رد: الموازين والمكاييل ومقاييس الأطوال والمساحة الإسلامية وتقويمها بالمعاصر
المجموع شرح المهذب للإمام النووى:
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسَافَةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِجَوَازِ الْقَصْرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَلَا يَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ واحمد واسحق وأبو ثور وقال عبد الله ابن مَسْعُودٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ يَوْمٍ تَامٍّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وبه أَقُولُ وَقَالَ دَاوُد يَقْصُرُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَتَّى قَالَ لَوْ خَرَجَ إلَى بُسْتَانٍ خَارِجَ الْبَلَدِ قَصَرَ
* وَاحْتُجَّ لِدَاوُدَ بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَوَازَ الْقَصْرِ بلا تقييد للمسافة وبحديث يحيى بن مزيد قَالَ سَأَلْت أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ صلى ركعتين " رواه مسلم وعن خبير بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشْرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ مِيلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ شرط ثلاثة أميال بحديث بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صحيحه تعليقا بصفة جَزْمٍ فَيَقْتَضِي صِحَّتَهُ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ وعن عطا قال سئل بن عَبَّاسٍ " أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَى عَرَفَةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ إلَى عُسْفَانَ وَإِلَى جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَصَرَ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الذى رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الوهاب بن مجاهد عن ابيه وعطا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ " فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ مُجْمَعٌ عَلَى شِدَّةِ ضَعْفِهِ وَإِسْمَاعِيلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا سِيَّمَا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ: وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ إطْلَاقِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصْرُ صَرِيحًا فِي دُونِ مُرْحَلَتَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ غَايَةَ سَفَرِهِ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَافَرَ سَفَرًا طَوِيلًا فَتَبَاعَدَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ قَصَرَ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْبَلَدِ بَلْ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْقَصْرِ إلَّا إذَا تَبَاعَدَ هَذَا الْقَدْرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُسَافِرُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصلاة الا بعد أن يصليها فلا تدركه الصَّلَاةُ الْأُخْرَى إلَّا وَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْ الْمَدِينَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَحْبِيلَ وَقَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَمَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ غَايَةُ سَفَرِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ السَّفَرَ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ هَذَا السَّفَرَ الْخَاصَّ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ رِوَايَةٌ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يوم وليلة وليس مَعَهَا حُرْمَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لَا تُسَافِرْ بَرِيدًا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالْيَوْمِ
صَحِيحَةٌ وَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ يَوْمٍ فَقَالَ لَا فَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمْ مَا حَفِظَ وَلَا يَكُونُ شئ مِنْ هَذَا حَدًّا لِلسَّفَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ فَحَصَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ تَحْدِيدَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بَلْ أَطْلَقَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَى يَوْمَيْنِ وَعَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَعَلَى يَوْمٍ وَعَلَى لَيْلَةٍ وَعَلَى بَرِيدٍ وَهُوَ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ فَدَلَّ عَلَى أن الجميع يسمي سفرا والله أعلم
http://shamela.ws/browse.php/book-2186#page-1986
المغنى لابن قدامة:
مسألة ; قال : ( وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا ، أو ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي ، فله أن يقصر ) . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : في كم تقصر الصلاة ؟ قال : في أربعة برد . قيل له : مسيرة يوم تام ؟ قال : لا . أربعة برد ، ستة عشر فرسخا ، ومسيرة يومين .
فمذهب أبي عبد الله أن القصر لا يجوز في أقل من ستة عشر فرسخا ، والفرسخ : ثلاثة أميال ، فيكون ثمانية وأربعين ميلا ، قال القاضي : والميل : اثنا عشر ألف قدم ، وذلك مسيرة يومين قاصدين . وقد قدره ابن عباس ، فقال : من عسفان إلى مكة ومن الطائف إلى مكة ومن جدة إلى مكة .
وذكر صاحب المسالك ، أن من دمشق إلى القطيفة أربعة وعشرين ميلا ، ومن دمشق إلى الكسوة اثنا عشر ميلا ، ومن الكسوة إلى جاسم أربعة وعشرين ميلا . فعلى هذا تكون مسافة القصر يومين قاصدين . وهذا قول ابن عباس وابن عمر . وإليه ذهب مالك ، والليث ، والشافعي ، وإسحاق . وروي عن ابن عمر أنه كان يقصر في مسيرة عشرة فراسخ ، قال ابن المنذر : ثبت أن ابن عمر كان يقصر إلى أرض له ، وهي ثلاثون ميلا .
