العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الاختلاط مرة أخرى

أبو عبدالرحمن القحطاني

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
10 ديسمبر 2008
المشاركات
26
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنابلة
كتب الدكتور : أحمد الغامدي مقالين (حول مفهوم الاختلاط وحكمه) في جريدة عكاظ يوم الأربعاء 22/12 واليوم الخميس 23/12 /1430 هـ , وقد رأيت نقل ما يتعلق بحديثه حول الاختلاط هنا للمدارسة .​


(خلط واصطلاح متأخر)

يقول الدكتور: بهذه المناسبة سأتطرق في حديثي هنا عن «الاختلاط» الذي صار فيه الكثير من الخلط في اعتباره من المصطلحات الفقهية المعهودة في بحوث الفقهاء. والحق أن مصطلح الاختلاط بهذا الاصطلاح المتأخر لم يعرف عند المتقدمين من أهل العلم؛ لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه، بل كان الاختلاط أمرا طبيعيا في حياة الأمة ومجتمعاتها..

إن استعمال الفقهاء لعبارة الاختلاط لا يعدو استخدامهم لمفردات المعجم العربي مثل: أخذ، وأعطى، ولذلك لو بحثت عن مصطلح الاختلاط بهذا المعنى المستحدث لم تجده عندهم، كمصطلح: «الخلوة، والنكاح، والطلاق، والرجعة» كما عليه بقية مصطلحات أهل العلم مثل: البيع، والربا، والسلم، والعرايا، وغيرها، وكالمصطلحات المعاصرة التي يمكن قبولها وإدخالها في المعجم الفقهي ضمن نوازله مثل: «التأمين، المرابحة، السندات، بدل الخلو، الحق المعنوي إلخ...»، لكن بعض المتأخرين لما بالغ في موضوع اختلاط النساء بالرجال وصار اللفظ المعاصر ينصرف إليه بإطلاق، تولد ذلك المصطلح الدخيل المتأخر، فغالط به من لم يميز أو من أراد التلبيس، ومثل ذلك لو بالغ الناس في التحذير من جلوس النساء والرجال ولو كان لمصلحة أو عادة، ولا خلوة ولا ريبة فيه، فتولد من كثرة دوران ذلك اللفظ تحذيرا وزجرا مصطلح: «القعود»، كما تولد مصطلح: «الاختلاط» مثلا بمثل، ولهذا خطورته متى ألصق بعلوم الشريعة، وفيه مد سلبي على تراثنا الفقهي متى أعطي مزية المصطلحات، فإن ذلك يعني إعطاءه هوية غير معهودة عند أهل العلم والفقه، قد يلتبس بذلك الحق بتقادم الزمان عليه كما حصل الآن في مصطلح الاختلاط
وقد يتعاطى معه البعض مندفعا من خلال التفاعل معه بعجلة مسلما به كأنه أحد المصطلحات المعهودة دون تمييز
ولاشك أن تمييز ذلك يتطلب دقة وفحصا، وسنجد عناء في إيضاح ذلك اللبس حينذاك كما هو حاصل الآن في إيضاح أن الاختلاط بهذا المعنى المعاصر دخيل على المصطلحات الفقهية المعهودة عن الفقهاء.
لذلك لما ذكرت بعض الموسوعات الفقهية المعاصرة الاختلاط في قاموس ألفاظها، لم تستطع أن تشير إلى أن من معانيه اختلاط النساء بالرجال، بل ذهبت إلى معان أخرى: في الزكاة، والحيوان، والسوائل، وألمحت إلى معناه في مصطلح الحديث.
نظرة وسطية
وعلى أي حال فليس في الكلام على موضوع طروء مصطلح الاختلاط إلا وضع الأمور في نصابها من أن الاختلاط بهذا المعنى المعاصر مصطلح طارئ غير معروف بذلك المعنى عند المتقدمين في مباحث الفقه، أما ما يتعلق بجواز الاختلاط من عدمه فمرده إلى الأدلة الشرعية، وهذا ما يعنينا على وجه التحديد هنا بصورة أكبر
ولذلك كان الخلط في حكمه أكثر جناية حين قال بتحريمه قلة لم يعتبروا بالبراءة الأصلية في إباحته، ولم يتأملوا أدلة جوازه، ولم يقتفوا هدي المجتمع النبوي فيه، وهو قدوتنا في امتثال التشريع في كل شؤون الحياة المختلفة، والحق أنه لم يكن الاختلاط من منهيات التشريع مطلقا بل كان واقعا في حياة الصحابة.
ولقد استمر ذلك الحال على مر العصور حتى طرأ على ذلك الأصل ما غيره من العادات والتقاليد، وبقي منه ما لا يمكن أن تمحوه تلك العادات والتقاليد، فظل كما هو؛ لأنه ارتبط بما شرع الله امتثاله من الطاعات على النساء والرجال كالطواف والسعي والصلاة فهم يؤدونها في مكان واحد، مع أنه قد يقع ممن تسول له نفسه ما يسيء بفعل أو قول محرم، إلا أنه لم يقل أحد من علماء المسلمين بمنع الاختلاط في تلك الأماكن لأجل ما قد يقع ممن تسول له نفسه الإقدام على محرم قل أو كثر.







حتى المانعون للاختلاط

وهكذا الحال في كثير من شؤون حياتنا اليومية، وفي واقع بيوت الكثير من المسلمين ــ ومنهم المانعون للاختلاط ــ تجدها مليئة بالخدم من النساء يقدمن الخدمة فيها وهي مليئة بالرجال الأجانب عنهن، وفي مظهر قد يكون من أشد مظاهر الاختلاط في حياتنا اليومية لا يمكن إنكاره.

إن من يحرمون الاختلاط يعيشون فيه واقعا، وهذا من التناقض المذموم شرعا، ويجب على كل مسلم منصف عاقل لزوم أحكام الشرع دون زيادة أو نقص، فلا يجعل من حماسته وغيرته مبررا للتعقب على أحكام الشرع، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سعد بن عبادة رضي الله عنه حين قال: «والله لأضربنه بالسيف غير مصفح»، في شأن من وجد مع امرأته رجلا آخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى أصحابه تعجبوا من غيرة سعد: «أتعجبون من غيرة سعد، والله إني لأغير من سعد، والله أغير منا، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن»، قال الحافظ ابن عبد البر: «يريد والله أعلم أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله وأن لا يتعدى حدوده فالله ورسوله أغير». فكيف يزايد البعض على المشرع الحكيم، وقد زعم أنه آمن بالله مسلما بحكمه
لقد ارتفع ضجيج المانعين، وعلت أصواتهم في قضية «الاختلاط» مع أن الحجة مع من أجازه بأدلة صريحة صحيحة، فضلا عن استصحاب البراءة الأصلية، وليس مع المانعين دليل إلا ضعيف الإسناد، أو صحيح دلالته عليهم لا لهم.





