د.محمد جمعة العيسوي
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
- إنضم
- 12 يونيو 2008
- المشاركات
- 212
- الكنية
- ابو عبد الله
- التخصص
- الفقه
- المدينة
- محافظة كفر الشيخ
- المذهب الفقهي
- الشافعي
اختلف الفقهاء في اشتراط أن لا يكون المجني عليه في الجناية على مادون النفس جزءاً للجاني ، أو بعبارة أخرى أوضح أن لا يكون أبا أو أما للمجني عليه
وقد ذهب الإمام مالك - كما جاء في المدونة -إلى عدم اشتراط ذلك إذا تبين قصد الوالد وعمده للجناية سواء في ذلك الجناية على النفس أو على مادون النفس فيقتص منه .
فقال في المدونة : " قلت : أرأيت الأب ، أيقتص منه لولده أو لولد ولده في قول مالك ؟ قال : سئل مالك عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به ؟ قال : أما ما كان من العمد الذي يكون فيه القصاص من غير الأب الذي يكون بين الناس ، مثل أن يضرب الرجل الرجل بالعصا أو يرميه بالحجارة أو يحذفه بالسيف أو بالسكين ؛ فيموت منه ، فيكون على الأجنبي فيه القصاص ، فإني لا أرى أن يقتص من الأب في شيء من هذا إلا أن يعمد الأب لقتل ابنه ، مثل : أن يضجعه ؛ فيذبحه ذبحا أو يشق جوفه ، فهذا وما أشبهه مما يعلم الناس أنه إنما أراد القتل بعينه عامدا له ، فهذا يقتل بابنه إذا كان هكذا .
وأما ما كان من غير هذا مما وصفت لك ، مما لو فعله غير الأب به كان فيه القصاص أو القتل ، فإن ذلك موضوع عن الأب ، وعليه فيه الدية المغلظة ، وأرى الجراح بمنزلة القتل ما كان من رمية أو ضربة فلا قصاص على الأب فيه ، وتغلظ عليه فيه الدية مثل النفس .
وما كان مما تعمده مثل أن يضجعه فيدخل إصبعه في عينه ، أو يأخذ سكينا فيقطع أذنه أو يده ، فأرى أن يقتص منه ..."(المدونة ، ج16/228.).
وقد ذهب بعض المعاصرين في هذه المسألة إلي أن الإمام مالك يوافق الجمهور ؛ فقد نص الأستاذ /عبد القادر عودة ، وتبعه الدكتور / نجم عبد الله إبراهيم العيساوي : على أن الإمام مالك يوافق الجمهور هنا في هذه المسألة ؛ فيكون الإمام مالك بذلك مخالفا أصله في وجوب القصاص من الأب إذا تبين عمده ودرئ عنه قصد التأديب ، يقول الأستاذ / عبد القادر عودة : " ويرى مالك القصاص من الأب في القتل إذا لم يكن شك في قصد القتل، ولكنه لا يرى القصاص من الأب في غير القتل ، ويرى تغليظ الدية عليه ، والتغليظ عند مالك هو تثليث الدية. وعلى هذا فليس ثمة خلاف بين الأئمة الأربعة في امتناع القصاص من الوالد لولده إذا جنى عليه فيما دون النفس " ( التشريع الجنائي ، ج2/213).
وقال الدكتور/ نجم العيساوي :" أن لا يكون المجني عليه جزءاً للجاني ...وهذا الشرط باتفاق الفقهاء إلا أن الإمام مالك يزيد عليهم بتغليظ الدية وهو تثليث الدية " .( الجناية على الأطراف ، ص83)
وقد نسبا القول بذلك عن مالك إلى كتاب مواهب الجليل ، ج6/256 ، نسخة مطبعة دار السعادة – مصر -، ط. الأولي ، مطبوعة مع التاج والإكليل للمواق ، وبالرجوع إليها لم أجد ما يدل على ذلك نصا أو تعريضا بل لعلهما قصدا ما جاء في التاج والإكليل -وليس مواهب الجليل- نفس الجزء والصفحة (ج6/256) ، وهو نص مختصر خليل :" وثلثت في الأب ولو مجوسيا في عمد لم يقتل به كجرحه بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة بلا حد سن " .
