الكتاب عظيم في بابه، بل لم يكتب بعده أحد إلا واستقى منه، أو استقى ممن استقى منه
ومحاسنه جمة، ولا شك أن الإمام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما قد اطلعا عليه، ولم يحكم ابن تيمية على الكتاب إلا بعدما اطلع عليه
وما نصحك أختي بنت من السويس هو نصيحة مخلص؛ ففائدة الكتاب، والظن خيرا بمؤلفه يوجب على صغار الطلبة عدم قراءته حتى يتمكنوا من العلوم الشرعية، حتى يفهموا مراد المؤلف، ولا يسيئوا الظن به
أما إيراد الأحاديث الضعيفة في مثل هذه الكتب فقد أجاب عنها الحافظ العراقي في تخريجه الكبير للإحياء فقال:
وقد كَانَتْ عادةُ المتقدمين السكوتَ على ما أَوْرَدُوهُ من الأحاديثِ في تَصَانِيفِهِمْ من غيرِ بيانٍ لمَنْ أَخْرَجَ ذلك الحديثَ مِنْ أئمةٍ الحديثِ، ومِنْ غيرِ بيانٍ للصحيحِ من الضعيفِ إلا نادراً، وإن كانوا من أئمةِ الحديث، ولكنَّهُم مَشَوا على عادةِ مَنْ تقدَّمَهم من الفقهاءِ، حتى جاء الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ، فصَاَر يَسْلُكُ في تصانيفِهِ الفقهيةِ الكلامَ على الحديثِ، وبيانَ مَنْ خَرَّجَهُ، وبيانَ صِحَّتِهِ من ضَعْفِهِ، وهذا أمرٌ مُهِمٌّ، مفيدٌ، فجزاه الله خيراً؛ لأنه تَحَمَّلَ عن ناظرِ كتابِهِ التَّطَلُّبَ لذلك في كُتُبِ الحديثِ، والمتقدمون يُحِيلُونَ كلَّ علمٍ على كُتُبِهِ، حتى لا يُغْفِلَ الناسُ النَّظَرَ في كلِّ علمٍ مِنْ كُتُبِ أهلِهِ، ومَظَانِّهِ. وهذا الإمامُ أبو القاسمِ الرافعيُّ يمشِي على طريقةِ الفُقَهَاءِ، مع سَعَةِ علمِهِ بالحديثِ، حتى سمِعْتُ شيخَنَا الحافظَ أبا سعيدٍ العَلائِيَّ يقول: إنَّ الرافعيَّ أعرفُ بالحديث من الشيخ محيي الدينِ، فتوقفتُ في ذلك، فقال لي: هذه أَمَالِيهِ تَدُلُّ على ذلك، وعلى معرفَتِهِ بمصطلحات أهلِهِ، وكذلك شَرْحُ ”مُسْنَدِ الشافعيِّ“ له، ولكلٍّ من العلماءِ قصدٌ ونيةٌ، على حسب ما وُفِّقَ له وأُلْهِمَ انتهى كلام الحافظ العراقي.
وكلك أجاب بمثل مقالة الحافظ العراقي: الأمام أبو الخير محمد الخَيْضَرِي الدمشقي الشافعي (و 821 – ت 894 هـ) في جزئه في عدم صحة ما نقل عن بلال بن رباح رضي الله عنه من إبداله الشين في الأذان سينا بعد أن أورد حديثا لا أصل له ذكره موفق الدين ابن قدامة في مغنيه وتبعه ابن أخيه، فقال: (الشيخ موفق الدين لا يُنْكَر عِلمُه، ولا فضلُه ودينُه وخَيْرُه، وخِبرَتُه بعلم الحديث، وهو معدودٌ من الحُفّاظ المُتقنين، وكتابُه المذكور من أعظم الكتب وأنفعِها، لكنه تَساهَل فيه بإيرادِ أحاديثَ وأخبارٍ ضعيفةٍ، بل موضوعةٍ، لا يُعرف لها أصل، ولم يُنَبِّه عليها، وهو تابعٌ في هذا الصنيع لغالب العلماء المتقدمين؛ فإنهم يستدلون بأحاديثَ ضعيفةٍ، بل واهيةٍ، بل موضوعةٍ، ويوردونها في مصنفاتهم، ويسكتون عليها، ويتركون التنبيه عليها لأصحاب هذه الصِّناعة، وهم أئمة الجرح والتعديل، الذين أقامهم الله تعالى صَيَارِفة لدينه، يَنْقُدون جَيِّدَه من مغشوشِه، وصحيحَه من سَقِيمِه، ويبينوه [كذا ولعله: وبَيَّنوه، أو ويُبَيِّنُونه] بأوضح بيان.
وهذا الفعل لم يَنْقُصْ به فاعلُه عن رتبة العلم، فقد وقع ذلك في مصنفات الكبار مثل ...
وأما كتب الفقه على كثرتها من سائر المذاهب وأصحابها أئمة: فهي مشحونة بمثل ذلك، فلا نقص يلحق الشيخ موفق الدين، ومن تبعه.
لكن كان الأكمل لهم: التنبيهَ على مثل ذلك، كما فعل أستاذ المتأخرين، الشيخ محيي الدين النووي رضي الله عنه وأرضاه، وجزاه عن دين الإسلام أفضل الجزاء، وقد تابع جماعة من المتأخرين بعده على ذلك رضي الله عنهم، ولكل امرئ ما نوى)