سما الأزهر
:: متخصص ::
- إنضم
- 1 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 518
- التخصص
- الشريعة الإسلامية
- المدينة
- القاهرة
- المذهب الفقهي
- الشافعي
المطلب الأول
حكم الإضرار بالرجعية
من أصول الإسلام كف الأذى والضرر عن الآخرين ، قال صلي الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار ) (48) والإضرار بالزوجة بغير حق حرام لمناقضة ذلك للواجب الشرعي علي الزوج وهو معاشرة زوجته بالمعروف ، ولأن إلحاق الضرر بالغير ظلم ، والظلم حرام ، والله لا يحب الظالمين وإذا كان الإضرار بالغير حراما فإضرار الزوج بزوجته - بناء علي أن الرجعية زوجة – أشد حرمة ؛لأن الشرع أوصى بالعناية بها وبوجوب معاشرتها بالمعروف . حكم الإضرار بالرجعية
الدليل علي تحريم إضرار الزوج بالزوجة
أ – قال تعالي : ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ) (49) .
وجه الدلالة : قال الجصاص : ( دل علي أن إباحة هذه الرجعة مقصورة على حال إرادة الإصلاح ، ولم يرد بها الإضرار بها ) (50)
وقال الأستاذ محمد رشيد رضا في تفسير هذه الآية : ( وإنما يكون بعل المرأة أحق بها في مدة العدة ، إذا طلقها طلاقا رجعيا ، إذا قصد إصلاح ذات البين وحسن المعاشرة أما إذا قصد مضارتها ومنعها من التزوج بعد العدة حتى تكون كالمعلقة لا يعاشرها معاشرة الأزواج بالحسنى ولا يمكنها من التزوج فهو آثم بينه وبين الله تعالى بهذه المراجعة فلا يباح للرجل أن يرد مطلقته إلي عصمته إلا بإرادة إصلاح ذات البين ونية المعاشرة بالمعروف)(51).
جـ - وقال تعالي : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ، ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) (52)
وجه الدلالة : قوله تعالى : ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) معناه : لا تراجعوهن إرادة مضارتهن وإيذائهن للاعتداء عليهن بتعمد ذلك (53)
ومن المضارة بالزوجة والتي أشارت إليها الآية الكريمة أن يطلق الرجل امرأته طلاقا رجعيا ، ثم يراجعها عند اقتراب نهاية عدتها لا رغبة فيها بل لإطالة عدتها ، فهذا من الإمساك على وجه الإضرار بها .
وفي بعض هذا يقول الزمخشري : ( كان الرجل يطلق امرأته ويتركها حتي يقرب انقضاء عدتها ، ثم يراجعها لاعن حاجة ولكن ليطول العدة عليها ، فهو الإمساك ضرارا ) (54) وهو محرم بلا شك .
الخلاصة: يشترط في المرتجع لتكون رجعته علي الوجه المشروع أن يقصد بها الإصلاح
وعدم الإضرار بالزوجة المرتجعة، أي أن يقصد بإرجاعها إيفائها حقوقها وبمعاشرتها بالحسنى، وليس قصده من إرجاعها إلحاق الضرر بها بتطويل عدتها ، أو إمساكها دون إيفاء حقوقها ولا معاشرتها بالمعروف ، فان فعل ذلك فقد ظلم نفسه بتعريضه لسخط الله وعذابه .
قـال القرطبـي : ( وإذا طلقتـم النسـاء فبلغن أجلهن ) أي قـاربن بلـوغ نهايـة عدتهـن ( فأمسكوهن بمعروف ) بأن تقوموا بما يجب لها من حقوق علي أزواجهن ، ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) وقد روي مالك أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ، ولا يريد إمساكها لكي يطول بذلك العدة عليها ، وليضارها فأنزل الله تعالي : ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) (55).
المطلب الثاني
حكم صحة المراجعة مع قصد الإضرار
إذا كان قصد الإصلاح شرطاً لوقوع الرجعة علي الوجه المشروع فهل إذا قصد الزوج بمراجعته زوجته الإضرار بها تصح الرجعة أم أن قصد الإضرار يفسد الرجعة ويبطل حق الزوج في مراجعة زوجته؟ . حكم صحة المراجعة مع قصد الإضرار
وقد ذهب جمهور العلماء من المفسرين والفقهاء إلي أن الزوج أحق برجعة زوجته مادامت في العدة ، وأن هذه الرجعة تقع علي الوجه المشروع إذا كان القصد منها الإصلاح وعدم الإضرار بالزوجة ، أما إذا كان القصد منها الإضرار بالزوجة فالرجعة صحيحة مع الإثم ويتضح ذلك من خلال أقوالهم .
