العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

علماؤنا الكبار و الإعلام الحديث ..

متولى أمين حلوة

:: مشارك ::
إنضم
31 مايو 2010
المشاركات
248
الجنس
ذكر
التخصص
طب الأطفال
الدولة
saudia
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
غير متمذهب
قال سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ:

إن العمل جارٍ لاصدار توضيح مفصل سيوزع على الخطباء والائمة حول قرار قصر الفتوى مستقبلا على المؤهلين للفتوى من أهلها.

وطالب سماحته الائمة بالاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة في الدعوة وبث خطبهم ,
واستغلال الشبكات الاجتماعية في مخاطبة الناس مثل "الفيس بوك" للوصول لاكثر قدر من الناس .
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها سماحته على خطباء مدينة الرياض بعنوان: “واجب الخطيب في بيان خطر الإرهاب والغلو والانحرافات الفكرية”"مساء أمس .
وأكد سماحته على ضرورة محاربة العنف والارهاب وقال: على الخطباء معالجة القضايا الإرهابية والأمن الفكري ومحاربة التيارات الهدامة التي تلبس لباس الخير وفي باطنها الشر والفساد في الأرض ، مضيفا ان دين الإسلام حرم الإرهاب بكل صوره وسفك دماء المسلمين والمعاهدين لقوله تعالى" وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، ولقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهداً لم يرح رائحه الجنة".
وشدد سماحة المفتي على تحريم الغلو في شريعة الله سبحانه وتعالى لما فيه من زيادة مبالغ فيها وقد قال تعالى" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"، مشيرا إلى أن الطغيان هو الغلو الشديد وهو قضية خطيرة يجب على الخطيب الجهد لتوضيح أخطارها.

وحذر الشيخ آل الشيخ من الخروج على الأئمة والاعتقاد الباطل بعدم جواز البيعة للإمام،
وللأمة الإسلامية قادتها وعقلاؤها وكبارها يقودهم للعمل على أمرهم و يحرم التشكيك فيهم .

وقال: لتعتبروا كيف أثرت الثورات العسكرية والتمرد على المجتمع وتغير حاله إلى أسوأ.

ووصف الإرهاب بأنه الشذوذ عن جماعة المسلمين , منبها انه لا يعتمد على طريقة واحدة بل يعتمد على طرق متنوعة حسب الزمان والمكان ، وهو شر وبلاء يراد بالأمة. وقال تعالى " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ"، وقد ساقت السنة أحاديث تحذر من الإقدام على الأفعال التي تضر بمصلحة الجماعة ,مؤكدا أن الإرهابيين يسفكون الدماء وينتهكون الأعراض ويسرقون الأموال ويفسدون كل خير على المجتمع .

وقال سماحته : أحب أن يكون اللقاء بيني وبينكم لقاء أخ لإخوانه ولا ينفض هذا الاجتماع حتى تتضح الأمور كاملة ، مشيرا إلى أن الخطيب له في هذه العمل شرف عظيم في صعوده على المنبر الذي صعده أفضل الخلق النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب رضي الله عنهم .

وأشار مفتي المملكة إلى أن الجوامع قبل أربعين سنة لا تتجاوز العشرة جوامع في الرياض بينما تضم الآن أكثر من الف وثلاثمائة جامع .وشدد على أهمية الاستعانة بالأدلة من الكتاب والسنة خلال خطب الجمعة، مطالبا بالتطرق لما يبث من سموم من خلال بعض مواقع الانترنت لتحذير المجتمع من خطره, مبديا أسفه الشديد لما يبث في بعض القنوات من سب للصحابة وانحرف وفساد.

وبين أن الدعاء لولاة الأمر خلال خطب الجمعة فيه خير كبير حيث كان يدعو ابوموسى الأشعري رضي الله عنه لعمر بن الخطاب , ولعل الدعوة فيها إصلاح كبير للمجتمع , كما أن فيها تأكيدا على الترابط بين القيادة والشعب والإحساس بذلك . وحذر مفتي المملكة من التكفير وقال لا يقبل عليها طالب علم متمكن .
وفي اللقاء أكد عدد من الخطباء تعرضهم للتهديد بسبب مواقفهم من قضايا الارهاب والغلو ,وطالب احد المشاركين بوضع بدل ارهاب للائمة على غرار القطاعات الامنية وذلك بسبب التهديد.

المصدر:-
http://www.al-madina.com/node/279083
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: علماؤنا الكبار و الإعلام الحديث ..

وطالب سماحته الائمة بالاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة في الدعوة وبث خطبهم ,
واستغلال الشبكات الاجتماعية في مخاطبة الناس مثل "الفيس بوك" للوصول لاكثر قدر من الناس .

