العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

صفة الصلاة : القيام : صلاة المريض : قيام المريض

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
صلاة المريض

التعريف:
المريض لغة:
المَرَضُ: السُّقم، وبابه: طَرِبَ، وأمْرَضَهُ الله ومَرَّضَهُ تَمْرِيضاً: قام عليه في مرضه، والتَّمارُضُ أن يُريَ من نفسه المرض، وليس به مرض، وعينٌ مَرِيضةٌ فيها فُتور.
المريض في المصطلح:
قال الفيومي في " المصباح المنير": وَالْمَرَضُ: حَالَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الطَّبْعِ ضَارَّةٌ بِالْفِعْلِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْآلَامَ وَالْأَوْرَامَ أَعْرَاضٌ عَنْ الْمَرَضِ .
وقال ابْنُ فَارِسٍ : الْمَرَضُ: كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ مِنْ عِلَّةٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي أَمْرٍ.
وقال الجرجاني في "التعريفات" 1/286 : " المرض: مَا يَعْرِضُ لِلْبَدَنِ ، فَيُخْرِجُهُ عَنْ الاِعْتِدَال الْخَاصِّ" .
مختار الصحح مادة(مرض)، المصباح المنير للفيومي مادة ( م ر ض) ، والتعريفات للجرجاني 1/286

الأحكام المتعلقة بالمريض :
مرّ بنا أن القيامَ ركنٌ من أركان الصلاة المفروضة، ولا يجوز العدول عنه إلا بعذر ، وقد اتفق الفقهاء على أن من لا يقدر على النهوض إلا بِمُعِينٍ ، ثم إذا نهض لا يتأذى بالقيام لزمه الاستعانة ، إما بمتبرع أو بأجرة المثل إن وجدها، وأنَّ من تقوَّس ظهره لِزَمَانَةٍ أو كِبَرٍ وصار في حدّ الراكعين لزمه القيام أيضا إذا قدر على الانتصاب واقفا، وكذا من قدر على بعض القيام لا كله يلزمه ذلك القدر، وسيأتي معنا تفصيل هذا بعد قليل إن شاء الله تعالى . وقد كنا ذكرنا في الدرس الثاني بعض الحالات التي يجوز فيها ترك القيام .

وقد أجمع العلماء أيضا على أن من عجز عن القيام بسبب المرض لا يلزمه القيام ، واحتجوا بقوله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة 185، وقوله تعالى : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج آية 78 واحتجوا بأحاديث منها:
1- حديث عمران بن حصين رضي الله عنه - المتقدم في قيام النافلة- قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ عَنِ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ". أخرجه البخاري.
2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ ..." .
ضوابط المرض المسقط للقيام :
اتفق الفقهاء على أن من وجد مشقة محتملة لم يَجُز له ترك القيام بسببها، واتفقوا على بعض الصور التي يسقط القيام بسببها، فمنها:
1- العجز عن القيام - وهو العجز الحقيقي عند الحنفية - بحيث لو قام سقط، أو وجد مشقة شديدة في القيام.
2- الخوف من زيادة العلة بالتجربة أو بشهادة طبيب مسلم ثقة ويكفي في ذلك غلبة الظنّ.
3- الخوف من بطء برء المرض بالتجربة أو بشهادة طبيب مسلم ثقة ويكفي في ذلك غلبة الظنّ.
4- الخوف من اشتداد المرض، وزيادة الألم زيادةً تُذهب خُشُوعَه.
5- حالات خاصة: كمن يصيبه اغماء أو دوخة إذا وقف ، أو كمن سَلِسَ بولُه لو صلّى قائما وغير ذلك.

قال ميمون بن مهران : "إذا لم يستطع أن يَقُومَ لِدُنْيَاهُ فَلْيُصَلِّ قَاعِدًا".
وقال أحمد بن حنبل : إذا كان قِيامُه يَزيدُه وَهْناً، ويَشتدُّ عليه القيام ، ولا يخرج في حاجة من حوائج الدنيا صلى جالسا".
وكذلك قال إسحاق.
وقال مالك : أحسنُ ما سمعت في الذي يُصيبه المرض فيشقّ عليه، ويُتعبه ويبلغ منه حتى يشتدَّ القيام عليه أن يصلي جالسا، وإنما الدين يسر، قال الله : (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
وكان الشافعي يقول : "وكلُّ حال أمرْتُه أن يُصلي فيها يُطيقه، فإذا أطاقها ببعض المشقة المحتملة، لم يكن له أن يُصليَ إلا كما فُرِضَ عليه، إذا أطاق القيام ببعض المشقة قام، فأتى بأقلّ ما عليه من قراءة أم القرآن، وأحب أن يزيد معها شيئا، وإنما آمره بالقعود إذا كانت المشقة غير مُحتملة ، أو كان لا يقدر على القيام بحال" .
وقال الجويني في "نهاية المطلب" 1/198 : " إن كان المرض بحيث لو قام المريض، لألهته الآلام عن ذكر الله تعالى، وهذا إنما يكون عند شدة الألم، فيقعد حينئذ " .
الأوسط لابن المنذر 4/373. وانظر رد المحتار 2/565 ، الشرح الكبير للدردير 1/257 ، حاشية الرهوني على الزرقاني 1/430 ، المجموع للنووي 4/309-412 ، منتهى الإرادات 1/321 ، معونة أولي النهى 2/409.

