العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إعلام الساسة بمبادئ السياسة (5)

إنضم
18 ديسمبر 2009
المشاركات
45
التخصص
السياسة الشرعية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة حنبلية ... و التطبيق نبوي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و أزكى صلاة و سلاما على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه وبعد :​

بعد أن فصلنا الكلام حول طبيعة السياسات المعمول بها في الحكومات العالمية نبدأ بالحديث بشيء من التفصيل عن أصول السياسة الشرعية لأنها هي عمدة البحث وقبل الشروع في هذه الأصول و الأسس يطيب لي أن أقدم بمقدمات هامة و محورية في هذا الشأن :

1. أن الأئمة من العلماء و الفقهاء من السلف و الخلف منذ فجر الإسلام إلى يوم القيامة مجمعون على أن الإسلام دين و دولة و أن للإسلام نظام سياسي له ملامحه السياسية الخاصة و المتميزة عن غيره من النظم و أن النظام السياسي الإسلامي إذا طبق بحذافيره فإن العالم الإسلامي سيعيش دولة يسود فيها الرخاء و العدل كما حصل قبل ذلك في العهد النبوي و العهد الراشدي .

2. أن النصوص التي يرتكز عليها الفكر السياسي الإسلامي هي نصوص الكتاب و السنة و أقوال الخلفاء الراشدين و إجماعات الصحابة فقط ولا عبرة بتصرفات من كان في السلطة السياسية بعد ذلك .

3. أن العمدة في التطبيق السياسي الإسلامي هو التطبيق الذي قامت به دولة النبوة و دولة الخلافة الراشدة فقط و لا عبرة بمدى التطبيق الحاصل بعد هذه الفترة .

4. أن علم السياسة الشرعية علم قواعد و أصول لا علم جزئيات تفصيلية أي أنه لم يرد في علم السياسة الشرعية عدد الوزراء و نوع الوزارت و تصنيفاتها و ما أشبه هذه الأمور فهي متروكة للاجتهاد المتعلق بالمصلحة وهو ما يعرف بالمصلحة المرسلة وله بحث مستقل إن شاء الله تعالى إنما وضع هذا العلم القواعد الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الإسلامي .

5. أن فقه السياسة الشرعية فقه نظري بحت بالنسبة لواقعنا المعاصر فواقعنا السياسي لا يمت إلى السياسة الشرعية بصلة إلا في نزر يسير و في أماكن قليلة .

سيكون حديثي عن مبادئ السياسة الاسلامية في ثلاث محاور أساسية : محور الإمامة العظمى ، محور أهل الحل و العقد ، محور الواقع السياسي المعاصر .

و سأبدأ الحديث عن المحور الأول فأقول و بالله التوفيق :

الإمامة في اللغة : تدور معانيها في اللغة حول التقدم و الإقتداء فالإمام هو كل من ائتم به من رئيس أو غيره .

و الإمامة في الاصطلاح الشرعي عرفت بتعريفات كثيرة أفضلها تعريف ابن خلدون (هي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين و سياسة الدنيا به) وهذا التعريف وضح الفرق بين الإمامة و الملك فإن الإمامة هي سياسة الدنيا بأحكام الدين وهي المراده شرعا أما الملك فهي سياسة الدنيا بأحكام المزاج و العقل و الشهوة .

و قد أجمعت الأمة من أهل السلف الصالح على أن نصب الخليفة الذي يتوحد جميع المسلمين تحت رايته واجب على الأمة كلها يقوم به عنهم أهل الحل و العقد منهم و ما الذل و الهوان الذي نحن فيه إلا لذهاب الخلافة و لوجود التشرذم بين الأمة و الذي جعلنا مجموعة من الشظايا الجغرافية المتناثرة و التي لا تمت إلى الإسلام في الغالب بصلة وقد جاء الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بذهاب هذا المنصب العظيم في آخر الزمان حيث قال فيما رواه أحمد في مسنده و ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني عن أبي أمامة رضي الله عنه (لينقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها و أولهن نقضا الحكم و آخرهن الصلاة) ونقض الحكم أي ذهاب منهج الإسلام في الحكم و الذي يعني ذهاب الخلافة بالضرورة .

و جماع مقاصد تولية الإمام الأعظم أمران :

1. حماية الدين : بالمحافظة عليه عن طريق الجهاد بنوعيه الطلب و الدفع و عن طريق قمع البدع و المنكرات و إقامة شعائر الدين من حدود و قصاص و تعازير و إقامة العبادات إلى غير ذلك وفي هذا يقول الإمام السبكي (إن الله تعالى لم يوله على المسلمين آكلا شاربا مستريحا بل لينصر الدين و يعلي الكلمة فمن حقه ألا يدع الكفار يكفرون أنعم الله ولا يؤمنون بالله و برسوله) و كذلك بحماية المجتمع و بيضة المسلمين حماية فكرية و عسكرية و اجتماعية و سياسية .

