العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دورة محظورات الإحرام- 3/5

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
المحظور الخامس:
أجمع العلماء على أن المحرم يحرم عليه ابتداء الطيب في بدنه وثيابه

دليله: ما تقدم في حديث الذي وقصته دابته وهو محرم فمات : ( ولا تمسوه طيباً )، وحديث ابن عمر المتقدم، وفيه: ( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس ).

حكى الإجماع: ابن المنذر، وابن عبد البر، والموفق ابن قدامة، وتقي الدين ابن تيمية في "شرح العمدة"، وغيرهم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
قال الخطابي في "معالم السنن": المحرِم منهي عن الطيب في بدنه وفي لباسه، وفي معناه الطيب في طعامه؛ لأن بُغية الناس في تطييب الطعام كبغيتهم في تطييب اللباس.


وأما استدامة الطيب الذي كان قبل الإحرام فلا يحرم عند الجمهور، ولو كان له جرم يعلق بالبدن كالمسك والزعفران (ويسمى طِيباً مؤنثاً، وغيره يسمى مذكراً كالكافور)، فلا يضر بقاء ريحه ولونه، وإنما المحظور ابتداؤه بعد الإحرام؛ لما ثبت من أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كأني أنظر إلى وَبِيص الطيب في مَفرِق رسول الله r بعد أيام وهو محرِم. وفي الصحيحين عنها -رضي الله عنها- قالت: كنتُ أطيِّب النبي r لإحرامه قبل أن يحرم، ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت.

فالنبي r تطيب قبل إحرامه بما يبقى أثره عليه بعد الإحرام، وهذا يرد قول أبي حنيفة في إيجاب الفدية على المحرِم إن تطيب بما يبقى أثره عليه بعد إحرامه، ويرد قول مالك بكراهة التطيب قبيل الإحرام.

وإن كان بعض من قال بقول مالك قد يجيب عما ذكرنا بأجوبة، منها:
1- جاء في الصحيح أن النبي r طاف على نسائه، ثم أصبح محرماً.
قالوا: ويلزم من طوافه عليهن أن يغتسل بعده، فيكون قد اغتسل بعد تطيبه.
2- أنه لا يجوز استدامة الطيب قياساً على تحريم استدامة اللباس.

والجواب عن الأول: أنه جاء في الصحيح أيضاً بلفظ: ثم أصبح محرماً ينضح طيباً.
والجواب عن الثاني: أن هذا القياس مع الفارق؛ فاستدامة اللبس لبس؛ لأن سبيل الثياب الاستبقاء، وأما استدامة الطيب فلا يسمى تطيباً.
قال الخطابي في "معالم السنن": ولذلك صار إذا حلف أن يتطيب وعلى بدنه طيب لا يحنث، مع ترك إزالته، ولو حلف لا يلبس وعليه ثياب، لزمه نزعه عن نفسه، وإلا حنث.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
وذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب التطيب قبيل الإحرام؛ لفعله –صلى الله عليه وسلم-، وعليه عمل جمهور الصحابة، ومنهم: عائشة، والحسين، وابن عباس، وابن الزبير، وسعد. وأما ما جاء عن عمر وابنه من إنكار ذلك، فلعل علته عدم علمهما بما جاء عن رسول الله فيه، وقد أنكرت أم المؤمنين عائشة ذلك على ابن عمر، رضي الله عن الجميع.

وأما ما في الصحيحين من أن رَجُلاً أتى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ أَوْ قَالَ: أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْوَحْيُ فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَرَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، قَالَ: فَقَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ؟ قَالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ الْبَكْرِ، قَالَ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ)) أَوْ قَالَ: ((أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ)).. فلا يصح دليلاً لمنع التطيب قبل الإحرام بما يبقى أثره بعده، بل لحرمة التضمخ بالزعفران على الرجل ولو كان حلالاً غير محرم.

