العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حديث ضعفه الإمام الأشم ابن حزم ..، و مناقشة لمخالفيه ..:

إنضم
28 يونيو 2008
المشاركات
36
التخصص
علم الحديث
المدينة
البيضاء
المذهب الفقهي
ليس لي مذهب
بسم الله الرحمن الرحيم:

كنت كتبت بحثا في تخريج هذا الحديث ، ورأيت اختصاره و نقله هنا للفائدة ..،



بسم الله الرحمن الرحيم :

الحمدالله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه و من والاه، أما بعد :

فقد اختلفت مع بعض أحبابي من طلبة العلم في مسألة متفرعة عن المسح على الخفين ،واحتجوا علي بحديث ،وسأبين في هذه الرسالة رتبته، وهل يصلح لإثبات الاحكام الفقهية بمثله ،والله المستعان.

والحديث هو قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : " إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليصل فيهما وليمسح عليهما ،ثم لا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة." .

قلت : قد روي هذا الحديث عن انس بن مالك –رضي الله عنه – مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،و روي موقوفا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كلامه .

أما حديث أنس :

فقد أخرجه ،الدارقطني في (سننه1/203) ،و من طريقه البيهقي في (سننه1/279) ،عن أبي محمد بن صاعد ثنا الربيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس به.

قلت : وقد تابع أسد بن موسى على روايته عبدالغفار بن داود :

فقد أخرجها الدارقطني في (سننه1/203) ، والحاكم في (مستدركه1/250) ،و البيهقي في (سننه الكبرى1/279)، عن مقداد بن داود عن عبد الغفار بن داود الحراني أنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس بن مالك به.

واما الحديث الموقوف فيرويه اسد بن موسى عن حماد بن سلمة ،:

فقد اخرجه- أيضا -الدراقطني في (سننه1/203) ،و من طريقه البيهقي في (سننه1/279) ، عن أبي محمد بن صاعد ثنا الربيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن زبيد بن الصلت قال سمعت عمر-رضي الله عنه –يقول: ( إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة.).

فحص السند :

قلت : أرى أن هذا الحديث مردود لا تقوم به حجة كما سيتضح إن شاء الله ، و نبين حال عبد الغفار بن داود ،و أسد بن موسى :

أما عبدالغفار ، فهو كاتب ابن ليهعة ،وقد وثقه ابن يونس و الحاكم ، و قال أبو حاتم:

(صدوق،لا بأس به).

و اما أسد بن موسى ، ملقب بـ (أسد السنة) ،فقد تناوشته ألسن الجرح ،فقد قال فيه ابن يونس : "أسد بن موسى حدث بأحاديث منكرة ، وكان ثقة ، وأحسب الآفة من غيره."

وقال عنه النسائي : " ثقة ، ولو لم يصنف لكان خيرا له".

و وثقه العجلي والبزار،وقال الخليلي: " مصري صالح".

وضعفه الإمام الأشم ابن حزم ،وعبدالحق الإشبيلي.

قلت : فهو صدوق أيضا.

قلت: وقد قال ابن صاعد-شيخ الدارقطني- وهو احد رواة هذا الحديث مرفوعا و موقوفا من طريق أسد بن موسى ، :" وما علمت أحدا جاء به إلا أسد بن موسى."

ولكن أشار الدارقطني و البيهقي إلى متابعة عبدالغفار بن داود ،فقد قال البيهقي : " وقد تابعه في الحديث المسند عبد الغفار بن داود الحراني،..".

ولكنه قال بعد ذلك : "...، وليس عند أهل البصرة عن حماد ،وليس بمشهور، والله أعلم."

وكذا قال شيخه الحافظ أبو عبدالله الحاكم ،بعد إيراده للحديث : " إسناد صحيح على شرط مسلم ،عبد الغفار بن داود ثقة ،غير أنه ليس عند أهل البصرة عن حماد."

