العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أيها الدعاة، هل تنافسون الكونفوشيوسيين؟

إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
حينما تتبلور الدعوة الإسلامية لتنحصر في دعوة أخلاقية، فما يكون الفارق هنا بيننا وبين دعاة الإصلاح الأخلاقي في المجتمعات الغربية أو الشرقية؟


إن شخصيات غربية لها وزنها ـ مثل بيتر دركر Petter Drucker ـ كانت من أكثر الشخصيات نموذجية في دعوتها إلى الإصلاح الأخلاقي، حتى حظيت شخصية مثل دركر بالاحترام في الأوساط العالمية المختلفة؛ ذلك أنه لم يكن فقط داعية إلى الإصلاح الأخلاقي بصورة عامة، بل كان يضع لذلك أساسا هو الأخلاق الكونفوشيوسية اليابانية، فكان مما قدمه دركر من اقتراحات للمساعدة في حل المشكلة الأخلاقية:

« الأخلاق الكونفوشيوسية هي أكثر التقاليد الأخلاقية استمرارية ونجاحاعلى الإطلاق، وهي أخلاق عالمية تنطبق فيها نفس القواعد والمستلزمات على كل فرد، وفيها خمس علاقات أساسية تكافلية، هي بالنسبة للمؤمن الكونفوشيوسي شاملة لحقيقة التبادلات البشرية في المجتمع المدني: الرئيس والمرؤوس، والأب والابن، والزوج والزوجة، والأخ الأكبر والشقيق، والصديق والصديق، المضايقة الجنسية مثلا هي في نظر الكونفوشيوسي سلوك لا أخلاقي لأنها تبعث القوة في علاقة قائمة على الوظيفة، مما يجعله استغلالا.
تؤكد الكونفوشيوسية على أن التكافل يتطلب المساواة في الالتزامات، فالآباء يدينون بالولاء والاحترام لآبائهم، والآباء بدورهم يدينون لأبنائهم بالحنان والغذاء و ـ نعم ـ الاحترام. في أخلاقيات التكافل هناك التزامات فقط، وجميع الالتزامات متبادلة.»
« إذا ما كان في المؤسسة ثمة أخلاق قابلة للحياة، فلابد أن تكون وفق المفاهيم الكونفوشيوسية: تعريف واضح للعلاقات الجوهرية، وتركيز على السلوك الصحيح بدلا من اجتناب علم الشر، والتأكيد على السلوك بدلا من الدوافع والنوايا، وتقريب مزايا كل طرف إلى حدود الكمال، وزيادة الثقة والانسجام. » ا.هـ ـ عن كتاب بيتر دركر مطور الفكر الإداري. جون إي. فلاهرتي ص 407-408 ط مكتبة العبيكان ـ.


والكونفوشيوسية هي مذهب صيني أخلاقي أكثر منه ديني، وتنسب إلى الحكيم كونفوشيوس. وقد بدأت الكونفوشيوسية في القرن السادس قبل الميلاد كمذهب أخلاقي يحمل الكثير من الأخلاق الحميدة، ثم تحولت بفعل عوامل سياسية إلى مذهب ديني للدولة الصينية إلى أوائل القرن العشرين قبل تحول الصين إلى الشيوعية، ولكن لازالت الكونفوشيوسية في ذاتها ـ عند غير المتدينين الكونفوشيوسيين ـ تعتبر مذهبا أخلاقيا فحسب، وهم يعتنقوها على هذا الأساس، نظرا لما تحمله هذه الأخلاق من الإغراء للغربي الذي ضاقت روحه بالفساد الغربي المعهود، ففي سنة 496 ق.م كان كونفوشيوس رئيسا للوزراء في ولاية (لو) فقام بإعدم الفاسدين من الوزراء والسياسيين، ومنع أشكال الفساد من السرقة والغش التجاري..إلخ، فالأخلاق الكونفوشيوسية هي محل احترام من المتعطشين للأخلاقيات.

ثم تحولت الكونفوشيوسية إلى اليابان، حتى صار يقال: الكونفوشيوسية اليابانية ـ والكونفوشيوسية صينية أصلا ـ نظرا لاعتناق اليابان لها وتحول الصين إلى الشيوعية عام 1949م فكان حكم الطاغية المستبد المشهور ماووتسي والذي سار على نهج لينين الزعيم الشيوعي الروسي المشهور.

من هنا نعود للسؤال: ما هو الفارق بيننا وبين دعاة الإصلاح الأخلاقي في المجتمعات الغربية؟

إن الحكيم كونفوشيوس كانوا يطلقون عليه في الصين "معلم الجنس البشري" لأنه كان يجوب الاقاليم يعلم الناس (الأخلاق) وينصح الولاة، فهل تقبل لنفسك ـ كداعية مسلم ـ أن تكون كونفوشيوسيا ؟ .. وهل لو أنك بذلت عظيم الجهد للدعوة إلى الأخلاق تكون قد تمايزت بدعوتك الإسلامية؟ إن كونفوشيوس بذل في هذا البابب ما يندر أن يبذله دعاة الأخلاق اليوم من الجهد ولاطواف بالبلاد وتعليم الناس والصبر على المشاق.

إن قضيتنا ـ نحن المسلمين ـ هي غير كل ذلك، إنها قضية عبودية واستسلام، تأتي في ضمنها قضية الأخلاق، ولا نتناول قضية الأخلاق استقلالا؛ فليست هي الإشكالية الكونية الرئيسية والعامة، وإن كانت إشكالية ضمنية.

</i>
 
أعلى