قال ابن القيم في "تهذيب السنن": ( والنبي e نهى أن يتزعفر الرجل، وهذا منهي عنه خارج الإحرام، وفي الإحرام أشد، والنبي e لم يتعرض هنا إلا لأوصاف الملبوس، لا لبيان جميع محظورات الإحرام ).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
جزاك الله خيرا على الدرس المؤصل بفوائده المرتبة.
أريد أن أعرف بالضبط رأي الحنفية والمالكية في التطيب قبل الإحرام، وقد أشرت إلى أن الحنفية يوجبون الفدية، والمالكية يكرهونها؛ فهل أفهم من هذا أن الحنفية على التحريم والمالكية على الكراهة؟
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
جزاك الله خيرا على الدرس المؤصل بفوائده المرتبة.
أريد أن أعرف بالضبط رأي الحنفية والمالكية في التطيب قبل الإحرام، وقد أشرت إلى أن الحنفية يوجبون الفدية، والمالكية يكرهونها؛ فهل أفهم من هذا أن الحنفية على التحريم والمالكية على الكراهة؟
وإياك، بارك الله فيك

الأحناف لا يمنعون التطيب قبل الإحرام، إلا أن يكون طيباً يبقى أثره بعد الإحرام
لأن التطيب منهي عنه بعد الإحرام، وتعمد التطيب قبل الإحرام بهذا النوع الذي يستديم أثره كالتطيب بعده عندهم.

وقد كتبتُ أعلاه: (فالنبي r تطيب قبل إحرامه بما يبقى أثره عليه بعد الإحرام، وهذا يرد قول أبي حنيفة في إيجاب الفدية على المحرِم إن تطيب بما يبقى أثره عليه بعد إحرامه).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيك
في ظني أن هذا هو محل الخلاف، أما الطيب الذي لا يبقى أثره بعد الإحرام فليس الكلام فيه، ولكن بما أن هذا تفصيل الحنفية فماذا نصنع؟
بقي رأي المالكية؛ هل هو على الكراهة فقط؟
 

علي سليمان جبلي

:: متابع ::
إنضم
19 أكتوبر 2009
المشاركات
14
التخصص
شرعي
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
هل الطيب في الطعام محظور في الاحرام كذلك وما هي العلة وهل يقاس على طيب الطعام الذي يمكث ويستأنس برائحته ويترفه بها
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
بارك الله فيك
في ظني أن هذا هو محل الخلاف، أما الطيب الذي لا يبقى أثره بعد الإحرام فليس الكلام فيه، ولكن بما أن هذا تفصيل الحنفية فماذا نصنع؟
بقي رأي المالكية؛ هل هو على الكراهة فقط؟

نقل في مذهب المالكية الكراهة، وعدم الجواز. ولكثرة المشغلات والمشكلات ما فرغت لتحرير ذلك، والذي يظهر لي بادي الرأي أن الكراهة في هذا كراهة تحريم.

وللتنبيه: فالقول في الطيب الذي ذكرتُ أنه لأبي حنيفة تبعتُ فيه الخطابي في "معالم السنن".. وإلا، فالمنصوص أنه قول محمد بن الحسن منهم، وبالرجوع لكتبهم المعتمدة نجد أن قولهم المعتمد في الطيب كقول الجمهور.

قال في البحر الرائق: ( ( قوله وتطيب ) أي يسن له استعمال الطيب في بدنه قبيل الإحرام أطلقه فشمل ما تبقى عينه بعده كالمسك والغالية ، وما لا تبقى )
ثم قال: ( وكرهه محمد بما تبقى عينه ، والحديث حجة عليه وقيدنا بالبدن إذ لا يجوز التطيب في الثوب بما تبقى عينه على قول الكل على أحد الروايتين عنهما . قالوا وبه نأخذ والفرق لهما بينهما أنه اعتبر في البدن تابعا على الأصح ، والمتصل بالثوب منفصل عنه فلم يعتبر تابعا )
وقال في الجوهرة النيرة على القدوري: ( وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قُلْنَا ابْتِدَاءُ الطِّيبِ حَصَلَ مِنْ وَجْهٍ مُبَاحٍ فَالْبَقَاءُ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ كَالْحَلْقِ وَلِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ لِلْبَقَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَمْ يَخْلَعْهُ بَعْدَهُ )
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
واعلم -رحمك الله- أن كل ما ذكرناه من الخلاف آنفاً في الطيب عند الإحرام إنما هو في تطييب البدن دون الثوب، وأما تطييب الثوب ففيه أربعة أقوال:
الأول: جوازه، وهو المعتمد عند الشافعية.
الثاني: استحبابه، وهو قول عند الشافعية، وقيل: إنه الأصح عندهم.
الثالث: كراهته، وهو المعتمد عند الحنابلة.
الرابع: تحريمه، وهو مذهب الحنفية، وقول عند الشافعية.

والأرجح الأول، إلا ما كان مزعفراً فيحرم بلا نزاع.
واستدل من قال بالمنع بأن تطييب الثوب يفضي إلى لبسه بعد الإحرام، والطيب في الثوب يبقى ولا يستهلك، فيكون بذلك متطيباً بعد إحرامه.

