العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الفضائيات الإسلامية بين الوسيلة الدعوية والحاجة التربوية

إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
[font=arial (arabic)]لازلت أذكر منذ ما يقل أو يزيد عن عقد من الزمان.. حينما نشرت جريدة النبأ المصرية [/font][font=arial (arabic)] وهي جريدة سافلة منحلة - حوارا استغرق صفحة كاملة مع الخطيب المصري محمد حسان.. إنني أذكر تلك الأيام جيدا.. حيث كنت أحضر خطب هذا الخطيب بمسجد العزيز بالله بحي حدائق الزيتون بالقاهرة، وكان المسجد هو المنفذ الوحيد للدعوة.. حيث كنا نذهب إلى المسجد مبكرا للفوز بمكان قريب من المنبر.. فكانت رؤية الداعية لها مكانتها في النفوس.. أذكر تلك الأيام جيدا، وأذكر ذلك (الحدث) حينما ظهرت صورة الداعية محمد حسان فوق أو بجوار الحوار الذي استغرق صفحة كاملة من جريدة النبأ، وأذكر حين تداول الشباب من محبي الداعية، وكان ذلك شيئا جديدا بالنسبة إلى الشباب في هذا الوسط.. حيث ما لهم من منفذ ومنفس إلا عدد قليل جدا من المساجد المعروفة بالقاهرة ومصر وعلى رأسها مسجد العزيز بالله، وما كنا نتصور أن يكون للدعوة اعتبار على الجرائد حتى نتصور أن يكون لها مكان على الشاشة. وأذكر كيف اشتهر هذا العدد من الجريدة، وكيف تداولته أيدي الإخوة، بل وكيف انتشر في وسط العوام كذلك. وأذكر أنه كان من محتوى الحوار تصريح الداعية بأنه مؤهل للفتوى لتخرجه من معهد كذا لدراسات الإسلامية - وهو ما لا نوافقه عليه - وأذكر كذلك من محتوى الحوار أنه تناول موضوع توقيت صلاة الفجر عند المصريين، وأنه يؤذن للفجر في مصر قبل موعده. والمقصود أن ظهوره في ذلك العدد كان حدثا إعلاميا غير مسبوق في شريحة عريضة جدا من شرائح المجتمع وهم طائفة الملتزمين دينيا ممن يلتفون حول الدعاة.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]


[font=arial (arabic)]ثم بدأت سلسلة من التضييقات على الدعاة بصورة إجمالية، ومتفاوتة فيما بينهم، من منع النشاط بإطلاق، إلى القصور على أماكن بعينها أو محافظاتنهم. وواكب ذلك التضييق بداية ظهور للقنوات الفضائية الإسلامية، والتي اعتبرت حينها متنفسا دعويا يعتاض به عن الوسط المسجدي.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]ومرت السنون، وتكاد الدعوة تتحول إلى القنوات الفضائية، فالدعاة البارزون لدى مريديهم صاروا الآن ملقين أو مقدمين للبرامج على القنوات الفضائية، وصار تركيب الطبق الهوائي (الدش) في متناول الجميع، بعد أن كان في بدايته يحتاج إلى قدرة مالية شأنه في ذلك شأن كافة التقنيات الإلكترونية أو البرمجية والتي تتبع ما يسمى بأسلوب (الكشط) في التسعير. وصار الأمر مريحا إلى حد كبير جدا، فهذا الداعية الذي كان الناس يستلهمون الصبر بنظر في وجهه، وينتقلون له عبر محافظات مصر ليحضروا له خطبة أو درسا، متحملين في ذلك عناء السفر، ثم عناء الجلوس في زحام بل تلاحم المسجد حتى يخرج الخطيب على المنبر وسط صمت عجيب عام وتشوق إلى أولى كلماته في موضوع خطبته.. صار يأتي إليهم في بيوتهم دونما انتقال ولا عناء، صار كل ما في الأمر هو أن يحددوا موعد (البرنامج الفضائي) معدّين في ذلك العدّة.. من المشروب والأطعمة المسلية الخفيفة.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]من واقع الدعوة الفضائية اليوم نستطيع أن نتلمّس النقاط السلبية لتلك الدعوة، وسنعود إلى تلمّسها والوقوف على بعض رؤوسها، ولكن يحسن بنا قبل ذلك أن نقف على المناطات أو المبررات التي دفعت بالدعوة إلى هذا التحوّل، وإلى اتخاذ الفضائيات بديلا عن الدعوة الميدانية المسجدية، وربما قيل: إننا لم نتخذها بديلا، وإنما هي خيار ثان. ولكن هذا لا ينفي واقع الانتقال بحال، والاعتياض عن الدعوة الميدانية الصعبة إلى الدعوة الفضائية دون قصر دوافع ذلك على الأسباب الملجئة - فعلا - إلى ذلك، ودون قصر تلك الوسيلة الدعوية على دورها الذي يمكن أن تؤديه، دون الاقتحام بها في مجالات لا يصلح لها إلا الأمر الأول.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]إن كل حركة أو انتقال لابد لها من محرك دافع، سواء كانت انتقالة قناعية أو قسرية، فلابد من محرك ودافع لإحداث هذا الانتقال من الحال الأول، وإلا لبقي على ما هو عليه. ثم يختلف بعد ذلك توصيف ذلك المحرّك أو الدافع بحسب نوع الحركة؛ فلو كانت حركة قسرية ملجئة، أمكننا أن نوصف الدوافع بأنها ملجئات، أو مكرهات- بكسر الراء - ، ولو كانت الحركة قناعية عن اختيار، أمكننا أن نوصّف الدوافع بأنها المبررات أو الأسباب. وهذا كله من باب التقريب، لأجل تحديد نمط تلك الدوافع وابتناء النقاش على هذا التحديد، وإلا فمن حيث اللغة، كل ما ذكرناه متقارب.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]