2. سياسة الدنيا بالدين و تطبيق أحكام الدين في جميع جوانب الحياة في المجتمع الاجتماعية منها و الاقتصادية و السياسية من خلال النصوص الشرعية من الكتاب و السنة بفهم سلف الامة و بالأحكام الاجتهادية المستقاة منهما بالطرق التي حددها أهل العلم في باب الاجتهاد ، و قد أجمع المسلمون من السلف و الخلف على كفر من حكم شرعا غير شرع الله عز وجل كالقوانين الوضعية الموجودة في أغلب الأقطار العربية وهذا مما لا شك في كفره .

و إن من أعظم قواعد ولاية أمر المسلمين أن ولي أمر المسلمين ليس إلا أجير لهم وكلته الأمة للقيام بإدارة شؤونهم مقابل أجر يأخذه من بيت المال و لا أدل على ذلك مما حصل لأبي بكر عندما تولى أمر المسلمين فقد اقتطع له أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين بيت المال راتبا يأخذه في مقابل إدارته لشؤون المسلمين كما ذكر ذلك السيوطي في تاريخ الخلفاء .

ولم يثبت في طريقة توكيل الأمة للإمام الأعظم (الخليفة) نص صريح من الكتاب و السنة لكن ورد من النصوص ما يدل على شرعية طريقة تولية الخلفاء الراشدين مثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية المشهور (عليكم بسنتي و بسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) و ورد كذلك قوله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة) و هذا النص في عموم أمته فكيف بالرعيل الأول أفضل من وطئ الحصى بعد الأنبياء رضي الله عنهم أجمعين فقد أجمعوا على صحة طريقة تولية الخلفاء الراشدين لإمامة الأمة مما يدل على شرعية الطريقة .

و علماء السياسة الشرعية المعاصرون اختلفوا كثيرا في طرق اختيار الإمام و الحق الذي أراه و الله أعلم أن طريقة اختيار الإمام طريقة واحدة فقط وهي اختيار أهل الحل و العقد لرجل ينوب عن الأمة في تدبير شؤونها مثل ما حصل في استخلاف أبي بكر الصديق و استخلاف عمر و استخلاف عثمان و استخلاف علي رضي الله عنهم أجمعين و ما قد يذكره البعض من أن أبو بكر قد عهد إلى عمر فالصحيح الذي عليه الأدلة أن عمر لم يتولى الخلافة لمجرد العهد و إنما تولى بعد اختيار أهل الحل و العقد له بعد أن رشحه أبو بكر و قد استشار في ترشيحه عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن أبي عفان و غيرهم من الأكابر رضي الله عن الجميع .

أما قضية إمامة المتغلب وهو الذي تغلب على الحكم بالقهر و له شوكة استطاع بها الوصول إلى استقرار الأمة و إنقاذها من الفتن و التشرذم كما حصل للأمة بعد ذلك من تعاقب السلطات السياسية عليها فقبول تلك الولاية إنما هو للضرورة التي قد يؤدي عدم قبولها إلى حصول شرور و فتن و كثرة هرج و مرج و تشرذم للأمة مما يؤدي إلى ضياع الأمة ككل فهو وضع ضروري نعم هو مقبول عند أهل العلم لكنه وضع ضروري بشرط ألا يكون المتغلب كافرا فلو تغلب الكافر وجب جهاده ولا يجوز القبول بولايته مهما كان سيحدث من الفتن و قد أخطأ خطأ بليغا من جعل ولاية المتغلب من الطرق الشرعية التي يتم لها اختيار الإمام وهو مناقض للقواعد التي ذكرتها في البداية من كون أن المصدر الأساسي للفكر السياسي الإسلامي هي النصوص الشرعية و إجماعات الصحابة و إمامة المتغلب ليست من هذا و لا ذاك .

و يشترط لصحة البيعة أن يجتمع للمأخوذ له البيعة شروط الإمامة – وسأذكرها مفصلة في مقالي القادم – و أن يتولى عقد البيعة في البداية أهل الحل و العقد ثم يتبعهم الناس و أن تكون البيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يشترط في البيعة أن يبايعه عموم الناس و ولا عموم أهل الحل و العقد و إنما يكفي أغلب أهل الحل و العقد و أغلب الناس على تفصيل يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ..

في مقالي القادم سأكمل الحديث عن هذا المحور محور الإمامة العظمى إن شاء الله تعالى ..
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
الشيخ الكريم محمد بارك الله فيكم
كتاباتكم رائعة ومتينة وأنتفع بها كثيراً فجزاكم الله خيراً .
 
أعلى