قال تعالي : ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا )(56).
قال القرطبي : ( الرجل مندوب إليه المراجعة ولكن إذا قصد الإصلاح بإصلاح حاله معها وإزالة الوحشة بينهما ، فأما إذا قصد الإضرار وتطويل العدة والقطع بها عن الخلاص من ربقة النكاح فحرام ، لقوله تعالي : { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } (57) ثم من فعل ذلك فالرجعة صحيحة وإن ارتكب النهي وظلم نفسه ولو علمنا نحن ذلك المقصد طلقنا عليه )(58).
وقال الرازي : ( فالشرع لم يوقف صحة المراجعة علي إرادة الإصلاح ، بل جوازها فيما بينه وبين الله موقوف علي هذه الإرادة حتي أنه لو راجعها بقصد المضارة استحق الإثم ) (59)وقال في موضوع آخر : ( وجعل الشرط في حل المراجعة إرادة الإصلاح )(60).
وقال ابن حزم : ( وإنما يكون البعل أحق بردها – أي بإرجاعها – إن أراد إصلاحا بنص القران )(61) .
وقــال الصنعــاني : ( تحرم مراجعتها ليمنعها من التزوج إذ هو إضرار بها و قد قال الله تعالي : { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } )(62).
مما سبق يتضح أن جمهور العلماء من المفسرين والفقهاء لم يجعلوا إرادة الإصلاح وعدم قصد الإضرار بالزوجة من جملة شروط صحة الرجعة وعللوا ذلك بأن أحكام الدنيا تبني علي الظاهر ، وقصد الإضرار من الأمور الخفية ، وهي لا تناط بها صحة أو فساد التصرفات ، وإنما يتعلق بها أحكام الآخرة من الثواب والعقاب – ومعني هذا – أن شرط قصد الإصلاح في الرجعة بين المطلق وربه تعالي ، فإن عريت الرجعة عن هذا الشرط أثم صاحب الرجعة وإن صحت في أحكام الدنيا ، لأن ليس كل ما يقضي القاضي بصحته وجوازه يكون صحيحا وجائزا عند الله تعالي .
وأنا اتفق تماما مع قول الجمهور في عدم اشتراط الإصلاح وعدم المضارة لوقوع الرجعة علي الوجه المشروع أما إن قصد بها الإضرار بالمرأة فهو أثم بينه وبين الله تعالي بهذه المراجعة ، فإن ظهر قصده طلق القاضي عليه وإن لم يعرف قصده فالله يتولى السرائر .
قال ابن العربي وما أحسن ما قال : ( الرجعة لا تكون إلا بقصد الرغبة ، فان قصد أن يمنعها النكاح ويقطع بها في أملها من غير رغبة اعتداء عليها فهو ظالم لنفسه فلو عرفنا ذلك نقضنا رجعته ، وإذا لم نعرف نفذت رجعته والله حسبه ) (63) والله أعلى وأعلم
( 48 ) حديث حسن ، رواه ابن ماجة و الدارقطني وغيرهما مسندا . ورواه مالك في الموطأ مرسلا : عن عمروا بن يحيى ، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .( 49 ) سورة البقرة الآية 228
( 50 ) الجصاص ، أحكام القران جـ 1 ص 373
( 51 ) محمد رشيد رضا ، تفسير المنار جـ 2 ص 374
( 52 ) سورة البقرة الآية 231
( 53 ) محمد رشيد رضا ، تفسير المنار جـ 2 ص 397
( 54 ) الزمخشري ، التفسير جـ 1 ص 277
( 55 ) القرطبي ، الجامع لأحكام القران جـ 3 ص 155 ، 156
( 56 ) سورة البقرة الآية 228
( 57 ) سورة البقرة الآية 231
( 58 ) القرطبي ، الجامع لأحكام القران جـ 3 ص 123
( 59 ) الرازي ، التفسير الكبير جـ 6 ص 100
( 60 ) المصدر السابق جـ 6 ص 100
( 61 ) ابن حزم ، المحلي بالآثار جـ 10 ص 253
( 62 ) الصنعاني ، الروض النضير جـ 4 ص 343
( 63 ) ابن العربي ، أحكام القران جـ 1 ص 200