العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سلسلة الإشكالات (23): إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
سلسلة الإشكالات (23): إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له



معلوم أن القول بأن للحيض أكثر هو باتفاق المذاهب الفقهية وإن اختلفوا في حده، فالجمهور: خمسة عشر يوما، والحنفية عشرة ايام، وابن حزم سبعة عشر يوماً.
بينما ذهب ابن تيمية وآخرون من المتأخرين أنه ليس للحيض آخر ما لم يطبق عليه الشهر بكامله
والسؤال: هل تنتظر من ابتليت بالدم نهاية الشهر بتمامه حتى يطبق عليها الدم لتعرف أنها مستحاضة؟؟
إن في ضبط الفقهاء لأكثر الحيض اعتبار للمعتاد من أن زيادته الفاحشة ليست حيضا، ولهذا قال النووي: ثبت مستفيضا عن السلف من التابعين فمن بعدهم أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما، وأنهم وجدوه كذلك عيانا، وقد جمع البيهقي أكثر ذلك في كتابه الخلافيات، وفي السنن الكبير، منهم عطاء، والحسن، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وشريك، والحسن بن صالح، وعبد الرحمن بن مهدي رحمهم الله.
وقد كان ابن حزم الظاهري بارعاً في الذكاء فمع كونه ظاهرياً يقف عند النص إلا أنه اعتبر السبعة عشر يوما لأنه أكثر ما قيل، ولم يقل أحد في أكثر من هذا العدد من الأيام أنه حيض، فتيقن عنده أنه ليس بحيض.
وطريقة ابن حزم هذه هي إحدى المخارج المعروفة التي يلجأ إليها عند التورط فيما لم يقف فيه على نص صريح.

ثم إن في اعتبار ابن تيمية ومن معه: الشهر أو أكثره هو أيضاً تحديد لأكثر الحيض من غير برهان، فهو لا يخلو من نوع تحكم مع ما فيه من إسراف في اعتبار دم الحيض بما يخالف العادة.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

يقول ابن تيمية في الاختيارات: المبتدأة تحسب ما تراه من الدم ما لم تصر مستحاضة.
والسؤال: كيف تعرف أنها صارت مستحاضة والدم لا أكثر له عنده؟
نعم، نحو هذا التطبيق معروف عند الفقهاء، وهو فائدة تحديدهم لأقل الحيض وأكثره، ولكنه بالنسبة لي غير مفهوم عند من لا يحده.
ومثل هذا يقال في أقل الحيض!
فلا زال يشكل علي إذا اعتبرنا أنه لا أقل للحيض، فإن المرأة ربما تطهر وتحيض في اليوم الواحد عشرة مرات!
ولهذا كان مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار أقله أكثر ضبطا، ومذهب الشافعية والحنابلة أقرب إلى الواقع والعادة فإنهم اعتبروا اليوم والليلة لأقل الحيض.
ملاحظة: يظهر الكلام أكثر في غير المعتادة والمتميزة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

لاحظ قول ابن تيمية:

وكذلك المتنقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال فذلك حيض حتى تعلم أنها استحاضة باستمرار الدم.


والسؤال: ما هو حد هذا الاستمرار؟

وبه نعلم ضرورة ما اجتمع عليه الفقهاء المذاهب ومعهم أهل الظاهر من تحديد أكثر الحيض.

 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

قال ابن رشد في بداية المجتهد:
إنما أجمعوا بالجملة على أن الدم إذا تمادى أكثر من مدة الحيض أنه استحاضة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت لفاطمة بنت أبي حبيش: "فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" والمتجاوزة لأمد أكثر أيام الحيض قد ذهب عنها قدرها ضرورة.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

مجموع الفتاوى (19/ 237)
وَمِنْ ذَلِكَ اسْمُ الْحَيْضِ عَلَّقَ اللَّهُ بِهِ أَحْكَامًا مُتَعَدِّدَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَا أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ وَلَا الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَعَ عُمُومِ بَلْوَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ وَاللُّغَةُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَدْرٍ وَقَدْرٍ فَمَنْ قَدَّرَ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ وَأَقَلَّهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّحْدِيدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ دُونَ أَقَلِّهِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَصَحُّ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لَا لِأَقَلِّهِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ بَلْ مَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً فَهُوَ حَيْضٌ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ اسْتَمَرَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ أَكْثَرَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ اسْتَمَرَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ. وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ بِهَا دَائِمًا فَهَذَا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَارَةً تَكُونُ طَاهِرًا وَتَارَةً تَكُونُ حَائِضًا وَلِطُهْرِهَا أَحْكَامٌ وَلِحَيْضِهَا أَحْكَامٌ.

الضابط عنده هو العادة المستمرة للمرأة مهما كانت ولو 40 يوما مثلا، ولو استمر بها دائما فهي مستحاضة عنده ترد إلى أغلب عادات النساء وهو ربع الشهر، وعليه فلا يلزم على قوله مشكل
ولعل المستبشَع في قوله هو إسقاط الصلاة عن المرأة ولو اعتادت أن يتمادى بها الدم أياما كثيرة كمائة يوم مثلا
ولعل الطب الآن يستطيع أن يحدد أقل الحيض وأكثره لجمهور النساء فهذا هو المعتمد وتُرد من تزيد على ذلك إلى هذا الضابط الجمهوري حتى لو ثبت أن ما زاد على ذلك لديها دم مسترخ من الرحم لا دم عرق لأن العبرة بالغالب والنادر لا حكم له، والله أعلم.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

ولعل الطب الآن يستطيع أن يحدد أقل الحيض وأكثره لجمهور النساء فهذا هو المعتمد وتُرد من تزيد على ذلك إلى هذا الضابط الجمهوري حتى لو ثبت أن ما زاد على ذلك لديها دم مسترخ من الرحم لا دم عرق لأن العبرة بالغالب والنادر لا حكم له، والله أعلم.
بارك الله فيكم جميعا
الموضوع الآن أصبح أكثر ضبطا بمعرفة السبب والصفة واللون وإلخ
أذكر بأني قرأت بحثا للدكتور عمر الأشقر مستفيضا لهذه المسألة قارن فيه الأقوال المذكرة في كتب الفقهاء ورجع إلى أقوال الأطباء
وخرج بنتائج لعلي ألخصها لكم لاحقا في مشاركة تالية عند عثوري على البحث في مكتبتي
إن شاء الله
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

قال ابن المنذر: وبلغني عن نساء الماجشون انهن كن يحضن سبع عشرة.
قال أحمد: أكثر ما سمعنا سبع عشرة.
وقال ابن المنذر: قال طائفة ليس لاقل الحيض ولا لاكثره حد بالايام بل الحيض اقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة والطهر ادباره.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