الأستاذ الفاضل/ متولي رعاه الله
لعلك قصدت بهذا الموضوع استكمال ما سبق مناقشته مما أوردته من عدم استيعاب كثير من المتصدين للفتوى والتصنيف لأثر "الإعلام" الشديد: على عرض الشريعة شكلاً ومضموناً.
ولعلك أردت بما أوردت الجواب عن ذلك.
وأقول مستعينا بالله وحده:
1- لا يصح الاستدلال بالخاص على العام، فأنا أتحدث عن ظاهرة، وما أوردتَه قضية عين، قد أسلم لك بشاهدك، وأقول هذا الرجل نهاية في الاسيتعاب للحدث، لكن نحن نتحدث عن عموم علمائنا لا عن خصوص مفتينا.
2- ثمة فرق كبير بين الشعور والاهتمام والإحساس وبين استيعاب الحدث وإدراك القضية بأبعادها، والشاهد المذكور يفيد الأول دون الثاني.
3- إضفاء المثالية لأهل السنة والجماعة وما هم فيه من يقين وحق على التفاصيل والشؤون والتطبيقات المتباينة مسلك معروف لدى المتأخرين، وليس هو من شأن الأئمة المحققين.
وحفظكم الله ورعاكم.
 
التعديل الأخير:

متولى أمين حلوة

:: مشارك ::
إنضم
31 مايو 2010
المشاركات
248
الجنس
ذكر
التخصص
طب الأطفال
الدولة
saudia
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
غير متمذهب
رد: علماؤنا الكبار و الإعلام الحديث ..

الأستاذ الفاضل/ متولي رعاه الله
لعلك قصدت بهذا الموضوع استكمال ما سبق مناقشته مما أوردته من عدم استيعاب كثير من المتصدين للفتوى والتصنيف لأثر "الإعلام" الشديد: على عرض الشريعة شكلاً ومضموناً.
ولعلك أردت بما أوردت الجواب عن ذلك.
وأقول مستعينا بالله وحده:
1- لا يصح الاستدلال بالخاص على العام، فأنا أتحدث عن ظاهرة، وما أوردتَه قضية عين، قد أسلم لك بشاهدك، وأقول هذا الرجل نهاية في الاسيتعاب للحدث، لكن نحن نتحدث عن عموم علمائنا لا عن خصوص مفتينا.

بارك الله في شيخنا و أستاذنا أبي فراس حفظه الله تعالى..و أسأل الله عز و جل أن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه ، و أن يملأ قلوبنا بنعمة محبته و بنعمة المصافاة و المراضاة على الحق و أن يجنبنا الزيغ و أن يرزقنا الرشاد في الأقوال و الأعمال و سائر الأحوال..
______

قد يقال أنه يصح الاستدلال بالخاص في مثل ما ورد فيه الخاص ، فكل ما شابه الخاص صح الاستدلال به و هذا فيه نوع عموم .. لأنه يُفرق بين أمور:-
1- بين العام و الأعم منه ، فالعام بالنسبة للأعم يعتبر أقل عموماً أى أخص ، فإنه و إن كان خاصاً بالنسبة للعام المطلق أو الأعم منه ، لكنه قد يعم الأفراد التى يشملها
2-العام قد يقع على القليل و عمومه صحيح وارد و لا ينكسر قال تعالى : (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول و من آمن وما آمن معه إلا قليل ) فثبت العموم بلفظ من مع ثبوت القلة الواقعة عليها لفظة "مَن"
و يصح السؤال بمن في البيت ؟ و يصح الجواب : لا أحد ، فقد يقع عموم من على لا شيئ من أفراده و قد يقع على قليل..و لهذا فرق القرافي رحمه الله تعالى بين العموم الذي هو غير متناهٍ و بين الواقع من العموم الذي هو قد يكون متناهياً..