والجواب: أن كون السنة قد جاءت بتطييب البدن قبل الإحرام يفيد أن الطيب في الثوب قبل الإحرام لا بأس به؛ لأنه لا فارق مؤثراً بين بقاء أثر الطيب في البدن وبقاء أثره في الثوب، بل الظاهر أن الطيب في البدن يصيب الثوب فلا يكون ذلك ممنوعاً، على أن التنزه عن ذلك أحوط خروجاً من الخلاف، وأما القول باستحبابه في الثوب فلا تظهر لي وجاهته؛ لاقتصار النبي -صلى الله عليه وسلم- على تطييب بدنه.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
والمراد بالطيب المحظور على المحرِم عند الفقهاء: ما يقصَد ريحُه غالباً، لا ما يقصَد للتداوي أو الأكل وإن كانت له ريح طيبة كالقرنفل والنعناع والأبازير والبهارات الطيبة.
قال في "المغني": ومعنى الطيب: ما تطيب برائحته، ويُتَّخَذ للشم، كالمسك والعنبر والكافور والغالية والزعفران وماء الورد والأدهان المطيبة كدهن البنفسج ونحوه.

فإذا وضع الطيب في مأكول أو مشروب وبقي ريحه أو طعمه فله حالان:
الأولى: أن لا يطبَخ الطيب في ذلك المأكول والمشروب، فيحرم إجماعاً، وفيه الفدية.

الثانية: أن يطبَخ فيه، وهو على حالين أيضاً:
الأولى: أن يبقى ريحُـه، فيحرم عند الشافعية والحنابلة، خلافاً للحنفية والمالكية.
الثانية: أن يبقى طعمـه دون ريحه، فيحرم عند الشافعية والحنابلة أيضاً، دون الحنفية والمالكية.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
هل الطيب في الطعام محظور في الاحرام كذلك وما هي العلة وهل يقاس على طيب الطعام الذي يمكث ويستأنس برائحته ويترفه بها

حيـــاك الله يا أخــي الكريــم
ولتنظر المشاركة العاشرة وفقـك الله.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
أما اشتمام الطيب فيكره عند الحنفية والمالكية، ولا فدية فيه.. ويحرم عند الشافعية والحنابلة، ولو فعل ذلك لغير ترفه.

إلا أن ابن القيم -رحمه الله- في الهدي جوز ما كان من ذلك لغير الترفه.

وأما ما يستنبته الآدمي لقصد ريحه الطيبة كالريحان فقد اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم، وعليه اختلف العلماء في هذا، على ثلاثة أقوال:
الأول: حرمة الاشتمام، وهو قول الشافعي في الجديد. وفيه الفدية.
والثاني: إباحتـه، وهو المعتمد عند الحنابلة.
والثالث: كراهته دون لزوم فدية فيه، وهو قول الحنفية والمالكية.

واستدل المانعون بما جاء عن ابن عمر وجابر رضي الله عنهما.
وأخذ المجيزون بقول عثمان وابن عباس رضي الله عنهما

والراجح الجواز؛ لأن الريحان وما أشبهه لا يتطيب به ولا يتخذ منه الطيب، والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
وللتنبيه: فالقول في الطيب الذي ذكرتُ أنه لأبي حنيفة تبعتُ فيه الخطابي في "معالم السنن".. وإلا، فالمنصوص أنه قول محمد بن الحسن منهم، وبالرجوع لكتبهم المعتمدة نجد أن قولهم المعتمد في الطيب كقول الجمهور.

قال في البحر الرائق: ( ( قوله وتطيب ) أي يسن له استعمال الطيب في بدنه قبيل الإحرام أطلقه فشمل ما تبقى عينه بعده كالمسك والغالية ، وما لا تبقى )
ثم قال: ( وكرهه محمد بما تبقى عينه ، والحديث حجة عليه وقيدنا بالبدن إذ لا يجوز التطيب في الثوب بما تبقى عينه على قول الكل على أحد الروايتين عنهما . قالوا وبه نأخذ والفرق لهما بينهما أنه اعتبر في البدن تابعا على الأصح ، والمتصل بالثوب منفصل عنه فلم يعتبر تابعا )
وقال في الجوهرة النيرة على القدوري: ( وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قُلْنَا ابْتِدَاءُ الطِّيبِ حَصَلَ مِنْ وَجْهٍ مُبَاحٍ فَالْبَقَاءُ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ كَالْحَلْقِ وَلِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ لِلْبَقَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَمْ يَخْلَعْهُ بَعْدَهُ )

