العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الهـجر المنهي عنه يزول بالسـلام؟

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قال الصنعاني في "سبل السلام":
نَفْيُ الْحِلِّ دَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَيَحْرُمُ هِجْرَانُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وَدَلَّ مَفْهُومُهُ عَلَى جَوَازِهِ في ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وَحِكْمَةُ جَوَازِ ذَلِكَ في هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنَّ الإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعُفِيَ لَهُ هَجْرُ أَخِيهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ؛ تَخْفِيفاً عَلَى الإِنْسَانِ، وَدَفْعاً لِلإِضْرَارِ بِهِ، فَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ يَسْكُنُ غَضَبُهُ، وَفِي الثَّانِي يُرَاجِعُ نَفْسَهُ، وَفِي الثَّالِثِ يَعْتَذِرُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ قَطْعاً لِحُقُوقِ الأُخُوَّةِ، وَقَدْ فَسَّرَ مَعْنَى الْهَجْرِ بِقَوْلِهِ ((يَلْتَقِيَانِ....)) إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَهَاجِرَيْنِ عِنْدَ اللِّقَاءِ.

وَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى زَوَالِ الْهَجْرِ لَهُ بِرَدِّ السَّلامِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَمِّ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَوْقُوفٍ، وَفِيهِ: " وَرُجُوعُهُ أَنْ يَأْتِيَ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ".
قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ تَرْكُ الْكَلامِ، فَلا يَكْفِيهِ رَدُّ السَّلامِ، بَلْ لا بُدَّ مِن الرُّجُوعِ إلَى الْحَالِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُنْظَرُ إلَى حَالِ الْمَهْجُورِ، فَإِنْ كَانَ خِطَابُهُ بِمَا زَادَ عَلَى السَّلامِ عِنْدَ اللِّقَاءِ مِمَّا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ، وَيُزِيلُ عِلَّةَ الْهَجْرِ، كَانَ مِنْ تَمَامِ الْوَصْلِ وَتَرْكِ الْهَجْرِ، وَإِنْ كَانَ لا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَفَى السَّلامُ.
وَأَمَّا فَوْقَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْهَجْرُ فَوْقَ ثَلاثٍ لِمَنْ كَانَتْ مُكَالَمَتُهُ تَجْلِبُ نَقْصاً عَلَى الْمُخَاطَبِ لَهُ فِي دِينِهِ، أَوْ مَضَرَّةً تَحْصُلُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ دُنْيَاهُ، فَرُبَّ هَجْرٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ فِي هَجْرِ مَنْ يَأْتِي مَا يُلامُ عَلَيْهِ شَرْعاً، وَقَدْ وَقَعَ مِن السَّلَفِ التَّهَاجُرُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ. أهـ

قال في شرح منظومة الآداب:
مطلب : هل يزول الهجر المحرم بالسلام ؟

( تنبيهان ) :
( الأول ) : ظاهر ما ذكرنا من الأحاديث أن الهجر المحرم يزول بالسلام وذكره في الآداب والرعاية والمستوعب وزاد ولا ينبغي له أن يترك كلامه بعد السلام عليه.
إلى أن قال: فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا يخرج من الهجرة بمجرد السلام بل بعوده إلى حاله مع المهجور قبل الهجرة .

قال القاضي: وإنما لم يجعله أحمد خارجاً من الهجرة بمجرد السلام حتى يعود إلى عادته معه في الاجتماع والمؤانسة ، لأن الهجرة لا تزول إلا بعودته معه . انتهى .

وقد قال الإمام أحمد للذي تشتمه ابنة عمه : إذا لقيتها سلم عليها اقطع المصارمة . فظاهر هذه الرواية أن السلام يقطعها مطلقاً . وجزم به ابن حمدان والسامري وغيرهما ، وقطع به في الإقناع والله أعلم .

( الثاني ) : ظاهر كلام الأصحاب رضوان الله عليهم أن الهجر المحرم لا يزول بغير مشافهة ، ونص عليه الشافعي. قال في الآداب الكبرى : ويتوجه على قول من جعل من أصحابنا الكتابة والمراسلة كلاما أن يزول الهجر المحرم بها . قال ثم وجدت ابن عقيل ذكره . وللشافعية وجهان .

قال النووي : أصحهما يزول لزوال الوحشة . انتهى . وظاهر كلام سيدنا الإمام أحمد أنه يزول . قال ابن رزين في مختصره فيما لو حلف أن لا يكلمه فكتب أو أرسل إليه ، نص أحمد على أنه ينظر إلى سبب يمينه ، فإن كان نيته أو سبب يمينه يقتضي هجرانه وترك صلته حنث . انتهى . فدل هذا على أن الكتابة والمراسلة كلام ، والله تعالى الموفق لكل خير. أهـ

وقال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحِكَم" بعد أن ذكر أحاديث تحريم هجر المسلم: وكل هذا في التقاطع للأمور الدنيوية فأما لأجل الدين فتجوز الزيادة على الثلاثة نص عليه الإمام أحمد واستدل بقصة الثلاثة الذين خلفوا وأمر النبي بهجرانهم لما خاف منهم النفاق وأباح هجران أهل البدع المغلظة والدعاة إلى الأهواء، وذكر الخطابي أن هجران الوالد لولده والزوج لزوجته وما كان في معنى ذلك تأديباً تجوز الزيادة فيه على الثلاث؛ لأن النبي هجر نساءه شهراً، واختلفوا هل ينقطع الهجران بالسلام فقالت طائفة ينقطع بذلك وروى عن الحسن ومالك في رواية وهب وقاله طائفة من أصحابنا‏.‏

وخرج أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي : (لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم‏).‏
وخرج المسلم من الهجر ولكن هذا فيما إذا امتنع الآخر من الرد عليه، فأما مع الرد إذا كان بينهما قبل الهجر مودة ولم يعودوا إليها ففيها نظر، وقد قال أحمد في رواية الأثرم وسئل عن السلام يقطع الهجران فقال: قد يسلم عليه وقد صد عنه، ثم قال: قال النبي : (يلتقيان فيصد هذا) فإذا كان قد عوده أي أن يكلمه أو يصافحه، وكذلك روي عن مالك أنه قال: لا يقطع الهجران بدون العودة إلى المودة، وفرق بعضهم بين الأقارب والأجانب فقال في الأجانب يزول الهجر بينهم بمجرد السلام، بخلاف الأقارب؛ وإنما قال هذا لوجوب صلة الرحم. أهـ
 
التعديل الأخير:
أعلى