فيما سأسوقه من عبارة الحافظ ابن عبد البر بيان مأخذ الفقهاء في تحديد أقل الحيض وأكثره:
قال في التمهيد:
أما اختلاف العلماء في أكثر الحيض وفي أقله وفي أقل الطهر فواجب الوقوف عليه ههنا لأن الأصل في الاستحاضة زيادة الدم على مقدار أمد الحيض أو نقصان مدة الطهر عن أقله فبهذا تعرف الاستحاضة .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

لفتة أخرى من فقه الأئمة لمأخذ المسألة:
قال القرافي في الذخيرة (1/ 380):
ضابطه أن أيام الدم إن كانت أكثر من أيام الطهر فهي مستحاضة لأن المرأة لا تحيض أكثر من زمن طهرها.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 233):
قال الشنقيطي في أضواء البيان:
هذا هو حاصل أدلتهم وليس على شيء منها دليل من كتاب ولا سنة يجب الرجوع إليه. وأقرب المذاهب في ذلك هو أكثرها موافقة للمشاهد ككون الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يكثر عن نصف شهر، وكون أقل الطهر نصف شهر، والله تعالى أعلم.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

كثير من الضوابط والحدود الفقهية لا دليل صريحا أو ظاهرا عليها من الكتاب والسنة، ومع هذا تجدهم يلجئون إلى الضبط بعدد أو بوصف أو بنحو ذلك مما يرونه تقريبا للحكم أو تيسيرا لتطبيقه وامتثاله من قبل المكلفين، وفي نفس الوقت يسترشدون في ضوابطهم بغاية الحكم. ومنهجهم هذا جِدُّ أصيل، سَلَفُهم فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقهاء التابعين في تعاملهم مع ما ورد مطلقا من غير ضابط في نصوص الشارع. ولا أزال عاكفا منذ مدة على بحث موسَّع في هذا الخصوص، والذي يبدو لي فيه، بادي الرأي، أن منهج الفقهاء المتشوف إلى الضبط بمقادير تقريبية غير منصوصة حيث أمكن أكثر قربا من منهج الصحابة وفقهاء السلف في التعامل مع ما أطلقه الشارع من أحكام من المنهج الظاهري في الاجتزاء بمجرد الاسم والتعويل عليه وبناء الحكم مع مطلق اللفظ خلوا من التوقيت والحد، وهو المنهج الذي تأثر به ابن تيمية، رحمه الله، إلى حد ما. نعم هناك مغالاة في الضبط من الفقهاء أحيانا، وهناك ضوابط قد تعود على حكمة الحكم بالنقض، كما أن هناك ضوابط عرفية لا شرعية يستصحبها المقلدون والأتباع خطئا عبر الزمن، مع أنها فقدت المسوِّغ العرفي الذي قامت عليه، كضابط المسافة في السفر المبيح للقصر، ولكنَّ هذا لا ينبغي أن يدفعنا إلى التعلق بمجرد الاسم كما هو صنيع الظاهرية فيما لا حد صريحا له في الكتاب والسنة.
والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

ومثل هذا يقال في أقل الحيض!
فلا زال يشكل علي إذا اعتبرنا أنه لا أقل للحيض، فإن المرأة ربما تطهر وتحيض في اليوم الواحد عشرة مرات!
ولهذا كان مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار أقله أكثر ضبطا، ومذهب الشافعية والحنابلة أقرب إلى الواقع والعادة فإنهم اعتبروا اليوم والليلة لأقل الحيض.
أظن هذا غير ممكن ولا سُمِع به؛ لأنه يلزم من أنها طهرت أن يكون المكان قد جف تماماً بحيث لو احتشت بنحو قطنة لما ظهر فيها أثر حمرة ولا كدرة ولا صفرة، فهل يمكن أن يقع هذا بعد كل دفقة دم؟!.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

مجموع الفتاوى (19/ 237)
وَمِنْ ذَلِكَ اسْمُ الْحَيْضِ عَلَّقَ اللَّهُ بِهِ أَحْكَامًا مُتَعَدِّدَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَا أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ وَلَا الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَعَ عُمُومِ بَلْوَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ وَاللُّغَةُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَدْرٍ وَقَدْرٍ فَمَنْ قَدَّرَ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ وَأَقَلَّهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّحْدِيدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ دُونَ أَقَلِّهِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَصَحُّ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لَا لِأَقَلِّهِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ بَلْ مَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً فَهُوَ حَيْضٌ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ اسْتَمَرَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ أَكْثَرَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ اسْتَمَرَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ. وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ بِهَا دَائِمًا فَهَذَا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَارَةً تَكُونُ طَاهِرًا وَتَارَةً تَكُونُ حَائِضًا وَلِطُهْرِهَا أَحْكَامٌ وَلِحَيْضِهَا أَحْكَامٌ.
أخي الشيخ فؤاد.. ها هو ابن تيمية يحتج بعموم البلوى بمثل هذا مع عدم البيان من الشارع.
وهذا -في نظري- مما يسهل على المخالف دفعه كما بينتُ في موضوعكم حول عموم البلوى.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

الضابط عنده هو العادة المستمرة للمرأة مهما كانت ولو 40 يوما مثلا، ولو استمر بها دائما فهي مستحاضة عنده ترد إلى أغلب عادات النساء وهو ربع الشهر، وعليه فلا يلزم على قوله مشكل
ولعل المستبشَع في قوله هو إسقاط الصلاة عن المرأة ولو اعتادت أن يتمادى بها الدم أياما كثيرة كمائة يوم مثلا
ولعل الطب الآن يستطيع أن يحدد أقل الحيض وأكثره لجمهور النساء فهذا هو المعتمد وتُرد من تزيد على ذلك إلى هذا الضابط الجمهوري حتى لو ثبت أن ما زاد على ذلك لديها دم مسترخ من الرحم لا دم عرق لأن العبرة بالغالب والنادر لا حكم له، والله أعلم.
أخي الشيخ أيمن .. إن الشيخ تقي الدين يحده من جهة إطباق الدم شهراً كاملاً.. فلو زاد عن ذلك فقد خرج عن عادة نساء العالمين.. وهذا عنده أمر قاطع ودليل يجزم بكون ذلك ليس من الحيض، بخلاف ما ضبط به الجمهور أكثر الحيض فليس عليه دليل عنده.

فالأمثلة المستبشعة المذكورة لا إخالها واردة على قول ابن تيمية.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

أخي الشيخ أيمن .. إن الشيخ تقي الدين يحده من جهة إطباق الدم شهراً كاملاً.. فلو زاد عن ذلك فقد خرج عن عادة نساء العالمين.. وهذا عنده أمر قاطع ودليل يجزم بكون ذلك ليس من الحيض، بخلاف ما ضبط به الجمهور أكثر الحيض فليس عليه دليل عنده.

فالأمثلة المستبشعة المذكورة لا إخالها واردة على قول ابن تيمية.