بالأدلة والنصوص

ونشير هنا إلى أهمية سياق الأدلة الصحيحة الصريحة، وسياق ما احتج به المانعون؛ ليبصر الحق كل منصف دون تعسف أو شطط.
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة لحاجتها ليلا بعدما ضرب عليهن الحجاب، قالت: وكانت امرأة تفرع النساء، جسيمة، فوافقها عمر فأبصرها، فناداها: يا سودة إنك والله ما تخفين علينا، إذا خرجت فانظري كيف تخرجين، أو كيف تصنعين؟ فانكفت، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه ليتعشى، فأخبرته بما قال لها عمر، وإن في يده لعرقا، فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق لفي يده، فقال: (لقد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن)
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه الإذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى.
وعن سهل بن سعد قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك.
قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه «باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس» قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه.
قلت: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم..
وعن سهل بن سعد قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما في الحديث السابق، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه «باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال»، يعني به جواز ذلك، وفيه جواز مخالطة الرجال والنظر إليهم؛ فإنها كانت تقرب الطعام إليهم، وتخدمهم في دارها، كما يفيده الحديث.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في جوازه.
وعن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟، ومعنى «كيف تجدك» أي كيف تجد نفسك، كما نقول نحن: كيف صحتك؟
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد "
قلت: أخرجه البخاري، وبوب عليه بقوله «باب عيادة النساء للرجال» قال: وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار.
قلت: وهذا واضح أيضا في وقوع الاختلاط في عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعظم الناس تقوى وفهما لأحكام التشريع.
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري.
وعن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين)
قلت: أخرجه البخاري، والجويريات تصغير جارية، وهي الفتية من النساء، والحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف.
وعن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل، فقال: «لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم... الحديث».
قلت: أخرجه مسلم، وفيه أن أم شريك ينزل عليها الضيفان ومن لوازم ذلك الاختلاط.
وعن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد.
قلت: أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة.
ويشهد لذلك ما رواه ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا).
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط عموما، وأنه ليس من خصوصياته عليه السلام..
وفي رواية بلفظ: (أنه ــ أي ابن عمر ــ أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه).
قلت: أخرجها ابن خزيمة، وإسنادها صحيح.
وفي رواية بلفظ: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا).
قلت: أخرجها أبو داود، وإسنادها صحيح، والمعنى في هذه الألفاظ واحد، وكلها تفيد جواز الاختلاط عموما، وقد وجهه البعض بأن القصد هو وضوء الرجل وزوجه فقط، وهو توجيه باطل، يرده منطوق تلك الروايات التي تقطع بجواز الاختلاط عموما.
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز خروج المرأة في الغزو لخدمة القوم ومداواتهم، ورد الجرحى والقتلى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: «فهلا آذنتموني»، فأتى قبرها، فصلى عليها.
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه مشروعية عمل المرأة في المسجد ونحوه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال: (والله إنكن لأحب الناس إلي).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وقوله: (لأحب الناس إلي) يعني بذلك الأنصار، وقد بوب عليه البخاري ــ رحمه الله ــ بقوله: «باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس»، قال الحافظ ابن حجر: أي لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به، كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس. وأخذ المصنف قوله في الترجمة «عند الناس» من قوله في بعض طرق الحديث «فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك» وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا.
وفيه جواز الاختلاط، وجواز الخلوة بالمرأة عند الناس، وكل خلوة تنتفي فيها التهمة لا يتحقق فيها النهي على الصحيح، وإنما المحرم منها ما تحققت فيه التهمة فقط
وعن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد برأها من ذلك). ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان).
قلت: أخرجه مسلم والنسائي وابن حبان، وفيه جواز الاختلاط، كما يفيده الحديث، والمغيبة هي ذات الزوج التي غاب عنها زوجها.
وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه جواز دخول الرجل على المرأة في غير تهمة، وفيه جواز فلي المرأة رأس الرجل، ونحوه القص والحلق.
وقصة أم حرام هذه وقعت بعد نزول الحجاب، وبعد حجة الوداع كما حكاه ابن حجر في الفتح في شرح كتاب الاستئذان، وقد أشكل توجيهها على البعض فقال ابن عبدالبر: أظن أن أم حرام قد أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة.
قلت: لم يذكر ابن عبدالبر لذلك دليلا إلا قوله أظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، وليس له في ذلك مستند يعتمد عليه، فإن أمهات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار البتة، وأم حرام من خؤولة النبي صلى الله عليه وسلم وهي خؤولة لا تثبت بها محرمية، فإنها من بني النجار، يجتمع نسبها مع أم عبدالمطلب جدة النبي صلى الله عليه وسلم في عامر بن غنم جدهما الأعلى.
فأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
وأم عبدالمطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن حراش بن عامر بن غنم المذكور.
أفاد ذلك ابن حجر نقلا عن الدمياطي (انظر فتح الباري 11/80، فإن الشرح هناك مستوفى).
ومن زعم أن ذلك من خصوصياته عليه السلام، فقد تحكم بغير برهان فإن الخصوصية حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، والأصل مشروعية التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ولا يترفع عن التأسي بأفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا متهوك ضال.
والصواب أن فلي المرأة رأس الرجل من الأمور الجائزة ونحوه القص والحلق، فالحديث يفيد جواز ه وجواز الاختلاط.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء، فقال: (أحججت)؟ قلت: نعم، قال: (بما أهللت)؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أحسنت، انطلق، فطف بالبيت وبالصفا والمروة). ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس، ففلت رأسي، ثم أهللت بالحج... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وهذا الفعل من أبي موسى يشعر بأن ذلك أمر لم يكن يستخفى به، بل حدث به دون نكير وفعل أبي موسى رضي الله عنه وفهمه يعضد ما تقدم من الرد على من زعم خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئا) ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة، أريد أن أجزيها، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلقت ورجعت، فبايعها.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما يشير لمشروعية مصافحة النساء من قولها «فقبضت امرأة يدها» ولا صارف يصرف النص عن ظاهره فضلا عما يشهد له من النصوص الأخرى، فحديث أم عطية رضي الله عنها يفيد جواز ما هو أكثر من الاختلاط وهي المصافحة.
وهذا لا يعارضه ما روته عائشة رضي الله عنها بقولها «ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها»؛ فإن ذلك لا يؤخذ منه تحريم المصافحة؛ لأنه ليس فيه إلا إخبار عائشة رضي الله عنها عما رأته وليس فيه نهي ولا نفي لما لم تره، وقد روى ما يدل على مشروعية مصافحة المرأة غير عائشة رضي الله عنها، ويشهد لصحة معناه أحاديث أخرى.
وروي بنحوه عن فاطمة بنت عتبة رضي الله عنها ولفظه (فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها).
أخرجه الحاكم وصححه الذهبي وحسن إسناده الألباني. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.
قلت: أخرجه البخاري تعليقا وإسناده صحيح وليس بين الأمة والحرة فرق في ذلك ففيه جواز ما هو أكثر من الاختلاط كالمصافحة ونحوها.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: تزوجني الزبير، وما له من الأرض من مال ولا مملوك... الحديث بطوله، وفيه، قالت: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم.
وفي لفظ آخر (... فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال «إخ إخ» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه، وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز إرداف المرأة وهو يفيد جواز ما هو أكثر من الاختلاط كالإرداف والمصافحة ونحوها وهو على ملأ من الصحابة ولم يخصص نفسه عليه السلام بذلك.