قلت : سنده ليس على شرط مسلم ،فعبد الغفار لم يخرج له مسلم، وأما متابعة عبد الغفار بن داود فهي ساقطة ،كما سيظهر من مناقشة ابن دقيق العيد –رحمه الله -.


وقد صرح بضعف هذا الحديث الإمام ابن حزم كما ذكر الزيلعي في (نصب الراية،1/376) ،فقد نقل عن ابن دقيق العيد قال : " قال الشيخ في " الإمام " قال ابن حزم : هذا ممن انفرد به أسد بن موسى عن حماد، وأسد منكر الحديث لا يحتج به ، قال الشيخ : وهذا مدخول من وجهين : أحدهما : عدم تفرد أسد به ، كما أخرجه الحاكم عن عبد الغفار ثنا حماد .
الثاني : أن أسدا ثقة ، ولم ير في شيء من كتب الضعفاء له ذكر ، وقد شرط ابن عدي أن يذكر في " كتابه "،كل من تكلم فيه ، وذكر فيه جماعة من الأكابر والحفاظ ، ولم يذكر أسدا ، وهذا يقتضي توثيقه، ونقل ابن القطان توثيقه عن البزار ."

قلت : هذا كلام ابن دقيق العيد نقله عنه الزيلعي ، وعليه مآخذ :

أولا : متابعة عبد الغفار ساقطة ،فقد رواه عن عبدالغفار المقدام بن داود ،وهو مشهور بالرواية عن أسد بن موسى ، وليس عن عبدالغفار ، وذكره لعبدالغفار بن داود في هذا الحديث وهم منه وغفلة ،ولتعلم وهاء هذه المتابعة أنظر ما قاله الأئمة في مقدام بن داود :

فقد قال عنه النسائي :" ليس بثقة."

وقال ابن أبي حاتم و ابن يونس : " تكلموا فيه".

وقال أبو عمرو محمد بن يوسف الكندي: "كان فقيها مفتيا، لم يكن بالمحمود في الرواية."

وقال الدارقطني: "ضعيف.".

وضعفه ابن القطان الفاسي .


وروى له الذهبي حديثا منكرا اتهمه به ،راجع ترجمته في (السير)،بل اكثر من ذلك فقد ذكره سبط ابن العجمي في (الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث،رقم: 782 ) ،و ذكر له حديثا آخر اتهمه به الحافظ الذهبي ، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء (ص: 3/137) ، وأعاد ذكره الذهبي في (المغني في الضعفاء، ص2/275) .

قلت : فقد تبين لك ان هذه المتابعة ساقطة ، فذِكر عبدالغفار وهْمٌ أو تعمد من مقدام بن داود ، فعاد الحديث إلى أسد بن موسى ،و مدار الحديث عليه ،وصح ما قاله الحافظ ابن صاعد : " وما علمت أحدا جاء به إلا أسد بن موسى".

وبذلك يسلم كلام الإمام ابن حزم من الاعتراض ،والآن اناقش رواية أسد بن موسى إن شاء الله .
ثانيا : قوله أن أسدا ثقة ،واستدل لذلك بأنه لم يذكر في كتب الضعفاء ، بالخصوص (الكامل ) لابن عدي.

قلت : وهذا مردود من وجهين :

الأول : لا يلزم من عدم ذكره في كتاب (الكامل) عدم ضعفه ، حتى نبني على ذلك العدم توثيقا له ، إذ العلم لا يبنى على العدم ، بل ينظر إلى روايته وما احتف بها من القرائن التي تقوي حديثه او تقضي عليه بالضعف ، فيحكم له بذلك ، وهذا ينطبق على كل راو و إن كان ثقة ثبتا .


الثاني : اما بالنسبة لصاحب (الكامل في الضعفاء) فهو لم يستوعب في كتابه كل من ضُعف، فقد فاته الشيء الكثير ،مما دفع بابن الرومية الظاهري أن يذيل عليه بـ(الحافل في التذييل على الكامل) ، فتوثيق اسد بن موسى بعدم ذكره في كتاب (الكامل) ، توثيق مردود لا وزن له .


