العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الإختلاف في المصطلح وأثره الفقهي

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
الخطبة([1]).
الحمد لله بما أنعم على الإسلام وأهله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين : جاءنا بالحق المبين ، فمن امتثل الأوامر فالجنة مثواه ، ومن أعرض ونافق فالنار الحامية ملقاه([2]) ، فاللهم إنا نسألك هداية للحق تثلج الصدور وثباتا عليه يضمن حسن العاقبة.
أما بعدُ :
فإن علمَ الحديث جليلُ القدر ، يلزم كل من تصدر للعلم أن يلم بمباحثه ، ويُحسن التعاملَ مع مصادره ، حتى يكون على بينة من أمره ولا يقع فيما وقع فيه بعضُ فطاحلةِ الأصوليين والفقهاء ! ؛ مما قد نقله لنا الإمامُ المحقق محمد بن علي الشوكاني من وصف حال بعض من لم يتعب نفسه بشئ من هذه الصّناعة إذ يقُول : "ومن أراد الوقوف على حقيقَة هذا فلينظر مؤلفات جماعة هم في الفقه بأعلى رتبة ، مع التبحر في فنون كثيرة : كالجويني والغزالي وأمثالهما ، فإنهم إذا أَرادوا أن يتكلموا في الحديث جاؤُوا بما يُضحك سامعه ويعجب ، لأنهم يوردون الموضوعات فضْلا عن الضعاف ولا يعرفُون ذلك ، ولا يفطنون له..وسببُ ذلك عدم اشتغالهم بفن الحديث كما ينبغي"([3]). فتأمل هذه البلية ! .
وقال الإمام داود بن علي الأصفهاني الظاهري :"من لم يعرف حديث رسول الله لعد سماعه ، ولم يميز بين صحيحه وسقيمه ، فليس بعالم"([4]).
وقد جمعتُ في ما يلي من صفحات : مباحثَ مهمة من علم الحديث ، تكونُ عدة ليوم الإمتحان الجامعي ، وأسألُ من قرأها فاستفاد منها أن يدعو لي ولوالديَّ ولأساتذتي وللمسلمين بالهداية وحسن العاقبة.
أما عن هذه المباحث :
فإن أستاذنا الكريم(محمد بن كيران) قد قسم علم المصطلح إلى سبعة محاور أساسية ، هي :
علم معرفة الرواة ومراتبهم-علم معرفة الفاظ الرواية-علم معرفة الأسانيد-علم معرفة الأحاديث من جهة القبول والرد-علم معرفة المصطلحات-علم ضوابط العلم بالأحاديث-علم أداب المحدث وأخلاقه وما يلزمه.
والمطلوب من هذه المحاور السبعة :
1-علم معرفة الأسانيد.
2-علم معرفة الإصطلاحات.
3-علم معرفة حكم الأحاديث.
وتحت كل علم تندرج مباحث عدة سنفصل فيها القول بما استفدناه من الحصص المقررة ومما نوه به الأستاذ من مصادر ومما اجتهدت في تقدير أمره ، وهي لا تخرج في الغالب عن هذه المصنفات:
مقدمة ابن الصلاح-الكفاية في علم الرواية-نزهة النظر-الإقتراح في محاسن الإصطلاح للإمام ابن دقيق العيد-علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد لحمزة المليباري-منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر- شرح علل الترمذي للإمام ابن رجب-التمييز للإمام مسلم بن الحجاج-المنهج المقترح لفهم المصطلح لحاتم العوني-علم العلل من خلال بيان الوهم والإيهام للدكتور إبراهيم الغماري-علم العلل وأثرها في اختلاف الفقهاء لماهر الفحل.
أما فيما تعلق بالأمثلة التي سقتها فلم أخرج في الغالب عن :
تهذيب الآثار للإمام المجتهد ابن جرير الطبري-بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام للإمام ابن القطان الفاسي- المداوي في علل المناوي للعلامة أحمد الغماري-السلسلة الصحيحة والضعيفة للعلامة ناصر الدين الألباني- المحلى بالآثار للإمام ابن حزم-الإستذكار للإمام ابن عبد البر-نيل الأوطار للإمام الشوكاني : رحمهم الله جميعا وغفر لهم.

[1] - هذا هو مصطلح أهل العلم "خطبة الكتاب" أما المقدمة فلها عندهم مدلول ، ذلك أن جمع شتات علم ما ومقدماته ونظمه في كتاب واحد يطلق عليه "مقدمة" كمقدمة ابن الصلاح ومقدمة ابن خلدون..

[2] - على كل طالب علم أن يتذكر هذا المعنى في كل آن وحين، فإن الخير لمن اعتبر وامتثل ، والويل لمن عرف وأعرض !

[3] - محمد بن علي الشوكاني ، أدب الطلب : 64. [هذا كتاب مهم للشوكاني في طرق طلب العلم وما يهم منه ومراتب العلوم : وفيه مباحث نفيسة للغاية..]

[4] - الخطيب البغدادي ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 450.
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
تمهيد في علاقة الخلاف في الفقه بالخلاف في القواعد الحديثية
يعتبر الحديث النبوي الشريف الركيزة الثانية التي يستند إليها الفقيه لاستنباط الأحكام الشرعية ، ولذلك : فلا عجب من تلك العناية الفائقة التي أولاها المحدثون للحديث النبوي ، وذلك الإهتمام الكبير في الجمع والتمحيص والتبويب..وفي تقرير هذا المعنى يقول الإمام أبو عمر عثمان بن الصلاح : " وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها . ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء"([1])
وينبغي التأكيد على أن الملحظ الفقهي في عمل المحدثين كان حاضرا بقوة ، خلافا لما يُشاع عنهم ، وفي هذا الصدد يقول الإمام أبو داود في رسالته الشهيرة التي وجهها إلى أهل مكة :"وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي فهذه الأحاديث أصولها"([2]).
ومثل صنيع الإمام أبي داود نجده عند أمير المؤمنين في الحديث البخاري([3]) فإنه وزع ما انتخبه من أحاديث حسب الأبواب الفقهية =أي حسب الملحظ الإستنباطي ، حتى قيل : "إن فقه البخاري في تراجم أبوابه"([4]) ، وقال الحافظ ابن حجر : "وقد توارد النقل عن كثير من الأئمة أن من جملة ما امتاز به كتاب البخاري دقة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه"([5]).
إلا أن الخلافات في الحكم على الأحاديث لا حد لها بين أهل الإجتهاد والنظر الفقهي ، والسبب في ذلك يرجع إلى أن أحكام المحدثين على الأحاديث اجتهادية ، وكل أمر اجتهادي فهو محل خلاف.
ويمكن حصر هذه الخلافات في ثلاثة محاور :
1- القواعد.
2- الحكم على الحديث (المتن)
3- الحكم على الرواة (السند).
فإن أهل الحديث قد اختلفوا فيما بينهم على عدد من القواعد المؤثرة في مجرى التصحيح والتضعيف ، كما اختلفوا أيضا في ما اتفقوا عليه من قواعد إذا تعلق الحال بواقع التطبيق ، فيكون الخلاف على هذا الأساس : 1-نظري 2-تطبيقي.
أما على صعيد الخلاف النظري فإن الأمر راجع إلى اختلاف المناهج : فكل محدث يؤصل للقواعد انطلاقا من منهج معين ، وإن كان هذا الخلاف بسيطا مقايسة بالخلاف الفقهي لأجل ما يعرف ب"الرحلة في طلب الحديث" ، ذلك أن سفر المحدثين ، ولقاء بعضهم البعض ، قلص دائرة الخلاف : إذ كانت القواعد تنتقل مع المحدثين ويجري البث فيها ومناقشتها ، قال أبو العالية : "كنا نسمع عن الصحابة فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم "([6]) وقال وكيع : "لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه"([7])؛ في حين لم تكن للفقهاء هذه الميزة ، ولذلك أثر بعد الأمصار إلى ظهور خلافات كثيرة بينهم لأسباب تتعلق بوصول الأحاديث ، والأعراف ، والإصطلاحات...
وأما الشق التطبيقي من الخلاف(المحورين الثاني والثالث) فراجع إلى التفاوت في تقدير مدى انطباق القاعدة على المحل : كالإختلاف في تقدير درجة ضبط الرواة ، والإختلاف في التعديل والتجريح ...
وكل هذا سيأثر في الإختيار الفقهي فيما بعد ، فمن صحح حديثا بمقتضى قاعدة ما : فإنه سيعمل بما دل عليه ظاهر الحديث ، في حين نجد محدثا آخر ضعف ذات الحديث بمقتضى قاعدة تناقض قاعدة الأول ، فربما أداه هذا إلى إنكار الحكم الفقهي المترتب على تصحيح هذا النص.
أما إذا اتفقوا على صحة ما ، فهذا لا يعني مباشرة العمل بمقتضاه = بل إن هناك أمورا أخرى تحدد ما إذا كان العمل بالنص واجبا أو حراما : كمعرفة الناسخ من المنسوخ ، ومعرفة ما جرى عليه عمل الصحابة ، معرفة ما تدل عليه أحاديث أخرى في الباب ظاهرها معارض للنص الأول فيجب هنا إعمال قواعد الجمع والترجيح..إلخ.