كيفية صلاة المريض:
اتفق الفقهاء على أنّ من صلى قاعدا لعجزه في الفريضة ، لم تتعين لقعوده هيئة مشروطة ، بل كيف قعد أجزأه ، وكرهوا الإقعاء ، وكرهوا أن يقعد مادّا رجليه لغير ضرورة. واختلفوا في الأفضل على التفصيل التالي:
مذهب الشافعية:
يقعد مفترشا
قال النووي في " المجموع" 4/311-312 :
" قال أصحابُنا: وإذا صلّى قاعدا لعجزه في الفريضة، أو مع القُدرة في النافلة، لم تتعين لقعوده هيئة مُشترطة، بل كيف قعد اجزأه، لكن يُكره الإقعاء، ويُكره أن يقعد مادّا رجليه.
وأما القعودُ الذي هو بدلُ القيام وفي موضعه: ففي الأفضل منه قولان، ووجهان:
أصحُّ القولين: وهو أصح الجميع: يقعد مُفترِشا، وهو رواية المزني وغيره، وبه قال أبو حنيفة وزفر.
والثاني: مُتَرَبِعا، وهو رواية البويطي وغيره، وبه قال: مالك، والثوري، والليث، وأحمد، واسحق، وأبو يوسف ومحمد.
وأحد الوجهين: مُتورِّكا، حكاه إمام الحرمين، والغزالي في "البسيط" وغيرهما، لأنه أعون للمصلي.
والثاني: يقعد ناصبا رُكبته اليمنى، جالسا على رجله اليسرى، وهو مشهورٌ عند الخراسانيين، واختاره القاضي حسين، لأنه أبلغ في الأدب.
المذاهب الأخرى:
مذهب الحنفية:
يقعد على هيئة التشهد.
يؤمر بأن يقوم مقدار ما يقدر، فإذا عجز قعد، وإن قدر على القيام متكئا يصلي قائما متكئا، ولا يجزيه غير ذلك، وكذلك إذا قدر أن يعتمد على عصا، أو كان له خادم لو اتكأ عليه قدر على القيام، فإن لم يقدر قعد مستقلا، وإلا قعد مستندا، إن قدر عليه مستندا ولو بِمعين.
قال في " مجمع الأبحر شرح ملتقى الأنهر" 1/228 : " ثُمَّ إذا صلى المريضُ قَاعِدًا بركوعٍ وسجود أو بِإِيمَاءٍ كيف يقعد؟
أمّا في حَالِ التَّشَهُّدِ: فإنه يجلس كما يجلس للتَّشَهُّدِ بالإِجماع.
وأما في حالة القراءة وحال الرّكوع: رُوِيَ عن أبي حنيفة أنَّه يجلس كيف شاء من غير كراهة إن شاء مُحْتَبِيًا، وإن شاء مُتَرَبِّعًا وإن شاء على رُكْبَتَيْهِ كما في التَّشَهُّدِ .
وقال زفر: يَفْتَرِشُ رجله اليسرى في جميع صلاته.
وَالصَّحِيحُ: ما رُوِيَ عن أبي حنيفة، لأَنَّ عُذْرَ المَرض أسقط عنه الأَركانَ فَلَأَنْ يُسْقِطَ عنه الهيئات أولى
كذا في "البدائع" .
وفي "الخُلَاصَةِ" و"التَّجْنِيسِ" و"الولوالجية": الفتوى على قول زُفَرَ، لأنّ ذلك أيسر على المَريض، ولا يخفى ما فيه، بل الأَيْسَرُ عدمُ التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ من الْكَيْفِيَّاتِ، والمَذهب الأَوّل."
وانظر فتح القدير 2/4، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ 1/176، رد المحتار 2/566 ، مراقي الفلاح بامداد الفتاح ص 166.