ويبدو أنه قد وقع هذا الوهم في نسبة هذا القول لغير الخطابي، فقد قال جمال الدين أبو محمد علي بن زكريا المنبجي الحنفي في كتابه " اللُّباب في الجمع بين السنة والكتاب " (1/418): ( باب يجوز أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى أثره بعده ) ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها، وقال: (وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا في المشهور من الرواية، ولم تُروَ كراهته عن أحد من أصحابنا إلا عن محمد رحمه الله.
وقد نسب البغويُّ هذا القول إلى أبي حنيفة رحمه الله، وقال: "قال أبو حنيفة: إن تطيب بما يبقى أثره بعد الإحرام فعليه الفدية، كما لو استدام لبس المخيط. قال والحديث حجة عليه"
قلت: لم يكفِ البغوي في التعصب أنه نسب لأبي حنيفة خلاف مذهبه حتى جعل الحديث حجة عليه، وهذا الحديث هو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه).
 

أبو عبدالرحمن القحطاني

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
10 ديسمبر 2008
المشاركات
26
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنابلة
هل مزيل العرق المعطر وغير المعطر من الطيب الذي يمنع منه المحرم؟
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
أهلاً بأخينا الكريم ومرحباً..

مزيل العرق المعطر طيبٌ ولا شك؛ لأنه يُقصَد ريحُه غالباً كما سبق.
وعلى هذا، فلا يجوز لمحرِم أن يستعمله بعد الإحرام.

وأما غير المعطر منه، فلا حرج باستعماله إن شاء الله تعالى.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
المحظور السادس:

يحرم على المحرِم بإجماع اهل العلم قتل صيد البر واصطياده

دليلـه: قول الله تعالى: (( يا أيُّهـا الذين ءامنوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنتم حُرُم ))، وقول الله تعالى: (( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )).

وحكى الإجماع على ذلك: ابن المنذر، وابن عبد البر، والنووي، وابن قدامة، وابن تيمية في "شرح العمدة"، وغيرهم.

وأما صيد البحر فحلال له، وهو إجماع أيضـاً.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
علِمنا أن الصيد في حال الإحرام حرام، وذلك بدليل الكتاب والسنة والإجماع.

قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان": وهذا الإجماع في مأكول اللحم الوحشي كالظبي والغزال ونحو ذلك. أهـ

وبيان ذلك أن الحيوان نوعان: إنسيٌّ، وَوحشيّ
فأما الإنسي من الإبل والبقر والغنم والدجاج الأهلي ونحوها فيباح للمحرِم ذبح جميعها مطلقاً
وأما الوحشي فنوعان: مأكول وغير مأكول
وسيأتي البيان فيها إن شاء الله

والصيد الذي فيه الجزاء هو ما اجتمعت فيه ثلاث صفات:
أحدها: أن يكون وحشياً، أو من أصل وحشي ولو استأنس أو تأهل
أما إذا توحش الأهلي؛ فعند الشافعية والحنابلة في الرواية المعتمدة أنه مباح ولا شيء فيه؛ اعتباراً لأصله مطلقاً.
ثانيها: أن يكون برياً
ثالثها: أن يكون مباح الأكل (مأكولاً)، أو متولداً من مأكول وغير مأكول كحمار متولد بين حمار وحشي وحمار أهلي أو السِّمْع المتولد بين الذئب والضبع.

- فعند الشافعية أن كل صيد بري مأكول اللحم أو في أصله مأكول، وحشياً كان أو في أصله وحشي فهو حرام على المحرِم، صغيره وكبيره، وحشه وطيره، مستأنساً وغير مستأنس، مملوكاً وغير مملوك، والحنابلة مثلهم.

أما ما لا يؤكل لحمه ولا هو متولد من مأكول؛ فللمحرِم أن يقتله عند الشافعي وأحمد، وصغار ذلك وكباره سواء؛ لأن الصيد الذى حرم هو ما كان أكله حلالاً قبل الإحرام ..

ومن ذلك:
أ. المؤذي..
كالفواسق الخمس فيستحب قتلها اتفاقاً إلا خلافاً منسوباً لعطاء ومجاهد في الغراب خاصة أنه يمنع من قتله وآخر منسوباً للحكم وحماد في المنع من قتل الحية والعقرب وثالثاً لإبراهيم النخعي في عدم الجزاء في قتل الفأرة..


قال الشنقيطي: ولا عبرة بقول عطاء ومجاهد بمنع قتل الغراب للمحرِم؛ لأنه خلاف النص الصريح الصحيح وقولِ عامة أهل العلم، ولا عبرة أيضاً بقول إبراهيم النخعي أن في قتل الفأرة جزاء لمخالفته أيضاً للنص وقولِ عامة أهل العلم، كما لا عبرة بقول أيضاً بقول الحكم وحماد: لا يقتل المحرِم العقربَ ولا الحية. أهـ

ومع ما اشتهر عن النخعي رحمه الله تعالى في هذا إلا أنه قد جاء في مصنف ابن أبي شيبة أنه -رحمه الله تعالى- قال: يقتل المحرِمُ الفأرةَ والغراب العقعق.

والدليل على استحباب قتل الفواسق ما ثبت في الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحرم : الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور ) ولمسلم من حديث ابن عمر: والحية.

وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر محرماً بقتل حية بمنى.

قال الشوكاني رحمه الله تعالى: ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس تشترك معها في ذلك الحكم، فقد ورد زيادة الحية، وهي سادسة، كما في حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود وحديث ابن عباس المذكورة في الباب. وزاد أبو داود من حديث أبي سعيد: السبع العادي. وزاد ابن خزيمة وابن المنذر من حديث أبي هريرة: الذئب، والنمر. فصارت تسـعاً. أهـ ونقل عن الحافظ في الفتح ما أفاده ابن خزيمة عن الذُّهلي من أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور. أهـ

قال ابن رشد في "بداية المجتهد": وشذت طائفة فقالت: لا يُقتَل إلا الغراب الأبقع. أهـ، وحكم بالشذوذ على هذا القول الحافظ ابن عبد البر أيضاً
والأبقع ما كان فيه سواد وبياض وهو أخبث الغِربان وآكِلٌ للجِيَف.
قلت: حجة هؤلاء ما جاء في مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها تقييد الغراب بكونه أبقع، فحملوا المطلق على المقيد، ومنهم ابن خزيمة، وهو منسوب لطائفة من أهل الحديث، ونسبه بعض الأحناف لأبي يوسف، وذهب إليه الإمام الشوكاني والعلامة الشنقيطي من المتأخرين.
ولكنَّ جمهور الأئمة قدموا الروايات المطلقة على الرواية المقيدة، وأن من الغربان، كغراب البَيْن، ما يعدو ويؤذي، فلا معنى لعدم دخوله في الحديث.. وأن ذكر الأبقع خرج مخرج الغالب لأنه غالب ما يبتدئ الأذى من الغربان، وما خرج مخرج الغالب فلا يعتبر مفهومه.

واعتذر بعضهم عن التقييد بهذا القيد بأنه جاء من رواية قتادة وهو مدلس، وقد جرى تعقب ذلك من الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بأنه جاء من رواية شعبة، وهو لا يروي عن مدلس إلا ما قد سمعه.

قال ابن رشد: واختلفوا في الزنبور؛ فبعضهم شَبَّهَه بالعقرب، وبعضهم رأى أنه أضعف نكاية من العقرب. أهـ
وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر المحرم بقتل الزنبور، وصحح إسناده النووي.

فنبه بذكر هذه الخمس المؤذية على جواز قتل المضر- ما سوى بني آدم فيدافعه مهما أمكن- ومذهب الجمهور هو قتل ما في معنى هذه الفواسق، كالأسد والنمر والذئب والنسر والبعوض، فيستحب قتلها لخروجها بالإيذاء و الإفساد عن معظم الدواب، إلا أنَّ قتل العقور منها واجب.

قال ابن تيمية في "شرح العمدة": ولم يكن قوله (خمس) على سبيل الحصر؛ لأنه في أحد الحديثين ذكر الحية، وفي الآخر ذكر العقرب، وفي آخر ذكرها وذكر السبع العادي، فعُلِم أنه قصد بيان ما تمس الحاجة إليه كثيراً، وهو هذه الدواب، وعلل ذلك بفسوقها؛ لأن تعليق الحكم بالاسم المشتق المناسب يقتضي أن ما منه الاشتقاق علة للحكم؛ فحيث ما وجدت دابة فاسقة، وهي التي تضر الناس وتؤذيهم، جاز قتلهـا. أهـ