وقد نقلت نص المدونة حرفيا ؛ لأنني وجدت في كلام الشيخ الدسوقي على الشرح الكبير ما يؤيد ما ذهبا إليه -مع أنهما لم يذكرا ذلك - وأن مالك يشترط عدم الجزئية. قال الشيخ الدسوقي : " قوله [أي الدردير] (كذلك يكون في الجرح) أي : عمدا إذا كان لا قصاص فيه لكونه صادرا من الأب ... وعلم من قولنا : لكونه صادرا من الأب أو الأب لا يقتص منه في الجرح مطلقا ولو قصد جرح ولده بخلاف القتل ؛ فإنه يقتص منه إذا قصد إزهاق روحه ، وهذا هو التحقيق " . (حاشية الدسوقي ، ج4/267 ).
بناء على ذلك يكون ما حققه الشيخان / المواق والدسوقي وغيرهما من المالكية مخالفا لما ورد نصا في المدونة
والذي عرفته من خلال كتب المالكية أن ما ورد في المدونة مقدم على غيره حتى قال ابن رشد : " إن موضعها من الفقه – يعني المالكي – موضع أم القرآن من الصلاة ، تجزئ عن غيرها ولا يجزئ غيرها عنها." ولذا اعتمده قولا آخر . (المقدمات الممهدات ، ج1/27 ، المدارك ، ج3/00 3 ، المذهب المالكي مدارسه ومؤلفاته -خصائصه وسماته ، لمحمد مختار المامي ، ص250 ط. مركز زايد للتراث والتاريخ – الإمارات العربية المتحدة – العين – الطبعة الأولى - سنة 1422هـ -2002م ) .
السؤال
فهل يعتمد قول الدسوقي وغيره في هذه المسألة وما شابهها ، ويقال مذهب الإمام مالك كذا كما فعل ذلك بعض المعاصرين أم الصحيح أنه مذهب متأخري المالكية ؟ وهل يعتمد مذهبا للمالكية ؟ ولماذا خالف المتأخرون هنا نص المدونة ؟.
وقد ذهب الإمام مالك - كما جاء في المدونة -إلى عدم اشتراط ذلك إذا تبين قصد الوالد وعمده للجناية سواء في ذلك الجناية على النفس أو على مادون النفس فيقتص منه .
فقال في المدونة : " قلت : أرأيت الأب ، أيقتص منه لولده أو لولد ولده في قول مالك ؟ قال : سئل مالك عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به ؟ قال : أما ما كان من العمد الذي يكون فيه القصاص من غير الأب الذي يكون بين الناس ، مثل أن يضرب الرجل الرجل بالعصا أو يرميه بالحجارة أو يحذفه بالسيف أو بالسكين ؛ فيموت منه ، فيكون على الأجنبي فيه القصاص ، فإني لا أرى أن يقتص من الأب في شيء من هذا إلا أن يعمد الأب لقتل ابنه ، مثل : أن يضجعه ؛ فيذبحه ذبحا أو يشق جوفه ، فهذا وما أشبهه مما يعلم الناس أنه إنما أراد القتل بعينه عامدا له ، فهذا يقتل بابنه إذا كان هكذا .
وأما ما كان من غير هذا مما وصفت لك ، مما لو فعله غير الأب به كان فيه القصاص أو القتل ، فإن ذلك موضوع عن الأب ، وعليه فيه الدية المغلظة ، وأرى الجراح بمنزلة القتل ما كان من رمية أو ضربة فلا قصاص على الأب فيه ، وتغلظ عليه فيه الدية مثل النفس .
وما كان مما تعمده مثل أن يضجعه فيدخل إصبعه في عينه ، أو يأخذ سكينا فيقطع أذنه أو يده ، فأرى أن يقتص منه ..."(المدونة ، ج16/228.).
