العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!
فهد بن صالح العجلان

(نحن بحاجة إلى إعادة النظر في هذا الحكم حسب المقاصد الشرعية) و (لا بد من مراعاة المقاصد الشرعية عندما نتحدث عن هذه القضية).
وعبارات أخرى مختلفة، ستسمعها – ولا بد – عند أي رؤية منحرفة تتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية؛ فعامة الانحراف المعاصر حين يتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية الجزئية فإنه لا بد - في سياق تجاوزه لأي حكم وإنكاره له - أن يرفع لافتة (المقاصد الشرعية) كتصريح شرعي للمارسات غير الشرعية.
المقاصد الشرعية التي كتب فيها فقهاء الإسلام بدءاً من الجويني والغزالي والعز بن عبد السلام والقرافي وشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي تختلف اختلافاً تاماً عن هذه المقاصد التي يُشِيع كثير من الناس الحديث فيها؛ فالمقاصد عند فقهاء الإسلام قواعد كلية مستخرَجة من استقراء كلي لكافة النصوص والأحكام الجزئية، ولا يصح أن يُردَّ بها أيُّ حكم أو نص جزئي، بخلاف هذه المقاصد التي تترِجم المقاصدَ التي تريدها (نفوسهم) وتميل إليها (اختياراتهم) ويسعون من خلالها لرد جملة من النصوص والأحكام غير المرغوب فيها.
من أهم قواعد المقاصد الشرعية أن لا يُردَّ بها أي حكم جزئي، فإذا ثبت نص شرعي أو حكم فقهي فلا يجوز أن يُنقَض ويُتجاوَز بدعوى أنه مخالف لقاعدة مقاصدية؛ فهذا باطل لا علاقة له بعلم المقاصد (فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكماً شرعياً ليس بحق في نفسه)[1].
وإذا كانت المقاصد الشرعية تقوم على ضرورة اعتبار (الكليات) فإنها تقوم على اعتبار الجزئيات كذلك (كما أن من أخذ بالجزئي مُعرِضَاً عن كليِّه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي مُعرِضَاً عن جزئيِّه)[2].
فالمقاصد الشرعية تعتمد على تفاصيل الأحكام الجزئية، تقوم عليها، ولا تنكرها، بل حتى ولو وُجِد تعارض بين قاعدة مقاصدية وحكم جزئي تفصيلي فإن المنهج الصحيح في ذلك ليس إنكار الجزئي بل (إذا ثبت بالاستقراء قاعدة كلية ثم أتى النص على جزئي يخالف القاعدة بوجه من وجوه المخالفة فلا بد من الجمع في النظر بينهما)[3].
فإذا وصل الأمر إلى حصــول تعــارض بيــن (الكليــات) و (الفروع) فهذا يستدعي الجمع بينهما لأهمية كلٍّ من الكليات والفروع التفصيلية، وهو شيء لا يفهمه (مقاصديو النفوس)؛ حيث ينكرون النصوص والأحكام الشرعية ثم يبحثون بعد هذا عن الطريقة المقاصدية المناسبة لرفض مثل هذه الأحكام!
لقد كان الشاطبي مدركاً غاية الإدراك خطورة استعمال المقاصد من غير المؤهلين، ولأجله منعهم من موافقاته وجعلهم في حرج من قراءته أو الاستفادة منه: (لا يُسمَح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظرَ مفيدٍ أو مستفيدٍ حتى يكون ريَّان من علم الشريعة؛ أصولها وفروعها، معقولها ومنقولها)[4].