و الثمرة من هذا الكلام :- لو قيل أنها قضية عين تخص سماحة المفتى وحده ، و هى ليست كذلك قطعاً ، فإنها تقع على عام حيث إنها توجيه لكل من تحته و لكل من ماثله..و إلا فنحن نعلم بالضرورة القطعية أن الكفيف لا يطالع الإعلام الشبكي "الانترنت" و لكن هناك طلاب علم معاونون له يفيدونه بما يجرى و هناك علماء معه يشاورهم و يشاورونه..فمن جهة التعيين بسماحة المفتي ، هذا لا يصح وقوعه ، و من جهة أن القضية الإعلامية متَناوَلة لدى جميع علماء أهل السنة ، لماذا ؟ لأن مادة الإعلام إما خبر و إما إنشاء ، و كلاهما موضع عناية من العلماء من عدة نواحٍ ، إما من ناحية كونهم أشخاصاً يعيشون في مجتمعات مثلهم مثل باقي الأشخاص ، و إما من ناحية الأسئلة التى ترد عليهم ، و إما من ناحية كون البعض الكثير منهم يكون قاضياً متنقلاً بين المحاكم ، و من ناحية أنهم يخطبون في الناس و يلقون الدروس..فلو حصل للرجل السياسي المخضرم نوع استيعاب لأى قضية فاستيعاب أهل العلم و الاستنباط أعمق من استيعاب أى أحد بما لديهم من مخزون تاريخي جراء دراستهم تاريخ الإسلام و أهله و سير الأعلام و سير الملوك ، ما لا يتوفر عند غيرهم من الساسة الذين ينتشر فيهم الفراغ الدينى و العقلي و الاستيعابي..فعقل الواحد من علمائنا الكبار يزن عقل عشرات من غيرهم من ذوى الفضل و العقل..و هذه سنة ثابتة تم استقراؤها من تاريخ القوم و من مصنفاتهم في شتى المجالات..

و برهان ذلك شاهدان من الوحى و من التجربة

أما الوحى : فقد قال الله تعالى : (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ) ، فهذه كذلك و إن كان سببها قضية عين و حادثة حصلت ، لكن حكمها يعم مثيلاتها مما يحدث من اللامتناهيات من قضايا مماثلة..
و سواء قيل نزلت في المنافقين أو في ضعفة المسلمين ، و سواء قيل المراد بها النوازل أو باب الخبر أو باب الإنشاء ، فإن الله تعالى حكم بالرجوع لمن ؟
لمن عنده خاصية العلم ، و لمن عنده خاصية الاستنباط ، و لهذا قال عمر رضي الله عنه كما ثبت عند مسلم :" أنا من الذين يستنبطون أنا من الذين يستنبطون ، أو كما قال رضي الله عنه..
و هذا تأديب رباني لعباده أنهم إذا تعرضوا لما يشكل عليهم و للأمور التى لا طاقة لهم بها ، أن يردوا المشكَلات و مواطن النزاع إلى أهل الاستنباط و أهل العقول الراجحة و أهل الولاية من العلماء و الأمراء ، لا أهل السياسة الصحافية أو الفضائيات أو الإعلام عموماً..

و ذكر الرحمة في الآية للتنبيه على ما في مخالفتها و الافتراق عنها من عذاب التشتت و الحيرة ، فالحمد لله على فضله و على نعمته و رحمته..

و الشيخ المفتى الحالي ليس متفرداً بتلك القضية العينية " بفرض التسليم تنزلاً أنها عينية" ، بل من سبقوه هم كذلك ، و الشيخ ابن باز كان آيةً عجيبة في النشاط و الهمة و الدعوة إلى الله و متابعة المسلمين و أحوالهم في شتى بقاع الأرض ، و أكاد أجزم ، ما من قضية عاصرها كبرت أو صغرت إلا و ابن باز له فيها قول ، يندر جداً ألا تجد لابن باز قولاً في مسألة عاصرها..

ثم إن هذه المسائل مبناها على التعاون و التكاتف ، فلو كفى المسلمين رجلٌ أو بعض رجال في ناحية ، فبها و نعمت ، و لا يشترط في كون المفتى مطلعاً على كل البرامج الفضائية و مواقع الانترنت ، هذا لا يتسنى للشخص العادى و لو كان متفرغاً ، فما بالنا بالمفتى؟

و أما التجربة : فلنا عبرة فيمن خرجوا على الولاة من العلماء و الأمراء ، كيف أفضوا بشعوبنا إلى الرجوع مئات السنين في قضية خاسرة لا نصيب للدين فيها إلا مجرد حماسة خاوية من كل خير..
و أى قبيلة مهما كانت مغرقة في الأحوال البدائية ، فلابد لهم من مرجعية يرجعون إليها ، فما بالنا و الإسلام قد نظم كل شيئ ، أيكون منه قد نظم أمور الطهارة عند الرجال و النساء ، و يترك القضايا الكبرى بلا سنام و لا خطام ؟
كلا

بل الأمم الكافرة ، لا يجوز عندهم العمل إلا بما شرعته لهم أحبارهم و رهبانهم ، و لذلك اتخذوهم أرباباً من دون الله ، من فرط الرجوع غير المنتظم إلى أوليائهم..