وقد ذهب بعض المعاصرين في هذه المسألة إلي أن الإمام مالك يوافق الجمهور ؛ فقد نص الأستاذ /عبد القادر عودة ، وتبعه الدكتور / نجم عبد الله إبراهيم العيساوي : على أن الإمام مالك يوافق الجمهور هنا في هذه المسألة ؛ فيكون الإمام مالك بذلك مخالفا أصله في وجوب القصاص من الأب إذا تبين عمده ودرئ عنه قصد التأديب ، يقول الأستاذ / عبد القادر عودة : " ويرى مالك القصاص من الأب في القتل إذا لم يكن شك في قصد القتل، ولكنه لا يرى القصاص من الأب في غير القتل ، ويرى تغليظ الدية عليه ، والتغليظ عند مالك هو تثليث الدية. وعلى هذا فليس ثمة خلاف بين الأئمة الأربعة في امتناع القصاص من الوالد لولده إذا جنى عليه فيما دون النفس " ( التشريع الجنائي ، ج2/213).
وقال الدكتور/ نجم العيساوي :" أن لا يكون المجني عليه جزءاً للجاني ...وهذا الشرط باتفاق الفقهاء إلا أن الإمام مالك يزيد عليهم بتغليظ الدية وهو تثليث الدية " .( الجناية على الأطراف ، ص83)
وقد نسبا القول بذلك عن مالك إلى كتاب مواهب الجليل ، ج6/256 ، نسخة مطبعة دار السعادة – مصر -، ط. الأولي ، مطبوعة مع التاج والإكليل للمواق ، وبالرجوع إليها لم أجد ما يدل على ذلك نصا أو تعريضا بل لعلهما قصدا ما جاء في التاج والإكليل -وليس مواهب الجليل- نفس الجزء والصفحة (ج6/256) ، وهو نص مختصر خليل :" وثلثت في الأب ولو مجوسيا في عمد لم يقتل به كجرحه بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة بلا حد سن " .
وقد نقلت نص المدونة حرفيا ؛ لأنني وجدت في كلام الشيخ الدسوقي على الشرح الكبير ما يؤيد ما ذهبا إليه -مع أنهما لم يذكرا ذلك - وأن مالك يشترط عدم الجزئية. قال الشيخ الدسوقي : " قوله [أي الدردير] (كذلك يكون في الجرح) أي : عمدا إذا كان لا قصاص فيه لكونه صادرا من الأب ... وعلم من قولنا : لكونه صادرا من الأب أو الأب لا يقتص منه في الجرح مطلقا ولو قصد جرح ولده بخلاف القتل ؛ فإنه يقتص منه إذا قصد إزهاق روحه ، وهذا هو التحقيق " . (حاشية الدسوقي ، ج4/267 ).
بناء على ذلك يكون ما حققه الشيخان / المواق والدسوقي وغيرهما من المالكية مخالفا لما ورد نصا في المدونة
والذي عرفته من خلال كتب المالكية أن ما ورد في المدونة مقدم على غيره حتى قال ابن رشد : " إن موضعها من الفقه – يعني المالكي – موضع أم القرآن من الصلاة ، تجزئ عن غيرها ولا يجزئ غيرها عنها." ولذا اعتمده قولا آخر . (المقدمات الممهدات ، ج1/27 ، المدارك ، ج3/00 3 ، المذهب المالكي مدارسه ومؤلفاته -خصائصه وسماته ، لمحمد مختار المامي ، ص250 ط. مركز زايد للتراث والتاريخ – الإمارات العربية المتحدة – العين – الطبعة الأولى - سنة 1422هـ -2002م ) .
السؤال
فهل يعتمد قول الدسوقي وغيره في هذه المسألة وما شابهها ، ويقال مذهب الإمام مالك كذا كما فعل ذلك بعض المعاصرين أم الصحيح أنه مذهب متأخري المالكية ؟ وهل يعتمد مذهبا للمالكية ؟ ولماذا خالف المتأخرون هنا نص المدونة ؟.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: