رد: التفريق بين العذر في المبيت والعذر في الرمي في شأن الدم؟
الذي يبدو -والله أعلم- أن القول بأن الترخيص في المبيت بمنى أوسع منه في الرمي قول الأكثرين، ولكن: هل هو أمر متفقٌ عليه بين الفقهاء؟
أما عند الحنفية فالأمر واضح؛ إذ المبيت بمنى ليالي التشريق سنة عندهم، بخلاف الرمي.
وأما المالكية فالأمر عندهم مختلف
في المدونة: ( قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ كَانَ يَرَى عَلَى مَنْ بَاتَ فِي غَيْرِ مِنًى لَيَالِي مِنًى الدَّمَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاتَ لَيْلَةً كَامِلَةً فِي غَيْرِ مِنًى أَوْ جُلَّهَا فِي لَيَالِي مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ لَيْلَةٍ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، قُلْت: وَاللَّيْلَةُ الَّتِي تَبِيتُ النَّاسُ بِمِنًى قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى عَرَفَاتٍ إنْ تَرَكَ رَجُلٌ الْبَيْتُوتَةَ فِيهَا، هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ دَمٌ لِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لَهُ تَرْكَ ذَلِكَ ). المدونة (1/429)-ط1، دار الكتب العلمية
( قال ابن وهب: وكان مالك يرى على من نسي جمرة العقبة هدي بدنة، وعلى من نسي جمرة من الجمار غير جمرة العقبة هدي شاة، وإن نسي جمرتين فبقرة، وإن نسي الثلاث كلها فبدنة، كان يستحب هذا ويرى أن أدنى الهدي يجزيه في جميع ذلك كله )
( ومن كتاب الأقضية قال: وسئل ابن وهب عن الذي ينسى الرمي يوماً أو يومين ثم يذكر، قال: قال لنا مالك: يرمي لما فاته في اليوم الثالث لليومين الماضيين ويهدي.
قال ابن وهب: وأما أنا فأقول: إن كان أخر ذلك متعمدا كان عليه الهدي مع القضاء، وإن أخر ناسيا قضى ولا هدي عليه إذا ذكر ذلك في أيام الرمي، قال: وإن لم يذكر إلا بعد أيام الرمي كان عليه الهدي، ناسياً كان أو متهاوناً ) البيان والتحصيل(4/63)-ط2، تحقيق: د.حجي وآخرون.
فهل الأمر هنا يشبه المذكور من أن الترخيص في المبيت بمنى أوسع منه في الرمي؟
وأعرج تتميماً على نقلين في مذهبي الشافعية والحنابلة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ في "الأم":: وَلَا يَبِيتُ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ إلَّا بِمِنًى، وَمِنًى مَا بَيْنَ الْعَقَبَةِ، وَلَيْسَتْ الْعَقَبَةُ مِنْ مِنًى، إلَى بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَلَيْسَ بَطْنُ مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى، وَسَوَاءٌ سَهْلُ ذَلِكَ وَجَبَلُهُ فِيمَا أَقْبَلَ عَلَى مِنًى فَأَمَّا مَا أَدْبَرَ مِنْ الْجِبَالِ فَلَيْسَ مِنْ مِنًى، وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ عَنْ مِنًى إلَّا رِعَاءَ الْإِبِلِ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ السِّقَايَاتِ وَلَا رُخْصَةَ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السِّقَايَاتِ إلَّا لِمَنْ وُلِّيَ الْقِيَامَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ، وَسَوَاءٌ مَنْ اسْتَعْمَلُوا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ هُمْ .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ بَاتَ عَنْ مِنًى غَيْرَ مَنْ سَمَّيْت تَصَدَّقَ فِي لَيْلَةٍ بِدِرْهَمٍ وَفِي لَيْلَتَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ بِدَمٍ (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ أَكْثَرَ لَيْلِهِ بِمِنًى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَوَّلِ لَيْلِهِ أَوْ آخِرِهِ عَنْ مِنًى.
قال ابن قدامة في "المغني":
فَصْلٌ: فَإِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى، فَعَنْ أَحْمَدَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ بِشَيْءِ. وَعَنْهُ يُطْعِمُ شَيْئًا. وَخَفَّفَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْهِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: عَلَيْهِ دَمٌ. وَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: دَمٌ بِمَرَّةٍ، ثُمَّ شَدَّدَ بِمَرَّةٍ. قُلْت: لَيْسَ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، يُطْعِمُ شَيْئًا تَمْرًا أَوْ نَحْوَهُ. فَعَلَى هَذَا أَيُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ، أَجْزَأَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَأَكْثَرِ؛ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ.
وَعَنْهُ: فِي اللَّيَالِي الثَّلَاثِ دَمٌ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا. وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: فِي كُلِّ حَصَاةٍ دِرْهَمٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ، فَإِنَّنَا لَا نَعْلَمُ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ دِرْهَمًا، وَلَا نِصْفَ دِرْهَمٍ، فَإِيجَابُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ تَحَكُّمٌ لَا وَجْهَ لَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.