مذهب المالكية :
يقعد متربعا.
يجب القيام في الفريضة لتكبيرة الإحرام والقراءة، ويسقط القيام بالعجر، ولحوق مشقة فادحة ، وخوف عوده عِلَّةٌ ، وعدم تملًّك خروج الريح بالقيام، فإن استطاع أن يقوم مستندا إلى على عصا ونحوها فعل، فإن عجز عن القيام مستندا جلس مستقلا، والأولى أن يجلس في موضع القيام مُتَربِّعا، فإن لم يقدر على الجلوس مستقلا ، جلس مستندا.
التاج والاكليل، حاشية الصاوي 1/360 طبعة دار المعارف ، مواهب الجليل 2/267-268 ، الفواكه الدواني 2/581، منح الجليل 1/165 ، حاشية الرهوني على شرح الزرقاني 1/430 .

مذهب الحنابلة :
يجلس متربعا.
تلزم الصلاة المفروضة المريض القادر على القيام أن يصليها قائما إجماعا، ولو كان قيامه الذي يقدر عليه كقيام الراكع كمن تقوّس ظهره لزمانة او كبر، أو كأن يجد مشقة محتملة، وإن أمكنه القيام معتمدا على شىء أو مستندا إلى شيء لزمه ذلك، ولو بأجرة يقدر عليها، فإن عجز عن القيام أو شقَّ عليه لضرر يلحق به لقيامه ، أو لوجود زيادة مرض أو من أجل بط برء ونحوه، كما لو كان قيامه يُوهنه يُصلي قاعدا مُتربعا، ندبا، وقيل وجوبا، وكيف قعد جاز.
الحاوي 1/409 ، معونة أولى النهى 2/409 ، شرح منتهى الإرادات 1/590 ، كشاف القناع 1/473.

سبب الخلاف :
احتجاج كل فريق بالآثار .
واحتج من يرى أن يكون الجلوس على هيئة التشهد: بأنها هيئة مشروعة في الصلاة، فكانت أولى من غيرها.

الترجيح:
الخلاف بين الفقهاء في الأكمل ، وهم متفقون على أنه يختار الكيفية الموافقة لحاله .
قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار" 5/413-414 بعد أن أورد اختلاف العلماء في كيفية القعود:
"وكل هذه الأقوال قد رُويت عن السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله ".
 
التعديل الأخير:
إنضم
7 يناير 2008
المشاركات
39
التخصص
فقه مقارن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
جزاك الله خيرا شيخنا أبوعبدالله
فوائد طيبة ، نفع الله بك .
.هلا ضبطت لنا اسم "الولوالجية" تكرما، وان استطعت أن تعطينا لمحة سريعة عن الكتاب بارك الله فيك .
فمعرفتنا بكتب السادة الحنفية ضعيفة الا المشهور منها .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
جزاك الله خيرا شيخنا أبوعبدالله
فوائد طيبة ، نفع الله بك .
.هلا ضبطت لنا اسم "الولوالجية" تكرما، وان استطعت أن تعطينا لمحة سريعة عن الكتاب بارك الله فيك .
فمعرفتنا بكتب السادة الحنفية ضعيفة الا المشهور منها .


حيا الله أبا عبدالله الجار والصديق الحبيب.
واياكم ، وبارك الله فيكم على مروركم الطيب .

سؤالكم بارك الله فيكم يدل على كمال تواضعكم، فمنكم حفظكم الله يلتمس الطلب.
الوَلوَالِجية كما لا يخفى عليكم: "فتاوى" مطبوعة في دار الكتب العلمية ، وسأطلعلكم عليها ان شاء الله في أول لقاء بيننا ، طبعت في 5 مجلدات .
وصاحبها :الامام عبد الرشيد بن أبي حنيفة نعمان بن عبد الرزاق بن عبد الله الولوالجي ، ظهير الدين ، أبو الفتح .
ولد سنة 467، وهو من فقهاء الحنفية المشهورين ، وهو صاحب شخصية علمية قوية في المذهب .
قال أبو المظفر السمعاني : "لقيته ، وسمعت منه ، وكان إمامًا ، فقيهًا فاضلاً ، حنفي المذهب ، حسن السيرة ، تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز محمد بن علي ، وعلي بن الحسن البرهان البلخي" .
توفي سنة 540 .
 
إنضم
7 يناير 2008
المشاركات
39
التخصص
فقه مقارن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
جزاك الله خيرا ورفع قدرك في الدارين يا أبا عبدالله .
 

آدم جون دايفدسون

:: متفاعل ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
450
الإقامة
أمريكا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مــــالك
التخصص
الترجمة
الدولة
أمريكا
المدينة
مدينة القرى
المذهب الفقهي
مذهب الإمام محمد بن إدريس الشــــافعي
رد: صفة الصلاة : القيام : صلاة المريض : قيام المريض

جزاك الله خيرا
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
15
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
الفلوجة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: صفة الصلاة : القيام : صلاة المريض : قيام المريض

جزاكم الله خيرا
 
أعلى