العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله،
أما بعد؛ فهذا بحث مختصر كتبته قبل ثلاث سنوات عن حكم التكبير في عيد الفطر فأقول وبالله التوفيق :
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن التكبير في عيد الفطر مستحب وهذا مذهب أبي حنيفة في رواية عنه ومذهب مالك والشافعي وأحمد ..
واستدلوا بما يلي : 1- قوله تعالى (( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ))
قال الشافعي رحمه الله في الأم 2/486 :
سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : لتكملوا عدة صوم شهر رمضان وتكبروا الله عند إكماله على ما هداكم، وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من أيام شهر رمضان ا.هـ
2- ما رواه البخاري في صحيحه (971) من حديث أم عطية قالت (( كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج
البكر من خدرها , حتى نخرج الحيض فيكن خلف النساء فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم , يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته))
وفي رواية عند مسلم(890) .. (( كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر . قالت : الحيض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس ))
قال ابن رجب في فتح الباري (6/134) : وفي الحديث دليل على أن إظهار التكبير للرجال مشروع في يوم العيد ولولا إظهاره من الرجال لما كبر النساء خلفهم بتكبيرهم . ا.هـ
وقال النووي في شرح صحيح مسلم 4/199 : وقولها يكبرن مع الناس دليل على استحباب التكبير في العيدين لكل أحد ..
3- ما رواه ابن أبي شيبة من حديث الزهري قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة فإذا قضى الصلاة قطع التكبير )
والحديث صححه الألباني بشواهده موقوفا على ابن عمر ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
انظر الإرواء (650) والصحيحة (171) .
قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة 1/331 : وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهرا
في الطريق إلى المصلى , وإن كان كثيرا منهم بدؤوا يتساهلون بهذه السنة , حتى كادت أن تصبح في خبر كان , وذلك لضعف الوازع الديني منهم وخجلهم من الصدع بالسنة والجهر بها ...
القول الثاني : أن التكبير في عيد الفطر واجب وهذا القول رواية عن أحمد ذكرها ابن رجب في الفتح وهو مذهب أهل الظاهر وحكاه بعض العلماء عن سعيد وعروة ... وابن حزم يرى الوجوب في ليلة العيد دون يومه ...
قال ابن قدامة في المغني 3/255 : وقال داود : هو واجب في الفطر لظاهر الآية . ولنا , أنه تكبير في عيد , فأشبه تكبير الأضحى , ولأن الأصل عدم الوجوب , ولم يرد من الشرع إيجابه , فيبقى على الأصل , والآية ليس فيها أمر , إنما أخبر الله تعالى عن إرادته , فقال (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ))
القول الثالث : أن التكبير في عيد الفطر غير مشروع وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة , نقله عنه جمع من أهل العلم منهم ابن هبيرة والقرطبي وابن تيمية وابن كثير وخلق كثير من أهل العلم , لكن ابن عابدين الحنفي في حاشيته نفى أن يكون هذا مذهباً لأبي حنيفة وسمى عشرين كتابا من كتب الأحناف لم تذكر هذا المذهب عنه وأفاد أن الخلاف على أبي حنيفة إنما هو في الجهر أو الإسرار بالتكبير لا في مشروعيته ..
واستُدل لمذهبه بما رواه ابن أبي شيبة (5629) : عن ابن عباس، قال شعبة مولى ابن عباس: كنت أقود ابن عباس يوم العيد، فيسمع الناس يكبرون، فقال: ما شأن الناس ؟ قلت: يكبرون، قال: يكبرون !! قال: يكبر الإمام ؟ قلت: لا، قال: أمجانين الناس ) .. وهذا الأثر فيه شعبة مولى ابن عبّاس متكلمٌ فيه من جهة حفظه .
الراجح : بعد عرض الأقوال وأدلتها ظهر لي ترجيح القول الأول القاضي باستحباب التكبير في عيد الفطر .
فرع أول : متى يبدأ وقت التكبير ؟
للعلماء في هذه المسألة قولان :
الأول : يبدأ التكبير من غروب الشمس ليلة العيد وهذا مذهب الشافعي ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام جاء في مسائل ابن هانئ لأحمد (1/94) قال: قلت: فترى أن يكبر من ساعة الإفطار من المغرب؟ قال: كان ابن عمر يكبر إذا صلى العشاء..
قال الماوردي في كتابه الحاوي الكبير : فأمر بالتكبير بعد إكمال الصوم وذلك لغروب الشمس من ليلة شوال فاقتضى أن يكون ذلك أول زمان التكبير . ا.هـ
وقد نقض النووي في كتابه المجموع( 5/32) هذا الاستدلال فقال : وهذا الاستدلال لا يصح إلا على مذهب من يقول أن الواو تقتضي الترتيب وهو مذهب باطل , وعلى هذا المذهب الباطل لا يلزم من ترتيبها الفور.
واستدل لهم بما رواه ابن جرير في تفسيره (2/157): حدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال: قال بن زيد كان بن عباس يقول: حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله تعالى ذكره يقول ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم .
والأثر فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني وأبو زرعة وغيرهم.
وقال الفاكهي في أخبار مكة (1703) حدثنا محمد بن أبي عمر قال ثنا سفيان في قوله تعالى { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } قال: نرجو أن يكون التكبير ليلة الفطر، وزعم المكيون أنهم رأوا مشايخهم يكبرون ليلة الفطر إلى خروج الإمام يوم العيد ويظهرون التكبير ويرونه سنة وهم على ذلك اليوم.
القول الثاني : يكبر عند الغدو إلى الصلاة،وهو مذهب ابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين وبه قال مالك وأحمد في رواية وإسحاق وأبو ثور.
واستدلوا بمرسل الزهري السابق (كان صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة ؛ قطع التكبير)
وقالوا لو كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم التكبير في ليلة الفطر لنقل إلينا .
قلت : أما مرسل الزهري فليس فيه نفي التكبير ليلة الفطر , وأما قولهم أنه لو كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم التكبير في ليلة الفطر لنقل إلينا , فليس عدم النقل نقلا للعدم .
الراجح : بعد عرض الأقوال وأدلتها ظهر لي قوة القول الأول وان كان الأمر في ذلك واسعاً
وأما نهاية وقت التكبير فعند الشافعية ينتهي بالإحرام الصلاة وعند الحنابلة ينتهي بالفراغ من الخطبة , وقيل ينتهي بمجيء الإمام وقيل حتى يأتي المصلى وهذا ضعيف لحديث أم عطية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى( 24/221) : والتكبير فيه – أي عيد الفطر – أوله من رؤية الهلال وآخره انقضاء العيد , وهو فراغ الإمام من الخطبة . ا.هـ
قلت والأقوال في هذا متقاربة , وان كان القول بأنه ينتهي بخروج الإمام أقيس .لكن لا يصلح أن يستمر الناس في التكبير بعد الانتهاء من الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقطع التكبير بانتهاء الصلاة .
فرع ثان : هل التكبير في عيد الفطر آكد منه في الأضحى أم العكس ؟
قيل إن التكبير في الفطر آكد لأن الله نص عليه في القرآن بخلاف الأضحى فإن أدلته عامة وهذا مذهب الشافعي الجديد والإمام أحمد , قال عبد الله في سؤالا ته لأبيه : قرأت على أبي إذا خرج الناس يوم الفطر ويوم النحر يكبرون ؟ قال : يوم الفطر أشد.
وقيل بالتسوية واختار هذا القول الصنعاني , وثمة قول ثالث اختاره ابن تيمية كما في الفتاوى المصرية فقال :
التكبير في الفطر اوكد لكونه أمر الله به, وفي النحر أوكد من جهة أنه يشرع في أدبار الصلوات ومتفق عليه ويجتمع فيه المكان والزمان .