[1] - أبو عمر عثمان بن الصلاح الشهرزوري ، المقدمة (أو معرفة أنواع علوم الحديث) : 3.

[2] - سليمان بن الأشعث (أبو داود) ، رسالة أبي داود لأهل مكة : 28.

[3] - أمير المؤمنين رتبة من رتب الحفظ عند المحدثين ، وقد رد العلامة عبد الله بن الصديق على المطرزي –فيما نقله عنه المناوي- من تقسيم هذه الرتب إلى : الطالب ثم المحدث ثم الحافظ ثم الحجة ثم الحاكم . وذكر أن الصحيح عند أهل الصناعة هو : مُسنِد ثم محدث ثم مفيد ثم حافظ ثم أمير المؤمنين في الحديث.

[4] - ن. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، فتح الباري : 1/ 13؛ 1/ 243.

[5] - السابق : 1/ 148.

[6] - أحمد بن علي بن ثابت (الخطيب البغدادي) ، الكفاية في علم الرواية : 402.

[7] - السابق.
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
كيفية ظهورعلم المصطلح ، وصورة تطوره بما أدى للإختلاف في جزئياته


قلنا فيما مضى : إن كثيرا من الخلاف الفقهي كان سببه خلافا في تقعيدات أو تطبيقات مصطلحية ، لكن هل كان لشئ ما في التطور التاريخي أثر في هذا الخلاف ؟
لقد كان علم الحديث في بداياته –كسائر العلوم التي نشأت في بيئة إسلامية- عبارة عن تطبيقات منهجية ، ولدها إحساس العقل الإسلامي المفكر ، وقد كان الصحابة هم أول من انخرط في هذه التطبيقات المنهجية ، وقد عقد الإمام ابن حبان فصلا خاصا يسرد نماذج من احترازات الصحابة رضي الله عنهم ، وقد عنونه ب " ذكر أول من وقى الكذب على رسول الله صلى الله عليه"([1]) إلا أن أمر الكذب لم يكن مستشريا ، حتى إذا ما انقضت القرون الثلاثة –أو كادت- بدأ الجو ملائما لظهور الكذب وفشو الوضع ، وطول الأسانيد : فدوت صرخات من أئمة التابعين : ومنها كلمة محمد بن سيرين : "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم" وقد أصبحت هذه الكلمة شعارا في ذلك العصر وفيما بعده إلى يوم الناس هذا ، ثم ظهر مع علم الإسناد هذا بعض العلوم الكفيلة بحفظ السنة في ذلك الجيل وحفظه لمن بعده ، فبدأوا بالتعبير عن حال الراوي والرواية ، وعن أوصافهما المختلفة بألفاظ مثل : الإسناد-المرسل.. وكثر استعمالهم لها فيما بعدُ ، حتى أصبحت مصطلحات ذات دلالة عرفية بين أهل الحديث = جمعت في علم سمي : علم مصطلح الحديث([2]) أُفرد بالتأليف والتصنيف من طرف أئمة كثر كان أولهم : محمد بن إدريس الشافعي في "الرسالة" = ويعتبر هذا الكتاب أول مصنف في علم المنهج ، ذلك أنه اشتمل قوانين التعامل مع الأخبار(=علم الحديث) ، ثم مع مدلولات الأخبار(= علم الأصول)([3]) ثم جاء العصر الذهبي للسنة النبوية(القرن الثالث الهجري) فكان كتاب التمييز للإمام مسلم ورسالة أبي داود لأهل مكة وكتاب العلل للترمذي وجزء للحميدي نثره الخطيب في كتابه الكفاية.. وكان النضج الكبير لمصطلحات وقواعد علم الحديث..
ثم بقدر ما استحدث من بُعدٍ عن الجادة استحدث ما يناسبها من وسائل الإحتراز من الكذب والغفلة ، فبدأ علم العلل بالتبلور : ذلك أن بعض تصرفات المحدثين كانت مقبولة قبل الفتنة كالإرسال مثلا ، لكن بعد أن استمرئ الكذب صار واجبا إظهار مستند كل محدث ، فكان الإرسال من أوائل العلل الحديثية([4]).
