أبوبكر بن سالم باجنيد
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 13 يوليو 2009
- المشاركات
- 2,540
- التخصص
- علوم
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
شرح مقدمة المصنِّف
ابتدأ رحمه الله تعالى بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) اقتداءً بالكتاب العزيز وبسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتُبه إلى الملوك وأشباههم، و(الباء) فيها تعني المصاحَبة أو الاستعانة، و(الاسم) مشتق من "السمو" وهو العلو، أو من "السِّمَة" وهي العلامة، ولفظ الجلالة (الله) عَلَمٌ على الرب سبحانه وتعالى، وهو اسم لم يُسَمَّ به غيره، (الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة، وأسماؤه تعالى كلها حسنى. فالرحمن: ذو الرحمة الواسعة، والرحيم: مُوصِل رحمته إلى مَن شاء من عباده. وقوله: (بسم الله) جار ومجرور متعلِّق بمحذوف تقديره: باسم الله أَكْتُب، أو أُؤَلِّف ونحوه.
ثم قال: (الحمد لله) الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية على جهة التعظيم، و(اللام) للاختصاص، وقوله: (أهلِ الحمدِ ومستحقِّه) بَدَلٌ مجرورٌ من لفظ الجلالة، (حمداً يفضُل على كل حمد كفضل الله على خَلْقِه) أي: حمداً يزيد على كل حَمْدٍ غَيرِهِ زيادةً ظاهرة. ( وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ قائمٍ لله بحقه ) وهي أعظم شهادة، وقد شهد الله تعالى بها وأشهدَ ملائكته وأولي العلم قائماً بالقسط، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، ( وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه غير مرتابٍ في صدقه ) فهو عبدٌ لا يُعبَد، ورسولٌ لا يُكذَّب، بل يُطاع ويُتَّبَع. ( صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ما جاد سحابٌ بوَدْقِه، وما رَعَدَ بعدَ بَرْقِه ) جمع بين الصلاة والسلام على رسول الله عملاً بقول الله تعالى: (( إنَّ الله وملائكته يُصَلُّون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صَلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً ))، وروى البخاري معلَّقاً مجزوماً به عن أبي العالية أنه قال: صلاة الله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
وصلى وسلم على آله، واختُلِف في المراد بهم على أقوال، من أقواها: أنهم ذريته وأزواجه صلى الله عليه وسلم، وصلى وسلم على صحبِه، وهم الذين لَقُوه مؤمنين به وماتوا على الإسلام. وجمع بين الآل والصحب لفضل كلٍّ، ولم يقتصر على الآل مخالفةً للروافض، ولم يقتصر على الصحب مخالفةً للنواصب.
وقوله: ( ما جاد سحابٌ بوَدْقِه، وما رَعَدَ بعدَ بَرْقِه ) أي: صلاة وسلاماً يتكرران كلما هطل مطر، أو أرعد رعد.
( أما بعدُ ) هذه كلمة يؤتى بها للفصل بين مقدِّمة ومقصود، وقد جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال المصنِّف: ( فهذا كتابٌ في الفقه اختصرتُه حسب الإمكان ) والفقه هنا يقصد به العِلم المعروف اصطلاحاً، وهو معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. والاختصارُ أن يقِل اللفظُ ويكثر معناه. (واقتصرتُ فيه على قولٍ واحد ليكون عُمدةً لقارئه، فلا يلتبس الصواب عليه باختلاف الوجوه والروايات) وهذا الأصل في طلبة العلم المبتدئين، أن يُعْنَوا بمختصَرٍ في كل فن يدرسونه، ولا ينتقلوا عنه إلى آخر أَوعب حتى يضبطوه على شيخ عارف بصير؛ فمن رام العلم جُملة ذهب عنه جملة، وقد اختار الإمام الموفَّق رحمه الله تعالى في كل مسألة يوردها قولاً في مذهب الإمام أحمد رحمه الله يعتمد عليه القارئ، وربما كان ذلك القولُ المختارُ خلافَ مشهورِ المذهب أحياناً كما سيأتي.
-والرواية: أحد أقوالِ الإمام أحمد المرويةِ عنه نصاً في حكم مسألة ولو تنبيهاً .
-والوَجْه: ما يخرّجه أصحابُ الإمام المجتهدون من حكمٍ على مسألةٍ وفق أُصول الإمام وقواعده أو إيمائه أو دليله أو تعليله؛ فتنسب إلى المذهب مع أنه لم ينص عليها ولا تكلم بها .
ثم ذكر الموفق رحمه الله تعالى سبب تصنيفه هذا الكتاب بقوله: ( سألني بعضُ إخواني تلخيصَه ليقرب على المتعلمين، ويسهُلَ حفظُه على الطالِبين، فأجبته إلى ذلك معتمداً على الله سبحانه في إخلاص القصد لوجهه الكريم ) فالاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه مما يُعان به العبد كما قال الله تعالى: (( وَمَن يتوكلْ على اللهِ فهو حَسْبُهُ )) أي كافِيهِ، وإخلاص القصد لله سبحانه شرطٌ لصحة الأعمال، ومن أجلِّها طلب العلم وتعليمه، وقد صحت الأخبار بالوعيد الشديد لمن قصد بذلك طلباً للشهرة والسمعة، نسأل الله السلامة والعافية. فعلى من وفقه الله تعالى لسلوك هذا الطريق أن يقْدُرَ المقام قَدْرَه، وأن يحرص غاية الحرص على تصحيح نيته وتصفيتها من كل شائبة. قال: ( وأودعتُه أحاديث صحيحة تبركاً بها واعتماداً عليها، وجعلتها من الصحاح لأستغنيَ عن نسبتها إليها ) ويقصد بالصحاح هنا كتب السُّنَّة الستة فيما يظهر، وفي هذا تساهل كما قال أئمة الحديث؛ إذ لا يصح إطلاق لفظ الصحاح على سنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجه، لأنها حَوَت -مع الصحيح- الحسنَ والضعيف.
قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في ألفيته:
ومن عليها أطلق الصحيحا *** فقد أتى تساهلاً صريحـا
نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، إنـه جوادٌ كريم.