[font=arial (arabic)]وانتقال الحركة الدعوية اليوم لتصبح حركة (فضائية) له قدره الملجئ ولا شك، ولكنه إجمالا يعد نقلة تطورية قناعية جاءت اختيارا؛ من ذلك إطلاق تبرير هذا الانتقال بكونه فتحا من الله تعالى وأن الفضائيات قد صارت وسيلة من الوسائل التي أنعم الله تعالى بها على الدعوة، دونما تمييز وتفصيل.. ومن ذلك انسحاب النصيب الأكبر من الأنشطة المسجدية إلى الفضائيات مع إمكان أدائها بالمسجد.. ومن ذلك هذا النمو السريع جدا في أعداد الفضائيات.. ومن ذلك تشخيص القنوات الفضائية؛ بمعنى أن تكون بعض القنوات خاصة ببعض الدعاة.[/font]
[font=arial (arabic)]​


[/font]
. [font=arial (arabic)]إلى غير تلك من الشواهد على الرضاء بالقنوات الفضائية كمسلك رئيس للدعوة يحل محل جزء كبير جدا من الدعوة الميدانية، مما إحلاله محل نقاش ونظر من جهتنا.[/font]



[font=arial (arabic)]كان ما مضى تقريرا لكون الانتقال إلى الدعوة الفضائية هو من الانتقالات القناعية، لا الاضطرارية، وإن كان ثمةنسبة من الاضطرار، فهي لا تتساوى مع حجم الإقبال الذي يعم نسبة الاضطرار ويتعداها إلى ما لا اضطرار فيه. بقي أن نتناول حقيقة ذلك المبرر للانتقال إلى الدعوة الفضائية وحدوث ذلك الحجم من الانصراف إليها.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]إن الاعتماد في التوسع الواقع في استعمال الفضائيات في مجال الدعوة هو على مفهوم (الوسيلة) وأنها تتعدد وتأخذ أحكام المقاصد، ما لم تكن في ذاتها مخالفة للشريعة، وهذا مفهوم سهل ويعرفه - فيما أظن [/font][font=arial (arabic)] القراء كافة. [/font]
[font=arial (arabic)][/font]