لكن من أين جاء الإختلاف بين المحدثين في صنعتهم المشتركين فيها؟
يمكن أن نجمل أسباب الخلاف على المستوى التقعيدي في عاملين :
1-عامل فني : تمثل في عدم استقرار كامل لمعاني المصطلحات الخاصة بعباقرة القرن الثالث(=من بلغوا أقصى ما يستطاع في التحرير والضبط) ولد اختلافات في تفسيرها وتعيين المقصود بها لمن جاء بعدهم (=ابتداءا من القرن الرابع) ، وزاد الوضع استفحالا مع الخطيب البغدادي وكل من جاء بعده ممن تأثروا به كابن الصلاح وابن حجر.
2-عامل منهجي : تمثل في عنصرين :
أ-العنصر العقلي: ذلك أن المواهب مختلفة بين الناس ، لتفاوتهم في قوة المدارك : فربما توصل محدث بجودة قريحته إلى مالم يستطعه غيره على مستوى الغوص على دقائق المشكلات وابتكار الحلول لمعالجتها.
ب-عنصر شرعي : تمثل في اختلاف أنظار المحدثين في الإستدلال على قواعدهم ، كالخلاف القائم حول الأصل في المسلم ؟ والإحتجاج بصاحب بدعة ...
3- عامل الإختصاص : فقد بدأ الإهتمام من بداية القرن الرابع بعلوم أخرى ، كأصول الفقه والمنطق ، أثرا على علم الحديث من جهة:
تدخل الأصوليين والفقهاء في المباحث الحديثية بما خالف ما كان عليه عمالقة الصنعة الحديثية ، يقول ابن دقيق العيد : ..وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى الفقهاء ، فإن كثيرا من العلل التي يعل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء([5])" ([6]).
وقد نتج عن صنيع الفقهاء والأصوليين هذا : ظهور تمايز في علم المصطلح ، أثر على الواقع التطبيقي ، وهذا الأمر هو الذي دعا المختصين إلى التفريق بين منهج المتقدمين(=ما قبل القرن الرابع) ومنهج المتأخرين(=ما بعد القرن الرابع من فقهاء ومن تأثر بهم من المحدثين).
والبعض يعزو هذا الإختلاف إلى علم الكلام والفلسفة ، ويرى أن دراسة المتكلمين لعلم المصطلح كان من زاوية كلامية ذات أسس فلسفية : أدخلت في علم الحديث ماليس فيه ، وأفسدت بعض مباحثه...وخالفوا في كل ذلك ما كان عليه المتقدمون من أهل القرن الثالث، ويضرب المثل بمسألة التواتر والآحاد فإنها ليست من مباحث الإسناد ([7])، ولم تكن أصلا في كلام المحدثين حتى جاء البغدادي فاقتبسها من كتب الأصوليين وألصقها في كتابه "الكفاية".
وإنك حين تقرأ كلام الإمام مسلم ليخال إليك أن الرجل استشرف ما هو واقع فيما بعد ، حين يقول: "واعلم –رحمك الله- أن صناعة الحديث ، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم ، إنما هي لأهل الحديث خاصة ، ...فلا سبيل لمن نابذهم من الناس ، وخالفهم في المذهب ، إلى معرفة الحديث .."([8]).
وهذه خاتمة الكلام على هذا المبحث ، وخاتمته –بكلام الإمام مسلم- مسك! .
وبقي الحديث على القضايا المصطلحية-المقصودة من هذه الأوراق- وعلى تطبيقاتها في مجال الحكم على الأحاديث ، والكلام على الأثر الذي أحدثته في الإختيارات الفقهية مع التمثيل لكل ذلك بما يناسبه.

[1] - ابن حبان ، المجروحين.

[2] - ن.حاتم العوني ، المنهج المقترح لفهم المصطلح : 33 وما بعدها بتصرف.

[3] - مقتطف من كلمة للدكتور محمد المغراوي في كلمة له في ندوة بعنوان "العلوم الإسلامية والدرس المنهجي".

[4] - المنهج المقترح : 38.