ظاهر كلامه المنقول أنه لا يحده بالشهر ولا غيره، إلا أن يكون ذكر ذلك في موضع آخر، وإذا كان ذلك كذلك فتنهار فكرته في عدم التحديد من أصلها لأن الشهر أو نحوه حد لا دليل عليه أيضا فيظل التمسك بتحديدات الصحابة والسلف أولى مما حده هو
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

استدل الإمام مالك رحمه الله على أن الحيض لا أقل له، بأنه لو كان لأقله حد لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضى ذلك الحد، فعلى قول الحنفية تظل تصلي ثلاثة أيام ثم تترك الصيام لأنه لم يتبين لها أنه حيض إلا بعد مرور ثلاثة أيام، وعلى قول الشافعية والحنابلة، فإنه إذا جاءها الدم فتظل تصلي لمدة يوم كامل فإذا جاوز اليوم علمت أنها حائض فتترك الصلاة.
وهذا إلزامٌ قويٌ للإمام مالك.
لكن هذا الإلزام يمكن توجيهه إلى قول ابن تيمية رحمه الله في قوله إنه لا حد لأكثر الحيض ما لم تصر مستحاضة.
والسؤال كيف تعلم أنها صارت مستحاضة؟ هل عليها أن تنتظر أن يطبق عليها الشهر بتمامه حتى تدرك ذلك؟ بل هذا يلزم منه ما هو أشنع من إلزام مالك، وهو أنها تترك الصلاة لأنها حائض فإذا أطبق عليها الشهر بتمامه علمت حينها أنها كانت مستحاضة؛ فماذا تفعل بما تركته من الصلوات؟
ولهذا اتفق الأئمة الأربعة على أن الحيض له أكثر: جمهورهم على أنه خمسة عشر يوما، والحنفية على أنه عشرة أيام، وابن حزم ورواية عن أحمد أنه سبعة عشر يوماً، وتمسك بذلك ابن حزم بأنه أكثر ما قيل.
وقول الجمهور بضبطه بخمسة عشر يوماً وجيه، فالمرأة في الشهر تتداول بين الحيض والطهر، والطهر هو الأكثر، والحيض المعتاد من ستة إلى سبعة أيام، فإن تمادى بها الدم حتى تجاوز نصف الشهر علمنا أنها مستحاضة.
الخلاصة: إلزام الإمام مالك رحمه الله فيمن حد أقل الحيض قوي، وهو واردٌ أيضاً فيمن لم يحد أكثره.
 
إنضم
15 يوليو 2011
المشاركات
1
التخصص
طب نفسي
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

معلوم أن القول بأن للحيض أكثر هو باتفاق المذاهب الفقهية وإن اختلفوا في حده، فالجمهور: خمسة عشر يوما، والحنفية عشرة ايام، وابن حزم سبعة عشر يوماً.
بينما ذهب ابن تيمية وآخرون من المتأخرين أنه ليس للحيض آخر ما لم يطبق عليه الشهر بكامله

ظاهر هذا الكلام أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تفرد بهذا القول ولا سلف له فيه ...
ويتأكد هذا الظاهر بعنونة المسالة بـ
[[
إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له ]]
وهذا فيه نظر شيخنا الفاضل ..
إلا إذا كان يقصد بالتفرد هنا التفرد عن معتمد المذاهب الأربعة والظاهرية ...
وظني أن التفرد بهذا المعنى ليس هو المقصود هنا ...
لقولك حفظك الله : [[ بينما ذهب ابن تيمية وآخرون من المتأخرين ]]

فظاهر هذه العبارة أن شيخ الإسلام لا سلف له في هذا الاختيار من الفقهاء المتقدمين ...

وهذا فيه نظر شيخنا الفاضل ... ذلك أن هذا القول :

1 - رواه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم عن ابن سيرين
2 - 3 - 4 - ونقله ابن رجب الحنبلي رحمه الله في [فتح الباري] عن ابن المديني وميمون ابن مهران والإمام الأوزاعي
5 - 6 - 7 - ونقله المروزي رحمه الله في [اختلاف الفقهاء] عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد ... [والمعروف عن أحمد خلافه كما هو معلوم]
8 - وحكاه النووي رحمه الله في [المجموع] رواية عن مالك .. نقلا عن الماوردي صاحب الحاوي
9 - وحكاه ابن رجب الحنبلي رحمه الله في [فتح الباري] رواية عن الشافعي .. نقلا عن ابن جرير الطبري
10 - 11 - 12 - 13 - وهذه الرواية اختارها بعض الشافعية المتقدمين على ابن تيمية رحمه الله ...
كأبي إسحاق الإسفراييني والقاضي حسين [وكفي به اختيارا] والدارمي وابن الصلاح
فيما نقله النووي رحمه الله تعالى عنهم في [المجموع]

والله تعالى أعلى وأعلم


 

عاطف محمود أحمد

:: متابع ::
إنضم
9 ديسمبر 2008
المشاركات
43
الكنية
أبو محمد
التخصص
الشريعة والتربية
المدينة
درعا
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

الأخت أم طارق : هذه رسالة الشيخ عمر الأشقر رحمه الله تعالى :
أقل مدة الحيض والنفاس والحمل وأكثرها للدكتور عمر سليمان الأشقر

كلية الشريعة ـ جامعة الكويت

أهمية البحث في هذا الموضوع

الحيض والنفاس من الأمور العامة المتكررة ، وقد صح في كتب السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة في حجة الوداع ، فوجدها تبكي بسبب حيضها وخشيتها أن يؤثر ذلك في حجتها ، فقال لها معلما ومواسيا : " إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاقضي ما يقضي الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت " .

وقد رتب الشارع على الحيض والنفاس أحكاما كثيرة مهمة .

فقد منع الشارع الحائض والنفساء من الصلاة والصيام والطواف ، كما حرم عليهما المكث في المسجد ، ويرى كثير من أهل العلم أنه حرم عليهما أيضا مس المصحف وقراءة القرآن .

وحرم على الزوج أن ينكح زوجته إذا كانت حائضا أو نفساء ، كما حرم عليه أن يوقع الطلاق أثناء فترة الحيض والنفاس .

وجعل الشارع الحيض علامة دالة على البلوغ ، وجعل عدة المرأة التي تحيض ثلاثة قروء ، وأوجب على الحائض والنفساء الغسل إذا انقطع دمهما .

ولما كانت مدة الحيض والنفاس عند النساء ليست واحدة ، بل هي متفاوتة تفاوتا كثيرا ، أضف إلى هذا أنه قد يصيب بعض النساء دم غير دم الحيض بسبب علة أو نزف ـ فإنه أشكل على كثير من أهل العلم تحقيق في مدة الحيض والنفاس ، وكثر الخلاف بينهم في هذه المسألة ، و في بعض المسائل الأخرى التي تتعلق بالحيض والنفاس ، وهذا الخلاف يسبب إشكالات عويصة للنساء ، ذلك أن بعض الفتاوى الصادرة عن بعض أهل العلم لا تكون موافقة للحق وتكون مرهقة للنساء، ثم إن تضارب الفتاوى يوقع النساء في حرج شديد .

