العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ملخص قصة فساد العلم والعلماء

إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
[font=&quot]كما يرويها الإمام أبو حامد الغزالي – رحمه الله – في سفره (إحياء علوم الدين) :[/font]

[font=&quot]اعلم أن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تولاها الخلفاء الراشدون المهديون، وكانوا أئمة علماء بالله تعالى، فقهاء في أحكامه، وكانوا مستقلين بالفتاوى في الأقضية، فكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا نادرا في وقائع لا يستغنى فيها عن المشاورة، فتفرغ العلماء لعلم الآخرة وتجردوا لها. [/font]
[font=&quot]وكانوا يتدافعون الفتاوى وما يتعلق بأحكام الخلق من الدنيا، وأقبلوا على الله تعالى بكنه اجتهادهم كما نقل من سيرهم. فلما أفضت الخلافة بعدهم إلى أقوام تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام، اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في مجاري أحكامهم. [/font]
[font=&quot]وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول، وملازم صفو الدين، ومواظب على سمت علماء السلف، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات، فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم، فاشرأبوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة، فأكبوا على علم الفتاوى، وعرضوا أنفسهم على الولاة، وتعرفوا إليهم، وطلبوا الولايات والصلات منهم، فمنهم من حرم ومنهم من أنجح، والمنجح لم يخل من ذل الطلب ومهانة الابتذال، فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم إلا من وفقه الله تعالى في كل عصر من علماء دين الله. [/font]
[font=&quot]وقد كان أكثر الإقبال في تلك الأعصار على علم الفتاوى والأقضية لشدة الحاجة إليها في الولايات والحكومات.[/font]
[font=&quot]ثم ظهر بعدهم من الصدور والأمراء من يسمع مقالات الناس في قواعد العقائد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها فعلمت رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام، فأكب الناس على علم الكلام وأكثروا فيه التصانيف ورتبوا فيه طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات في المقالات وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن السنة وقمع المبتدعة كما زعم من قبلهم أن غرضهم بالاشتغال بالفتاوى الدين وتقلد أحكام المسلمين إشفاقا على خلق الله ونصيحة لهم.[/font]
ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من لم يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه لما كان قد تولد من فتح بابه من التعصبات الفاحشة والخصومات الفاشية المفضية إلى إهراق الدماء وتخريب البلاد ومالت نفسه إلى المناظرة في الفقه وبيان الأولى من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما على الخصوص فترك الناس الكلام وفنون العلم وانثالوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة على الخصوص وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد رحمهم الله تعالى وغيرهم وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذهب وتمهيد أصول الفتاوى وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات وهم مستمرون عليه إلى الآن ولسنا ندري ما الذي يحدث الله فيما بعدنا من الأعصار فهذا هو الباعث على الإكباب على الخلافيات والمناظرات لا غير ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى الخلاف مع إمام آخر من الأئمة أو إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا معهم ولم يسكنوا عن التعلل بأن ما اشتغلوا به هو علم الدين وأن لا مطلب لهم سوى التقرب إلى رب العالمين. ا.هـ (من كتاب العلم).

فهل ثمة طريق نرجع منه يا إخوان، وأن نصارح وأنفسنا، وأن نكاشفها، وأن ندرك كنه زماننا، وألا نخدع به، أو نخجل من عرضه، تحت زعم العلم والمشيخة فينا، أو فيمن يدعيها، أو فيمن يترك الناس يدعونها فيه؟

نكثر من القول بضرورة تزكية نفوسنا، فهل يكفي القول؟ لا أخفيكم في نفسي أن القول يكون (مسكنا) لفترة تالية من الزمان حتى يأتي ما يستدعي حقنة مسكنة تالية!

وإن من ضرورة التزكية قراءة التاريخ، التاريخ الخاص بنا، بل بخواصنا، وهو التاريخ الذي لن يكتبه أحد غيرنا.. فلن يحظ أحد بفحص تاريخ العلم غيرنا. لقد وقفت على كتب في (تاريخ العلم) ولكنه علم أهل الدنيا، الذي يشترك فيه المؤمنون والكافرون بجامع غرائزهم واشتراك صور منافعهم. فمتى نكتب – نحن – تاريخ علومنا وما جرى بها وبأهلها في الأعصار الأخيرة؟ هل أحد غيرنا؟

إننا نحتاج إلى أن ندرك تاريخنا، لنعلم موضعنا من هذا التاريخ، فلو كان تاريخ قد مضى، فهو لم يمض، وإنما نحن جزؤه الطرفي، وحين نقرأ التاريخ فإننا نقرأ أنفسنا كجزء منه هو طرفه.. فنحن في حقيقة الأمر نقرأ أنفسنا.. وحين كتب الغزالي حول العلم وما جرى به وبأهله، فنحن امتداد لهذا التاريخ..

فمتى سنقرأ أنفسنا؟
 
أعلى