[5] - محمد بن أبي الحسن (ابن دقيق العيد : أبو الفتح) ، الإقتراح في محاسن الإصطلاح : 7.

[6] - ن. المنهج المقترح : 61 الفصل الخامس وكذلك الفصل السادس.

[7] - ابن حجر العسقلاني ، نزهة النظر : 61. فتح المغيث للسخاوي 4/ 14.

[8] - ن. التمييز 218.
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
تمهيد :إطلالة من خارج على كتب و مباحث علم المصطلح([1])


1- نظرة في تاريخ التأليف في المصطلح:
قلنا من قبلُ : إن علوم الحديث بلغت أوج نضجها في القرن الثالث ، وتوقف التألق عند هذا الحد ، ثم ما لبث أن بدأ بالتراجع شيئا فشيئا ، فكان التصنيف فيما بعدُ-في القرن الرابع- على أساس تحرير اصطلاحات القوم وإطلاقاتهم ، آلتهم في ذلك : استقراء صنائع الأئمة في كتب العلل والسؤالات وغيرها = ثم الخلوص إلى قانون عام سُطِّر في كتب المصطلح فيما بعدُ .
ومن أهم ما صنف في هذا العصر-أعني القرن الرابع- مقدمة الإمام أبي سليمان حمْد بن محمد الخطابي لكتابه "معالم السنن" ، ومقدمة الإمام ابن حبان لكتبه "المجروحين" و"الثقات" و"التقاسيم والأنواع"(=الصحيح) وكتاب أبي عبد الله الحاكم "معرفة علوم الحديث". وقد كان الخطابي من أوائل من اعتنى بالمصطلحات تحريرا وضبطا ، وكان الحاكم ناقلا في أغلب ما قال عن شيوخه (وهم من نقاد القرن الثالث فتنبه).
ثم كان في القرن الخامس الإمام الخطيب البغدادي (ت 463)، الذي صنف كتاب "الكفاية في علم الرواية" وهو من أجل كتبه أراد منه شرح اصطلاح المتقدمين كما صرح بذلك في خطبة الكتاب ، إلا أنه كان متأثرا بعقليته الأصولية-رغم عدم تضلعه في الأصول- فأدخل في كتابه بعض ماليس من صنعة المحدثين في شئ ، كصنيعه فيما تعلق بتقسيم الأخبار إلى تواتر وآحاد ، وإقحامه لآراء الأصوليين كالباقلاني وأبي الطيب الطبري ([2]) مما لم يُعتد مثله عند أهل الحديث.
ثم نجد كتاب (الإرشاد في معرفة علماء الحديث) لأبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي (ت 446) ، ومقدمة كتاب التمهيد لأبي عمر بن عبد البر (ت 463) ، وما نثره أبو محمد بن حزم(ت456) في أول كتابه الأصولي"الإحكام في أصول الأحكام" ، وغالب مصنفات هذا الدور كانت مغلوبة بالطابع الأصولي.
واستمر الحال هكذا إلى أن جاء الأصولي الكبير ابن الصلاح (ت643) فأملى كتابه "معرفة أنواع علم الحديث" ويعرف بمقدمة ابن الصلاح، فكانت مرحلة فاصلة في التأليف الحديثي ذلك أنه جمع ما تفرق في غيره ونظم أشتاته([3]) إلا أنه كان دائرا في فلك الخطيب ، متأثرا بما كتب ، ومتابعا له في كثير من آرائه بل وفي منهجه المتأثر بعلم الأصول([4]) ثم سارت الركبان بكتابه : درسا وحفظا ونظما...
إلى أن ألف ابن حجر العسقلاني (ت852) "نخبة الفكر" وشرحها "نزهة النظر" فانصرفت أنظار أهل العلم إليها لما تميزت به النخبة من صرامة أسلوبية وشحن للألفاظ بالمعاني . وقد خالف في كتابه –في مسائل- ما كان عليه من سبقه من المحدثين : وكل هذه المخالفات لما كان عليه المتقدمون سيأثر في فهم مصطلحات الأوائل ومن ثم الخلاف في الحكم على الأحاديث كما سنرى.
2- نظرة على مباحث علم المصطلح :
يتكون علم المصطلح –من حيث الجملة- من ثلاثة محاور رئيسية :
1- محور الراوي : وفيه كل ما يتعلق بالعدالة والضبط.