وقد قال الزيلعي معقبا على كلام ابن دقيق العيد ، ومناقشا للإمام ابن حزم : (ولعل ابن حزم وقف على قول ابن يونس في " تاريخ الغرباء " أسد بن موسى حدث بأحاديث منكرة ، وكان ثقة ، وأحسب الآفة من غيره ، فإن كان أخذ كلامه من هذا فليس بجيد .
لأن من يقال فيه منكر الحديث ليس كمن يقال فيه : روى أحاديث منكرة ؛ لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه ، والعبارة الأخرى تقتضي أنه وقع له في حين لا دائما ، وقد قال أحمد بن حنبل في " محمد بن إبراهيم التيمي " : يروي أحاديث منكرة ، وقد اتفق عليه البخاري . ).


قلت : أستبعد أن يكون ابن حزم بنى حكمه على كلام ابن يونس، بل حكم عليه من خلال رواياته المشهورة بالأندلس ، وقد اشتهرت عن طريق تلميذه عبدالملك بن حبيب الأندلسي المالكي ، وبسببها اتهم عبدالملك بالكذب ،فمن قرأ كتاب (الزهد) لأسد بن موسى ،وجد أحاديث كثيرة منكرة ،الحمل فيها عليه، لهذا قال النسائي : "ولو لم يصنف لكان خيرا له."

قلت : الزيلعي يرد على قول الإمام ابن حزم في أسد بن موسى : (منكر الحديث) بأصول غيره ، وإلا فإن ألفاظ التعديل و التجريح عند الإمام الأشم بابها واسع ،وهو يعبر عن ضعف الراوي بما يراه مناسبا ، بخلاف ما جرى عليه الأمر عند المشارقة ، فإن الفاظ التجريح والتعديل لها مراتب، و رغم ذلك فالقول في أسد بن موسى قول الإمام ابن حزم ، فهو لا يحتج به مطلقا عنده ، إلا أنه يصلح للاعتبار على طريقة طائفة من أهل الحديث، بخلاف الإمام الأشم –رحمه الله – فدرجة الاعتبار غير مقررة عنده ، وقد نهج نهْج الإمام الأشم في عدم الاحتجاج به مطلقا عبد الحق الإشبيلي، وقد قال بدرالعيني الحنفي في (مغاني الأخبار6/18) عن أسد بن موسى : " أسد السنة، صدوق، يغرب، فيه نصب."

قلت : وهذا انصف قول في حقه ،واما رميه بالنصب ،فالله أعلم بحقيقته .

إذن فأسد بن موسى لا يحتج به ،بل يصلح للاستشهاد فقط ، وبهذا يرد حديثه هذا ، فقد تفرد به عن حماد بن سلمة ، كما انه اضطرب فيه فتارة يرويه عن حماد بن سلمة مرفوعا إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم -، وتارة موقوفا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وهذا اضطراب موهن للحديث ومسقط له ، واما متابعة عبدالغفار فقد بينا وهاءها ، فمما سبق يتبين ان هذا الحديث ضعيف ساقط مطروح ، لا يحتج و لا يتعبد بمثله.

و هناك جمع من المتأخرين قووا هذا الحديث اغترارا بظاهر السند ،فقد قال ابن عبدالهادي في (تنقيح التحقيق ،1/334)،: " إسناد هذا الحديث قويٌ.
وأسدٌ صدوقٌ ، وثقه النَسائي وغيره، ولا إلتفات إل كلام ابن حزم فيه .
وقد صحَح إسناده الحاكم، وذكر أَنه شاذٌ بمرَّةٍ."