- وعند مالك : كل شيء لا يعدو من السباع كالهـر والثعلب والدب وأشباهه فلا يقتله المحرم، وإن قتله فعليه الجزاء .
- وعند أبي حنيفة: لا يقتل المحرم من السباع إلا الكلب العقور والذئب خاصة، ولا فدية عليه في ذلك، وإن قتل ما عداه فعليه الجزاء .. وبذلك قال الأوزاعي والثوري والحسن ..واحتجوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خص دواب بعينها وأرخص للمحرم قتلها فلا يزيد على ذلك، وفسر الأحناف -عدا زُفَـر- الكلب العقور بالكلب والذئب، وبعضهم قاس الذئب على الكلب ..
أما الجمهور فأجابوا بأن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الاسد والذئب والنمر واحتجوا بقوله تعالى: (( وما عَلَّمْتُم من الجوارح مُكَلِّبِين )) فاشتقها من اسم الكلب، وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعائه على ابن أبي لهب: ( اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ) فافترسه الأسد .. أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.

قال ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن": والعجب من أبي حنيفة في أن يحمل التراب على البُرِّ بعلة الكيل، ولا يحمل السباع العادية على الكلب العقور بعلة الفِسْق والعَقْـر.


وسبب الخلاف: أن المالكية جعلوا علة الإذن بقتل الخمس في الحديث هي الفسق بالإذاية، وأن ذكر العقر في الحديث إشارة إلى كل سبع عادٍ، وأن ما لم يكن عادياً فليس للمحرم أن يقتله، وتمسك أبو حنيفة بعموم الآية واعتبر أن ما عدا الكلب والذئب من السباع صيداً لا سيما أنه يقصَد لأجل جلده، وأجاب الجمهور بأن اسم الصيد لا يطلق إلا على ما يؤكل لحمه دون ما لا يؤكل. والشافعية والحنابلة نظروا إلى أن تحريم أكلهن يَجْمَع كل الوارد لأن بعض ما ورد في الحديث لا يدخل في معنى السباع ولا هو من جملة الهوام وإنما هو من الخبائث على طريقتهم، واعتمدوا على أنه إنما حرم على المحرِم ما كان حلالاً عليه قبل إحرامه، فأما ما كان محرَّماً على الحلال فالتحريم الأول كاف منه.

واحتج الشافعية والحنابلة بما ورد من ذكر لفظ السبع العادي في بعض الروايات، واعتبروه نصاً في إباحة قتل السبع..
فإن احتج المالكي بأنه إنما أبيح قتله على صفة، وهو أن يكون فيه عدوى، وأما ما لا يعدو فلا.
أجابوا: بأن كل السباع موصوفة بذلك، وإن لم يوجد منها عدوى، كما يوصف السيف بأنه قاطع وإن لم يوجد منه القطع، والنار بأنها محرقة وإن لم يوجد منها الإحراق. (انظر الحاوي الكبير للماوردي).

ب. ما لم يؤذِ.. وهو على أنواع:
الأول: ما فيه نفع وضر.. كالفهد والصقر والقرد، فعند الشافعية أنه لا يستحب قتله ولا يكره، والمنصوص عن أحمد المنع من قتله ما لم يضر.
الثاني: ما لا يظهر فيه نفع ولا ضر.. كالسرطان والرخمة والخنافس، فيكره قتله؛ لأن قتله عبث بلا حاجة.
الثالث: المنهي عن قتله..
فلا يجوز قتله لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، وهو النمل والنحل والهدهد والصرد؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد. رواه أبو داود وسكت عنه، وإسناده على شرط الشيخين
وكذلك الضِّفْـدِع؛ لما جاء من النهي والتعليل بأنها تسبِّح.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
وقسم الماوردي -رحمه الله- في "الحاوي" الحيوانَ الوحشي إلى قسمين: مأكول وغير مأكول..

أما المأكول فيحرم قتله وفيه الجزاء

وأما غير المأكول فجعله - باعتبار حكم العلماء عليه - على ثلاثة أضرب :
1- ضرب لا جزاء في قتله إجماعاً: الهوام (كالحية والعقرب والزنبور)، وحشرات الأرض (كالدود والخنافس والجِعلان)
= وقد سبق حكاية الخلاف في الزنبور من كلام ابن رشد.
2- ضرب فيه الجزاء: المتولد بين مأكول وغير مأكول
3- ضرب مختلف فيه: سباع البهائم وجوارح الطير
 
التعديل الأخير:
أعلى