وسيرى المطلع على هذا البحث أن تحقيق الحق في هذه المسائل غير منصوص عليه في الكتاب والسنة ، وإنما ترك الشارع معرفته إلى العلم بطبيعة عادة النساء في حيضهن ونفاسهن وحملهن .

وما دام الأمر يتعلق بمعرفة الواقع ، فإنني أزعم أننا في هذا العصر أقدر على معرفة واقع النساء ، لقد كان الفقيه في الماضي يرجع إلى الواحدة من نسائه أو قريباته ، أو إلى ما ينقل له من أخبار النساء ، فيبني عليه الحكم ، وإذا رجع آخرون إلى أقوال الأطباء ، فإن نتائج الأبحاث العلمية ـ في هذا المجال ـ لم تكن نضجت في تلك الأيام .

إنني أقدر ـ في هذه الأيام ـ على التعرف على الحق في هذه المسائل لما نراه من تقدم علمي استطاع أن يصل إلى تحديد الأمور وفق ما هي عليه في كثير من الأحيان ، ولأن استقراء أحوال النساء في المسائل المبحوثة أصبح أكثر دقة ، لأن هذا الاستقراء يمكن أن تقوم به مؤسسات تخضع له قطاعا كبيرا من النساء في مختلف الأقطار .

إنني أعلم أن بعض الفقهاء أصابوا الحقيقة فيما توصلوا إليه ، فالأمة معصومة من الإجماع على باطل ، ولكننا ـ اليوم ـ نملك إظهار الحقائق التي تزيل الخلاف .

ولذا فإن الفقهاء يتطلعون إلى معرفة ثمرات العلم ، ونتائج الأبحاث في هذه المسائل الأربع التي توصل إليها الأطباء الباحثون في هذا المجال ، وهي :

1 – أقل مدة الحيض والنفاس وأكثر مدتهما .

2 – مدى إمكان حيض المرأة أثناء فترة الحمل .

3 – السن الذي يمكن أن تحيض فيه المرأة . والسن الذي يتوقف فيه الحيض (سن اليأس) .

4- أقل مدة للحمل . وأكثر مدة له .

وهذا البحث يلقي أضواء على مذاهب الفقهاء واجتهاداتهم والأدلة التي استندوا إليها في هذه المسائل الأربع ، والله الموفق للصواب .

تعريف الحيض والنفاس

الحيض مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا فهي حائض ، إذا جرى دمها وسال ، قال المبرد : " سمي الحيض حيضا من قولهم : حاض الوادي إذا فاض ، وحاضت السمرة إذا سال منها شبه الدم ، وهو الصمغ الأحمر " . قال الأزهري : "والحيض دم يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة " .

وأصل الكلمة كما يقول القرطبي ـ مأخوذ من السيلان والانفجار ، يقال : حاض السيل وفاض ،وحاضت الشجرة أي : سالت رطوبتها ،ومنه الحيض ، أي الحوض ، لأن الماء يحيض إليه ، أي يسيل ، والعرب تدخل الواو على الياء ، والياء على الواو ، لأنهما من حيز واحد ، قال ابن عرفة : " المحيض والحيض اجتماع الدم إلى ذلك الموضع ، وبه سمى الحوض لاجتماع الماء فيه " .

والتعريف الاصطلاحي للحيض لا يختلف عن التعريف اللغوي ، فكلاهما يعرف أمرا مشاهدا معروفا ، يقول صاحب " نيل المآرب " الفقيه الحنبلي في تعريفه : " وهو دم طبيعة وجبلة ، يخرج مع الصحة من غير سبب ولادة في أوقات معلومة "

وعرفه الكاساني الفقيه الحنفي بقوله : " الحيض في عرف الشرع اسم لدم خرج من الرحم لا يعقب ولادة ، مقدر بقدر معلوم في وقت معلوم " .

وعرفه صاحب موسوعة إبراهيم النخعي بقوله : " هو دم ينفضه رحم امرأة بالغة ، لا داء بها و حبل ، ولم تبلع سن اليأس " .

ودم الحيض متميز بلونه ورائحته ، ففي الحديث الذي يرويه أبو داود والنسائي عن فاطمة بنت أبي حبيش أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان دم الحيضة ، فإنه أسود يعرف " . ومراده بـ ( يعرف ) أي تعرفه النساء ، وقد روى الحديث بكسر الراء ( يعرف ) : أي له رائحة تعرفها السناء .

وقد زعم بعض الفقهاء أن دم الحيض دم فساد ، وأنكر ذلك المحققون منهم ، يقول ابن مفلح الفقيه الحنبلي : " وليس هو بدم فساد ، بل خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته ، فإذا حملت انصرف بإذن الله إلى غذائه ، فإذا وضعته قلبه الله بحكمته لبنا يتغذى به ، ولذلك قلما تحيض المرضع " .

وإذا خرج الدم من المرأة بسبب علة أو نزف ، فإنه لا يكون حيضا ،ومن العلماء من يقسم هذا النوع من الدم إلى قسمين : الأول : دم فساد ، والثاني : استحاضة .

ومن هؤلاء الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ، فإنه يرى أن ما تراه الفتاة من دم قبل إتمامها تسع سنين ، فإنه دم فساد ، ولا يقال له استحاضة .

والذي عليه الأكثرون أن كل ما ليس بدم حيض ولا نفاس فهو دم استحاضة ، قال النووي في " الروضة" : " الاستحاضة تطلق على كل دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس ، سواء اتصل بالحيض المجاوز أكثره أم لم يتصل ، كالذي تراه لسبع سنين مثلا ، وقد يطلق على المتصل به خاصة ، ويسمى دم فساد .

ويجعل كثير من الفقهاء الذين حددوا لأقل الحيض والنفاس وأكثرها مقدارا معينا من الأيام ما زاد عن أكثر الحيض والنفاس وما نقص عن أقلهما استحاضة ، يقول القرافي الفقيه المالكي : " الاستحاضة ما زاد على الدم المعتبر حيضا " .

وقال الأزهري في التفريق بين الحيض والاستحاضة : " الحيض دم يخرج من قعر الرحم ،ويكون اسود محتدما ، أي حار كأنه محترق ، والاستحاضة : دم يسيل من العاذل ، وهو عرق فمه الذي يسيل في أدنى الرحم دون قعره " ، وقال الهروي وغيره من أهل اللغة : " الحيض دم يخرج في أوقاته بعد بلوغه ، والاستحاضة دم يخرج في غير أوقاته " .

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمستحاضة التي استفتته عن أمرها : " إنما ذلك عرق وليس بالحيضة " رواه البخاري والنسائي وأبو داود .

ومن المقرر في الشريعة أن الاستحاضة لا تمنع ما يمنع منه الحيض والنفاس .

والنفاس ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء ، وأطلقت العرب اسم النفساء على الوالدة والحامل والحائض .

وعرف الفقهاء النفاس بمثل قولهم : " هو دم يرخيه الرحم للولادة وبعدها إلى مدة معلومة ، وهو بقية الدم احتبس في مدة الحمل لأجله ، وأصله لغة من التنفيس ، وهو الخروج من الجوف ، أو نفس الله كربته ، أي فرجها " .

