رد: هل هناك خلاف في جواز اليمين على غلبة الظن؟
قال في المبدع في شرح المقنع
كتاب الأيمان : شروط وجوب الكفارة
( الثاني : لغو اليمين ، وهو أن يحلف على شيء ) ماض ( يظنه فيبين بخلافه ، فلا كفارة فيها ) وحكاه ابن عبد البر إجماعا ، وفي الكافي : هو ظاهر المذهب ، لقوله تعالى : "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"
وهذا منة ،
ولأنه يكثر ،
فلو وجبت فيه الكفارة لشق وتضرروا به ، وهو منتفٍ شرعا ، وكيمين الغموس ، وعنه : فيه الكفارة ، وليس من لغو اليمين ، وذكره ابن عقيل بمعناه ، قالت عائشة : أيمان اللغو ما كان في المراء ، والمزاحة ، والهزل ، والحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على جد من الأمر ، في غضب أو غيره . إسناده جيد ، واحتج به الأصحاب ، وذكر ابن هبيرة عن الأكثر : أن لغو اليمين أن يحلف بالله على أمر يظنه فيتبين بخلافه ، سواء قصده أم لم يقصده ، وخصه أحمد بالماضي فقط ، وقطع جماعة بحنثه في عتق وطلاق ، لوجود الصفة ، وقيل : إن عقدها يظن صدق نفسه فبان خلافه ، فكمن حلف على فعل شيء ، وفعله ناسيا .
_________________
و من شرح الشيخ ابن عثيمين
الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الخامس عشر
كِتَابُ الأَيْمَانِ
وَلَغْوُ اليَمِينِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ، كَقَوْلِهِ: لاَ وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ، وَكَذَا يَمِينٌ عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ فَبَانَ بِخِلاَفِهِ، فَلاَ كَفَّارَةَ فِي الْجَمِيعِ.
-----------
قوله: «ولغو اليمين الذي يجري على لسانه بغير قصد» «لغو» مبتدأ، «والذي» خبر المبتدأ، ولهذا يحسن هنا أن يأتي بضمير الفصل؛ ليتبيَّن أن قوله: «الذي» خبر، إذ إن القارئ قد يظن أن قوله: «الذي» صفة لـ «لغو» وينتظر الخبر، فلو قال: «هو الذي يجري...» لكان أبين.
وقوله: «الذي يجري على لسانه بغير قصد» يعني يطلقه لسانه وهو لا يقصده، وهذا ليس فيه كفارة بنص القرآن، قال الله تعالى: {{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}} [المائدة: 89] ، ولغو اليمين يخرج من القيد السابق في اليمين المنعقدة، وهو قوله: «قُصِد عقدها» ، ولغو اليمين لم يقصد عقدها، فلا تكون يميناً منعقدة.
قوله: «كقوله: لا والله، وبلى والله» والدليل على أن هذا من لغو اليمين قوله تعالى: {{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ}} [المائدة: 89] ، وقوله تعالى: {{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}} [البقرة: 225] ، ولا تكسب القلوب إلا ما قصد؛ لأن ما لا يقصد ليس من كسب القلب.
وقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته: لا والله، بلى والله»[(113)]، أي: إن الرجل عندما يقول ذلك لا يقصد القسم والعقد، فهذا نوع من لغو اليمين.
ونوع آخر على ما مشى عليه المؤلف فقال:
«وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه فلا كفارة في الجميع» أي إنه عقدها ونواها وهو يظن صدق نفسه، فتبين الأمر بخلاف ذلك،
مثاله: قال رجل: والله لقد جرى بالأمس كذا وكذا، ظناً منه أنه قد جرى، ولكنه في الواقع لم يجرِ، إذاً عقدها وهو يظن أنه صادق، ولكنه في الواقع غير صادق، يعني تبين أنه يخلافه.
مثال آخر: قال: والله لقد حضر فلان الدرس في الليلة الماضية، وأجمع الطلاب على أنه ما حضر، والواقع أنه لم يحضر، فلا كفارة فيها، يقول المؤلف: إن هذه من لغو اليمين، والذي فاتها من القيود أن تكون على مستقبل، وهو حلف على أمر ماضٍ.
فإذا قال قائل: هل يصح أن نسميها من لغو اليمين، مع أن الرجل قصد يمينه؟
الجواب: هذا ما رآه المؤلف،
ولكن الصحيح أنها ليست من لغو اليمين، وأنها يمين منعقدة لكن لا حنث فيها؛
لأنه في الحقيقة بارٌّ لا حانث؛ وذلك لأنه حين قال: والله لقد حضر يعتقد حضوره، وهو إلى الآن يعتقد حضوره، ولكن لأن الشهود شهدوا بأنه لم يحضر فهم آكد مني.
وبناءً على هذا التعليل، فلو أن رجلاً حلف على أمر مستقبل أنه سيكون بناء على غلبة ظنه، ثم لم يكن، فعلى المذهب هي يمين منعقدة، تجب فيها الكفارة إذا تبين الأمر بخلافه؛ لأنها على مستقبل، فإذا قال بناء على ظنه: والله ليأتين زيدٌ غداً، على اعتبار أن زيداً سيأتي، وزيد رجل صادق، فمضى غد ولم يقدم زيد،
فالمذهب أن عليه الكفارة؛ لأن هذه اليمين منعقدة على مستقبل ممكن، ولم يكن
وعلى ما ذهبنا إليه فليس عليه كفارة؛ لأن هذا الرجل بار في يمينه؛ لأنه لم يزل ولا يزال يقول: حلفت على ما أعتقد، وهذا اعتقادي، وأما كونه يقع على خلاف اعتقادي فهذا ليس مني،
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن من حلف على أمر مستقبل بناء على ظنه، ثم لم يكن، فليس عليه كفارة...
و الله تعالى أعلم