بين الضعيف والصحيح
ولم يتمسك القائلون بتحريم الاختلاط إلا بأحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها، أما الصحيحة منها فتدل على جواز الاختلاط لا على تحريمه كما زعموا فمن ذلك:
ما رواه ابن جريج أخبرنا عطاء ــ إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ــ قال: كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: عنك، وأبت، فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمنا حتى يدخلن، وأخرج الرجال... الحديث.
قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه بقوله «باب طواف النساء مع الرجال»، فطواف النساء مع الرجال قد أقره عليه السلام، وعليه عمل السلف، ولو كان الاختلاط محرما لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين طافوا معه بالبيت الحرام نساء ورجالا أحق الناس بامتثال ذلك، ولا يزايد على تقواهم إلا ضال.
أما قول عطاء: (لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم) فإن ذلك لا يعني نفي مطلق الاختلاط، كما قد يغالط به العوام وأشباههم، وإنما معناه لم يكن أزواجه عليه السلام يزاحمن الرجال؛ فإن المزاحمة لا تجوز، وإنما تسمى اختلاطا تجوزا في العبارة، وقد كن يطفن حجرة عن الرجال أي ناحية عنهم فالاختلاط عموما واقع في الطواف، ولذلك بوب عليه البخاري بقوله «باب طواف النساء مع الرجال» استنباطا من ذلك الحديث، ويصحح ذلك الاستنباط ما جاء في أول الحديث من إثبات طواف الرجال مع النساء بقوله: (كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟). وعلى هذا فغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى، ولذلك لم تنكر عائشة رضي الله عنها على من قالت لها (انطلقي نستلم) وتركتها وما أرادت.
قال الحافظ ابن حجر قوله: (حجرة) بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها راء أي ناحية، قلت: أما قوله (إذا دخلن البيت) فالمراد بالبيت الكعبة فإنه كان يخرج الرجال حينذاك ليتيسر للنساء الصلاة فيها بغير مزاحمة.
وعن ‏أم سلمة رضي الله عنها ‏زوج النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏قالت شكوت إلى رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أني أشتكي، فقال: ‏طوفي من وراء الناس وأنت راكبة.
قلت: أخرجه البخاري وليس فيه إلا إرشادها لما كانت شاكية أي مريضة أن تطوف راكبة من وراء الناس؛ لئلا تؤذيهم بدابتها، وهذا يشير إلى جواز الطواف مع الرجال لو لم تكن راكبة على الدابة.
وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم، قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيرا قبل أن يقوم. قال ابن شهاب: فنرى ــ والله أعلم ــ لكي ينفذ من ينصرف من النساء قلت: أخرجه البخاري وغيره وهو لا يفيد تحريم الاختلاط بل الاختلاط واقع فيه، وإنما يفيد الأخذ بالاحتياط؛ لمنع مزاحمة الرجال للنساء.
كما استدل بعض من منع الاختلاط بحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها).
قلت: أخرجه أبو يعلى وإسناده صحيح وليس فيه ما يدل على تحريم الاختلاط، بل الاختلاط واقع فيه كما ترى، وليس فيه أكثر من حث الرجال على الصف الأول، وإرشاد النساء بالتباعد عن صفوف الرجال، تجنبا لأسباب الفتنة بين الجنسين في الصلاة، فضلا عما في الوقوف بين يدي الله في الصلاة من لزوم التخلي عما قد يقطع المصلي عن الخشوع وهذا ما تفيده لفظة (خير) ولا تفيد تحريم الاختلاط، كما زعم من احتج بهذا على المنع.
والشر هنا نسبي فإن الصلاة خير كلها للرجال والنساء فإنهم بلا شك مأجورون في الصلاة كلهم وليس منهم آثم.
واحتجوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي الرجل بين المرأتين.
قلت: أخرجه البيهقي وإسناده ضعيف جدا فيه داود ابن أبي صالح الليثي وهو منكر الحديث.
واحتجوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس للنساء وسط الطريق).
قلت: أخرجه ابن حبان وإسناده ضعيف جدا، فيه شريك بن عبدالله بن أبي نمر سيئ الحفظ، وفيه مسلم بن خالد الزنجي قال البخاري فيه: منكر الحديث، ذاهب الحديث.
واحتجوا بحديث أبي أسيد الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد واختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق)، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
قلت: أخرجه أبو داود والطبراني، وإسناده ضعيف جدا في إسناده أبو اليمان الرحال وهو مجهول الحال، وفيه شداد بن أبي عمرو بن حماس مجهول أيضا وفيه أبوه أبو عمرو وهو مجهول أيضا.
وروي هذا الحديث بمعناه عن عمرو بن حماس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء سراة الطريق).
قلت: أخرجه البيهقي والدولابي إسناده ضعيف مرسل، فإن عمرو بن حماس لا تثبت له صحبة وهو مجهول، كما قال أبو حاتم مجهول.
واحتجوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء نصيب في الخروج، وليس لهن نصيب في الطريق إلا في جوانب الطريق).
قلت: إسناده ضعيف جدا وفيه سوار بن مصعب، وهو متروك الحديث قاله الهيثمي وعزاه إلى الطبراني في الكبير [2/200].
واحتجوا بحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للنساء نصيب في سراة الطريق).
قلت: أخرجه الطبراني وإسناده ضعيف جدا، فيه شريك بن أبي نمر سيئ الحفظ، وفيه عبدالعزيز بن يحيى قال فيه الهيثمي: كذاب.
واحتجوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو تركنا هذا الباب للنساء). قال نافع: فلم يدخل ابن عمر حتى مات.
قلت: أخرجه أبو داود وغيره واختلف فيه رفعا ووقفا والصحيح وقفه على عمر فليس هو من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان اجتهادا من عمر رضي الله عنه وليس في تخصيص باب للنساء للخروج والدخول منه، ما يدل على تحريم الاختلاط بل الاختلاط واقع في المسجد كما ترى.
واحتجوا في منع جواز نظر المرأة للرجل الأجنبي بحديث نبهان مولى أم سلمة أن أم سلمة رضي الله عنها حدثته: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتجبا منه) فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه).
قلت: أخرجه الترمذي والطحاوي والطبراني في الكبير وإسناده ضعيف لجهالة نبهان مولى أم سلمة قد ضعفه الألباني أيضا، والصحيح الثابت المعارض له هو المحفوظ.
واحتجوا في منع جواز المصافحة بحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له).
قلت: أخرجه الطبراني والروياني واختلف فيه رفعا ووقفا والموقوف أرجح إلا أنه ليس مما له حكم الرفع وإسناد المرفوع ضعيف لضعف شداد بن سعيد وتفرده به.
واحتجوا بحديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلنا يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف قال: فيما استطعتن وأطقتن، قالت فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله: (إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة).
قلت أخرجه أحمد والحاكم وأصحاب السنن وإسناده ضعيف تفرد محمد بن المنكدر به، وهو كثير الإرسال روى عن كثير من الصحابة، وهو لم يلقهم أو يسمع منهم، ولم يتابعه عليه أحد، وأميمة لم يروى لها إلا هذا الحديث وفي معناه نكارة فضلا عن مخالفته لما صح.
أما النكارة ففي قوله «فيما استطعتن وأطقتن» فقيده بالطاقة مع تضمنه أعظم المنهيات وهو الشرك وترك الشرك لا يحتاج فيه المكلف إلا الكف عنه، ولذلك لم يرد التقييد بالطاقة في المنهيات، وإنما جاء في المأمورات. والمخالفة لما جاء في النصوص الصحيحة الدالة على خلافه.
واحتجوا بحديث أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء المسلمين للبيعة فقالت له أسماء ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لست أصافح النساء ولكن آخذ عليهن).
قلت: أخرجه الحميدي والطبراني في الكبير وإسناده ضعيف في سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف.
واحتجوا بحديث عقيلة بنت عبيد بن الحارث، قالت: جئت أنا وأمي قريرة بنت الحارث في نساء من المهاجرات فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه، فلما أقررنا وبسطنا أيدينا لنبايعه، قال: (إني لا أمس أيدي النساء) فاستغفر لنا وكانت تلك بيعتنا.
قلت: أخرجه الطبراني وإسناده ضعيف فيه موسى بن عبيدة ضعيف.
واحتجوا بحديث عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده الماء فإذا بايع النساء غمس أيديهن فيه).
أخرجه الطبراني وإسناده ضعيف لضعف عبدالله بن حكيم الداهري.
واحتجوا بحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح النساء من تحت الثوب).
أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده ضعيف لضعف عتاب بن حرب ولانقطاعه فإن الحسن لم يسمع من معقل بن يسار، قاله أبو حاتم. [المراسيل].
مفاد النصوص الصريحة.
فكما ترى النصوص الصحيحة الصريحة كلها تفيد جواز نظر النساء إلى الرجال ونظر الرجال إلى النساء في غير فتنة، كما تفيد جواز الخلوة بالمرأة عند الناس ومصافحتها، والاختلاط بين الجنسين من لوازم ذلك قطعا، سواء كان في الأسواق والمحال للبيع والشراء أو العمل والدراسة، والمساجد والمصليات، والطرقات، وغيرها من الأماكن ولا نص لمن قال بتحريم شيء من ذلك دون شيء في غير تهمة أو مزاحمة.
ولا يعارض هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على جواز الاختلاط شيء كما ترى والأمر بغض البصر، وحفظ الفروج، والبعد عن الفتنة، لا يناقض ذلك؛ لأن الاختلاط لا يسوغ ما لا يجوز من الأقوال والأفعال بين الجنسين، وهذه الأحاديث الصحيحة دلت صراحة على جواز الاختلاط وأنه لا حد يمنع منه الشرع في القرب بين الرجال والنساء، حتى لو سمي اختلاطا، ومن ادعى خلاف ذلك طولب بالدليل، ولا دليل يقضي له بتلك الدعوى، بل النصوص الصريحة الصحيحة دالة بوضوح على جواز الاختلاط وما هو أكثر من الاختلاط كالخلوة بالمرأة عند الناس والمصافحة، فإن قال قائل إنما منعنا ما كان على وجه الاستمرار والدوام، لأنه قد يورث مالا تحمد عاقبته بين الجنسين، قلنا له: لو كان ذلك صحيحا لعمل به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم أحق الناس بذلك، ولتضمنته النصوص التي نعتقد أن الله أتم بها وحيه، فلم يبق إلا أن يكون القول بالتحريم افتياتا على الشارع والافتيات عليه ابتداع في الدين.