فرع ثالث : هل هناك تكبير مقيد بعد الصلوات في عيد الفطر
قال النووي في المجموع :
وأما التكبير المقيد فيشرع في عيد الأضحى بلا خلاف لإجماع الأمة، وهل يشرع في عيد الفطر؟ فيه وجهان مشهوران، حكاهما المصنف والأصحاب، وحكاهما صاحب "التتمة" وجماعة، قولين، أصحهما عند الجمهور: لا يشرع، ونقلوه عن نصه في الجديد، وقطع به الماوردي، والجرجاني، والبغوي، وغيرهم؛ وصحّحه صاحبا "الشامل" و"المعتمد"، واستدل له المصنف والأصحاب بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشروعاً لفعله ولنُقل، والثاني: يستحب، ورجحه المحاملي، والبندنيجي، والشيخ أبو حامد، واحتج له المصنف والأصحاب: بأنه عيد يسن فيه التكبير المرسل فَسُنَّ المقيد كالأضحى، فعلى هذا قالوا: يكبر خلف المغرب، والعشاء، والصبح؛ ونقله المقلي عن نصه في القديم؛ وحكم النوافل والفوائت في هذه المدة على هذا الوجه يقاس بما سنذكره إن شاء الله تعالى في الأضحية). ا.هـ
وقال المرداوي في الانصاف :
لا يسن التكبير عقيب المكتوبات الثلاث في ليلة عيد الفطر على الصحيح من المذهب قال في الفروع ولا يكبر عقيب المكتوبة في الأشهر وقدمه بن تميم وغيره واختاره القاضي وغيره وقيل يكبر عقيبها وهو وجه ذكره بن حامد وغيره وجزم به في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والإفادات والحاويين وقدمه في الرعاية الصغرى قال في المذهب ومسبوك الذهب وهو عقيب الفرائض أشد استحبابا وأطلقهما في الرعاية الكبرى .ا.هـ
قلت : والصواب عدم استحباب التكبير المقيد في عيد الفطر لأن ذلك لم ينقل .

والله أعلم وأحكم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
وكتبه : فهد بن عبد الله القحطاني
16/9/1428 هـ
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

جزاك الله خيرا،ً وبارك فيك، ونفع بما تكتب
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,144
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

أفدتنا أفادك الله.
وتقبل الله طاعتكم
ومن العايدين.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,144
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

أفدتنا أفادك الله.
وتقبل الله طاعتكم
ومن العايدين.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,144
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

أفدتنا أفادك الله.
وتقبل الله طاعتكم
ومن العايدين.
 

سيف يوسف السيف

:: متابع ::
إنضم
16 أغسطس 2009
المشاركات
65
التخصص
فقه
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

بحثٌ مفيدٌ فجزاك اللهُ خيراً
 

مجتهدة

:: متميز ::
إنضم
25 أبريل 2008
المشاركات
931
التخصص
فقه وأصول..
المدينة
000000
المذهب الفقهي
حنبلية على اختيارات الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-.
رد: مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

مئنة من فقه...
بارك الله في علمك..
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مبحث لطيف في حكم التكبير في عيد الفطر

يرفع للمناسبة ...
 
أعلى