رد: أمران يدلان على عدم مشروعية قضاء الصلاة الفائتة بغير عذر
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
- الجواب على الإشكال الأول كالتالي :
الحائض لم تؤمر بالصلاة فترة الحيض فقد أخرجها الشارع من الخطاب الآمر بالصلاة فكيف لها أن تقضي ما لم تؤمر به ؟ أما الصوم فكذلك أخرجها خطاب الشارع من الصوم لكنه ورد خطاب ثان يأمرها بالقضاء لقول عائشة رضي الله عنها: ((كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) متفق عليه .
أما تارك الصلاة عمدا فلم تسقط عليه لذلك كان لزاما عليه قضاءها بعكس الحائض.
أشير كذلك إلى أن السكران يقضي الصلاة إجماعا و لا فرق بين السكران و العامد في الصلاة فكلاهما لم يصلها و كلاهما ليس له عذر في تركه لهذه الصلاة و كلاهما ليس له أمر جديد بالقضاء و مستند الإجماع في قضاء السكران هو ذاته الذي استدل به القائلون بقضاء العامد.
و يعضد ذلك عمل الصحابة فقد جاء في صحيح البخاري معلقا عن أنس رضي الله عنه "حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"
فالصحابة قضوا الصلاة بدون أمر جديد من الشارع فدل ذلك على أنهم قضوا الصلاة بالأمر الأول فإن قيل إنما هم معذورون و تاركها عمدا لا عذر له قلنا فأين أمر الشارع للقضاء للمعذور ؟ قالوا من حديث ْ أَنَسِ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : " مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ، وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " فقسنا المعذور على النائم و الناسي بعلة العذر فنقول كذلك قسنا تارك الصلاة بالناسي و النائم بقياس الأولى فإن ألزم النائم و الناسي بالقضاء فيلزم العامد من باب أولى و يعضض ذلك قضاء السكران بعكس قياسكم الذي يُنقض بقضاء السكران فكان قياسنا أولى من قياسكم و إنما نبه الرسول عليه الصلاة و السلام على قضاء الناسي و النائم لحديثه : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ " ، و لحديث " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " فلما رفع الشارع الأمر بالصلاة على النائم و الخطأ على الناسي بين الرسول عليه الصلاة و السلام أن عليهما قضاء الصلاة و لم يحتج ذكر قضاء العامد و السكران لأن الأمر الأول بالصلاة مازال قائما.
و كذلك الصلاة دين فلزم قضاؤها كدين المال فإن قيل قال الشوكاني رحمه الله : واستدل القائلون : بأن القضاء بالأمر الأول بقولهم الوقت للمأمور به كالأجل للدين للدين ، فكما أن الدين الدين لا يسقط بترك تأديته في أجله المعين ، بل يجب القضاء فيما بعده ، فكذلك المأمور به إذا لم يفعل يفعل في وقته المعين المعين .
ويجاب عن هذا بالفرق بينهما بالإجماع على عدم سقوط الدين إذا انقضى أجله ، ولم يقضه من هو عليه ، وبأن الدين يجوز تقديمه على أجله المعين المعين بالإجماع ، بخلاف محل النزاع فإنه لا يجوز تقديمه عليه بالإجماع . اهــ
فنقول أن قياس العبادات بالدين قياس الرسول عليه الصلاة و السلام بقوله : فدين الله أحق أن يقضى.
و كذلك القول بأن هناك فرق بجواز تقديم الدين و عدم جواز تقديم الصلاة باطل لأنه قاس بداية وقت الصلاة مع نهاية وقت الدين و إنما الصحيح أن تقاس بداية وقت الصلاة على بداية وقت الدين و نهاية وقت الصلاة على نهاية وقت الدين فكما أن للمصلي أن يصلي في بداية الوقت أو في نهايته كذلك صاحب الدين له أن يؤديه بعد الإستدانة و ان لم ينتهي وقت الاستدانة او قبل نهايتها و كما أن مؤخر الصلاة عن وقتها بدون عذر آثم كذلك مؤخر الدين عن وقته بدون عذر آثم و كذلك كما أن للصلاة وقت اختياري و وقت ضروري فكذلك للدين وقت اختياري و وقت ضروري أما الوقت الاختيارتي فهو قبل أجل رد الدين و أما الضروري فهو عند حلوله و ليس له أن يؤخره عن ذلك فصح قياس الصلاة على الدين.
فإن قيل إذا رد المستدين الدين بعد وقته فقد برئت ذمته و أن التارك عمدا لو قضى الصلاة لم تبرأ ذمته قلنا هما سيان فمن قضى الصلاة بعد الوقت فقد أدى ما استطاع آداءه و بقي اثم التأخير كالمستدين الذي يقضي الدين بعد الأجل فقد برئت ذمته المالية لكن بقي إثم التأخير عمدا.
فإن قيل ورد في حديث رسول الله عليه الصلاة و السلام : " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عز و جل : انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " فتارك الصلاة عمدا إنما يكثر من النوافل قلنا كم عدد هذه النوافل التي ستكمل هذا النقص ؟ أتوجبون على العبد كفارة لا يدرى مقدارها و تبطلون أن يأتي بالصلاة ذاتها ؟ بل في حديث عمران بن حصين قال : سرينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان من آخر الليل عرسنا ، فغلبتنا أعيننا ، فما أيقظنا إلا حر الشمس ، فكان الرجل يقوم إلى وضوئه دهشا ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضؤوا ، ثم أمر بلالا فأذن ، ثم صلوا ركعتي الفجر ، ثم أمره فأقام ، فصلى الفجر ، فقالوا : يا رسول الله فرطنا أفلا نعيدها لوقتها من الغد ؟ فقال : " ينهاكم ربكم عن الربا " فسمى الزيادة في القضاء ربا , فكيف يأمر الله عز و جل عبده بقضاء الصلاة بالنوافل دون أن يحدد مقدارها !! إنما معنى الحديث محمول عن من لم يقضي لا أن نوجب عليه كفارة لا يدري ما مقدارها !!!
- أما عدم مشروعية قضاء الصلوات الفائتة عن الميت خلافا للزكاة والصوم والحج ونحو ذلك :
فنقول كذلك لا يشرع الصيام عن الحي فدل على أن الأصل أن لا يقوم العبد بعبادة عبد آخر بدله إلا بدليل شرعي فلما جاء الدليل بجواز ذلك في الصيام بعد الوفاة أجزنا ذلك و بقي الباقي على أصله فلم نجز الصيام عن الحي و لا قضاء الصلاة عن الميت و لا قضاءها عن الحي و الله أعلم