الاختلاط في غير تهمة
والحق الخالص أنه لم يقم دليل على منع القرب بين الجنسين في غير تهمة، لا بمسافة، ولا بزمن دون زمن، ولا بمكان دن مكان، والأصل في المسكوت عنه الإباحة، فكيف بما وردت فيه النصوص بالجواز، وإنما قال بتحريم الاختلاط من قال توسعا في العمل بقاعدة سد الذرائع، وبأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولم يلتفت القائلون بذلك إلى الآثار النبوية الصحيحة وأحوال الصحابة نساء ورجالا رضي الله تعالى عنهم أجمعين، حيث دلت أحوالهم المنقولة بالآثار الصحيحة على جواز الاختلاط في غير تهمة، إن القول بالتحريم تشدد وغلو وهو الذي لا تحمد عاقبته، وقد صحت النصوص بخلافه.
أما القول بالتحريم لفساد الزمان، فمردود بقوله تعالى: (قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم) وبقوله تعالى: (قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون)، فالحذر الحذر من المزايدة في هذا، فإن الله لا تخفى عليه خافية، وذلك ابتداع وضلال، والواجب أن يسلم المؤمنون لأحكام الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ولا يقدموا بين يدي الله ورسوله.
ومن المقطوع به أن الشريعة قد أتمها الله وبلغها رسوله عليه الصلاة والسلام كاملة، فيجب أن نؤمن بذلك ونؤمن بأنها صالحة لكل أحد ولكل زمان ولكل مكان، وإنما الواجب الحقيقي على الولاة والعلماء والدعاة والمربين تربية الناس بأحكام الشرع هذه؛ تعبدا لله وطلبا لمرضاته، فهذه هي التقوى الحقيقية، وذلك هو الأمان الحقيقي من الفساد وليس الغلو والتشدد أمرا صحيحا لمنع الفساد بين الجنسين.
أما من حرص على الأكمل من الجنسين احتياطا وورعا واختار لنفسه ما يصلح لها دون إلزام للآخرين به فهذا له، لكن الذي يجب أن يعلم أن التقوى شيء، والفتوى شيء آخر، والملاحظ هنا أن كثيرا من الناس إذا تربى على عوائد معينة ودار في فلكها صعب عليه الخروج من دائرتها الضيقة، وتأول النصوص لأجلها، وجهل الآخرين، وصادر اجتهاداتهم، وقدح في نياتهم، وسفه عقولهم، وهذه من أسوأ صور التقليد والانغلاق.
أما من عجزت نفسه عن العمل بأحكام الله، أو انقطع عقله عن فهم مقاصدها وحكمها، فلا نملك له أكثر من الدعاء له بالتوفيق والهداية ولعل بعضهم يصدق عليه قول الشاعر:
وليس يصح في الأذهان شيء ** إذا أحتاج النهار إلى دليل.
 