و إن أهم شيئ عقد عليه الإسلام نظام الحياة في مجتمعه ، هو العلم..
فالدعوة فرع العلم
و الإفتاء فرع العلم
و القضاء فرع العلم
و الكلام في النوازل فرع العلم
و اتخاذ القرارات المصيرية فرع العلم
و الرد على الفضائيات و الإعلام المفسد فرع العلم
و طرح قضايا الدين في الإعلام فرع العلم

و هل يكون من مريض أن يأمن على جسده رجلاً جاهلاً ؟ كلا ، بل يذهب للمتخصص ، فإن تأزم المرض أكثر ، يذهب لمن هو أعلى ، ثم يستشير الأعلم ، و يرجع لكبار المتخصصين
فإن كان هذا الحال مع صحة الأبدان ، فلئن يكون مع صحة الأديان أولى و أولى..

و لا يمكن أن يقال أن المفتى الحالى وحده و بعينه هو فقط الذي يستوعب قضايا الإعلام ، لعل هذا يقال لأننا ربما لم نستوعب تفاعلات العلماء مع مختلف القضايا ، و أضرب بنموذج واحد ، اسمه الشيخ عبد المحسن العباد ، هذا الرجل آية في الشجاعة و الاستيعاب لما يحدث و في الرد على الإعلام المخرب خصوصاً لدعاوى الليبراليين تجاه قضايا تحرير المرأة السعودية ، و في قضايا تشويه صورة الإمام محمد بن عبد الوهاب ، فلعل فضيلتك لانشغالك بما هو من تخصصك العلمي و الفقهى ، لم يرد لفضيلتك هذا الاستيعاب الفعال المؤثر من شيوخ و علماء كثيرين غير الشيخ محدث المدينة و عالمها الكبير عبد المحسن العباد..فقيام طائفة من أهل السنة تجاه واجب ما يكفى باقي أهل السنة و هذا لا شك فيه..

و إنى أقول : فليسمِ لى من شاء ما يشاء من قضية لم يتناولها عالم من علمائنا أو على الأقل من طلبة العلم المشهود لهم من الكبار بالفضل و العلم..
و ها هنا نكتة لطيفة : و هى أن الفاضل قد يأخذ العلم من المفضول و هذا مستفاد من واقعة هل طلق النبي صلى الله عليه و سلم نساءه ؟ شرحها الإمام النووى و استخرج منها فوائد نفيسة منها تلك الفائدة ، و فائدة أخرى ذكرها ، و هى احترام الأعلم و توقير الكبار و هيبتهم ، كما كان من ابن عباس مع عمر رضي الله عنهم جميعاً ، فليراجعه من شاء ، فإن الوقت يضيق عن إثبات رابط لذلك.."كتاب الطلاق -باب في الإيلاء"..
، و هذه الهيبة هى التى يشار إليها في عصرنا الحاضر بهيبة الرموز..


2- ثمة فرق كبير بين الشعور والاهتمام والإحساس وبين استيعاب الحدث وإدراك القضية بأبعادها، والشاهد المذكور يفيد الأول دون الثاني.

كل فضيلة توجد عند غير أهل السنة فوجودها في أهل السنة أكمل و أصح..و إلا ما كان لله حجة بتفضيلهم على باقي الخلق بعد الأنبياء

و الشاهد المذكور ليس هو الشاهد الوحيد ، و المتابع عنده أمثلة لا يمكن حصرها ، و بالله الاستعانة..

3- إضفاء المثالية لأهل السنة والجماعة وما هم فيه من يقين وحق على التفاصيل والشؤون والتطبيقات المتباينة مسلك معروف لدى المتأخرين، وليس هو من شأن الأئمة المحققين.
وحفظكم الله ورعاكم.

في الحقيقة شيخى الحبيب المفضال المبارك ، فإن لفظة المثالية قد تطلق و يراد بها العصمة ، و قد تطلق و يراد بها الثقة ..هذا طرف

و طرف ثانٍ: أنها قد تطلق و يراد بها المنهج ، و قد تطلق و يراد بها الأفراد..

و لتفصيل ذلك يقال : منهج أهل السنة معصوم لأن السنة هى الإسلام.
و لولا أنه قُضي بصحة تجويز وقوع المعاصي من الصحابة الذين هم رأس أهل السنة و كل من بعدهم تبع لهم ، لما صح تجويز ذلك في المتأخرين و كل من بعد القرون المفضلة ، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة و من حسان بن ثابت و من عبد الله بن حمار ، فتجويزه فيمن دونهم أولى ، و لكن الله عز و جل قد يغفر الذنب لشخص بما له من حسنات عظيمة كمن شهد بدراً " و قال الحافظ في الفتح : محل العفو عن البدري فيما لا حد فيه"..
و كما كان ذلك لا يعيب الصحابة لما لهم من فضيلة في الدين ابتداءً و نشراً و حفظاً و صيانةً ، فلا يعيب منهج أهل السنة حصول بعض التقصير من بعض الأشخاص في بعض الأزمنة و بعض الأمكنة..

