المسألة الثانية: تعيين النية:
· الجمهور:يجب لرمضان نية معينة:
أما تعيّن الشيء شرعا فهو غير كاف، بل العبد متعبد بتجريد القصد إلى ما عينه التكليف عليه، ولو كفى تعيين التكليف لسقط أصل النية، كما حكوا عن زفر.
· الحنفية ورواية عن أحمد، وهو قول الحليمي:تكفي نية مطلقة:
لأن مشروع الوقت واحد لا يتنوع، فلا حاجة إلى التمييز بتعيين النية، فالفرض متعين فيه؛ يصاب بأصل النية، فرمضان معيار لم يشرع فيه صوم آخر فكان متعينا للفرض، والمتعين لا يحتاج إلىالتعيين.
وذكر الحنفية أن المكلفُ لو عيَّن جهةً أخرى: فإنها تلغو، فرمضان متعين بتعيين الشارع، وليس له ولاية إبطال صلاحيته لغيره من الصيام، وليس يلزم من بطلان الوصف [الجهة الأخرى التي عينها] بطلان نية الأصل [وهي أصل نية الصوم] فتبقى نية مطلقة صادفت صوم الفرض.
ولهم تفاصيل في ذلك.
وهذا الخلاف: قريب من الخلاف في المسألة السابقة عن زفر وغيره، فهنا الجمهور يشترطون تعيين النية، والحنفية يكتفون في رمضان بالنية المطلقة؛ لأنها متعينة في محلٍ واحد، فلا حاجة إلى تمييزه.
وهذا في الحقيقة: يعود إلى قول زفر وعطاء ومجاهد على ما حققناه عنهم.
فهو اكتفاء بتعين صوم الفرض من قبل الشارع عن تكلف تعيين نيته من قبل المكلف.
وقد صوَّر ابن رشد الخلاف في تعيين النية بقوله:
هل يكفي جنس النية أو لا بد شخصها؟
وأن كلا الأمرين موجود في الشرع، فمن العبادة ما ينقلب، ولو قصد غيرها كحج الفرض، ومنها ما لا ينقلب.
ومن المسائل المترتبة على الخلاف في هذه المسألة:
- أنه إن كان حاضرا في رمضان فنوى أن يصوم غدا عن نذر، أو كفارة، أو نافلة... جاز عن رمضان عند الحنفية دون الجمهور.
- وإن نوى أن يصوم مطلقا...أجزأه عن شهر رمضان أيضا عند الحنفية دون الجمهور.
- وإن كان مسافرا فإن نوى الصوم عن النافلة أو مطلقا...أجزأه عن شهر رمضان عند الحنفية دون الجمهور.
الراجح: والله أعلم:
هو قول الحنفية في الجملة، فما دام أن نية الصوم موجودة فإنها لا تقع إلا عن رمضان، فهو محلٌ لا يصح فيه إلا عبادة مفروضة متعينة، فإن تكلَّف الصائم غيرها لم تنفذ شرعاً، وبقيت نية صومه صادفت فرضاً، وهذه المسألة قريبة جداً من مسألة الحج الفرض، فمن نوى نفلاً أو عن غيره لم تقع إلا فرضاً له، لأن المحل متضايق لا يحتمل إلا الفرض.
وقد صحح ابن تيمية قول الحنفية هذا وحكاه رواية عن أحمد، فيصح فرض رمضان بنية مطلقة [أو بنية معلقة، فالنية تتبع العلم فمن علم شيئا قصده ضرورة وأنه إذا كان لا يعلم أن غدا من شهررمضان فهنا لا يجب عليه التعيين ومن أوجب التعيين مع عدم العلم فقد أوجب الجمع بين الضدين.] استطراد
إلا أن ابن تيمية استثنى صوراً من قول الحنفية، وهو أن يعلم أن غدا من رمضان فينوي نفلا أوصوما مطلقا وأن ذلك لا يجزئ، وسيأتي في المسألة التالية إن شاء الله الإشارة إلى استشكال الحنفية على أنفسهم وقوع هذه الصور.