عبدالرقيب الشامي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
2 أبريل 2009
المشاركات
8
التخصص
أصول فقه
المدينة
الضالع
المذهب الفقهي
الحنبلي
مهلا يا رئيس الهيئة لقد ارتقيت مرتقا صعبا
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد

فهذا رد على مقالي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي والذي يبيح فيهما الاختلاط واللذان نشرا في صحيفة عكاظ بتاريخ 22و23/12/ 1430هـ العدد/3097 و 3098 والذي عنون لمقاله بـ ( الاختلاط مصطلح جديد والأدلة الشرعية ترد بقوة على من يحرمه ........) فبدأ رأيه بإنكار وجود مصطلح الاختلاط في كتب الفقهاء و في الموسوعات الفقهية فقال ( هذا المصطلح الدخيل المتأخر ) وقال ( لم يعرف عند المتقدمين من أهل العلم ,لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه ) ثم في نفس الوقت يناقض نفسه يقرره ويستدل عليه بأدلة ويقول ( بل كان الاختلاط أمرا طبيعيا في حياة الأمة ومجتمعاتها ) يقول الباحث إبراهيم السكران : ( من ذكر أن أئمة الفقه الأربعة لايعرفون لفظ الاختلاط فهذا قد وضع نفسه في حرج علمي بالغ لأن لفظ الاختلاط كالأصل الفقهي المنبثق في أبواب كثيرة بحيث يؤثر على كثير من الأحكام الشرعية واستخراج معالجات الفقهاء لمنكر الاختلاط لايحتاج لعبقرية فقهية أصلا , ومن أشهر المواضع التي يعالج فيها الفقهاء موضوع اختلاط الجنسين هي : مسألة ( مكث الرجال في المسجد بقدر ما ينصرف النساء ) ومسألة ( صيانة المسجد عن الاختلاط ) ومسألة ( الاعتكاف ) ومسائل ( الفتيا والقضاء )ومسائل ( مخالطة أنواع من الرجال كمن تعطلت غريزته ) وغير ذلك من المسائل ثم دلل الشيخ على ذلك ببعض المسائل المبثوثة في كتب الفقهاء الأربعة أكتفي بذكر دليل واحد من كل مذهب فمن ذلك : ماجاء في الفقه الحنفي : يقول الإمام السرخسي في معرض كلامه على القضاء والفتيا ( في اختلاط النساء مع الرجال عند الزحمة من الفتنة والقبح ما لا يخفى ) انظر المبسوط للسر خسي 16/ 80 الفقه المالكي : قال الشيخ خليل رحمه الله ( ينبغي للقاضي أن يفرد وقتا أو يوما للنساء كالمفتي والمدرس سترا لهن وحفظا من اختلاطهن بالرجال في مجلسه ) انظر مختصر خليل 8/ 306 الفقه الشافعي : يقول المرداوي رحمه الله ( والمرأة منهية عن الاختلاط بالرجال ) انظر الحاوي الكبير 2/ 51 الفقه الحنبلي : يقول ابن قدامة رحمه الله ( فصل : إذا كان مع الإمام رجال ونساء , فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يرى أنهن انصرفن ولأن الإخلال بذلك من أحدهما يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء ) انظر المغني لابن قدامه 1/ 328 وهذا الإمام ابن القيم رحمه الله يعقد فصلا يقول فيه ( فصل ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال ) انظر الطرق الحكمية لابن القيم 237 أ هـ أ هـ بتصرف أقول وهب أن لفظ الاختلاط مصلح حديث ومبتدع على حد قولك هل هذا كاف في إباحته . فعلى سبيل المثال أولئك الذين خرجوا على ولي الأمر وأشهروا السلاح في وجوه المسلمين لو تسمو بالمجاهدين هل هذا سيبيح توجههم السيئ وحقيقة كنت مترددا في فهم مقصدك من الاختلاط المباح لديك أهو المصطلح المعاصر المشاهد حاله والذي لا يخفى مآله في أغلب البلاد من اختلاط الطلاب بالطالبات واختلاط الأطباء بالممرضات والمدير بالموظفات وتجاذب أطراف الحديث والتعارف والانبساط والتآلف مع بعضهم البعض وممارسة الهوايات وقضاء أوقات للنزهة بحكم الزمالة في الدراسة والعمل وهذا ما حصل ويحصل وسوف يحصل رضينا أم أبينا مما تئن لوطئت فساده وآثاره الأمم التي سبقت إلى إباحة الاختلاط حتى تجرعت آلامه وغصصه مما جعلها تبحث عن المخرج والنجاة كما ثبت ذلك في بحوثهم واعترافاتهم مما يضيق المقام في التعريج عليه ولا ينكره الا جاهل أو صاحب هوى مكابر , أم هو ما دللت عليه بالأدلة من السنة مع تحفظي على أوجه استدلالاتك التي يظهر منها عدم استيعابك للنص أصلا وعدم رجوعك لأقوال العلماء في بيان معانيها , فقط تذكر النص ثم تعلق عليه بقولك ( وقلت وقلت ) وكأنك أحد شراح الحديث كابن حجر أو النووي وغيرهما وتجزم بصحة قولك وكأنه آية من القرآن تتلى ضللت وبدعت من خالفه فما هذا الاستعلاء على أقوال أهل العلم ورأيهم وما هذا الغرور بالذات فذكرت جملة من الأحاديث لايعدو أن يكون منها ما تفرضه طبيعة الحال ومنها ما هو ضروري ومنها ما هو قبل الحجاب ومنها ما هو في أمر خاص ومنها ما هو عارض ولم يزد على سلام ورده وقضاء حاجة وما أشبه ذلك مما ليس فيه خلاف أصلا وقد فند علماء الإسلام هذه الأدلة وكشفوا شبهات من تمسك بها , وإن كنت أجزت الاختلاط في مقالك الأول بدون قيد أو شرط ولكني غلبت جانب إحسان الظن بك لكونك ممن ينتسب للحسبة ولا يمكن أن يظن به هذا الظن السيئ حتى أتيت بالمقال الثاني في ذات الصحيفة وياليتك اكتفيت بالأول فقد زدت الطين بلة والخرق اتساعا وصرحت بجواز الاختلاط في مجال الدراسة والعمل بل وتجاوزت ذلك إلى إباحة مصافحة المرأة الأجنبية والنظر إليها وأنها يجوز لها أن تأخذ بيد الرجل