و حصول العيب في أفراد غير أهل السنة أكبر و أكثر و أفحش ، و الأمثلة كثيرة ، و لله در علماء أهل السنة ، يدفعون بحجز الناس كلهم عن الوقوع في البلايا و الخيبات العلمية و العملية ، و مع ذلك فبعض الناس عائدون عليهم بالتنقيص..

و لهذه المعنى قال الإمام أحمد : قبور عباد أهل البدعة حفرة من حفر النار، و قبور فساق أهل السنة روضة من رياض الجنة ، و لا يقال نفي استحقاق الوعيد عن أفراد أهل السنة ، هذا لا يمكن أن يُفهم..و نقله عنه العلماء من بعده..كما هو مبثوث في كتب العقائد..و الذاكرة لا تسعفنى في إيراد المواطن..

المهم : ينبغي تفصيل كلمة المثالية ، هل تقع على الأشخاص أم على المناهج ، و هل يراد بها العصمة أو الثقة و الحجية و الاعتبار..أما العصمة فلا " بل إن جمهور علماء السنة يقولون بجواز وقوع الصغائر من الأنبياء فيما ليس متعلقاً بالتبليغ الرسالي و كذلك لا يقرَون على خطئهم"..فإن كانت تلك العصمة منتفية في الأنبياء فانتفاؤها فيمن دونهم أولى..

و أما الموثوقية و الحجية و الاعتبار : فنعم
و لولا ما في تحريم الخروج عن أقول السلف إذا تنازعوا في مسألة من ظهور ذلك المعنى لكان كافياً..فإن كان للسلف في مسألة قولان ، لا يسوغ الخروج بقول ثالث ، هذا معروف..

• قال مالك ( كما في ترتيب المدارك 1/193 ) عن موطئه : فيه حديث رسول الله صلى الله عيه و سلم وقول الصحابة والتابعين ورأيهم ، وقد تكلمت برأيي على الإجتهاد ، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ولم أخرج عن جملتهم إلى غيره .
•وقال الشافعي كما في المدخل إلى السنن الكبرى ( 110 ) : إذا أجتمعوا ( أي الصحابة ) أخذنا باجتماعهم ، وإن قال وأحدهم ولم يخالفه أخذنا بقوله ، فإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم ، ولم نخرج مـن أقاويلهم كلهم .
•وقال أحمد بن حنبل كما في المسودة ( 276 ) : إذا كان في المسألة عن أصحاب رسول الله صلى الله عيه و سلم قول مختلف نختار من أقاويلهم ولم نخرج عن أقاويلهم إلى قول غيرهم ، وإذا لم يكن فيها عن النبي صلى الله عيه و سلم ولا عن الصحابة قول نختار من أقوال التابعين .
•وقال الخطيب في الفقه والمتفقه ( 1/173 ) : إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين وانفرض العصر عليه لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين ، فإن فعلوا ذلك لم يترك خلاف الصحابة ، والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين وعلى بطلان ما عدا ذلك ، فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما لم يجز ذلك ، وكان خرقا للإجماع ، وهذا بمثابة لو اختلف الصحابة بمسألة على قولين فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواه . انتهى .
من كتاب /أصول الفقه على منهج أهل الحديث لزكريا بن غلام قادر
و انتصار ابن القيم و شيخه شيخ الإسلام لذلك المعنى أكثر من أن ينشر..
و من كلام الشاطبي في الموافقات ما استفاض استفاضة تغنى عن النقاش ، فليس هذا قول المتأخرين فقط
بل هو قول المتقدمين و الأئمة و المحققين جميعاً..

قال الشاطبي :
وقد قال عمر بن الخطاب وافقت ربى في ثلاث وهى من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم مالا يفتح له دونهم ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم وتأدبهم معه واقتدائهم به فهذا الطريق نافع على كل تقدير وقد كان المتقدمون لا يكتب منهم إلا القليل وكانوا يكرهون ذلك وقد كرهه مالك فقيل له فما نصنع قال تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم ثم لا تحتاجون إلى الكتابة وحكى عن عمر بن الخطاب كراهية الكتابة وإنما ترخص الناس في ذلك عندما حدث النسيان وخيف على الشريعة الاندراس
الطريق الثانى - قال الراجي عفو ربه : و الطريق الأول هو مشافهة العلماء و مجالستهم كما ذكر الشاطبي قبل هذا الموضع - مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين
وهو أيضا نافع في بابه بشرطين
الأول : أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه وهو معنى قول من قال كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد
و الشرط الثاني : أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين وأصل ذلك التجربة والخبر أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما ما بلغه المتقدم وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم ودينهم على خلاف أعمال المتأخرين وعلومهم في التحقيق أقعد فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين والتابعون ليسوا كتابعيهم وهكذا إلى الآن ومن طالع سيرهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى..انتهى كلامه