قلت : عجيب هذا الصنيع من ابن عبدالهادي ،وهو الذي يقال عنه أنه من المتاخرين الذين نهجوا نهج المتقدمين في تعليل الاخبار ، و لكنه في هذا الحديث يذر طريقة المتقدمين وراءه ظهريا ، ولا أدري لماذا قَوَّى هذا الحديث - رحمه الله- ؟ ، وهو غير مصيب فيما ذهب إليه ، وأسد السنة لا يحتمل منه التفرد بهذا الحديث عن حماد بن سلمة ، و تقويته لهذا الحديث تساهل منه، و اما الحاكم فهو متساهل في التصحيح ،وهو لم يحكم على هذا الحديث بالشذوذ ، بل الذي حكم عليه بالشذوذ هو الإمام الذهبي –رحمه الله - ، وقد ذهب ابن عبد الهادي –تبعا لابن الجوزي – على تقييد هذا الحديث بالاحاديث التي ورد فيها التوقيت للمسح درءا للشذوذ 1الذي يكتنفه ، و جمعا بين تعارضهما .


قلت : والجمع بين الحديثين المتعارضين مبني على صحتهما ، فلا وجه للجمع بين هذين الحديثين هنا، لأن الحديث الذي وقع به التعارض ضعيف ساقط لا يصلح للمعارضة .

وممن ذهب إلى تصحيحه العلامة محدث العصر ومجدده شيخ مشايخنا محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله - ،و لكن قد تبين لك خلاف ذلك فمتابعة عبدالغفار ساقطة لعدم صحة السند إليه ، وأسد بن موسى صدوق لا يحتمل تفرده بهذا الحديث،و الشيخ الألباني قد حكم عليه بما ادى إليه اجتهاده فهو معذور مأجور إن شاء الله .
وآخر ما اختم به هذا المبحث ، هو ما قاله الإمام الأشم ابن حزم -في المحلى (2/90- معلا لهذا الحديث: (...،وأسد منكر الحديث ، ولم يرو هذا الخبر احد من ثقات أصحاب حماد بن سلمة ،..) .

فأنظر إلى دقة نظره ،وسدادة حكمه –رحمات ربي عليه- ، وهذا ما بيناه ،و دللنا عليه أعلاه ،فلله الحمد من قبل و من بعد.
________________________

1قلت : قد أعل الحافظ الذهبي هذا الحديث بالشذوذ .، انظر(المستدرك مع تعليقات الذهبي عليه ،1/250).
______________________________ __

ومن أراد الرجوع إلى الإحالات والعزو ..، فهي بالمرفق:
 

مجتهدة

:: متميز ::
إنضم
25 أبريل 2008
المشاركات
931
التخصص
فقه وأصول..
المدينة
000000
المذهب الفقهي
حنبلية على اختيارات الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-.
من أخذ بهذا الحديث من الفقهاء؟؟
 
إنضم
28 يونيو 2008
المشاركات
36
التخصص
علم الحديث
المدينة
البيضاء
المذهب الفقهي
ليس لي مذهب
نعم أختي الفاضلة احتج به بعض الفقهاء الذين لم يجعلوا للمسح توقيتا..، و ليراجع (المجموع،1/549)، للنووي، (تنقيح الحقيق،1/134) لابن عبد الهادي ، وقبلهما المحلى (2/90) للإمام ابن حزم رحمة الله عليهم .

كما أن صاحب (بلوغ المرام) ضمنه في كتابه ، فلينظر فيه مع شروحه ..، و الله تعالى أعلم.
 
إنضم
23 فبراير 2012
المشاركات
126
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
كويت
المذهب الفقهي
القرآن والسنة
رد: حديث ضعفه الإمام الأشم ابن حزم ..، و مناقشة لمخالفيه ..:

كون المسح غير مؤقت ، في غاية الوجاهة ، وأحاديث الباب لا يخلو من علة .
وهو قول عمر رضي الله عنه وغيره ، وتقييد قوله بالسفر فيه نظر. ومعروف اختيار شيخ الإسلام.
وهذا أشبه بمعنى البدلية في المسح.
 
أعلى