د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,171
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
[font="]هرشة السنة السابعة
من الزواج!
[/font]
من الزواج!
[/font]
ويقال أيضاً: هرَّش فلان بين الديكة، أو نحوها، إذا أغرى بينها بالعداوة كي تتقاتل·[/font]
[font="]وأما في لغتنا الدارجة في مصر، فنعبر بالهرش عمن يرفع يده ليحك بها جلده أو جارحة من جوارحه، وعادة ما يحك الإنسان جلده أو أنفه أو رأسه إذا فكر تفكيراً عميقا في أمر معضل محير، فيكون ذلك فعلا منعكساً، وقد يكون يكون لازمة عصبية مَرضية·[/font]
[font="]والهرشة في عرفنا اللغوي الدارج، نعني بها أيضاً شيئاً معنوياً، حين يخرج عن الإنسان تصرف طارئ، خارج عن نمط سلوكه المعهود، وغير منتظَر منه، يبعد به عن المنطق والحكمة، فيكون شاذاً أو مسيئاً، فنراه يأخذ قراراً في أمر خطير يفاجئنا به، وربما يكون له نتائجه العظيمة على حياته وحياة من حوله، مما يجعلنا نتساءل: ماذا دهاك؟ هل فكرت جيداً في هذا الأمر؟ يحسن بك أن تعيد التفكير فيه مرات![/font][font="]
ولكن هل يعرف القارى هرشة السنة السابعة التي يتحدث عنها المتخصصون في الزواج؟ وهل تعرَّض لها يوماً في حياته الزوجية؟ وهل نجا منها، أو أنها حطمته؟[/font]
[font="]الهرشة والخيانة والطلاق[/font][font="]
[/font]
[/font]
[font="]وربما يخفى على كثيرين أن أكبر ما يهدد الحياة الزوجية هو المشاعر السلبية التي تجتمع قطرة قطرة إلى أن تغرق الزوجين، وفي الوقت الذي تركن فيه الزوجة إلى الدعة، وتظن أن الزواج قائم إلى الأبد··· تتفاعل المشكلات الصغيرة تحت السطح كالنار تحت رماد، تنتظر بعض الوقود يلقي عليها، أو هبة هواء تثيرها كي تلتهب، أو كالسوس الذي ينخر في الأسنان البيضاء اللامعة إلى أن يجعلها فجأة تتهاوى سوداء هشة كهشيم المحتظر·[/font]
[font="]وكثيراً ما يتصبر الزوج، ولكن كلمة خاطئة من الزوجة بعد كلمة، وإشارة بعد إشارة وفعلاً بعد فعل··· تصير في النهاية رصيداً كبيراً متراكباً يغلب صبر الزوج، ويجعله يقدم على ما كان يظن أنه مستحيل، فيهدم في لحظة بيته بيده أو بلسانه، والسبب تراكمات أخطاء الزوجة الصغيرة التي تجمع منها مثل الجبل، فناء به عاتق الزوج، كما بين شاعرنا الحكيم·[/font]
[font="]لا تحقرن صغيرة .... إن الجبال من الحصى[/font]
وهذا يعني أحد أمرين، كلاهما شر من الآخر: الخيانة وهي انفصال معنوي داخل البيت، والطلاق وهو إنهاء لعقدة النكاح·[/font]
[font="]وليست سبع سنوات حدا فاصلاً لهذه الهرشة التي تهرش الزوج، بل قد يكون أقل من ذلك أو أكثر: عشراً، أو ستاً، أو حتى خمساً··· ولكن كل زواج تقريباً يتعرض لهرشة في وقت من الأوقات، ولا أظن أن زوجاً واحداً، لم يفكر يوماً ما، في لحظة ما، في الطلاق، وهذا عجيب!