كما أطال الحديث عن ضرورة العناية بالجزئيات، وأن المقاصد لا تقوم إلا عليها، وهذا كله لإدراكه أن طبيعة المقاصد وما فيها من كليات عامة يستدعي دخولَ غير المؤهلين واستغلالَ بعض المنحرفين، وهو ما يؤدي إلى تعطيل الشريعة، وهذا ما دعا بعض المنحرفين الذين يفهمون حقيقة المقاصد الشرعية أن يسمي المقاصد بأنها (تبرير) للأحكام الشرعية ليس إلا، وقد صدق؛ فالمقاصد ليست إلا بحثاًَ عن (فلسفة) لقواعد وعلل للشريعة من خلال الأحكام والنصوص، فإذا وُجِد نص مخالف فإن المقاصد تعدَّل في (الفلسفة) حتى تدخل هذا الحكم لا أن تلغيه لمخالفته للمقاصد.
إن دعوتهم للأخذ بالمقاصد لإسقاط بعض الأحكام الشرعية يؤدي إلى نسف الشريعة بكاملها، وتعطيل كافة أحكامها، وإسقاط قطعياتها وضرورياتها، وليس عسيراً على أي أحد أن ينفي أي حكم شرعي ويربط ذلك بمقاصد عُليَا، وقد مارس المعاصرون في ذلك من ألوان العدوان على الأحكام الشرعية ما لا يحصيه إلا الله؛ فـ (الحدود الشرعية) منافية لمقصد الشريعة في الرحمة وإشاعة الأمن و (حد الردة) منافٍ لمقصد الشريعة في التسـامح والحــرية و (الحجاب) منافٍ لتكريم المرأة و (كل فتوى بتحريم أي حكم) تنافي مقصد الشريعة في التيسير ورفع الحرج و (الحكم بكفر من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم) يتعارض مع مقصد إرساله رحمة للعالمين و (حرمة الربا) أو (منع المحرمات) يؤدي إلى حصول حرج ومشقة تنافي مقصد الشريعة.
ولأجل ذلك كان شيخ الإسلام ابن تيمية بصيراً بأمر عموميات المقاصد حين قال: (فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عــــدلاً من غير اتباع لما أنـــــزل الله فهو كافر)[5]. فهذه المقاصد الكلية تتسم بالعمومية المطلقة التي يشترك فيها عامة الناس، فاختصاص الشريعة إنما يكون بتفصيل هذه المقاصد وشرحها وتقييدها فإذا ألغى الإنسان الاعتبار بها لم يكن قد أخذ من الشريعة بشيء.
وهكذا تغيب أحكام الشريعة الجزئية، بسبب مخالفتها لمقاصد (النفوس) - كما يسميها بعض الفضلاء - فهي مقاصد لما تريده نفوسهم وأهواؤهم وما يتوافق مع شهواتهم جعلوها قواعد كلية تحاكَم إليها النصوص والأحكام الفقهية، وتلك (النفوس) تكاد تُحصَر مقاصدها في الجانب الدنيوي المحض، وهو ما يختلف تماماً عن المقاصد الشرعية المستفادة من نصوص الكتاب والسُّنة التي تدلك على أن (الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية)[6].
بل إن المصـالح الدنيـوية تابعة للمصـالح الأخروية؛ فـ (المصالح المجتلَبة شرعاً والمفاسد المستدفَعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية)[7].
وإذا كانت إشاعة علم المقاصد الشرعية ضروريةً في مرحلةٍ ما لشيوع التعصب والجهل والتضييق على الناس، فإن المبالغة فـــي تـقرير المقـاصد الشرعية وإشاعتها وتعظيم قدرها وضــــرورتها عند عامة الناس - وقد اختلف الحال - سيكون على حساب تعظيم النص الشرعي والانقياد له، وسيكون سبباً لظهور مقاصد النفوس لتُشِيع عبثَها وانحرافَها بدعوى (مقاصد الشريعة).