ولا يشترط الفقهاء أن تكون الولادة بعد تمام مدة الحمل حتى يكون نفاسا ، فقد قرر فقهاء الشافعية أنه يستوي في حكم النفاس خروج الولد كامل الخلقة أو ناقصا، وخروجه حيا أو ميتا ، وخروجه متخلقا أو غير متخلق ، بأن تلقيه نطفة أو علقة إذا قال القوابل : ‘نه مبتدأ خلق آدمي .

ويرى فقهاء الحنابلة أنه لا يكون نفاسا إلا إذا رأت الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان ، فإن كان الملقي نطفة أو علقة فليس بنفاس ، ولهم في النطفة التي لم يتبين فيها شيء من خلق الإنسان إذا ألقتها المرأة وجهان .

اقل مدة الحيض وأكثره

قال طائفة من أهل العلم منهم الإمام مالك رحمه الله تعالت : ليس لأقل الحيض حد محدود ، ومضى على هذا القول فقهاء المالكية وابن حزم الظاهري ، وهو مروي عن أبي يوسف .

وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد ـ رحمهما الله تعالى ـ إلى أن أقل الحيض يوم وليلة ، وقال بهذا القول عطاء وأبو ثور .

وذهب الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أن أقله ثلاثة ايام .

وذهب فريق من أهل العلم إلى أنه لا حد لأكثره ، ويعزي هذا القول إلى الإمام مالك رحمه الله ، وقد حكى عنه الماوردي قولين آخرين : الأول : خمسة عشر يوما . وقال بهذا القول الإمام الشافعي ، وهو المذهب المشهور عند أصحابه ، وهو قول عطاء وأحمد وأبي ثور .

والقول الآخر لمالك أنه سبعة عشر يوما ، وقال بهذا القول الإمام أحمد في روايته عنه ، وهو مذهب ابن حزم رحمه الله تعالى .

قال القرطبي : "مذهب مالك وأصحابه أن الحيض لا يكون أكثر من خمسة عشر يوما ، وقد روى عن مالك أنه لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيرة ، إلا ما يوجد في النساء ، فكأنه ترك قوله الأول ورجع إلى عادة النساء " .

أقل مدة النفاس وأكثره

قال ابن رشد في " بداية المجتهد " : " اختلفوا في أقل النفاس وأكثره ، فذهب مالك إلى أنه لا حد لأقله ، وبه قال الشافعي ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه محدود ، فقال أبو حنيفة : هو خمسة وعشرون يوما ، وقال صاحبه أبو يوسف أحد عشر يوما ، وقال الحسن البصري : عشرون يوما .

وأما أكثره فقال مالك مرة هو ستون يوما ، ثم رجع عن ذلك فقال : يسال عنه النساء ، وأصحابه ثابتون على القول الأول ، وأكثر أهل العلم من الصحابة على أن أكثره أربعون يوما ، وبه قال أبو حنيفة " .

قال النووي رحمه الله تعالى : " المشهور من مذهبنا ( مذهب الشافعية ) أن أكثره ستون يوما ، وبه قال عطاء والشعبي والعنبري ، والحجاج بن أرطأه ، ومالك وأبو ثور وداود ، وقال ابن المنذر : وزعم ابن القاسم أن مالكا رجع عن التحديد بستين يوما ، وقال : يسأل النساء عن ذلك .

وذهب أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن أكثره أربعون ، كذا حكاه عن الأكثرين الترمذي والخطابي وغيرهما . قال الخطابي وقد سار على هذا جماعة الناس ،وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وعثمان بن أبي العاص ، وعائذ بن عمروا ، وأم سلمة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد رضي الله عنهم .

وحكى الترمذي وابن المنذر وابن جرير وغيرهم عن الحسن البصري أنه خمسون. وقال القاضي أبو الطيب : قال الطحاوي : قال الليث :قال بعض الناس : إنه سبعون يوما .

قال ابن المنذر : وذكر الأوزاعي عن أهل دمشق أن أكثر النفاس من الغلام ثلاثون يوما ومن الجارية أربعون . وعن الضحاك أكثره أربعة عشر يوما ، وقال ابن حزم : سبعة عشر .

وأقل النفاس عند الشافعية مجة ، قال القاضي أبو الطيب : به قال جمهور العلماء ، وهو مذهب مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق .

وعن أبي حنيفة ثلاثة روايات أصحها مجة كمذهب الشافعية ، والثانية أحد عشر ، والثالثة خمسة وعشرون .

وحكى الأوزاعي عن الثوري أقله ثلاثة أيام ، وقال المزني : أقله أربعة أيام .

الأدلة

ليس في الكتاب والسنة دليل على التحديد :

احتج بعض الفقهاء على التحديد لأقل الحيض وأكثره بنصوص من السنة ، وما احتجوا به لا يصح للاستدلال ، لأن النصوص التي احتجوا بها إما أن تكون صحيحة ، ولكنها غير دالة على ما ذهبوا إليه ، وإما أن تكون صريحة في الدلالة على المطلوب ، ولكنها غير صحيحة .

فمن القسم الأول ما استدل به الحنفية على أن أقل الحيض ثلاثة أيام حديث البخاري الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه لفاطمة بنت أبي حبيش المستحاضة : " دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي وصلي " .

ووجه استدلالهم بالحديث أن " الأيام " في قوله : " دعي الصلاة أيام .. " جمع ، وأقل الجمع ثلاثة .

والسبب في عدم صحة استدلالهم بالحديث أن هذه المرأة التي أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بما أمرها به كانت مستحاضة معتادة ، فردها إلى الأيام التي اعتادتها . ولا يلزم من هذا أن كل حيض لا ينقص عن ثلاثة أيام .

ومن القسم الثاني : وهو النصوص الصريحة ولكنها غير صحيحة ، ما احتج به الحنفية على أقل الحيض وأكثره وهو الحديث الذي رواه أبو امامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : " أقل ما يكون الحيض للجارية الثيب والبكر جميعا ثلاثة أيام ، وأكثر ما يكون من الحيض عشرة ايام ، وما زاد فهو استحاضة " .

وبما روي عن جماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ منهم ابن مسعود ، وأنس بن مالك وعمران بن حصين أنهم قالوا : " الحيض ثلاث ، أربع ، خمس ، ست ، سبع ، ثمان ، تسع ، عشر " .

وهذه نصوص غير صحيحة ، ضعفها أهل العلم بالحديث ، وقد بين ابن قدامة ضعف رواتها ، وما قاله علماء الحديث فيهم .

فالحديث الذي يرويه أبو أمامة قال فيه : حديث ضعيف ، يرويه محمد بن أحمد الشامي ، وهو ضعيف ، عن حماد بنا المنهال ، وهو مجهول ، وحديث أنس يرويـه الجلد بن أيوب وهو ضعيف . وقال ابن عيينة فيه : وهو محدث لا أصل له ، وقال أحمد في حديث أنس : ليس هو شيئا ، هذا من قبل الجلد بن أيوب . قيل : إن محمد بن إسحاق رواه . وقال : ما أراه سمعه إلا من الحسن بن دينار ،و هو ضعيف جدا .