وأكثر من ذلك أقول: إنها ليست هرشة واحدة، ولكنها هرشات تعرض للحياة الزوجية، وتتكرر كل خمس أو سبع سنوات، أو أدنى من ذلك أو أكثر![/font]
[font="]وهذا يدعونا إلى أن نبحث أسباب هرشة السبع سنوات، وكيف نتجنبها، وننجو من خطرها؟[/font]
[font="]آفات الحياة الزوجية وتهاوي الأحلام[/font][font="]
[/font]
[/font]
[font="]تنتظر الفتاة عادة كثيراً من العواطف الجياشة وكلمات الحب الدافئة من زوجها، وقد يكون الفتى تربى في أسرة جافة العواطف، متبلدة الأحاسيس، فينشأ غير قادر على التعبير عن عواطفه وأحاسيسه·[/font]
[font="]وهنا تصدم الفتاة وتسأل نفسها: أين وعود الحب، والكلام الجميل الذي كان قبل الزفاف؟ [/font]
[font="]ولا شك أن الحلم غير الحقيقة، ففي الحلم يرى الإنسان الأشياء كما يشتهي، فنحن الذين نلون أحلامنا كما يحلو لنا، أما الحقيقة فمن الصعب تجميلها في العشرة الزوجية اليومية··· قد يمكن للمرأة مثلاً أن تضع شيئا من الأصباغ على وجهها لتخفي بعض عيوبه، ولكنها لا يمكن أن تفعل ذلك في بيتها طوال الوقت، كما أنها لا يمكن أن تخفي عصبيتها مثلاً دائماً، ولا تستطيع التحكم كثيراً في عاداتها التهام كميات كبيرة من الثوم والبصل برائحته النفاذة الكريهة···
ومن الطبيعي أن يراها الزوج أحيانا في بعض مباذلها، وتتصاعد منها رائحة الطبيخ، وقد تظهر شعثة الشعر غير مهندمة، أو يجد فمها الجميل ينطق بكلمات بذيئة أو سوقية، وهنا تتهاوى الأحلام، ويقول لنفسه مذهولاً: إنها ليست الفتاة التي أحببتها وارتبطت بها·[/font]
[font="]ومن المقرر أن كلا من الزوجين له شخصية مختلفة عن الآخر، وهذا طبيعي لأنه نشأ في بيئة مختلفة، وتكون تكوينا مختلفاً··· وفي فترة ما قبل الزفاف لا يرى كل منهما هذه الاختلافات، وتطغى أحاسيس النشوة على نور البصيرة، فلا يرى في الآخر إلا الجوانب الحسنة، ثم بعد المعايشة تحت سقف واحد، تبدو الحقائق، وتظهر ماثلة لا يمكن التجمل فيها ولا الاخفاء، فالإنسان له طباعه وعاداته وأخلاقه التي لا يستطيع أن يتخلى عنها بسهولة، فإذا لم يتقارب الزوجان، ولم يحاولا الائتلاف والتوافق، فلا بد من خطر الشقاق·[/font]
[font="]وأحيانا ترى الزوجة زوجها وقد خلع عنه ثوب الرجل المثالي المهذب، وأخذ يسب ويسخط، وربما ضربها، أو ذكر أهلها بالسوء، أو أخذ يسهر مع أصدقائه ليلة بعد أخرى خارج المنزل، تاركا إياها وحيدة بين جدران خاوية، حينئذ تحس بأنه زواج فاشل، وأنها لم تتزوج الرجل المناسب الذي يسعدها ويشاركها حياتها وأحاسيسها·[/font]
[font="]تكره المرأة في زوجها أن يكون سيء الخلق، بذئ اللسان، ضعيف الشخصية، مغروراً متكبراً لا يقبل النقاش والحوار·[/font]
[font="]ويكره الرجل في زوجته أن تكون نكدة، تحب الجدال والشجار، ولا تهدأ إلا بعد أن تثير كثيراً من العواصف والزوابع، أو أنها لا تأخذ زينتها في بيتها، ولا تهتم بالنظافة في بيتها ونفسها وأولادها، أو أنها تعرض عن المعاشرة الزوجية ولا تتجاوب فيها، وتظهر برودة ونفرة منها·[/font]
[font="]ويأسف الرجل أشد الأسف إن اكتشف بعد الدخول أن زوجته غبية جاهلة، لم تُعَدّ للزواج، ولم تعرف شيئاً من شؤونه، ولا قدرة لها على إدارة بيته ولا القيام بمطالبه، ولا تفهم حقيقة الزواج ومعناه، ولم تنضج عواطفها للزواج بعد، فتتخبط في بيته، لا تعرف ماذا تفعل، ولا ما تقول، فتسيء بدلا من أن تحسن، فيتصبر الزوج رغبة في إصلاحها والأخذ بيدها، فقد ينجح أحياناً، وكثير ما يفشل، ويضطر في النهاية إلى التخلص منها مهما كلفه الأمر من مال ومعاناة·[/font]
[font="]وقد كان الأولى بأبويها إعدادها للزواج نفسياً وعقلياً واجتماعياً·[/font]
[font="]وجدير بالذكر أن هرشة السنة السابعة لا تأتي من الزوجين فقط، ولكن يسهم فيها في كثير من الأحيان أسرتا الزوجين، وذلك بالشقاق بين الأسرتين، وطحن الزوجين بينهما، وتمزيق أواصر الأسرة الجديدة، أو بالشجار بين الزوج وعائلة الزوجة···