ثم قال

ثم قال عن علم المتقدمين في كلامهم من حيث المشافهة و من كتبهم من حيث التصنيف و الكتابة

فإنهم أقعد به -أى بالعلم - من غيرهم من المتأخرين
وأصل ذلك التجربة والخبر
أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما ما بلغه المتقدم وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم ودينهم على خلاف أعمال المتأخرين وعلومهم في التحقيق أقعد فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين والتابعون ليسوا كتابعيهم وهكذا إلى الآن ومن طالع سيرهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى

وأما الخبر ففي الحديث خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم رواه الخمسة وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك وروى عن النبي أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض رواه إبراهيم الحربي عن ابي ثعلبة ولم يذكر منزلته من الصحة ولا يكون هذا إلا مع قلة الخير وتكاثر الشر شيئا بعد شىء ويندرج ما نحن فيه تحت الإطلاق وعن ابن مسعود أنه قال ليس عام إلا الذى بعده شر منه لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام ويثلم ومعناه موجود في الصحيح في قوله ولكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون رواه البخاري وقال عليه السلام إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل رواه مسلم وفى رواية قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يصلحون عند فساد الناس رواه الطبراني وعن أبى إدريس الخولانى إن للإسلام عرى يتعلق الناس وإنها تمتلخ عروة عروة وعن بعضهم تذهب السنة سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة وتلا أبو هريرة قوله تعالى "إذا جاء نصر الله والفتح" الآية ثم قال "والذى نفسى بيده ليخرجن من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا" وعن عبد الله قال أتدرون كيف ينقص الإسلام قالوا نعم كما ينقص صبغ الثوب وكما ينقص سمن الدابة فقال عبد الله ذلك منه ولما نزل قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم" بكى عمر فقال عليه السلام ما يبكيك قال يا رسول الله إنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا كمل فلم يكمل شىء قط إلا نقص فقال عليه السلام صدقت اخرجه ابن ابي شيبة
والأخبار هنا كثيرة
وهى تدل على نقص الدين والدنيا
وأعظم ذلك العلم
فهو إذا في نقص بلا شك فلذلك صارت كتب المتقدمين وكلامهم وسيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان وخصوصا علم الشريعة الذى هو العروة الوثقى والوزر الأحمى وبالله تعالى التوفيق ..انتهى المراد نقله من كلامه..

و يستفاد منه أن السير على طريقة الأقدمين علماً و عملاً هو مفتاح الفلاح..و الخروج عنهم عنوان الشقاء و الفساد..و إذا نوزع في شيئ هل هو منهج المتقدمين أم لا ؟ فقد سقت من كلام الأئمة ما يغنى عن التطويل..

و لولا ضيق الوقت و خشية الإطالة لسيق في ذلك المعنى نقولات متوافرة متضافرة
و منهج أهل السنة ممتد لا مبتوت ، بخلاف غيرهم ، و منهج أهل السنة موصول مرفوع السند بخلاف غيرهم..

و إنه و إن كان علم الأقدمين أعلى و أوسع ، فلا غضاضة غذ هى سنة الله في خلقه إذ قضى بتناقص العلم و ثمرته من الخشية ، فهذا جانب كونى لا محل لنا في نقاشه ، يقابله جانب شرعي يطالبنا بضرورة المماثلة و المطابقة مع منهج الأولين ، و إن لم نصل لنفس الدرجة ، فذلك لا يعيب أهل السنة و لا يعيب منهجهم ، فالكامل ناقص دون الأكمل ، فإن الأولين و إن كانوا أكمل من الآخرين ، فإن المتأخرين من أهل السنة أكمل ممن خالفهم.. ، فالمقارنة ينبغي أن تكون رأسية في وحدات الزمن ، و أفقية في نطاق الزمن الواحد ، أى إننا و إن قارنا المتأخرين من أهل السنة بالمتقدمين ، فلا ينبغي لنا أن نغفل المقارنة بين المتأخرين من أهل السنة و بين المناوئين لهم...

و إلا فلماذا نركز على أوجه النقص التى تكون في نظر بعض الناظرين منا عند أهل السنة ؟
فهل تم و كمل و صح منهج المخالفين حتى نتركهم و ما ملأوا الأرض فساداً في العلم و العمل ؟

و كما أشرت إلى قاعدة كلية في هذا الباب

كل خير بتقدير وجوده ، فوجوده على الصحة و الكمال أكثر في أهل السنة

و كل شر بتقدير وجوده ، فوجوده على الأسوأ و الأكثر في غير أهل السنة..