في أي السكك شاءت وأن تفلي رأسه مما تأكد إلي بعد ما ترمي إليه وأنك تقصد الأول فأي فهم سقيم أعظم من هذا الفهم المهلك وأي ضلال بعد هذا الضلال , ولم تكتف بذلك بل تهجمت وشنعت وقبحت من يخالفك الرأي من العلماء المعتبرين الذين أفتوا بحرمة الاختلاط ووصمتهم بأنههم يعيشون تناقضا وجعلوا من حماستهم وغيرتهم مبررا للتعقب على أحكام الشرع ووصفتهم بأنهم جاؤا بقول مبتدع وافتاتوا على الدين ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) فأين أنت من قول الله عز وجل ( وإذا قلتم فاعدلوا ) ( وقوله تعالى ( ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ) وأين أنت من آداب الخلاف وآداب العلماء وآداب الحوار وأنت تدعي العلم والفقه فقل لي بربك هل هذه أخلاق تليق برئيس هيئة أو بمحتسب أو طالب علم أو حتى أحد من عامة المسلمين ألم تعلم أن من قال بعدم جواز الاختلاط هم من كبار علماء هذا البلد المبارك وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز وابن عثيمين و ابن جبرين و ابن غديان وابن غصون وصالح الفوزان وسماحة المفتي العام للمملكة عبد العزيز آل الشيخ رحم الله الميتين وحفظ الله الحي منهم وقل لي بربك ما الفرق بينك وبين أولئك في هذا المسلك الذين تهجموا على أحد أعضاء هيئة كبار العلماء وشنوا الغارات الآثمة تلو الغارات في الأيام الماضيه ممن ليسوا أهلا للحديث عن الأحكام الشرعية وليس لهم معرفة بها مع توججهم وفكرهم المشبوه ؟؟؟ ولاشك أن هذا المسلك المشين ليوسع الهوة بين الأمة وعلماءها ويضعف ثقة الناس بهم وبفتاويهم المبنية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما رزئت الأمة وما بليت بشر أعظم من هذا المسلك فأصبح كل من هب ودب يفتي ويضلل الناس وما خرجت فلول الإرهاب والتكفير والتفجير إلا بسبب الفتاوى الشاذة الضالة المنحرفة وبسبب أولئك الذين تسوروا على أهل العلم وافتاتوا عليهم فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) إضافة إلى إغفالك لفتاويهم في الاختلاط وضربك بعرض الحائط أقوالهم بأدلتها بل وتجاهلت أو جهلت قواعد الشريعة ومقاصدها كقاعدة ( سد الذرائع ) وقاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ) والتي من فقدها ينبغي أن لا ينبري للاحتساب فضلا عن أن يكون رئيس هيئة ففاقد الشيء لا يعطيه وهذا في نظري هو الذي أوقعك في هذه الهاوية وجرك إلى إغفال مفاسد الاختلاط التي تئن من وطئتها وشرورها الأمم التي سبقتنا إليه ومجتمعنا أيضا اكتوى بناره ومثلك لا يجهل الحوادث المتكررة من التحرش والاعتداء على الأعراض والابتزاز في المجالات المختلطة مما عجت به صحفنا المحلية حتى مع الأسف ممن هم في موقع الأمانة والثقة , فلم يعد أمرا خافيا على أحد ثم ما هو قولك وموقفك كرجل دولة من المرسوم الملكي ذي الرقم 11651 / 16/ 5/ 1403هـ القاضي بمنع الاختلاط في شتى أماكن العمل .ثم لو أردت الحق فيكفيك أن تفهم قول الله عز وجل ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( إياكم والدخول على النساء ) ولاشك أن ما ذهبت إليه فرح به دعاة الاختلاط ودعاة التبرج والسفور أشد الفرح لكونه صدر من شخص يمثل جهة من أهم الجهات الحكومية التي أنيط بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه منع الاختلاط وحماية الأمة من مفاسده وأضراره ولو كتبت مقالك هذا بمجرد اسمكم الكريم فقط لما حصل على ما حصل عليه من النفخ فيه والتلميع والاهتمام البالغ وإني أخشى أن تكون قد اتخذت مطية لهم ولباطلهم الذي يقاتلون من أجله ليل نهار بل هذا ما حصل فانظر إلى مقالك كيف تصدر عنوانه الصحف المحلية والعالمية بدون قيد أو شرط فبعد هذا ما أنت قائل بحكم عملك ومسؤوليتكم وأمانتكم لو بلغك بأن مجموعة من الشباب والشابات الأجانب عن بعضهم اجتمعوا في إحدى الحدائق العامة أو في بهو الجامعة أو المستشفى على مرأى من الناس ( وبدون خلوة ) يتجاذبون أطراف الحديث ويتناولون بعض المرطبات ؟؟؟ لا شك بأن فكرك ومذهبك هذا يقول لاخلوة ولاشبهه فلا إنكار عليهم . فتكون حين إذن قد عطلت جزءا كبيرا من أعمال الهيئة ومسؤلياتها وأقررت منكرا عظيما بحد ذاته ينكره من له أدنى حد من الدين والعقل وما أنت قائل لو سمعت بأن هناك صالونا للحلاقة يعمل فيه نساء يقمن بحلاقة رؤوس الرجال وفليها ؟؟؟ أو أن هناك قصرا للأفراح يوجد فيه نساء يقمن بخدمة الرجال ؟؟؟ فاتق الله يا شيخ ولا تلبس على الناس دينهم وأخلاقهم , ولله در القائل ( يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن ) وقول الله أبلغ ( أفمن زين له سؤ عمله فرآه حسنا ) أسال الله أن يهدينا وإياكم إلى طريق الصواب وأن يرينا وإياكم الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه فما قلت من صواب فمن الله وما قلت من خطأ فمن نفسي والشيطان , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,
كتبه الفقير إلى عفو ربه / عبد الله بن حمدان الحربي خريج المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (قسم الحسبة ) بجامعة أم القرى
(( منقول ))​
 

عبدالرقيب الشامي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
2 أبريل 2009
المشاركات
8
التخصص
أصول فقه
المدينة
الضالع
المذهب الفقهي
الحنبلي
مهلا يا رئيس الهيئة لقد ارتقيت مرتقا صعيا

مهلا يا رئيس الهيئة لقد ارتقيت مرتقا صعيا

مهلا يا رئيس الهيئة لقد ارتقيت مرتقا صعبا
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد

فهذا رد على مقالي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي والذي يبيح فيهما الاختلاط واللذان نشرا في صحيفة عكاظ بتاريخ 22و23/12/ 1430هـ العدد/3097 و 3098 والذي عنون لمقاله بـ ( الاختلاط مصطلح جديد والأدلة الشرعية ترد بقوة على من يحرمه ........) فبدأ رأيه بإنكار وجود مصطلح الاختلاط في كتب الفقهاء و في الموسوعات الفقهية فقال ( هذا المصطلح الدخيل المتأخر ) وقال ( لم يعرف عند المتقدمين من أهل العلم ,لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه ) ثم في نفس الوقت يناقض نفسه يقرره ويستدل عليه بأدلة ويقول ( بل كان الاختلاط أمرا طبيعيا في حياة الأمة ومجتمعاتها ) يقول الباحث إبراهيم السكران : ( من ذكر أن أئمة الفقه الأربعة لايعرفون لفظ الاختلاط فهذا قد وضع نفسه في حرج علمي بالغ لأن لفظ الاختلاط كالأصل الفقهي المنبثق في أبواب كثيرة بحيث يؤثر على كثير من الأحكام الشرعية واستخراج معالجات الفقهاء لمنكر الاختلاط لايحتاج لعبقرية فقهية أصلا , ومن أشهر المواضع التي يعالج فيها الفقهاء موضوع اختلاط الجنسين هي : مسألة ( مكث الرجال في المسجد بقدر ما ينصرف النساء ) ومسألة ( صيانة المسجد عن الاختلاط ) ومسألة ( الاعتكاف ) ومسائل ( الفتيا والقضاء )ومسائل ( مخالطة أنواع من الرجال كمن تعطلت غريزته ) وغير ذلك من المسائل ثم دلل الشيخ على ذلك ببعض المسائل المبثوثة في كتب الفقهاء الأربعة أكتفي بذكر دليل واحد من كل مذهب فمن ذلك : ماجاء في الفقه الحنفي : يقول الإمام السرخسي في معرض كلامه على القضاء والفتيا ( في اختلاط النساء مع الرجال عند الزحمة من الفتنة والقبح ما لا يخفى ) انظر المبسوط للسر خسي 16/ 80 الفقه المالكي : قال الشيخ خليل رحمه الله ( ينبغي للقاضي أن يفرد وقتا أو يوما للنساء كالمفتي والمدرس سترا لهن وحفظا من اختلاطهن بالرجال في مجلسه ) انظر مختصر خليل 8/ 306 الفقه الشافعي : يقول المرداوي رحمه الله ( والمرأة منهية عن الاختلاط بالرجال ) انظر الحاوي الكبير 2/ 51 الفقه الحنبلي : يقول ابن قدامة رحمه الله ( فصل : إذا كان مع الإمام رجال ونساء , فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يرى أنهن انصرفن ولأن الإخلال بذلك من أحدهما يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء ) انظر المغني لابن قدامه 1/ 328 وهذا الإمام ابن القيم رحمه الله يعقد فصلا يقول فيه ( فصل ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال ) انظر الطرق الحكمية لابن القيم 237 أ هـ أ هـ بتصرف أقول وهب أن لفظ الاختلاط مصلح حديث ومبتدع على حد قولك هل هذا كاف في إباحته . فعلى سبيل المثال أولئك الذين خرجوا على ولي الأمر وأشهروا السلاح في وجوه المسلمين لو تسمو بالمجاهدين هل هذا سيبيح توجههم السيئ وحقيقة كنت مترددا في فهم مقصدك من الاختلاط المباح لديك أهو المصطلح المعاصر المشاهد حاله والذي لا يخفى مآله في أغلب البلاد من اختلاط الطلاب بالطالبات واختلاط الأطباء بالممرضات والمدير بالموظفات وتجاذب أطراف الحديث والتعارف والانبساط والتآلف مع بعضهم البعض وممارسة الهوايات وقضاء أوقات للنزهة بحكم الزمالة في الدراسة والعمل وهذا ما حصل ويحصل وسوف يحصل رضينا أم أبينا مما تئن لوطئت فساده وآثاره الأمم التي سبقت إلى إباحة الاختلاط حتى تجرعت آلامه وغصصه مما جعلها تبحث عن المخرج والنجاة كما ثبت ذلك في بحوثهم واعترافاتهم مما يضيق المقام في التعريج عليه ولا ينكره الا جاهل أو صاحب هوى مكابر , أم هو ما دللت عليه بالأدلة من السنة مع تحفظي على أوجه استدلالاتك التي يظهر منها عدم استيعابك للنص أصلا وعدم رجوعك لأقوال العلماء في بيان معانيها , فقط تذكر النص ثم تعلق عليه بقولك ( وقلت وقلت ) وكأنك أحد شراح الحديث كابن حجر أو النووي وغيرهما وتجزم بصحة قولك وكأنه آية من القرآن تتلى ضللت وبدعت من خالفه فما هذا الاستعلاء على أقوال أهل العلم ورأيهم وما هذا الغرور بالذات فذكرت جملة من الأحاديث لايعدو أن يكون منها ما تفرضه طبيعة الحال ومنها ما هو ضروري ومنها ما هو قبل الحجاب ومنها ما هو في أمر خاص ومنها ما هو عارض ولم يزد على سلام ورده وقضاء حاجة وما أشبه ذلك مما ليس فيه خلاف أصلا وقد فند علماء الإسلام هذه الأدلة وكشفوا شبهات من تمسك بها , وإن كنت أجزت الاختلاط في مقالك الأول بدون قيد أو شرط ولكني غلبت جانب إحسان الظن بك لكونك ممن ينتسب للحسبة ولا يمكن أن يظن به هذا الظن السيئ حتى أتيت بالمقال الثاني في ذات الصحيفة وياليتك اكتفيت بالأول فقد زدت الطين بلة والخرق اتساعا وصرحت بجواز الاختلاط في مجال الدراسة والعمل بل وتجاوزت ذلك إلى إباحة مصافحة المرأة الأجنبية والنظر