العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

انفصام الشخصية الإسلامية المعاصرة - توصيف وعلاج -

إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، لك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، نحمدك ربنا لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وصل اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم..

وبعد..

فلا يتشكك الناظر في واقعنا الدعوي المعاصر أن أمة الدعوة تعيش حاليا ما يمكن أن أسميه "انفصاميات الشخصية الدعوية" والذي يعني تفكك الشخصية الدعوية إلى شخصيات عدة، تتعدد بتعدد الجماعات والأفكار الموجودة على الساحة الدعوية.

والحقيقة فإن تعدد الشخصيات الدعوية هو أمر مطلوب في ذاته، بل هو مطلب شرعي، حيث إن للإسلام جبهات لا جبهة واحدة، وهذا يتطلب تعدد المختصين في التعامل مع تلك الجبهات، وهذا يفرض - بديهة - اختلافا في الشخصيات أو الكوادر التي تقوم بتلك الأدوار. فجبهتنا القتالية تفتقر إلى من يذب عنها، ومثلها جبتنما العلمية، وكذلك جبهتنا التعليمية، وجبهتنا السياسية.. إلخ الجبهات التي يجب أن تتوفر غالبا في كل (كيان) يرجى له أن ينبثق في صورته الكيانية والاجتماعية على وجه المعمورة. فالإسلاميون السياسيّون هم كادر من الكوادر، يقفون على جبهة، ويتكاملون مع كادر من العلماء يقومون على جبهتم بدورهم، ويمكن أن يقوم السيّاحون في جماعة التبليغ والدعوة بدور السفراء المتفرغون في سفاراتهم لتبليغ دين الله تعالى، ولا يعملون في حياتهم شيئا سوى السفارة.

وهكذا نرى أن اختلاف الأدوار ليس شيئا سلبيا، بل هو المفروض، وهو المتعين، وهو ما ينبغي.. فلا إشكال في هذا الاختلاف..

وإنما ينبثق الإشكال من النظرة التوصيفية التي يوصّف بها الكوادر أدوارهم؛ حيث يوصّفون اختلافاتهم على أنها اختلافات تضاد، لااختلافات تنوّع. وفرق كبير بين التوصيفين..

إن الذي ينظر إلى دوره على أنه (كل) الأدوار وليس هو (نوع) من الأدوار، فإنه سيقع حتما في مشكلة فكرية كبيرة جدا، تعاني منها الساحة الفكرية اليوم، ألا وهي (النظرة الأحادية) للواجبات الإسلامية التي يقوم بها أمر الدين، ويتحقق بها التمكين. ومن هنا فإن النظرة الأحادية تتحقق من خلال وجهين متلازمين:

- تعميم الجزء: وهذا يعني أن ينظر الفرد إلى وظيفته الجزئية على أنها الوحدة الكاملة التي يقوم بها أمر الدين ويتحقق بها التمكين. وهذا يفسر لنا ما نراه من التعميمات لدى الكوادر الإسلامية اليوم، للجزئيات التي يقومون على أمرها. فنرى طلبة العلم - أو بتعبير أدق المنتسبين إلى طلب العلم؛ حيث غلب الادعاء في هذا الباب على الحقائق - يدعون أن (طلب العلم) هو المسلك الوحيد الذي يقوم به أمر الدين، وينظرون إلى غيرهم على أنهم جاهلون، ولاعبون، وطيبون جهلاء. فالسياسيون لاعبون، والمجاهدون جاهلون متحمسون، والأفراد في جماعة التبليغ والدعوة طيبون جهلاء ويقومون بأمر لا ينفع. وكذلك ينظر من يشلون القاعدة الغالبة في كل توجه تلك النظرة الأحدية. وهكذا نرى السياسيون يقفزون على اللعبة السياسية متخذينها مطية لإقامة الدين، مهوّنين بلسان الحال أو المقال من شأن التأصيل والبناء الرئيس، ومتهاونين فيما يمكن أن نسميه باللغة الحوارية السياسية المعاصرة (الأيديولوجية الكاملة) وهي التكوين العقيدي للمسلم، وبناء الشخصية المسلمة علميا وتربويا، وضرورة وجود الكوادر العلمية. وكذلك نرى بعض من تمكنوا من الجهاد أو يدعون إليه - وهو فرض قائم في زماننا على كل مسلم مستطيع أن يقاتل في سبيل الله في أية من مواطن الجهاد التي كثرت وتعددت - وقد ألصقوا تهمة التقاعد بكثير من الدوائر التي هي بالفعل قد حبسها عن الجهاد حابس منطقي، فتوجهوا إلى أدوار ثانوية يقومون بها حيث امتنع عليهم الدور الأوليّ، وليس بالضرورة أنهم يقدمون أعمالهم الثانوية على الجهاد في سبيل الله.

- إلغاء دور الكل: وهذا وجه تلازمي عكسي مع الوجه الأول. وهو يعني أن نيظر صاحب النظرة الأحادية إلى كافة الأدوار على أنها لا قيمة لها، وأن ما يقوم به غيره من الكوادر التي تتولى ثغورا أخرى هو إضاعة للوقت. فذات القائمة من الأوصاف يلحقها صاحب كل وظيفة بكافة الوظائف الأخرى، والعناصر الرئيسية فيها هي :
- كونها إضاعة للوقت.
- تعكس جهلا وعدم معرفة بالإسلام.
- تؤخر التمكين وقيام الإسلام.