وروي نحو ذلك عن ابن عباس ، فإنه قال : يقصر في اليوم ، ولا يقصر فيما دونه . وإليه ذهب الأوزاعي . وقال : عامة العلماء يقولون : مسيرة يوم تام . وبه نأخذ . ويروى عن ابن مسعود ، أنه يقصر في مسيرة ثلاثة أيام . وبه قال [ ص: 48 ] الثوري وأبو حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن } .
وهذا يقتضي أن كل مسافر له ذلك ، ولأن الثلاثة متفق عليها ، وليس في أقل من ذلك توقيف ولا اتفاق . وروي عن جماعة من السلف ، رحمة الله عليهم ، ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم ، فقال الأوزاعي : كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ . وكان قبيصة بن ذؤيب ، وهانئ بن كلثوم ، وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه ، فقال : أردت أن أعلمكم سنتكم . وعن جبير بن نفير ، قال : { خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلا ، أو ثمانية عشر ميلا ، فصلى ركعتين ، فقلت له ، فقال : رأيت عمر بن الخطاب يصلي بالحليفة ركعتين ، وقال : إنما فعلت كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل } . رواه مسلم
وروي { أن دحية الكلبي خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر ثلاثة أميال في رمضان ، ثم إنه أفطر ، وأفطر معه أناس ، وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع إلى قريته ، قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه ، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول ذلك للذين صاموا قبل } رواه أبو داود . وروى سعيد ، ثنا هاشم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا قصر الصلاة } . وقال أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال ، أو ثلاثة فراسخ ، صلى ركعتين } . شعبة الشاك . رواه مسلم . وأبو داود .
واحتج أصحابنا بقول ابن عباس وابن عمر ، قال ابن عباس : يا أهل مكة ، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من عسفان إلى مكة . قال الخطابي : وهو أصح الروايتين عن ابن عمر .
ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر ، من الحل والشد ، فجاز القصر فيها ، كمسافة الثلاث ، ولم يجز فيما دونها ; لأنه لم يثبت دليل يوجب القصر فيه . وقول : أنس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال ، أو ثلاثة فراسخ ، صلى ركعتين . يحتمل أنه أراد به إذا سافر سفرا طويلا قصر إذا بلغ ثلاثة أميال . كما قال في لفظه الآخر { : إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة أربعا ، وبذي الحليفة ركعتين } .
قال المصنف : ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة ، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ، ولا حجة فيها مع الاختلاف . وقد روي عن ابن عباس ، وابن عمر ، خلاف ما احتج به أصحابنا .
ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه ; لوجهين : أحدهما ، أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها ، ولظاهر القرآن ; لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض ، لقوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } . وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية . فبقي ظاهر الآية متناولا كل ضرب في الأرض .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { يمسح المسافر ثلاثة أيام } . جاء لبيان أكثر مدة المسح ، فلا يصح الاحتجاج به هاهنا ، وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفرا ، فقال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم } .
والثاني : [ ص: 49 ] أن التقدير بابه التوقيف ، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد ، سيما وليس له أصل يرد إليه ، ولا نظير يقاس عليه ، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر ، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=965&idto=968&bk_no=15&ID=924
البدر المنير لابن الملقن:
الحَدِيث السَّابِع
عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا فِي أقل من (أَرْبَعَة) برد من مَكَّة إِلَى عُسفان وَإِلَى الطَّائِف» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبد الْوَهَّاب (بن) مُجَاهِد بن جبر الْمَكِّيّ، عَن أَبِيه وَعَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا الصَّلَاة فِي أدنَى من أَرْبَعَة برد من مَكَّة إِلَى عُسفان»
وَلَيْسَ فِي روايتهما ذكر «الطَّائِف» وَهَذَا الحَدِيث ضَعِيف لأوجه:
أَحدهَا: أَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِيهِ مقَال، وَهُوَ عَن غير الشاميين لَيْسَ بشي عِنْد الْجُمْهُور.
ثَانِيهَا: أَن عبد الْوَهَّاب أَجمعُوا عَلَى شدَّة ضعفه، وَنسبه، [الثَّوْريّ] إِلَى الْكَذِب، وَتَركه الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
ثَالِثهَا: أَن عبد الْوَهَّاب لم يسمع من أَبِيه، قَالَ وَكِيع: كَانُوا يَقُولُونَ: لم يسمع من أَبِيه شَيْئا.