وقد احتج بعض الشافعية على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما بحديث : تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي " .

وهذا حديث ضعيف ، قال الحافظ ابن حجر في تخريجه : " قال الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في " الإمام " عنه : ذكر بعضهم هذا الحديث ، ولا يثبت بوجه من الوجوه . وقال البيهقي في :المعرفة " : هذا حديث يذكره بعض فقهائنا ، وقد طلبته كثيرا فلم أجده في شيء من كتب الحديث ، ولم أجد له إسنادا .. " وانظر تمام كلامه عليه في " تلخيص الحبير" .

وقال النووي في هذا الحديث : " حديث باطل لا يعرف " .

ولذا فإن العلماء الذين لهم باع في علم الحديث صرحوا بأنه : " لم يأت في تقدير أقل الحيض وأكثره ما يصلح للتمسك به ، بل جميع الوارد في ذلك إما موضوع أو ضعيف لمرة " .

وقال صديق حسن خان في " الروضة الندية " : " لم يأت في تقدير أقله وأكثره ما تقوم به الحجة ، لأن ما ورد في أقل الحيض وأكثره فهو إما موقوف ، ولا تقوم به الحجة ، أو مرفوع ، ولا يصح ، فلا تعويل على ذلك ، ولا رجوع إليه " .

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه : " والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد أقل الحيض باتفاق أهل الحديث ، والمروي في ذلك ثلاث ، وهي أحاديث مكذوبة عليه باتفاق أهل العلم بحديثه " .

والمسألة التي ذهب جمع من أهل العلم إلى صحة الحديث الوارد فيها هي أكثر مدة النفاس .

فقد روى أبو داود والحاكم من طريق كثير بن زياد ، قال : حدثتني الأزدية ـ يعني مسه ـ قالت : حججت ، فدخلت على أم سلمة ، فقلت : يا أم المؤمنين : إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض ، فقالت : لا يقضين ، كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة ، لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء النفاس " .

قال النووي في " المجموع " : " حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، قال الخطابي : أثنى البخاري على هذا الحديث ، واحتجوا بأحاديث بمعنى هذا من رواية أبي الدرداء وأنس ومعاذ وعثمان بن ابي العاص ، وأبي هريرة رضي الله عنهم " .

وذكر أن بعض أهل العلم ضعفوا هذا الحديث فرد بذلك وقال : "وهذا مردود ، بل هو حديث جيد ، وأما الأحاديث الأخرى فكلها ضعيفة ، ضعفها الحفاظ ، منهم البيهقي ، وبين سبب ضعفها " .

وذكر الشوكاني أن الحاكم نص على صحته ، يرى الشوكاني رحمه الله : " أن الأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار ، فالمصير إليها متعين ، فالواجب على النفساء وقوف أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة . قال الترمذي في " سننه " : " وقد اجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ، فإنها تغتسل وتصلي .انتهى " .

وقد حسن الحافظ ابن حجر رحمه الله ، والشيخ ناصر الدين الألباني إسناده ، وردوا على من ادعى ضعفه .

وقد ضعفه ابن حبان والدارقطني وابن حزم في " المحلى " ، والشيخ أحمد شاكر ، لأن روايته مسه الأزدية مجهولة الحال ، وضعفه ابن حبان بكثير بن زيادة وابن حبان لم يصب بتضعيفه بكثير هذا ، فقد ذكر أهل العلم للحديث شواهد تجعل الحديث مقبولا في مجال الحجاج .

الدليل هو التتبع والاستقراء :

إذا ثبت أنه لم يأت دليل صحيح يدل على تحديد أقل مدة الحيض والنفاس وأكثره ، فإن السبيل إلى معرفة ذلك هو التتبع والاستقراء لعادة النساء في هذا الأمر .

بل هو السبيل لتحقيق كثير من المسائل العائدة إلى الحيض والنفاس ، كحيض المرأة الحامل إي أثناء المل ، وأكثر مدة الحمل .

يقول ابن قدامة في طريق معرفة أقل مدة الحيض وأكثره : " إذا ثبت أن الحيض ورد في الشرع وفي اللغة من غير تحديد ، فإنه يجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة ، كما في التفرق والقبض والأحرار وغيرها " .

ويقول صاحب " المبدع " من الحنابلة : "ولا حد لأقل النفاس ، لأنه لم يرد في الشرع تحديده ، فيرجع فيه إلى الوجود " .

وقال صاحب " كفاية الأخيار " من الشافعية : " أقل الحيض يوم وليلة للاستقراء ، وهو التتبع " .

وقد نظر علماؤنا الأوائل في عادة النساء : زوجاتهم وقريباتهم ، ومن عرفوا أمره منهن ، وقال كل واحد ومنهم بما بلغه علمه في هذا .

يقول الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى في رده على من ادعى أن أقل الحيض ثلاثة ، وأكثره عشر : " قد رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه ، وأثبت لي عن نساء أنهن لن يزلن يحضن ثلاثة عشر " .

وقال أحمد : حدثني يحيى بن آدم وقال : سمعت شريكا يقول : عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوما حيضا مستقيما . وقال ابن المنذر : قال الأوزاعي : عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشيا ، يرون أنه حيض تدع له الصلاة .

وقال الشافعي : رأيت امرأة اثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه . وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام .

وذكر إسحق بن راهوية عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال : تحيض امرأتي يومين .

وقال اسحق : قالت امرأة من أهلنا معروفة : لم أفطر منذ عشرين سنة في شهر رمضان إلا يومين ، وقولهن يجب الرجوع إليه لقوله تعالى : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) ، فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهم الكتمان ،وجرى ذلك مجرى قوله : ( ولا تكتموا الشهادة ) ولم يوجد حيض أقل من ذلك عادة مستمرة في عصر من العصور ، فلا يكون حيضا بحال .

مذهب شيخ الإسلام في المسألة :

وقد انتصر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ للذين رأوا أنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ، وحجته في هذا إطلاقات النصوص ، فالشريعة علقت بالحيض أحكاما ، ولم تقدر للحيض قدرا معينا ، فلا يجوز تقييد النصوص المطلقة ، يقول رحمه الله في هذه لمسألة : " علق الله بالحيض أحكاما متعددة في الكتاب والسنة ، ولم يقدر أقله وأكثره مع عموم بلوى الأمة بذلك ، واحتياجهم إليه ، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر ، فمن قدر في ذلك حدا فقد خالف الكتاب والسنة ، والعلماء منهم من يحد أكثره و أقله ، ثم يختلفون في التحديد . ومنهم من يحد أكثره دون أقله ، والقول الثالث أصح لأنه لا حد لا لأقله ولا لأكثره ، بل ما رأته عادة مستمرة فهو حيض ، وإن قدر أكثره سبعة عشر استمر بها على ذلك فهو حيض ، وأما إذا استمر الدم بها دائما ، فهذا قد علم أنه ليس بحيض ، لأنه قد علم من الشرع واللغة أن المرأة تكون تارة طاهرة ، وتارة تكون حائضا ،ولطهرها أحكام ، ولحيضها أحكام " .

