رد: ما تنقمون في تقسيمنا!!
مرادي من السؤال بارك الله فيك ياشيخ صلاح, الآتي:
حديث رواه من بين الصحابة كلهم :عمر وحده, ورواه عن عمر: علقمة بن وقاص وحده ,وعن علقمة: محمد بن إبراهيم التيمي وحده ,وعن محمد التيمي:يحيى الأنصارى, ثم رواه عن يحيى الكثير..فهذا فرد غريب توراث غرابته في ثلاث طبقات وهو على وفق قواعد الأصوليين :آحاد لا يفيد القطع, في حين أن حكم المحدثين فيه غير ذلك
وحديث جاء من خمسين طريقا :قصارى أمره عند بعض المحدثين أن يكون حسناً, وهو لو أعملنا المنهج الأصولي مفيد للعلم ..
أما جعل الشهرة بالوصف المذكور ضابطا لاحقا في إفادة تقوية الحديث إلى مرتبة العلم ,فهذا مثلا من القرائن التي قد ترقي الحديث,لكن ليس هو الضابط الأحق..فقد يشتهر الحديث وتنزل رتبته مع ذلك عن الصحة فضلا عن العلم لعلة فيه وإن كان ظاهر إسناد بعض طرقه الصحة,وقد لا يشتهر ويكون مفيدا للعلم بأن يتلقاه المحدثون النقاد بالقبول كما قال أبو حاتم الرازي :"وإجماع المحدثين يكون حجة" وليس المحدثون إلا جزءا من سائر العلماء,فلو خالفهم الفقهاء والأصوليين فهذا على مقتضى كلام الأصوليين مفيد للظن ,واسمع هذا الكلام النفيس للعلامة ابن القيم : (ونحن نشهد بالله ولله شهادةً على البت والقطع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: خبرك خبر واحدٍ لا يفيد العلم حتى يتواتر؛ ولم يكن أحد من الصحابة ولا أحد من أهل الإسلام بعدهم يشك فيما أخبر به أبو بكر الصديق، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي ولا عبدالله بن مسعود، ولا غيرهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة رضي الله عنه، مع تفرده بكثير من الحديث ولم يقل أحد منهم يوماً واحداً من الدهر: خبرك هذا خبر واحد لا يفيد العلم) ثم قال رحمه الله: (حتى إن الصحابة ربما يتثبتون في بعض أحاديث الأحكام حتى يستظهروا بآخر؛ أما أحاديث الصفات فلم يطلب أحد منهم الاستظهار فيها البتة، بل كانوا أعظم مبادرةً إلى قبولها وتصديقها والجزم بمقتضاها، ومن له أدنى إلمام بالسنة والالتفات إليها يعلم ذلك دون شك، ولولا وضوح الأمر في ذلك كالشمس في رابعة النهار لذكرنا أكثر من مائة موضع)وهذا الذي قاله نفيس دقيق..فخذ مثلا أحاديث رؤية المؤمنين لربهم لم يستشكلها أحد ولم يتردد في قبولها
في حين راجع عمر أبا موسى في خبر الاستئذان..وبه تعلم أيضا فساد التفريق بين العقائد والأحكام في مسألة الآحاد
والظاهر أن أول من اخترع هذه البدعة :هم الخوارج فقد كانوا يعارضون أحاديث رسول الله الدالة على نقيض معتقدهم
ثم ورثتها عنهم المعتزلة ومن هؤلاء تلقفها الأشاعرة والماتريدية
قال الإمام أبو عثمان الصابوني : (سمعت الأستاذ أبا منصور على إثر هذا الحديث الذي أملاه علينا-يعني حديث النزول-يقول:سئل أبو حنيفة عنه فقال :ينزل بلا كيف) وأبو منصور هو شيخ الصابوني, والشاهد جزم أبي حنيفة الإمام بنزول الرب والحديث آحاد على وفق اصطلاحهم..
ومن جيد ما قاله أبو حامد الغزالي: (ومجرد القرائن أيضا قد يورث العلم وإن لم يكن فيه إخبار، فلا يبعد أن تنضم القرائن إلى الأخبار فيقوم بعض القرائن مقام بعض العدد من المخبرين )
والخلاصة التي أدين الله بها :أن هذه مسألة نسببية فقد يقوم في نفس العالم قرينة واحدة أو اكثر تجعله يباهل على أن رسول الله قال هذا الحديث مما يعني إفادة العلم عنده , ولا يتجاسر غيره على هذا
وجعلها في قوالب حديّة كقواعد الرياضيات ليس بصحيح..فإنه من المحال شرعاً وعقلا أن يجعل الله تعالى دينه
يقبل تطرق الشك إليه ,وذلك أن القران يقيني ,والسنة شارحة له ,فما كان منها من أحاديث صحيحة لم يختلف في صحتها أهل الحديث العارفون بالمداخل والمخارج ,كان هذا مفيدا للعلم دون ريب, وما كان من الحديث مما وقع فيه الخلاف فقد نقع على قرينة تجعل قول من خالف لا عبرة له بمنزلة القول الشاذ ,فيؤول لإفادة الجزم والقطع أيضا
وحتى لايكون الكلام نظريا أو ترفاً فكرياً..سائل نفسك يا شيخ صلاح الدين وقد رزقك الله الانتظام في سلوك سبيل أهل العلم وأسأل الله أن يرفع مقامك وينفع بعلمك, فقل لها:ما الثمرة ؟ولماذا أقحم الأصوليون أنفسهم في هذه المضايق؟
إنما فعلوا ذلك ليردوا الآحاديث التي جعلوها ضمن الآحاد إن كان موضوعها العقيدة مما يخالف مقرراتهم العقدية
فإن قيل يلزم من ذلك تكفير من رد خبر الآحاد ,قلنا:لا يلزم ,فمسألة إفادة العلم نسبية كما تقرر ,ولو قال شخص أنا أعلم أن رسول حث على التيا من في التنعل وأرده وقال الآخر أنا أتوقف في إثبات النزول للرب لأنه حديث واحد فالشك في ثبوته عندي قائم ,أكفرنا الأول دون الثاني مع أن ما قاله الأول هو في أمر مندرج تحت الفروع والثاني تحت الأصول..أعتذر عن الإطالة وهو يستحق تقريرا أطول من هذا بكثير
والله تعالى أعلم وأحكم