المصدر: مجلة البيان
[1] الموافقات للشاطبي: 2/556.
[2] الموافقات: 3/8.
[3] الموافقات: 3/9.
[4] الموافقات: 1/78.
[5] منهاج السنة النبوية: 5/130.
[6] الموافقات: 2/350.
[7] الموافقات: 2/351.

منقول عن الدرر السنية:
http://www.dorar.net/art/559

 

أحلام

:: متميز ::
إنضم
23 ديسمبر 2009
المشاركات
1,046
التخصص
أصول فقه
المدينة
........
المذهب الفقهي
.......
رد: بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!

هنيئاً لكاتب المقالة , فقد سطّر مقالته بصدق
ودليل ذلك , تكرارها في نفس الملتقى!!
http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?t=6877
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
إنضم
5 أغسطس 2010
المشاركات
837
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
أصول الفقه
المدينة
عين تموشنت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!

بسم الله الرحمن الرحيم
مقاصد الشريعة تحيي النفوس و تقدس النصوص
شبّ الفقه الاجتهادي على مسلمات مطردة
و كليات قاطعة،حيث أملت عليه القواعد التالية بلسان حال فصيح:
1ـ لا تجعل من طعن الأدعياء أو سوء توظيفهم مطية لإلغاء المنافع الراجحة أو قبول المصالح المتأرجحة.
2ـ و لا تتجرع فنونا بنيت على ردود أفعال ،لأن ثمة ارتدادا لازما و انحرافا جازما؛ و دونك نازلة خلق القرآن، و إنكار الصفات..
3ـ و لا تنسب أصولا لأموات بتوسمات أحياء: فنسبة جملة المقاصد إلى الجويني و الغزالي
و القرافي و غيرهم ظنية باعتبار من أحال؛ و ما كان كذلك فهو للاستئناس لأشوف.
و لو كانت الحقائق كما أحيلت، لتوقف النظر عند عتبة الخلفية الأصولية لأولئك.
على معنى: أن الجزئي عند هؤلاء مقدس، و لا يمكن اعتبار الكليات إلا بالشواهد الجزئية. و كل ذلك محل خلاف بين الحذاق.
فكيف يتجرأ الفكر الأصولي على السواد الأعظم؟
4ـ و لا تغتر بمقولة دفع الكلي لمخالفته الجزئي؛ لأنها نظرة مذهبية قاصرة جعلت من الأقوال أدلة لها ، و ضيقت من نطاق الاجتهاد الفقهي المذهبي.
5ـ لا تفصل بين النصوص و المقاصد؛ لأن المقصد نصّ ، و النصوص النقلية ذرائعه. كما أنه لا تلازم بين الظواهر و القصد؛ فقد يحتمل الظاهر الردّ .
6ـ عليك بالمقاصد التي تقدس النصوص بمسالكها النقلية المتواترة، و العقلية المتظاهرة، و تجعل من الأخذ بالأحوط ملاذا آمنا لها، مراعيا عرف التخاطب، و لا تلتفت إلى التوظيفات الخاطئة...
و اعذرني إن قلت: إن مضمون هذا المقال يثبط العزائم و يسد باب الاجتهاد دون أهل الكرائم، بل إن ما نروجه على لسان الشاطبي من عدم جواز النظر إلى موافقاته حجر لا مبرر له، و نفي الخصوص لا يستلزم نفي العموم و العكس. و قد أجيز النظر في ما هو أعقد.
ما أشبه الليلة بالبارحة:
ـ ينكر الغزالي على فتوى يحيى بن يحيى،
و يجتهد في مسألة ضرب الترس.
ـ و يشترط الـتأصيل الشافعي و غيره شهادة الاعتبار للإرسال، و في التفريع يسترسل دون اعتبار.
[font=qcf_bsml]ﭧ ﭨ ﭽ [/font][font=qcf_p147]ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ[/font][font=qcf_p147]ﭥ[/font][font=qcf_p147] ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ [/font][font=qcf_bsml]ﭼ[/font]الأنعام: ١٤٣
 
التعديل الأخير:
إنضم
25 أبريل 2010
المشاركات
2
التخصص
أستاذية في اللغة والاداب الألمانية
المدينة
موسكو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!

بسم الله الرحمان الرحيم
بارك الله بكم وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

اختصار الدين من البعض في خمسة مقاصد يعتبرونها عللاً كلية، وصار كل حديث يتعارض عندهم مع إحدى هذه المقاصد التي يعتبرونها عللاً فهو مؤول أو مردود عندهم! فلا داعي للبحث في النصوص، فما عليك حسب فقههم العجيب إلا أن تنظر إلى المسألة بعقلك الراجح وترى هل هي مصلحة من المصالح (يقصدون المقاصد) فإن كانت مصلحة فأقدم عليها ، وإن كانت مفسدة فلا تقدم عليها، وكل ذلك حسب العقل ويحركه الواقع!

الشاطبي رحمه الله جعل المقصد الاعلى والاهم والاول للشارع هو التزام الامر و النهي من غير نظر في مصلحة او مفسدة . وذكر رحمه الله تعالى أن المقصد الشرعي من وضع الشريعة اخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا..... فتح الله عليكم وأسأل الله أن يفقهنا ويعلمنا ما ينفعنا ويجعلنا من العاملين
 

أحمد بن العربي بن عبد السلام

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
1 مارس 2009
المشاركات
8
التخصص
الدعوة واصول الدين
المدينة
الصويرة
المذهب الفقهي
مالكي مجتهد
رد: بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!

بارك الله فيك على هذا النقل الطيب
فقد كنت زورت في نفسي كلاما ،فلما رأيت نقلك حمدت الله على توفيقه ونسأله المزيد من فضله.
وكان ذلك بمناسبة مسلسل القعقاع ،خاصة بعد ان روج له الدهماء بزعم مباركة ثلة من العلماء ....
حتى نعلم ان المقاصد خادمة وليست هادمة
 
إنضم
19 أبريل 2009
المشاركات
13
التخصص
السياسة الشرعية
المدينة
......
المذهب الفقهي
المالكي
رد: بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله في كاتب المقال وناقله ، ولكن أضع بين أيديكم بعض التساؤولات لعل أحدكم أن يجيب عنها :
أظن أن ما جاء في المقال يتفق عليه أغلب من يتكلمون في المقاصد اليوم وهو أنه لابد من الفصل بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس ، ولكن هل وقع في كلام كبار العلماء اليوم خلط بينهما ؟ وإذا كان بالإمكان الإتيان ببعض الأمثلة على ذلك . ولكم جزيل الشكر
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: بين (مقاصد الشريعة) و (مقاصد النفوس)!

بارك الله فيكم ، موضوع مهم جدا

كما قال أخي أحمد هل يمكن ضرب أمثلة ؟
 
أعلى