وسواء انضمت الزوجة إلى زوجها في هذا الصراع أو انضمت إلى عائلتها فإن الشقاق حال، وهذا الشجار ينزع القشرة التي كانت تحفظ البيضة من الفساد، فإذا لم يكن بين الزوجين تفاهم وحب، وفي شخصيتها حكمة ونضج، فإن الخلافات العائلية تنعكس عليها، وتسمم حياتهما، وتجعلهما في مهب الريح·[/font]
[font="]علاج الملل والخرس الزوجي[/font][font="]
[/font]
[/font]
[font="]إن الملل والرتابة عدوا الحياة الزوجية، وهو الذي يأتي بالفشل والشقاق، ويجعل الزوج يهرب من البيت والمرأة تسكن إلى الحزن والكآبة·[/font]
[font="]وقد يكون صحيحاً أن نشبه هرشة السنة السابعة بالأنواء الشتوية المثقلة بالأمطار والرعد والبرق والغيوم التي تدهمنا بعد جو صحو وشمس مشرقة، ومن المعلوم أن هذه الأنواء تأتي في أيام محددة في فصل الشتاء، ويستعد لها الناس استعداداً خاصاً، لذا كان من حسن الفطن الاستعداد لتقلبات الحياة الزوجية وغيومها ورعودها وصواعقها، بالحوار الهادئ، وتعزيز جوانب التواصل والتوافق مع الطرف الآخر، وطرح السلبيات جانباً، وتجنب الهموم والشكوى والنقد والنكد والمبالغة في المطالب المادية والمقارنة بالآخرين، مع تجميل النفس وتحسينها، وليت كل زوج يفتش في نفسه عن أسباب الفشل، وألا يسمح للآخرين بهدم عشه الجميل، والتدخل في شؤونه الزوجية·[/font]
[font="]إنه من الضروري أن ينشأ حوار فكري يضمن فسحة للطرفين متساوية في التعبير عن آرائه في الطرف الآخر وفي العلاقة الزوجية التي تجمعهما، وما فيها من إيجابيات وسلبيات والطريق إلى تلافي العيون في زواجهما، وكيفية الإصلاح، وأن يتسم هذا الحوار بالصراحة والصدق والإخلاص والرغبة في تجاوز الأزمات، لا الرغبة في الانتصار على الطرف الآخر وإحراجه·[/font]
[font="]ومن الضروري أيضا أن يفتش كل من الزوجين في نفسه أولا عن أسباب الشقاق قبل أن يتهم الطرف الآخر··· فيسأل نفسه: هل أنا عدواني، مستفز، مسيطر، فاقد لروح التعاون والحنان والذهن المتفتح؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فليبدأ بإصلاح عيوبه أولاً··· وهذا يحتاج إلى قدر كبير من الصدق مع النفس، فغالباً ما لا يرى الإنسان عيوبه، ويلقي بكل اللوم على الآخرين، ويضخم عيوبهم.
ومن الخير أن يتعاون الزوجان على تجديد حياتهما معاً، فإدخال نمط جديد من التعامل بينهما، يتفقان فيه على أن يكون كل منها رفيقاً بصاحبه، مهذباً في ألفاظه، يعامله برقة، ويستخدم الكلمات التي يفضلها، ويشعره دائما بحبه وحنانه ودفء عواطفه، ولا يهمل في ذلك صغيرة ولا كبيرة، فالسعادة تأتي من الأشياء الصغيرة كما تأتي من الأشياء الكبير··· والحب يتغذى على كلمة رقيقة وإيماءة لطيفة، ولمسة حانية، وهمسة صافية·[/font]
[font="]وهذا العلاج لا يتأتي إلا بالتغيير المستمر، حتى يظهر كل طرف في كل يوم بجديد ممتع شكلاً وجوهراً، وتجديد الجو المحيط بالزوجين، والكلمات التي يتبادلانها، والموضوعات التي يتحدثان فيها، فيمكن للزوجة أن تسعى إلى خلق جو متجدد دائما في الأسرة، وذلك بظهورها بمظهر لائق جديد في ملبسها وزينتها وتسريحة شعرها، وغير ذلك من الإضافات التي يظنها بعض الزوجات هامشية، ولكنها في الحقيقة مهمة في الحياة الزوجية·[/font]
[font="]ومن التجديد أن يبدأ الزوجان حواراً جديداً كلما أتيحت الفرصة، مع تغيير أسلوب الحديث وحتى نطق الكلمات وتنغيمها، فالرجل يحب أن يكون صوت زوجته شجياً في مسمعه، وأن يشتري الزوجان كتباً جديداً يقرآنها ويديران الحوار حولها، وأن يزورا الأقارب والمعارف والجيران، ويتحاورا معهم، وأن يتعرفا على أصدقاء جدد للأسرة، كما يقترح القيام برحلات إلى أماكن جديدة، وتناول الطعام أحياناً خارج المنزل في أماكن هادئة وسهرات ممتعة بريئة·[/font]
[font="]ولعلنا بذلك ننجو من هرشة السنة السابعة في الزواج، التي أثبت الواقع أنها ليس مجرد هرشة، ولكنها عضَّة سامة، قد تودي بالزواج، وتهدم الأسر. فاحذروها![/font]
التعديل الأخير: