العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الجزء الثاني من:تصور جديد لعلم المقاصد

إنضم
5 أغسطس 2010
المشاركات
837
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
أصول الفقه
المدينة
عين تموشنت
المذهب الفقهي
مالكي
تصور جديد لعلم المقاصد:الجزء 2

مناهج أهل المقاصد مقارنة بمناهج الأصوليين:

فلسفة التمالؤ و التواتر:
تقوم هذه القرينة على التذرع بمنظومة التعليل الشرعي التي وقتها الفقه الأصولي في مسالك العلة، ولكن بقيد الاجتماع المعبر عنه بمنهج تواطؤ العلل وتواترها، وقد ألمح إلى هذا المسلك الإمام مالك عند تقييده مدونته باسم الموطأ، حيث أضحى الموطأ منهجا قبل أن يكون عنوانا، وهذا الطريق الذي سلكه المحدثون وأرباب القواعد الفقهية في تدوين الأبواب والتراجم، بل إن أهل الميزان والكليات الشرعية انتخبوا هذه الفلسفة في استقراء ما يسمى بالكليات الخمس، وهو المعيار الذي اهتم به ابن عاشور في بيان مسالك تخريج المقاصد، والغريب أنه مثل بمثل مالك في باب(إبطال الغرر) الجامع لعيون مسائل النهي عن المزابنة، وبيع الجزاف بالمكيل، وحديث حبان بن منقذ،فابن عاشور أحسن الولوج إلى التراث، وأحسن الخروج منه، حيث استثمر قوانين السلف أيما استثمار.
ولعل من أهم خصائص مسلك التعليل الشرعي في درك المقصود:
1- الارتقاء من التعليل الجزئي إلى التعليل الكلي.
3 -توظيف منظومة التعليل توظيفا آخر،حيث اعتبرت العلة دليلا على الأحكام،لا صفة لها، فتم العدول في العلل من التوصيف إلى الاستدلال.
تمثيل ذلك:
إن الإقبال على روح التشريع يورث توقفا عند عتبة الرغبة في تحصيل المنهج القويم، والمراد القطعي، ورهبة من داعية الأهواء والتلذذ والتشهي، والتوقف على نحوين:
- توقف أفقي عند أعيان المسائل يؤهل النظر لمعالجة كل جزئية وكلية، فلا يغيب حصرها من حيث التصور، ولا تتهافت نتائجها من حيث التصديق حال الاحتكام للمنهج الأمثل،استدلالا وبيانا.
- وتوقف تتلاحق فيه النظرات أتباعا وخلفة، ولكن من ركن واحد، متشوفة إلى تحصيل الظنون حال قصد الاحتكام، فتبذل وسعا في الاستنطاق والدرك والاستنباط، حيث التعويل على الدليل الجزئي الصحيح، وعلى الوصف الصريح ودونه، ومذهب الصاحب المعاشر لمقام التشريع، ويحكم كل هذه التعلقات صفة الأحادية، دون تخريج العلاقة بين الدليل الجزئي وقسيمه، والدليل الجزئي وكلياته.
- وإذا أردت تسمية للمنهجين، فلك أن تقول:تلك وقفات علماء المقاصد والأصول حيث يتباين فيها المنهجان، الأصولي والمقاصدي، تباينا يدفع مقولة تحصيل ما كان حاصلا، ومقولة الاكتفاء بالمنهج الأصولي.
والحاصل في الفرق بين المنهجين أن التوسم الأصولي اعتنى بأصول ومنهج في تخريج الأحكام:

