابن القيم، ص283.
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
أحسنتَ أيها الموفّق، طريقة لطيفة ..

سرْ على بركة الله، والتوفيق حليفك إن شاء الله .
 

أبو عبيدة الغامدي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
6 فبراير 2009
المشاركات
46
التخصص
إسلامية
المدينة
بيشة
المذهب الفقهي
حنبلي
اشكرك شيخي الغالي

اشكرك شيخي الغالي

أشكرك بعد شكر الله يا شيخي المبارك ، اسأل الله أن أكون عند حسن ظنك بي وأن يغفر لي ما لا تعلم .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
"مرحلة اختيار العناصر التي تحمل هم الدعوة"
عنوان جذاب، يسرح الفكر منه مباشرة إلى عصر أولئك الرجال، جعلنا الله من التابعين لهم بإحسان.
 

تركي حمد التميمي

:: مطـًـلع ::
إنضم
14 فبراير 2009
المشاركات
136
التخصص
جغرافيا
المدينة
بيشة
المذهب الفقهي
الحنبلي و ماثبت بالدليل
أخي أبو عبيدة
بارك الله فيك
وأسأله تعالى أن يزيدك علما وفهما في دينه
ماعهدناك إلامتفوقاً
زادك الله ثباتاً ونفعك ونفع بك
وجعلك مباركاً أينما كنت
 
أعلى