إليها وأنها يجوز لها أن تأخذ بيد الرجل في أي السكك شاءت وأن تفلي رأسه مما تأكد إلي بعد ما ترمي إليه وأنك تقصد الأول فأي فهم سقيم أعظم من هذا الفهم المهلك وأي ضلال بعد هذا الضلال , ولم تكتف بذلك بل تهجمت وشنعت وقبحت من يخالفك الرأي من العلماء المعتبرين الذين أفتوا بحرمة الاختلاط ووصمتهم بأنههم يعيشون تناقضا وجعلوا من حماستهم وغيرتهم مبررا للتعقب على أحكام الشرع ووصفتهم بأنهم جاؤا بقول مبتدع وافتاتوا على الدين ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) فأين أنت من قول الله عز وجل ( وإذا قلتم فاعدلوا ) ( وقوله تعالى ( ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ) وأين أنت من آداب الخلاف وآداب العلماء وآداب الحوار وأنت تدعي العلم والفقه فقل لي بربك هل هذه أخلاق تليق برئيس هيئة أو بمحتسب أو طالب علم أو حتى أحد من عامة المسلمين ألم تعلم أن من قال بعدم جواز الاختلاط هم من كبار علماء هذا البلد المبارك وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز وابن عثيمين و ابن جبرين و ابن غديان وابن غصون وصالح الفوزان وسماحة المفتي العام للمملكة عبد العزيز آل الشيخ رحم الله الميتين وحفظ الله الحي منهم وقل لي بربك ما الفرق بينك وبين أولئك في هذا المسلك الذين تهجموا على أحد أعضاء هيئة كبار العلماء وشنوا الغارات الآثمة تلو الغارات في الأيام الماضيه ممن ليسوا أهلا للحديث عن الأحكام الشرعية وليس لهم معرفة بها مع توججهم وفكرهم المشبوه ؟؟؟ ولاشك أن هذا المسلك المشين ليوسع الهوة بين الأمة وعلماءها ويضعف ثقة الناس بهم وبفتاويهم المبنية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما رزئت الأمة وما بليت بشر أعظم من هذا المسلك فأصبح كل من هب ودب يفتي ويضلل الناس وما خرجت فلول الإرهاب والتكفير والتفجير إلا بسبب الفتاوى الشاذة الضالة المنحرفة وبسبب أولئك الذين تسوروا على أهل العلم وافتاتوا عليهم فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) إضافة إلى إغفالك لفتاويهم في الاختلاط وضربك بعرض الحائط أقوالهم بأدلتها بل وتجاهلت أو جهلت قواعد الشريعة ومقاصدها كقاعدة ( سد الذرائع ) وقاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ) والتي من فقدها ينبغي أن لا ينبري للاحتساب فضلا عن أن يكون رئيس هيئة ففاقد الشيء لا يعطيه وهذا في نظري هو الذي أوقعك في هذه الهاوية وجرك إلى إغفال مفاسد الاختلاط التي تئن من وطئتها وشرورها الأمم التي سبقتنا إليه ومجتمعنا أيضا اكتوى بناره ومثلك لا يجهل الحوادث المتكررة من التحرش والاعتداء على الأعراض والابتزاز في المجالات المختلطة مما عجت به صحفنا المحلية حتى مع الأسف ممن هم في موقع الأمانة والثقة , فلم يعد أمرا خافيا على أحد ثم ما هو قولك وموقفك كرجل دولة من المرسوم الملكي ذي الرقم 11651 / 16/ 5/ 1403هـ القاضي بمنع الاختلاط في شتى أماكن العمل .ثم لو أردت الحق فيكفيك أن تفهم قول الله عز وجل ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( إياكم والدخول على النساء ) ولاشك أن ما ذهبت إليه فرح به دعاة الاختلاط ودعاة التبرج والسفور أشد الفرح لكونه صدر من شخص يمثل جهة من أهم الجهات الحكومية التي أنيط بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه منع الاختلاط وحماية الأمة من مفاسده وأضراره ولو كتبت مقالك هذا بمجرد اسمكم الكريم فقط لما حصل على ما حصل عليه من النفخ فيه والتلميع والاهتمام البالغ وإني أخشى أن تكون قد اتخذت مطية لهم ولباطلهم الذي يقاتلون من أجله ليل نهار بل هذا ما حصل فانظر إلى مقالك كيف تصدر عنوانه الصحف المحلية والعالمية بدون قيد أو شرط فبعد هذا ما أنت قائل بحكم عملك ومسؤوليتكم وأمانتكم لو بلغك بأن مجموعة من الشباب والشابات الأجانب عن بعضهم اجتمعوا في إحدى الحدائق العامة أو في بهو الجامعة أو المستشفى على مرأى من الناس ( وبدون خلوة ) يتجاذبون أطراف الحديث ويتناولون بعض المرطبات ؟؟؟ لا شك بأن فكرك ومذهبك هذا يقول لاخلوة ولاشبهه فلا إنكار عليهم . فتكون حين إذن قد عطلت جزءا كبيرا من أعمال الهيئة ومسؤلياتها وأقررت منكرا عظيما بحد ذاته ينكره من له أدنى حد من الدين والعقل وما أنت قائل لو سمعت بأن هناك صالونا للحلاقة يعمل فيه نساء يقمن بحلاقة رؤوس الرجال وفليها ؟؟؟ أو أن هناك قصرا للأفراح يوجد فيه نساء يقمن بخدمة الرجال ؟؟؟ فاتق الله يا شيخ ولا تلبس على الناس دينهم وأخلاقهم , ولله در القائل ( يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن ) وقول الله أبلغ ( أفمن زين له سؤ عمله فرآه حسنا ) أسال الله أن يهدينا وإياكم إلى طريق الصواب وأن يرينا وإياكم الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه فما قلت من صواب فمن الله وما قلت من خطأ فمن نفسي والشيطان , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,
كتبه الفقير إلى عفو ربه / عبد الله بن حمدان الحربي خريج المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (قسم الحسبة ) بجامعة أم القرى
(( منقول ))​
 
أعلى