وهو يرى أن النفاس كالحيض ليس لأقله حد محدود ، ولم يقدر الشارع لأكثره قدرا معينا ، قال ـ رحمه الله ـ في هذا : " والنفاس لا حد لأقله ولا لأكثره ، فلو قدر أن امرأة رأت الدم أكثر من أربعين أو ستين أو سبعين ، وانقطع ، فهو نفاس، لكن إن اتصل فهو دم فساد ،وحينئذ فالحد أربعون ، فإنه منتهى الغالب حاء به الآثار " .

ويرى أنه لا حد لسن اليأس من الحيض ، فقد تيأس من المحيض في سن الأربعين ، وقد يستمر حيضها إلى السبعين ، يقول رحمه الله تعالى : " ولا حد لسن تحيض فيه المرأة بل لو قدر أنها بعد ستين أو سبعين رأت الدم المعروف من الرحم لكان حيضا . واليأس المذكور في قوله : ( واللائي يئسن من المحيض ) ليس هو بلوغ سن ، لو كان بلوغ سن لبينه الله ورسوله ، وإنما هو أن تيأس المرأة نفسها من أن تحيض ، فإذا انقطع دمها ويئست من أن يعود ، فقد يئست من المحيض لو كانت بنت أربعين ، ثم إذا تربصت وعاد الدم يتبين أنها لم تكن آيسة ، وإن عاودها بعد الأشهر الثلاثة فهو كما لو عاود غيرها من الآيسات والمستريبات ،ومن لم يجعل هذا هو اليأس فقوله مضطرب إن جعله سنا " .

وشيخ الإسلام يرفض الاحتجاج بالواقع من حال النساء في حيضهن ، لأن هذا الواقع لا ضابط له ،ولأن كل من حد حدا معينا فإنه يتحدث عما يعلمه ولكنه لا يمكنه أن ينفي مالا يعلمه ، فقد يكون علمه قاصرا ، ويكون قد وجد في الواقع أقل أو أكثر من الحد الذي حدده .

يقول شيخ الإسلام في هذا : " ومن لم يأخذ بهذا ، بل قدر أقل الحيض بيوم أو يوم وليلة أو ثلاثة ايام ، فليس معه في ذلك ما يعتمد عليه ، فإن النقل في ذلك عن النبي r وأصحابه باطل عند أهل العلم بالحديث ، والواقع لا ضابط له فمن لم يعلم حيضا إلا ثلاثا قال غيره : قد علم يوما وليلة ،ومن لم يعلم إلا يوما وليلة قد علم غيره يوما ،ونحن لا يمكننا أن ننفي مالا نعلم ، وإذا جعلنا حد الشرع ما علمنا فقلنا : لا حيض دون ثلاث ، أو يوم وليلة ، أو يوم ، لأنا لم نعمل إلا ذلك ، كان هذا وضع شرع من جهتنا بعد العلم ، فإن عدم العلم ليس علما بالعدم ، ولو كان هذا حد شرعيا في نفس الأمر لكان الرسول r أولى بمعرفته وبيانه منا ، كما حد للأمة ما حده الله لهم من أوقات الصلوات والحج والصيام ، ومن أماكن الحج ، ومن نصب الزكاة وفرائضها ،وعدد الصلوات وركوعها وسجودها ، فلو كان للحيض وغيره مما لم يقدره النبي r حد عند الله ورسوله لبينه الرسول r ، فلما لم يحدده ، دل على أنه رد ذلك إلى ما يعرفه النساء ، وسمى في اللغة حيضا ، ولهذا كان كثير من السلف إذا سئلوا عن الحيض قالوا : سلوا النساء فإنهن أعلم بذلك ، يعني : " هن يعلمن ما يقع من الحيض ومالا يقع " .

ولا شك في صحة ما قرره شيخ الإسلام من كون النصوص الواردة في ذلك مطلقة ، وأنه لم يأت نص يحدد اقل الحيض ولا أكثره ، كما أنه لم يأت نص يحدد السن الذي تحيض المرأة فيه ، أو السن الذي ينقطع فيه حيضها ، والنصوص التي جاءت في تحديد أقصى مدة النفاس تكلم فيها العلماء .

ولكن ما المانع من رد هذه الأمور إلى العادة والعرف ؟ يرى شيخ الإسلام أن واقع حال النساء مضطرب ولا ضابط له ، ونحن نوافقه على أن تحديد ذلك عسر وشاق ، ولكنه غير مستحيل ، وقد أقر بعسره كثير من العلماء في الماضي ، ويعض هؤلاء العلماء كانوا أطباء .

يقول ابن رشد ـ رحمه الله ـ مبينا صعوبة تحديد أقل مدة النفاس وأكثره " سبب اختلافهم عسر الوقوف على ذلك بالتجربة لاختلاف أحوال النساء في ذلك ، ولأنه ليس هناك سنة يعمل عليها ، كالحال في اختلافهم في أيام الحيض والطهر " .

وقال في سبب اختلافهم في كون المرأة تحيض أو لا تحيض في أثناء الحمل : " وسبب اختلافهم عسر الوقوف على ذلك بالتجربة واختلاط الأمرين ، فإنه مرة يكون الدم الذي تراه الحامل دم حيض ، وذلك إذا كان قوة المرأة وافرة في الجنين صغيرا ، وبذلك أمكن أن يكون حمل على ما حكاه بقراط وجالينوس وسائر الأطباء ، ومرة يكون الدم الذي تراه الحامل لضعف الجنين ومرضه التابع لضغطهـا ومرضها ، وفي الأكثر يكون الدم علة ومرضا ، وهو في الأكثر دم علة " .

ولما كان الأمر على هذا النحو ، فإن كثيرا من أهل الفقه تغيرا اجتهادهم في تحديد أقل مدة الحيض والنفاس وأكثره بسبب اطلاعهم على أحوال بعض النساء التي تخالف ما توصلوا إليه من قبل ، وذلك يعزي إلى الإمام مالك ثلاثة أقوال في أكثر مدة الحيض ، ويعزي إليه قولان في أكثر مدة النفاس، والإمام أحمد قال مرة في أكثر الحيض خمسة عشر ومرة سبعة عشر .

بل إن بعض المحققين من علماء الشافعية صرحوا بأنهم راجعون عن قولهم في أقل مدة الحيض إذا وجد من امرأة أقل من يوم وليلة ، وممن قال بهذا منهم أبو إسحق الأسفرايني والقاضي حسن والدارمي .