و هذا مشاهد و واقع و معايَن و تفاصيل ذلك تطول جداً ..

و علماؤنا الكبار رموز و نجوم ساطعة في مجال العلم و في مجال العمل و في مجال الحكمة و الخبرة و الجهاد ، و علماؤنا سلسلة متواصلة ، لا ينبغي قطعها عند المفتى الحالى فقط و من بعده ، بل الصواب وصلها لأنها موصولة بالاضطرار بمن سبقهم..

و لو أن العلم السني تكلم بوجه نصح أو تبيين أو تحذير من شخص يعادى السنة و أهلها ، لقيل أن أهل السنة يسقطون الرموز و الأبطال ، فلعمري كيف يُغفل عن ذلك المعنى حين يُذكر الأكابر من أهل السنة إذا ووجهوا بنفس المواجهة ، مع ما ثبت بالضرورة العقلية و التاريخية و الشرعية و الواقعية أنه أهل السنة أصح و أكمل طريقاً من منهج غيرهم..

و إلا فلنترك التعميم و الإبهام و لنتكلم بالتعيين و التصريح ، فليسمِ لنا من شاء ما يشاء من قضيةٍ خذلَ أهلُ السنةِ فيها الإسلام و أهله..

بل إن الصحابة قد حصل بينهم من الاقتتال و الشر العظيم ما حصل ، و أيضاً قد ورد جواز حصول الاقتتال بين طائفتين من المسلمين أو رجلين من جهة الكون و التقدير لا من جهة التشريع ، و مع هذا لم يعد هذا على الدين بالنقص ، فما قال أحد أن هذا تسبب في خلل في دعوة الإسلام و السنة..

و ما هذا إلا لعظم شأن العقيدة ، التى إذا صحت يرجى من صحتها كل خير ، و إذا فسدت يُيئس من كل خير..لأنها هى الأساس الذى تنبنى عليه العلوم و الأعمال..

أما الاختلاف الذى حصل و سوف يستمر يحصل فإرادة قدرية لا يُحتج بها على الشرائع
أما الأمر بالوفاق و عدم التفرق و الاعتصام بحبل الله فإرادة شرعية تحل ما يحصل من الإرادة القدرية..
و لهذا نظائر في الدين: المرض إرادة كونية ، و طلب العلاج تحقيق لمطلوب شرعي ندب إليه الشرع أى يحبه الله فهو إرادة شرعية ، و لا تعارض..

فلو حصل مهما حصل من خلاف بين السلف و الخلف المتبعين لهم ، لا ينبغي الاحتجاج به على عدم موثوقية منهجهم..
بل هذا الاختلاف نفسه حجة من جهة عدم تجويز الخروج عما اختلف فيه السلف ..

و الحاصل كما أوردت سابقاً لابد من إسناد ، و لابد من مرجعية..
فلا ينفك أحد عن مرجعية ، و لا يمكن - بسبب وجود نقص ما في بعض الأزمنة و بعض الأمكنة- أن يسوغ الخروج عن المرجعية العلمية ، بموجب كثير من الدلائل ، منها العقلي و الشرعي ، و آية النساء في صدر ذلك الموضوع..و لا يجوز بحال تسويغ الخلو عن مرجعية ، و إلا لما كان أحد منا هنا في ذلك المنتدى..و لصارت الدنيا و كذلك الدين فوضى ، و شاع الهرج و كان للتعالم أقدام ثابتة راسخة لا يمكن زعزتها..

فإذا اتُفِق على هذا ، فلنسأل : من هم المرجعية ؟و ما معيار تحديدهم ؟
أقول قد سبق بيان ذلك في مشاركة :"نصيحة في تصنيف الناس بين الظن و اليقين"....

و إذا كان الله قد رجع الأمر في المشورة بين الزوجين المتشاكسين إلى رجلين ، و قد عُـلِم بالضرورة الحاجية التى يحتاجها الناس ، حتمية كونهما رجلين حكيمين أو عالمين أو ذَوَي عقل راجح ، فالصيرورة إلى ذوِى الحكمة و الرجاحة و الاستنباط فيما هو أكبر من أمور الدين أولى..