[font=arial (arabic)]ولكن استعمال هذا المفهوم يسبقه مفهوم مقرر، وهو أن تلك الوسيلة الحديثة تبلغ للناس معلومات وكلمات لا يختلف أداؤها من خلال الشاشة أو من خلال المقابلة وجها لوجه. تماما كما أن طالب العلم يستفيد من المحاضرة الصوتية كما لو كان جالسا في درس الشيخ.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]والسؤال هنا: هل بالفعل تلك هي الفائدة العائدة من دعوات المساجد ؟ هل هي المعلومات التي يلقيها الداعية أو الشيخ والتي يمكن الاستعاضة فيها بالوسيلة الاتصالية غير المباشرة ؟.. لا شك أن ذلك هو مادة ضمنية من مادة الدعوة، ولكن (الدعوة) و (التربية) هما أعم من (المعلومات المنتقلة).[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]إنني أذكر جيدا حين كنت أتحمل في شدة الصيف حرارة الزحام وتلاحم الأجساد داخل المسجد، رغبة في رؤية الشيخ الذي نتصبر برؤية وجهه على طول الطريق، وندرة الرفيق. [/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]إنني أذكر جيدا كيف كانت هذه الآلاف المؤلفة من الشباب والشيوخ والمميزين يتعارفون خلال لقاءاتهم بتلك الجمع، وتتسع دائرة علاقاتهم، وتحدث بسبب تلك التجمعات انشطارات علاقاتية عجيبة، وكيف أن أدنى خبر حول درس أو خطبة لشيخ من المشايخ ينتشر كالبخور في النسيم - ولا أقول كالنار في الهشيم، جنبنا الله وإياكم شر النار -[/font][font=arial (arabic)]إن الشباب يلتقون، ويتعارفون، وتكون لتلك المعرفة قيمتها؛ حيث كان عن نصب وتحمل مشقة واجتماع في بيت من بيوت الله، بخلاف تعارف الاتصال عن بعد، والتي ترخص برخص وسيلتها.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]لنا أن نتصور اتسع مساحة العلاقات التي قد تنشأ عن اجتماع عدة آلاف مرتين في شهر واحد في مسجد واحد! ومدى ما تؤتيه بعد تلك الانشكارات بانشطاراتها المتوالية، وما تحدثه من نتائج نفسية تأثرية في دين المؤمنين، من خلال اختلاطهم برفاق الدرب. وإنني لأذكر جيدا تأثير بعض الإخوان فيّ من خلال تلاقينا في بيت الله، وكيف أن روح الديانة والتمسك كانت لا تزال متأججة، قبل تلك الفترة التي وقعت في السنوات الأخيرة، فتناسبت في ذلك مع الوسيلة التي واكبتها.[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]إننا لا ننكر - أبدا - دور الفضائيات، بل استعمالها متحتم وقد وجدت وصارت آلة للبيان والتبليغ، لكننا لا يمكن أن نستعيض بها أبدا عن دور المسجد، ولا يمكن أن نعتبرها الأصل. إنها الوسيلة التي نطور بها على الأصول، لا التي تحل محلها. إننا (بشر) وهذا يقتضي أن الدعوة والتربية تعملان في (الوسط) البشري، والفضائيات لا يمكن أن تستقل بنفسها أبدا كوسط بشري. لابد من التعامل البشري المباشر، ولابد من الاحتكاك، ولابد من مواجهة المشكلات الإنسانية بتلاحماتها الواقعية على ما هي عليه كمشكلات إنسانية؛ حيث التعاملات المباشرة بين الناس.. إننا لا يمكن أن نعيش في دعوتنا كرجال فضاء. إن رجل الفضاء يستطلع، ولكنه لا يمكنه أن يستكمل عمره في الفضاء. إنه حتى وإن ارتدى زي رجل الفضاء، وإن ملأ أنبوبه بالأكسجين، وإن ملأ مخزنه بالطعام، فهو (إنسان).[/font]
[font=arial (arabic)][/font]

[font=arial (arabic)]وأخيرا، لا زلت أذكر حين كنت أشاهد بعض الفضائيات الإسلامية، ثم مررت على قناة الرسالة، وقد عرضت درسا من المسجد لشيخ قراء الشام الشيخ محمد كريم راجح، فرق قلبي، وأخذته رعشة الشرة في أولى لحظاته، ثم ر\فتر على دفء وحنو إليه.. إلى المسجد، ذلك المكان الذي يلتقي فيه الشيخ الحكيم، بتلامذته، فيخاطبهم ويخاطبونه، يواجههم والمنبر خلفه، ومكتبة المصاحف.. وهم جلوس، منهم من يتحفز برأسه مطرطقا أذنيه، ومنهم من يتعلق بركبتيه حفاظا على اتزانه وإراحة لجسده، ومنهم من يسند على الحائط والسارية.. والشيخ يتكلم، ويفاعل الحضور.. ويفاجئ الساهي.. ذاك هو الجو الأصلي، وليس هو الديكورات الكرتونية المبهرجة، والتي لن تحل يوما محل المنبر ومكتبة المصاحف.[/font]

[font=arial (arabic)]والله تعالى يوفقنا لما فيه الخير.[/font]

 
إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
أعتذر عن التكرار غير المقصود حيث تم وضع المشاركة عدة مرات في المنتدى
 
أعلى