العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الشافعي والتخصص الفقهي

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الشافعي والتخصص الفقهي



عناصر الموضوع:

§ لو كنت أحفظ كما تحفظ لغلبت أهل الدنيا.

§ تريد تحفظ الحديث، وتكون فقيها؟ هيهات!

§ لستَ تدري يا أبا زكريا شيئا من معاني قول الشافعي!




أورد الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في تعليق له على كتاب "الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء" قصتين عن الشافعي، وقف عندهما وأطال:

الأولى:
ما ذكره البيهقي في "مناقب الشافعي" في باب ما يؤثر عن الشافعي في فضل العلم والترغيب في تعلمه وتعليمه والعمل به.
يقول الربيع المرادي: سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مِقلاص:
تريد تحفظ الحديث، وتكون فقيها؟ هيهات! ما أبعدك من ذلك! – ولم يكن لبلادة فيه حاشا -.

قال البيهقي:
وإنما أراد به حفظه على رسم أهل الحديث، من حفظ الأبواب والمذاكرة بها، وذلك علم كثير إذا اشتغل به، فربما لم يتفرغ إلى الفقه، فأما الأحاديث التي يحتاج إليها في الفقه فلا بد من حفظها معه، فعلى الكتاب والسنة بناءًُ أصول الفقه وبالله التوفيق.

ثم ساق البيهقي بسنده إلى إسحاق بن راهويه قوله – وهي القصة الثانية - :
ذاكرت الشافعي فقال: لو كنتُ أحفظ كما تحفظ لغلبت أهل الدنيا.
وهذا لأن إسحاق الحنظلي كان يحفظه على رسم أهل الحديث، ويسرد أبوابه سردا، وكان لا يهتدي إلى ما كان يهتدي إليه الشافعي من الاستنباط والفقه وكان الشافعي يحفظ من الحديث ما كان يحتاج إليه، وكان لا يستنكف من الرجوع إلى أهله، فيما اشتبه عليه منه، ولذلك لشدة اتقائه لله عز وجل وخشيته منه، واحتياطه لدينه."

يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة:
وفي كل من هذين النصين الغاليين فوائد عظيمة جداً، ففيه: أن الجمع بين الفقه والحديث على رسم أهل الحديث متعذر – إلا لمن أكرمه الله بذلك – إذ قال الشافعي في هذا: هيهات!
وفيه بيان الإمام البيهقي لهذا المعنى بجلاء ووضوح، وهو إمام محدث وفقيه، فلكلامه مقامٌ رفيع في هذا الباب.
وفيه دعمُ الإمام البيهقي رحمه الله هذا الذي قاله في تفسير كلمة الشافعي لابن مقلاص بكلمة الشافعي لإسحاق بن راهويه رضي الله عنهما، بشكل يقطع لسان كل مشاغب على الفقهاء من رواة الحديث، بدعوى أنه أهل للاستنباط والفقه والاجتهاد في الأحكام.
فهذا يحيى بن معين إمام الحفظ للحديث، وإمام الجرح والتعديل يقف ساكتا في مسألة جواز تغسيل المرأة الحائض للمرأة الميتة حتى يأتي الإمام أحمد بن حنبل فيفتيهم بجواز ذلك، ويذكر لهم دليله مما هو محفوظ لديهم كل الحفظ من عدة طرق.
وهذا الإمام الشافعي يقول لإسحاق بن راهويه: (لو كنت أحفظ ما تحفظ لغلبت أهل الدنيا).
وفيه بيان تميز الشافعي في الفقه، وتميز ابن راهويه بالحفظ، ولكنه لم يمكِّن ابنَ راهويه أن يبلغ مبلغ الشافعي بالفقه، مع إقرار الشافعي له بالتفوق العظيم الباهر في الحفظ، لأنه كما قال البيهقي كان يسرد الحديث سردا، مع أنه قد ذكره بعضهم في عداد من كان له مذهب فقهي.
فسرد الحديث وحفظه وروايته غير فهمه واستنباط معانيه على وجهها إذ خلق الله تعالى لكل علم أهلاًَ ينهضون به ويتميزون على سواهم.
ولا غضاضة في هذا، فالعلم رزق وعطاء من الله تعالى، وهو كثير وكبير وثقيل، ولا يملك كل إمام ناصية كل علم، أراد معرفته، فقد قال الإمام أبو حامد الغزالي: وتبعه الإمام ابن قدامة الحنبلي، في بعض مباحث الإجماع في كتابيهما: "المستصفى" و"روضة الناظر" ما معناه: كم من عالم إمام في علم، عامي في علم آخر.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي في آخر رسالته: "قانون التأويل": "واعلم أن بضاعتي في علم الحديث مزجاة". انتهى.
ومثل هذه الكلمة المملوءة بالتواضع، لا يقولها هذا الإمام العظيم، والمحجاج الفريد حجة الإسلام لولا ما كان عليه من السلوك السَّني والخلق السُّنِّي: (أنتم أعلم بأمر دنياكم).
فهل رأيت في هؤلاء الأدعياء المدعين للاجتهاد في كل ناد، مَنْ ينصف الواقع والحق، فيقول عن نفسه فيما لا يحسنه مثل هذا؟! ولكن
خلق الله للعلوم رجالا ورجالا لنَفْشَةٍ ودعاوى."
حاشية الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء ص 171

قلت:
أورد ابن عبد البر في الانتقاء ص178:
أنه قيل لأحمد بن حنبل: إن يحي بن معين يتكلم في الشافعي، فقال أحمد: من أين يعرف يحيى: الشافعي؟ هو لا يعرف الشافعي، ولا يعرف ما يقول الشافعي، ومن جهل شيئا عاداه.

قال أبو عمر:
صدق أحمد بن حنبل رحمه الله، إن ابن معين كان لا يعرف ما يقول الشافعي، وقد حكي عن ابن معين أنه سئل عن مسألة في التيمم فلم يعرفها.
ثم نقل ابن عبد البر أن مما قاله أحمد ليحيى: لم ترك عيناك قط مثل الشافعي،
وقال له أحمد أيضاً: لستَ تدري يا أبا زكريا شيئا من معاني قول الشافعي، ومن جهل شيئا عاداه.


قلت: بالنسبة لإسحاق بن راهويه، فهو آية في الحفظ بين الحفاظ أنفسهم فضلا عن غيرهم، ويبدو أنه لم يكن في زمن لقائه بالشافعي بذاك الفقيه، وقد عاش بعد لقائه بالشافعي عدة عقود، وقد صار من أعيان فقهاء بغداد، ومن عيون فقهاء أهل الحديث، ففقه إسحاق له ذوق خاص، يشبه فقه سفيان الثوري في أهل الكوفه، ولا أستبعد أن يكون لقاؤه بالشافعي أثراً فيه، فقد يستثار الإنسان في لحظة من عمره، وللشافعي أثرٌ معروف على فقهاء بغداد خصوصاً في رحلته المباركة إلى العراق.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أبريل 2010
المشاركات
201
التخصص
هندسة ميكاترونيات
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الشافعي
جزاكم الله خيرا يا شيخ فؤاد.

فأمر التخصص لابد منه لا سيما في عصرنا.
وكما قال أهل العلم قديما:من تكلم في غير فَنِّهِ أتى بالعجائب.
 
أعلى