العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما فأيهما يقدم؟

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
جاء في كتاب (الإشارة وما يتعلق بها من أحكام في الفقه الإسلامي) - تأليف: عبدالله بن محمد الطريقي ـ تفصيلاً جيداً لهذه المسألة، أنقله كما هو
يقول المؤلف:"
الخاتمة
بعد أن استعرضنا موضوع الإشارة وما يتعلق بها من أحكام بالنسبة للأخرس، وبالنسبة للناطق، بقي أن نوضح أهمية هذه الإشارة وأنها قد تقدم على العبارة نظرا لتوغلها في التعريف فنقول: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما فأيهما يقدم؟
إذا اجتمعت الإشارة والتسمية (العبارة) هل تعتبر الإشارة أو التسمية؟

في ذلك كلام للفقهاء نفصله فيما يأتي:
عند الحنفية يقول أبو حنيفة – رحمه الله -: إذا اجتمعت الإشارة والتسمية فتعتبر الإشارة لكونها أبلغ في المقصود وهو التعريف.
ومحمد بن الحسن يقول: الأصل أن المسمى إن كان من جنس المشار إليه يتعلق بالمشار إليه، لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا، والوصف يتبعه، وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى، لأن المسمى مثل للمشار إليه، وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث أنها تعرف الماهية، والإشارة تعرف الذات، ألا ترى أن من اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس، ولو اشترى على أنه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر ينعقد العقد لاتحاد الجنس.
وقد أشكل على الحموي (ت 1098هـ) قوله: وإن كان من خلاف جنسه.. الخ فقال: يشكل على هذا ما في المحيط من باب ما يرجع به الوكيل على الموكل قال: بعت منك هذا الحمار بكذا وأشار إلى عبد قائم بين يديه جاز العقد على العبد، ولا عبرة بالتسمية لأن العقد تعلق بالمشار إليه، انتهى.
قلت: وجه الإشكال أن المسمى في المسألة المذكورة من غير جنس المشار إليه وقد تعلق الحكم بالمشار إليه مع أنه على أصل محمد يتعلق بالمسمى لأنه من غير جنسه، فينصرف العقد إلى الحمار لأنه المسمى لا إلى العبد، والله أعلم.
قال ابن نجيم معقبا على قول محمد: الأصل أن المسمى إن كان من جنس المشار إليه.. الخ: قال الشارحون: إن هذا الأصل متفق عليه في النكاح، والبيع، والإجارة، وسائر العقود، ولكن أبو حنيفة – رحمه الله – جعل الخمر والخل جنسا، والحر والعبد جنسا واحدا فتعلق بالمشار إليه، فوجب مهر المثل فيما لو تزوجها على هذا الدن من الخل وأشار إلى خمر، أو على هذا العبد وأشار إلى حر، ولو سمى حراما وأشار إلى حلال فلها الحلال في الأصح، ولو سمى في البيع شيئا وأشار إلى خلافه، فإن كان من خلاف جنسه بطل البيع، كما إذا سمى ياقوتا وأشار إلى زجاج لكونه بيع المعدوم، ولو سمى ثوبا هرويا وأشار إلى مروي اختلفوا في بطلانه أو فساده، هكذا في الخانية في البيع الباطل ذكر الاختلاف في الثوب دون الفص، انتهي كلام ابن نجيم.
وجاء في الفتاوى الخانية في كتاب النكاح: رجل له ابنة واحدة اسمها عائشة فقال الأب وقت العقد: زوجت منك ابنتي فاطمة، لا ينعقد النكاح بينهما، ولو كانت المرأة حاضرة فقال الأب: زوجتك ابنتي فاطمة هذه وأشار إلى عائشة، وغلط في اسمها وقال الزوج قبلت جاز النكاح، انتهى.
قلت: وهذا يعني أنه غلب الإشارة على العبارة لكون الابنة واحدة ليس له غيرها هي عائشة.
قال ابن نجيم: بعد ذكره لكلام الخانية السابق: ومقتضاه أنه لو قال: زوجتك هذا الغلام وأشار إلى ابنته الصحة تعويلا على الإشارة، وكذا لو قال: زوجتك هذه العربية فكانت أعجمية، أو هذه العجوز فكانت شابة أو هذه البيضاء فكانت سوداء أو عكسه، انتهى.
قلت: يظهر لي أن كلام ابن نجيم هذا أعم مما في الخانية السابق، والله أعلم.
أقول: ومما سبق يظهر أن كلام الحنفية السابق يقتضي ترجيح تقديم الإشارة على العبارة إلا أنهم يختلفون في الإشارة هل تكون من جنس المسمى أو من غير جنسه كما سبق.
وظاهر كلام الشافعية تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما وحمل ذكر العبارة على الغلط.
قال الزركشي: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما غلبت الإشارة ويحمل ذكر العبارة على الغلط، ووجه أن الإشارة هي الأصل في التعريف، إنما جعل الأسامي نائبة عنها في حالة الغيبة كما لو حلف لا يأكل من لحم هذه البقرة وأشار إلى سخلة، وأكل منها يحنث قطعا.
وقال: لو أشار إلى ابنته وقال: زوجتك هذه فلانة وسماها بغير اسمها، أو أشار إليها وقال زوجتك هذا الغلام فحكى الروياني عن الأصحاب الصحة تعويلا على الإشارة.
وقال أيضا: لو قال إن أعطيتني هذا الثوب الهروي فأنت طالق فأعطته فبان مرويا فالأصح نفوذه تغليبا للإشارة، ولو قال: أنت طالق في هذا اليوم إذا جاء الغد وقع في اليوم تغليبا للإشارة، وكذا لو قال للحائض: أنت طالق في هذا الوقت للسنة، طلقت في ظاهر المذهب تغليبا للإشارة، قاله القاضي حسين، انتهي كلام الزركشي.
وقال السيوطي: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة، واختلف موجبهما غلبت الإشارة، انتهى.
ثم ذكر أمثلة على ذلك منها: لو قال: زوجتك فلانة هذه، وسماها بغير اسمها صح قطعا، وحكى فيه وجه.
ولو قال: زوجتك هذا الغلام وأشار إلى ابنته نقل الروياني عن الأصحاب صحة النكاح تعويلا على الإشارة، انتهى.
وجاء في شرح المنهاج في الأيمان: ولو حلف لا يدخل دار زيد، أو لا يكلم عبده أو زوجته فباعهما، أو طلقها فدخل وكلم لم يحنث لزوال الملك بالبيع والطلاق، إلا أن يقول داره هذه، أو زوجته هذه، أو عبده هذا فيحنث تغليبا للإشارة، إلا أن يريد ما دام ملكه فلا يحنث، انتهى.
قلت: تغليب الإشارة على العبارة عند الشافعية يستثنى منه ما الملحوظ فيه اللفظ كالعقود، وذلك كما لو عقد على درهمين معينين فخرج أحدهما نحاسا له قمية، فالعقد باطل، لأنه بأن أنه غير ما عقد عليه، وقيل: إنه صحيح تغليبا للإشارة.
قال النووي في الإيمان: إذا قال لا أدخل دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها فيحنث على الصحيح، لأنه عقد اليمين على عين تلك الدار، ووصفها بإضافة قد تزول، فغلب التعيين كما لو قال: لا أكلم زوجة زيد هذه، أو عبده هذا، فكلمهما بعد الطلاق والعتق يحنث، ولو قال: لا آكل لحم هذه البقرة وأشار إلى شاة فإنه يحنث بأكل لحمها، فلا يجيء فيها الخلاف فيما لو قال: بعتك هذه البقرة، وهي شاة، لأن العقود يراعى فيها شروط وتعبدات لا يعتبر مثلها في الإيمان، انتهى.
قلت: مما تقدم يظهر لنا أن الشافعية يقولون إن الأصل هو تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما إلا ما استثني، والله أعلم.
وظاهر كلام الحنابلة تغليب الإشارة فقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة في الصداق: وإن قال أصدقتك هذا الخمر وأشار إلى الخل، أو عبد فلان هذا، وأشار إلى عبده صحت التسمية، ولها المشار إليه، لأن المعقود عليه يصح العقد عليه، فلا يختلف حكمه باختلاف صفته، كما لو قال: بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض، أو هذا الطويل وأشار إلى قصير، انتهى.
وقال في الطلاق: وإن أشار إلى عمرة فقال: يا حفصة أنت طالق، وأراد طلاق عمرة فسبق لسانه إلى نداء حفصة طلقت عمرة وحدها، لأنه لم يرد بلفظه إلا طلاقها، وإنما سبق لسانه إلى غير ما أراده، فأشبه ما لو أراد أن يقول: أنت طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق، انتهى.
قلت: قد ذكر ابن قدامة أن عمرة قد طلقت تغليبا للإشارة مع أنها المنوية، أما لو أشار إلى عمرة ونوى حفصة فقد ذكر أنهما تطلقان معا حيث قال: وإن أتى باللفظ مع علمه أن المشار إليها عمرة طلقتا معا عمرة بإشارته إليها، وإضافة الطلاق إليها، وحفصة بنيته، وبلفظه بها، وإن ظن أن المشار إليها حفصة طلقت حفصة، و في عمرة روايتان كالتي قبلها، انتهى.
قلت: يظهر مما تقدم أن جمهور أئمة المذاهب يرون تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما إلا أن لبعضهم خلاف في بعض التفاصيل سبق بيانها،
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين.
[/color]
[/SIZE][/B]
 
أعلى