تلك هي النظرة الأحادية، التي تولد عنها انفصام الشخصية الإسلامية والدعوية في زماننا. بينما صاحب النظرة التكاملية الشاملة فإنه ينظر إلى دورة على أنه (نوع) من الأدوار وليس هو (كل) الأدوار. فالإسلام ككيان لابد وأن يقوم يحتاج إلى كافة الأدوار التي يقوم بها الكيان. يحتاج إلى الكادر العلمي التأصيلي، وإلى الكادر التربوي التنشيئي، وإلى الكادر الدعوي التبليغي، وإلى الكادر السياسي ذو الوعي الخاص بتلك الجبهة.. بل وإلى الكادر العسكري البحت الذي يقوم دوره - بعد التربية العقيدية - على الجانب العسكري الذي يتخصص فيه ويكون دوره الأول أو الأوحد.

إننا الآن نعاني مشكلة و (فتنة) عظيمة.. فمثل الكلمات السابقة قد لا تكفي لإقناع أصحاب النظرة الأحادية، فهناك واقع خدّاع، يعمل على تثبيت تلك النظر الأحادية، ويظهر وكأنه يقدم البراهين على صحة ما عليه أصحاب هذه النظرة. فالذي ينظر إلى الأدوار الأخرى التي يقوم بها غيره من الكوادر، يرى فيها ما يبرر له نظرته الأحادية؛ حيث لا يراها تؤدي النتائج التي تمليها عليها عقيدتها الإسلامية، وهي الأهداف المشتركة بين كافة الحركات والتوجهات الإسلامية، وعلى رأسها إقامة المجتمع الإسلامي الذي يخضع كلية لحكم القرآن، حيث ما عدا ذلك من الحكم هو حكم الجاهلية. فيؤدي ذلك إلى أن تزداد قناعة أصحاب النظرة الأحادية بصحة اعتقادهم في بطلان ما عليه غيرهم، أماما هم عليه فهو يحتاج فقط إلى بعض الوقت ليؤتي ثماره.

والجواب عن تلك الفتنة يسير جدا؛ فإنه من البديهي ألا تؤتي هذه الجماعات والتوجهات ثمارها، لأن كل منها ينظر بذات النظرة الاحادية، ونحن حين ندعوا إلى تعميم وإكمال النظرة إلى الادوار الإسلامية، إنما نعني بذلك كل الجماعات والتوجهات التي تقوم على دور إسلامي رئيس، ولا يعني ذلك أننا ننصر توجهات بعينها على توجهات أخرى، فنكون بذلك قد وقعنا مما نحذر منه، ففرق بين من يدعو صاحب النظرة الأحادية إلى التكامل مع إخوانه، وبين من ينصر توجهاتهم على توجه صاحب النظرة الأحادية. ومن هنا فمنطقي جدا ألا تؤتي الجماعات والتوجهات ثمار أعمالها، ولكن ليس ذلك لأن ما هي عليه هو خطأ، وإنما لأن ما هي عليه لم يتكامل مع ما عليه غيرها من الجماعات والتوجهات، ليؤدي الدور الإسلامي المتكامل.

وإننا حينما نقول (الدور المتكامل) فإننا لا نعني بذلك مجرد (الشمول) والاعتراف بصحة ما عليه الآخرون، بحيث نقول دعونا نعمل، وليعمل كل في مكانه الذي تصدر فيه، وفي مجاله الذي يتقنه، كما قد يفهم البعض، بل ما أراه الإالب في فهم التكامل.

إن التكامل يحمل معنى أخص من الشمول؛ إنه يحوي الشمول ثم يحوي معنى آخر زائدا، وهو التفاعل بين الأجزاء، بيحث يتناسق الأداء بين كافة هذه الأدوار في خطة واحدة واسعة ومرنة، وتحت إدارة واحدة تحمل من المرونة بحيث تعمل تحتها إدارات مختلفة باختلاف الأدوار، فيكون دورها هو تنسيق الأداء وتوجيهه وجهته الرئيسية الواحدة. وهذا حتى معروف في مجال الإدارة.

ومن هنا فإن دعوتي للكوادر الإسلامية لا تقتصر على أن يعترف كل كادر بغيره من الكوادر كما قد يفهم؛ وإنما دعوتي تتعدى إلى أن تتفاعل تلك الكوادر - أي تتكامل - وتتعاون فيما بينها، من خلال تنظيم أدائها بقدر ما تقدر عليه من الاتصال فيما بين أهل الشورى منها، ويعلموا أنهم كيان واحد، له أدواره المختلفة، وهم يشكلون - بتلك الادوار المختلفة - نواة الدولة الإسلامية التي تتعدد فيها الإدارت والأدوار والتخصصات.

ومن هنا تعالج الشخصية الإسلامي المعاصرة من حالة الانفصام التي تعيشها، وتعود إليها شخصيتها الواحدة الواضحة، ذات الأدوار والوظائف المتعدد، والتي تعبر في مجموعها عن شخصية واحدة، هي الدين، وهدف واحد، هو الإسلام.

والله تعالى المستعان.
 
إنضم
20 يناير 2010
المشاركات
42
التخصص
ض
المدينة
شام
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: انفصام الشخصية الإسلامية المعاصرة - توصيف وعلاج -

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
 
أعلى