رَابِعهَا: أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيح، فَرَوَاهُ مَالك أَنه بلغه أَن (عبد الله بن عَبَّاس) كَانَ يَقُول: «تقصر الصَّلَاة فِي مثل مَا بَين مَكَّة (والطائف، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة) وَجدّة، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَعُسْفَان» .
قَالَ مَالك: وَذَلِكَ أَرْبَعَة برد.
وَقَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه سُئِلَ: أتقصر الصَّلَاة إِلَى عَرَفَة؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن إِلَى عسفان و (إِلَى) جدة وَإِلَى الطَّائِف» .
قلت: وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ رِوَايَة الرّفْع قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لَا يحْتَج بِهِ، وَعبد الْوَهَّاب ضَعِيف (بِمرَّة) وَالصَّحِيح أَن ذَلِك من قَول ابْن عَبَّاس.
قلت: (وَفَاته) الْعلَّة الثَّالِثَة وَهِي الِانْقِطَاع، وَمن الْغَرِيب إِخْرَاج ابْن خُزَيْمَة هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا فِي «صَحِيحه» عَلَى مَا (حَكَاهُ) ابْن الرّفْعَة عَن القَاضِي أبي الطّيب، وَمن (أَوْهَام) «نِهَايَة» إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه ذكر فِي حَدِيث جَابر أَن ذَلِك كَانَ فِي (فتح) مَكَّة، وَالْمَعْرُوف (أَنه) إِنَّمَا هُوَ فِي غَزْوَة تَبُوك فَتنبه لَهُ. وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ إِيرَاد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق ابْن عمر، وَهُوَ من النساخ فاجتنبه.
http://shamela.ws/browse.php/book-5922#page-2366
فتح البارى شرح صحيح البخارى للحافظ ابن حجر:
(قَوْلُهُ بَابٌ فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ)
يُرِيدُ بَيَانَ الْمَسَافَةِ الَّتِي إِذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا سَاغَ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا يَسُوغُ لَهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا وَهِيَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي انْتَشَر فِيهَا الْخلاف جدا فَحكى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فِيهَا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا فَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ مَا دَامَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِهِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ وَأَوْرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَوْلُهُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ السَّفَرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَجَوُّزٌ وَالْمَعْنَى سَمَّى مُدَّةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَفَرًا وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ عِنْدَهُ فِي الْبَابِ وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا أوردهُ هُوَ من حَدِيث بن عُمَرَ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمٌ وَفِي بَعْضِهَا لَيْلَةٌ وَفِي بَعْضِهَا بَرِيدٌ فَإِنْ حُمِلَ الْيَوْمُ الْمُطْلَقُ أَوِ اللَّيْلَةُ الْمُطْلَقَةُ عَلَى الْكَامِلِ أَيْ يَوْمٌ بِلَيْلَتِهِ أَوْ لَيْلَةٌ بِيَوْمِهَا قَلَّ الِاخْتِلَافُ وَانْدَرَجَ فِي الثَّلَاثِ فَيَكُونُ أَقَلُّ الْمَسَافَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ بَرِيدٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا قَوْله وَكَانَ بن عمر وبن عَبَّاس الخ وَصله بن الْمُنْذِرِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَن بن عمر وبن عَبَّاسٍ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَرَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن بن عُمَرَ نَحْوَهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ بن شهَاب عَن سَالم أَن بن عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ هَذَا فَقَالَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذَاتِ النُّصُبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَفِي الْمُوَطَّأ عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ وَمِنْ طَرِيقِ عَطاء أَن بن عَبَّاسٍ سُئِلَ أَنَقْصُرُ الصَّلَاةَ إِلَى عَرَفَةَ قَالَ لَا وَلَكِنْ إِلَى عُسْفَانَ أَوْ إِلَى جِدَّةَ أَو الطَّائِف وَقد روى عَن بن عَبَّاس مَرْفُوعا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِد عَن أَبِيه وَعَطَاء عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ إِلَّا فِي الْيَوْمِ وَلَا تُقْصَرُ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ يُمْكِنُ سَيْرُهَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأما حَدِيث بن عُمَرَ الدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ فَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اخْتِيَارِهِ بِأَنَّ الْمَسَافَةَ وَاحِدَةٌ وَلَكِنَّ السَّيْرَ يَخْتَلِفُ أَوْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ مَا سِيقَ لِأَجْلِ بَيَانِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَلْ لِنَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ الْخُرُوجِ وَحْدَهَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ فِي ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ وَحْدَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالزَّمَانِ فَلَوْ قَطَعَتْ مَسِيرَةَ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَثَلًا فِي يَوْمٍ تَامٍّ لَتَعَلَّقَ بِهَا النَّهْيُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَسِيرَةَ نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا فِي يَوْمَيْنِ لَمْ يَقْصُرْ فَافْتَرَقَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ لَفْظُ بَرِيدٌ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً وَسَنَذْكُرُهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَعَلَى هَذَا فَفِي تمسك الْحَنَفِيَّة بِحَدِيث بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إِشْكَالٌ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَأَى الصَّحَابِيُّ لَا بِمَا رَوَى فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ عِنْدَهُ لِبَيَانِ أَقَلِّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمَا خَالَفَهُ وَقَصَرَ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّام وَقد اخْتلف عَن بن عُمَرَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ اخْتِلَافًا غَيْرَ مَا ذكر فروى عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج أَخْبرنِي نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ أَدْنَى مَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيهِ مَالٌ لَهُ بِخَيْبَرَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلًا وَرَوَى وَكِيعٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَقْصُرُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى السُّوَيْدَاءِ وَبَيْنَهُمَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاق عَن مَالك عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَافَرَ إِلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ محَارب سَمِعت بن عُمَرَ يَقُولُ إِنِّي لَأُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنَ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ سَمِعْتُ جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ سَمِعت بن عُمَرَ يَقُولُ لَوْ خَرَجْتُ مِيلًا قَصَرْتُ الصَّلَاةَ إِسْنَاد كل مِنْهُمَا صَحِيح وَهَذِه أَقْوَال مُتَغَايِرَة جِدًّا فَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَهِيَ أَيِ الْأَرْبَعَةُ بُرُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْفَرْسَخَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ مِنَ الْأَرْضِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَمِيلُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَفْنَى إِدْرَاكُهُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ حَدُّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّخْصِ فِي أَرْضٍ مُسَطَّحَةٍ فَلَا يُدْرَى أَهُوَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ هُوَ ذَاهِبٌ أَوْ آتٍ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً وَالْإِصْبَعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ مُعْتَرِضَةٍ مُعْتَدِلَةٍ اه وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْأَشْهَرُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ بِقَدَمِ الْإِنْسَانِ وَقِيلَ هُوَ أَرْبَعَةُ آلافِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ بَلْ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَان وَقيل وَخَمْسمِائة صَححهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ هُوَ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَلْفِ خُطْوَةٍ لِلْجَمَلِ ثُمَّ إِنَّ الذِّرَاعَ الَّذِي ذَكَرَ النَّوَوِيُّ تَحْدِيدَهُ قَدْ حَرَّرَهُ غَيْرُهُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ فَعَلَى هَذَا فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ قَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَكَأَنَّهُمُ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ فَرَاسِخٍ قَصَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَأَصْرَحُهُ وَقَدْ حَمَلَهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمسَافَة الَّتِي يبتدأ مِنْهَا الْقَصْرُ لَا غَايَةُ السَّفَرِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْحمل مَعَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَزِيدَ رَاوِيهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَكُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى الْكُوفَةِ يَعْنِي مِنَ الْبَصْرَةِ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِعَ فَقَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَظَهَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ جَوَازِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ لَا عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ الْقَصْرُ مِنْهُ ثُمَّ إِنَّ الصَّحِيحَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَسَافَةٍ بَلْ بِمُجَاوَزَةِ الْبَلَدِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهَا وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي التَّحْدِيدِ بِثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ أَمْيَالٍ مُدْرَجَةٌ فِيهَا فَيُؤْخَذ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ نَعَمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفَرْسَخِ فَقِيلَ السُّكُونُ ذَكَرَهُ بن سِيدَهْ وَقِيلَ السَّعَةُ وَقِيلَ الْمَكَانُ الَّذِي لَا فُرْجَةَ فِيهِ وَقِيلَ الشَّيْءُ الطَّوِيلُ
http://shamela.ws/browse.php/book-1673/page-1639#page-1640
لاحظ تحديد مسافة القصر بأربعة برد هو مذهب مالك والليث بن سعد والشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه
والخلاف فى هذه المسألة خلاف سائغ (معتبر) والله أعلم