و إن المقام في تلك المسائل من
*كون منهج أهل السنة اكمل من غيرهم ، و الكامل ناقص دون الأكمل ...و لا اقول المثالية لأنها مجملة بخصوص الأشخاص أو المنهج ،، و بخصوص المعصومية أو الموثوقية

* كل خير " من عدل و حكمة و علم و رجاحة و استيعاب و اهتمام "فوجوده في أهل السنة أحسن و أصح و أكمل و أحكم من وجوده فيمن سواهم ، و كل شر بعكس ذلك

* الدعوة واجب كفائي ، و لا يشترط قيام كل داعٍ بكل مفردات الدعوة..و الدعوة فرع العلم ، فلا يتضلع لمهمتها إلا من عنده علم و حكمة..."قل هذه سبيلى أدعو على الله على بصيرة" و البصير تفسر باللازم فيلزم في المستبصر وجود العلم و الحكمة و الحلم و الرفق ، و غير ذلك..

*و قد قال تعالى " هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله "، و قال "اهدنا الصراط المستقيم"..فلا يظن أحد غياب أسباب الهداية العلمية و العملية ،حتى لا يقول مكلف : لم أدرِ أى صراط يارب ، و لكن الله يوفق من يشاء لما يشاء من الهدى..فلا نعتقد أن الله أوكل العباد لأنفسهم فيحتاروا ، بل أوكلهم للشريعة و علمائها ما اشتملت عليه من هدى و ما يطلب منهم إلا أن يختاروا لا أن يحتاروا..فلا يجوز تخلية الأمكنة و الأزمنة من وجود حق له رجال ، و الحق العلمي له أهل العلم :" إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء و لكن يقبضه بموت العلماء" فيُعلم من ذلك حتمية وجود رجال يرجع إليهم ، و الأدلة لا تنطق بأنفسها ، لابد من رجال يوصلونها و يفهمونها و ينشرونها ، و لذلك إذا غاب رجال العلم ظهر رجال الجهل " حتى إذا لم يبق عالما ،اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا و أضلوا.." إذن وجود هذه الرؤوس العالمة أمر حتمى ، لا تخلو منه الأزمنة و الأمكنة..فلا يقال بعدمهم و لا عدم فضيلتهم على الشمول و الاستغراق ، و هل كل أفراد أهل السنة قد عدموا الاستيعاب الإعلامي على ما يُقصد هنا؟ كلا..

*إذن فوجود الاستيعاب في بعضهم يكفي البعض الآخر ، و كل عنده ثغرة يسدها ، و لا يمكن لكل احد سد كل الثغرات..و بتقدير أن أهل السنة جميعهم من أولهم لآخرهم لا يوجد فيهم في هذا العصر إلا سماحة المفتى ، فذلك يكفي ، حتى يأتى من بعده..و كذا كان الحال لما قام الإمام أحمد وحده زمن فتنة القول بخلق كلام الله عز وجل..فكان رجل واحد أمةً ، و الطائفة قد تطلق على رجل واحد ، و لو اقتتل رجلان مسلمان لدخلا في قول تعالى " و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا...."

و " إن إبراهيم كان أمة "..فالوحدانية و التفرد في القيام بجانب من جوانب الدين ، لا شيئ فيه من نقص أو مثلبة..و لا يشترط قيام كل أحد بكل واجب..

و الحمد لله فإن علم أئمة السنة منشور مبثوث في الإعلام الشبكي " الإنترنت" ، يجده من يبحث عنه ، و تراثهم ولله الحمد استيعابي و شمولى لكل ما اشتمل عليه الدين..و لو شاع الحق بغير تعيين أهله لصح انفضاض الناس عن العلماء و لم يجب عليهم رد الأمور إلى علمائهم..و هذا لازم فيه ما فيه من الفساد و الخطورة..

و علماؤنا ليسوا محصورين في مجال معين من العلوم الشرعية، بل إنهم كتبوا في كل العلوم ، التفسير و السنة و المصطلح و الأصول و المقاصد و اللغة و الغريب و القواعد و النظائر و غيرها..

و لو جوزنا التكلم في الدين بغير مرجعية فهو بمنزلة تجويز تفسير القرآن و السنة بغير علماء التفسير..و هذا فيه ما فيه..فلابد من حتمية الرجوع لعلماء السنة ، أما إشكالية تعيينهم و تحديدهم ، فقد فصلت سبل ذلك من قبل و ركزت على أهمية و ضرورة الإسناد..و هذا فرقان ، أى فرقان الإسناد اللفظى و المعنوى ، فرقان يجلى كل المسائل ، نعم كلها ، و بالله التوفيق..

و تلك المسائل و غيرها ، مما يأخذ من الوقت الكثير ، فالمعذرة على عدم التفصيل بأكثر من ذلك ، و شيوخنا الأفاضل - و أولهم شيخنا الأستاذ الكريم أبو فراس- يكملون ما نقص من موضوعي و يصححون ما بدا لهم و يشيرون علي بالأصح و الأوفق..

و الله المستعان..
 
أعلى