أولا: الاعتماد على الوصف الظاهر المنضبط:
وفيه جلب للحكم ظنا وتنويه بالحكمة التي توجد عنده لا به،على معنى :
أن هناك قصدا مزدوجا عند الاحتكام إلى التوصيف المناسب حيث توقت العلامات لمعرفة الأحكام والحكم،فيكون ذلك أدعى للامتثال والإذعان...
وعلى هذا القدر اعتكف الأصوليون،حيث أهملوا الحكم بحجة عدم الانضباط والاطراد والوضوح والثبات، و وجهوا التعلق وجهة الوصف الجالب....
دفع إلى ذلك أصل الضبط والتحديد، فقالوا:"نصب الشارع المظنة مقام المئنة، ضبطا للقوانين الشرعية"، والقصد رفع الحرج عن المكلفين، بدفع التشويش عنهم بإيجاب التحديد والتوقيت.
ثانيا: الاعتماد على الدليل الآحادي:
وفيه اقتصر المنهج الأصولي على الدليل الجزئي،مع اشتراط الصحة سندا أو متنا أو إلحاقا، أو رفعا أو اتفاقا أكثريا، فقالوا:إذا صح الحديث فهو مذهب، واستدلوا بأقل مراتب القياس قصدا، وبمذهب الصحابي وقفا أو رفعا، وبحجية العمل، بل إنك تقف على تعليق مرسل في الاستدلال، بل على منع ما يجوز لاحتمال قصد عدم الجواز، والأخد بأقل ماقيل، وبالحكم حال تعذر الاحتكام، استصحابا للبراءة الأصلية.
والغاية من كل ذلك الوصول إلى ملامسة مراد التشريع، ولو على سبيل الظن غير الجازم، ولتحصيل الطمأنينة قالوا: ينزل الظن منزلة القطع في الأحكام العملية.
ثالثا: تردد التوصيف بين التصريح والتلميح:
وفيه يقف الحذاق عند مقام التصريح من العلل وقوفا أقليا، وعند مقام التلميح وقوفا أكثريا، حيث الاعتماد على أوصاف مناسبة للأحكام، وقيد الصحة فيها: ما لو عرضت على العقول، لتلقتها بالقبول، وإن دلت على اعتبارها تلويحات وإشارات، وقصد الشارع فيها أن يكون للنظر حظ وافر في التشريع، فلا يخلد إلى الدعة والراحة، بل إلى بذل الوسع والجهد في تحصيل الحق.
وفي المقابل ذهب علماء المقاصد إلى أبعد من ذلك، حيث أخذوا بتعليمات الأصوليين، ولكن بتوظيف جديد، بغية التماس القطع فعدلوا:

أولا: من الدليل الآحاد-وإن كان صحيحا-إلى الدليل المتواتر:
وهو القدر الجامع للدليل أو العلة حيث اعتبرت دليلا، فقالوا الأدلة ظنية من حيث انفرادها، قطعية من حيث اجتماعها، جلبا لفلسفة التواطؤ أو التمالؤ، يتجلى ذلك واضحا في المسالك التي وقتها الشاطبي، وابن عاشور، للكشف عن المراد.
ثانيا: الارتقاء بالعلل من التوصيف إلى الاستدلال:
قال ابن عاشور في طرق إثبات المقاصد:
الطريق الأول: استقراء الشريعة في تصرفاتها وهو على نوعين:
أ-استقراء الأحكام ذات العلل المعروفة،ممايؤدي إلى استقراء تلك العلل المثبتة بطرق مسالك العلة، وباستقراء العلل يحصل العلم بمقاصد الشريعة بسهولة، فباستقراء العلل الكثيرة والمتماثلة في كونها ضابطا لحكمة متحدة، يمكن استخلاص حكمة واحدة،فنجزم بأنها مقصد شرعي.
ب-استقراء أدلة أحكام اشتركت في علة واحدة، بحيث يحصل لنا اليقين بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع".([1])
قلت:هذا بيان واضح للتذرع المقاصدي في توظيف العلل المنتجة للمفهومات الكلية الدالة على المراد، والطريق الثاني مؤذن بترجيح قاعدة التواتر القطعي في المنهج المقاصدي.



([1])-مقاصد الشريعة: 20.
 
التعديل الأخير:
أعلى