2- محور حلقات الإتصال : وفيه ما يتعلق بضمان عدم الإنقطاع(علوم السند) – وضمان انتقال الحديث في صور صحيحة(صور التحمل والأداء).
3- محور المتن : فيه ما يتعلق بهذا المحور من معالجة الشذوذ والعلة.
هذا من جهة الإجمال ، فإن أردنا مزيدا من التفصيل ، فبإمكاننا تقسيم مباحث علم المصطلح إلى سبحة محاور تجري مجرى الأصول :
1-علم معرفة الرواة وتمييز مراتبهم : وهو علم الجرح والتعديل .
2- علم معرفة ألفاظ الروايات : وهو مبحث ضبط الحديث ومعرفة الغريب.
3-علم معرفة الأسانيد : وهو مبحث التحمل والأداء ومبحثي الشذوذ والعلة.
4-علم معرفة الأحاديث من حيث القبول والرد : وهو علم معرفة الحديث الصحيح والحسن والضعيف وما يتعلق به من مسائل.
5-علم معرفة المصطلحات: وهو نوعان : معرفة الإصطلاحات النقدية (مضطرب-معضل..) ، ومعرفة الإصطلاحات الوصفية(مسلسل-مدبج-مسند..)
6-علم معرفة ضوابط العمل بالأحاديث: وفيه علم أسباب الورود وعلم مختلف الحديث وعلم المحكم والمتشابه وعلم الناسخ والمنسوخ.
7-علم معرفة آداب المحدث وأخلاقه وما يلزمه .
وإن كل علم من هذه العلوم ليؤدي دورا هاما جدا لخدمة عملية الإجتهاد الفقهي فيما بعدُ ، ولا يستقيم معرفة واحد دون الآخر ، إذن لكان هناك نقص شديد في التكوين العلمي، لا ينجبر إلا بمعرفته والإحاطة به .
وكما أشرتُ في المقدمة : فإن البحث سينصب على :
1-علم معرفة الأسانيد.
2-علم معرفة الإصطلاحات.
3-علم معرفة حكم الأحاديث.
دون غيرها من العلوم ، لظروف متعلقة بالمقرر الدراسي الجامعي .
وينبغي أن يُشار في هذا المقام إلى أهمية هذه العلوم الثلاثة ، ويكشف عن عظيم عوائد معرفتها وإتقانها ، فنقول :
ألف الإمام ابن الصلاح مقدمته في علم الحديث ، لما رأى ما أصاب أهل زمانه ، وبنى كتابه على نظر منهجي ملخصه : أن يقسم الكتاب إلى عنصرين كبيرين :
أما العنصر الأول : فخصصه لضبط الإصطلاحات ، وبيان مقاصد المحدثين منها وتحريرها على أكمل وجه يستطاع ، وذلك بتتبع مصنفات هذا الشأن ، واستقراء تعبيرات المحدثين ثم استخلاص القواعد بناء على ألفاظهم التي استعملوها وماذا أرادوا منها.
أما العنصرالثاني : فخصصه لعرض علوم الحديث والنواحي التي تبحث فيها والتمثيل لمسائل كل علم مع ذكر أهم ما صنف في كل علم وأهم رجالاته([5]).
وبالتأمل فإننا نصل إلى أن هذين العنصرين كفيلين بمعرفة المقبول من المردود من الأحاديث ، وهذه هي الخطوة الأولى التي يقصد إليها هذا الفن ، وقد أوصى بمعرفتها الإمام ابن دقيق العيد فقال : "ولتكن عنايته[أي طالب العلم] بالأولى فالأولى من علوم الحديث ، ونحن نرى أن أهمها ما يؤدي إلى معرفة صحيح الحديث"([6]) ثم تأتي خطوة جديدة تتمثل في علوم معرفة ألفاظ الحديث، وعلم معرفة ضوابط العمل بالحديث .
والمباحث الثلاثة التي سنفردها بالبحث هي المكونة للعنصرين الرئيسين السابقين ، لا ينقصها إلا علم معرفة الرواة وتمييز مراتبهم.

[1] - يرجى مراجعة "المنهج المقترح لفهم المصطلح" ابتداء من ص : 183.

[2] - السابق 193.

[3] - نزهة النظر : 61.

[4] - المنهج المقترح

[5] - إبراهيم بن الصديق ، علم العلل من خلال كتاب بيان الوهم والإيهام 1/ 33.

[6] - ابن دقيق العيد ، الإقتراح في بيان الإصطلاح : 40.
 
أعلى