سن الحيض وسن اليأس :

قال ابن قادمة : " أقل سن تحيض له المرأة تسع سنين ، لأن الصغيرة لا تحيض بدليل قول الله تعالى : 0 واللائي لم يحضن ) ، ولأن المرجع فيه إلى الوجود ، ولم يوجد من النساء من يحضن عادة فيما يدون هذا السن ، ولأن دم الحيض إنما خلقه الله لحكمة تربية الحمل به ، فمن لا تصلح للحمل لا توجد فيها حكمته ، فينتفي لانتفاء حكمته كالمني ، فإنهما متقاربان في المعنى ، فإن أحدهما يخلق منه المولد ، والآخر يربيه ويغذيه ،وكل واحد منهما لا يوجد من صغير ، ووجوده علم على البلوغ ، وأقل سن تبلغ له الجارية تسع سنين ، فكان ذلك أقل سن تحيض له ، وقد روي عن عائشة أنها قالت : " إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة " . وروى ذلك مرفوعا إلى النبي r ، والمراد به : حكمها حكم المرأة ، وهذا قول الشافعي ، وقد حكى عنه أنه قال : رأيت جدة بنت إحدى وعشرين سنة ، وهذا يدل أنها حملت لدون عشر سنين ، وحملت ابنتها مثل ذلك " . وهذا قـول الأحناف أيضا .

وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في السن الذي ينقطع فيه الحيض عند المرأة وهو المسمى بسن اليأس ، فقد نقل الخرقي أنها لا تيأس حتى تبلغ سن الستين ، وما تراه فيما بين الخمسين والستين مشكوك فيه لا تترك له الصلاة ولا ا لصوم وتقضي الصوم المفروض احتياطا ، وروى عنه ما يدل على أنها لا تحيض بعد الخمسين ، وهذا قول إسحق بن راهوية ، وروى هذا عن عائشة موقوفا عليها .

ونقل ابن قدامة عن بعض أهل العلم أنهم يفرقون بين النساء باختلاف الأجناس والأماكن ، فبعض الشعوب تطول المدة التي ينقطع فيها الحيض عند النساء ، وبعضها يقصر ، وبعض الأماكن تؤثر في تطويل هذه المدة .

ويرى بعض أهل العلم أنه لا وقت لانقطاع الحيض ، فقد يمتد إلى نهاية العمر . وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ، كما سبق النقل عنه في ذلك .

الدم الذي تراه الحامل أثناء فترة الحمل :

اختلف العلماء قديما وحديثا في الدم الذي تراه بعض النساء أثناء فترة الحمل هل هو حيض أو دم فساد ؟ فذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد إلى أنه ليس بحيض ، وقال بهذا القول : ابن المسيب والحسن وعطاء ومحمد بن المنكدر وعكرمة وجابر بن زيد والشعبي ومكحـول والزهري والحكم وحماد والثوري والأوزاعي وأبو يوسف وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر . وقال ابن قدامة : " هو قول جمهور التابعين "

وذهب الإمام مالك رحمه الله ، والإمام الشافعي إلى أنه حيض ، وقال بهذا القول قتادة والليث .

وهذا الخلاف إنما هو في الحامل قبل أن يصيبها الطلق ، أما إذا أصابها الطلق ، فإنهم متفقون على أنه دم نفاس .

واحتج من قال بأنه حيض : " أنه دم بصفات الحيض ،وفي زمن إمكانه ، ولأنه متردد بين كونه فسادا لعلة أو حيضا ، والأصل السلامة من العلة " قاله النووي .

واحج ابن قدامة على أنه ليس بحيض بما رواه الإمام أحمد عن سالم عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض ، فسأل عمر النبي r ، فقال : " مره فليراجعها ، ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " . فجعل الحمل علما على عدم الحيض ، كما جعل الطهر علما عليه ، ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبا .

أقل مدة الحمل وأكثره :

يكاد علماؤنا يجمعون على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وقد نص القرآن على أن مدة الحمل والرضاع ثلاثون ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) . ونص في موضعين من كتابه أن مدة الرضاع أربعة وعشرين شهرا ( والوالدات يرضن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) وقال : ( وفصاله في عامين ) فإذا أنت أسقطت مدة الرضاع وهي عامين من الثلاثين شهرا ، وهي مدة الحمل والرضاع ، بقي ستة أشهر ، وهي مدة الحمل ، وقد احتج على بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآيات على النحو الذي ذكرناه في تبرئة من ولدت لأقل من تسعة أشهر من تهمة الزنى .

وذهب الإمام أحمد والشافعي إلى أن أكثر مدة الحمل أربع سنين ، وهذا هو المشهور من مذهب مالك رحمه الله .

ووروي عن أحمد أن أقصى مدة الحمل سنتان ، وروي هذا عن عائشة ، وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة لما روت جميلة بنت سعد عن عائشة : لا تزيد المرأة على سنتين في الحمل ، ولأن التقدير إنما يعلم بتوقيف أو اتفاق ، ولا توقيف ها هنا ولا اتفاق ، إنما هو على ما ذكرنا ، وقد وجد ذلك ، فإن الضحاك بن مزاحم ، وهرم بن حيان حملت أم لك واحد منهما به سنتين .

وقال الليث : أقصاه ثلاث سنين ، حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين .

وقال عبادة بن العوام : خمس سنين .

وقال الزهري : تحمل المرأة ست سنين ، وسبع سنين .

وقال أبو عبيد : ليس لأقصاه وقت يوقف عليه .

واستدل ابن قدامة في " المغني " على أن أكثر الحمل أربع سنين بأن " الحمل وجد لأربع سنين ، فقد روى الوليد بن مسلم قال : قلت لمالك بن انس : حديث جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل ؟ قال مالك : سبحان الله من يقول هذا ؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن العجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد .

وقال الشافعي : بقي محمد بن العجلان في بطن أمه أربع سنين .

وقال أحمد : نساء بني عجلان يحملن أربع سنين ، وامرأة عجلان حملت ثلاث بطون ، كل دفعة أربع سنين ، وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي في بطن أمه أربع سنين ، وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيلي ، حكى ذلك أبو الخطاب.

ثم قال : " وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه ، لأنه وجد ، ولأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سينين ، ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل ، وروى ذلك عن عثمان وعلى وغيرهما " .

ورتب على هذا أن المرأة إذا ولدت لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه ولم تكن تزوجت ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء .. ولا بوضع الحمل ، فإن الولد لحق بالزوج ، وعدتها منقضية به .
 

عاطف محمود أحمد

:: متابع ::
إنضم
9 ديسمبر 2008
المشاركات
43
الكنية
أبو محمد
التخصص
الشريعة والتربية
المدينة
درعا
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

الاختلاف الفقهي في فترة الحيض والطهر والنفاس لعادل سالم الصغير
 

المرفقات

  • الاختلاف الفقه&#16.pdf
    425.3 KB · المشاهدات: 0

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

رد: سلسلة الإشكالات: إشكال على القول الفرد: بأن دم الحيض لا أكثر له

موضوع جدير بالعناية والزيادة، شكر الله لكم.
 
أعلى