العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح القسم الأول والثاني -شرح شرح العضد (من شرح شيخنا أحمد بن حميد وحواشي التفتازاني وغيره)

إنضم
29 أبريل 2008
المشاركات
31
التخصص
الشريعة
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبة ومن اتبعه إلى يوم الدين ... وبعد
فهذا ما تيسر لي من شرح وتلخيص شرح العضد المقرر علينا بما يكون من اجتهادي وإيراد لكلام شيخنا ابن حميد حفظه والله أسأل أن يوفقني وإياكم لكل خير .
..
.
ذكر الشيخ ابن حميد أمورًا في البداية ينبغي العلم بها مثل:

*علم الفقه ينبغي تقديمه على علم الأصول لأن الأصول أمورها كفائية خاصة بالمجتهد إلزاما عليه والمجال مفتوح للمقلد .
*العلامة : هو من جمع بين العقل والنقل .
*موضوع علم أصول الفقه : هو الدليل من حيث ثبوت الحكم به .
*من الفوائد من دراسة علم الأصول : 1_ إدراك القواعد المهمة والعامة. 2_يعذر الآخرين إذا عرف أن للشخص مرجع في حكمه . 3_ التمييز بين ما يصلح دليلا وما لا يصلح . 4_ التروي وعدم الاستعجال في الحكم على الناس. 5_ اختصار الجواب ومناسبته .
*من المهمات للأصولي : التطبيق وهو الثمرة / انطباق القاعدة على المسألة والفرع.
*مختصر ابن الحاجب كأنه مختصر لإحكام الآمدي وشهرته عجيبة قال ابن كثير هو كتاب الناس.
*هو المعتمد في التدريس في كثير من البلدان .
*من أهم الأعمال على المختصر: شرح رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لتاج الدين السبكي / شرح العضد للإيجي (وقيل إن شروحه وصلت إلى 200 شرح) .
*قيل إن اثنان من الناس حفظا مختصر ابن الحاجب في حياته فما بالك بما بعد ذلك.
..
بداية الشرح:

قال المختصر _ابن الحاجب _ بعد مقدمته ثم بعد مقدمة الشارح رحمهما الله :
وينحصر في
: أي وينحصر المختصر الذي ألفه في أربعة أمور سيأتي بيانها وقد يكون القصد إلى انحصار علم أصول الفقه في هذه الأربعة الأمور فيكون الضمير المستتر بعد وينحصر عائدا إليه ويحتمل الإثنين لأن كتابه المختصر عن علم الأصول .
ثم قال في المبادئ : هذه هي الأولى قال الشارح _ العضد _ " ينحصر المختصر أو العلم " أي مختصر ابن الحاجب أو علم أصول الفقه كما ذكرنا .
قال الشارح "في أمور أربعة الأول المبادئ"
أي أن أول الأمور التي يتناولها المختصر أو علم الأصول هي المبادئ وهي تمهيد لعلم الأصول ويتوقف عليها معرفة الأصول وسيذكرها بعد ذلك من تعريف الأصول _حده_ والفائدة من دراسته ومن أين يستمد مباحثه_ أي علم الأصول_ وهكذا من مقدمات في التصورات التي بها يتصور الشخص الأصول بمعرفة حده وهكذا والتصديقات كذلك وأيضا نبذة عن المنطق الذي به يعرف الشخص الألفاظ الأصولية والجدلية . قال "وهي ما لا يكون مقصودا بالذات" أي في هذا العلم والفن وهو علم الأصول وإنما هي مثل المعين الذي يعطي صورة عن هذا العلم ،وليست مقصودة بالذات في أنها من الأصول. قال "بل يتوقف عليه ذلك" أي هذه المبادئ والتصورات يتوقف عليها فهم الأصول كما قلنا بمعرفة تعريفه وحده وفائدته وهكذا .
قال "وعدها جزءًا من العلم تغليبا لا يبعد" أي جزءًا من علم الأصول تغليبًا وإلا فهي ليست من علم الأصول لكنه جعلها منها تغليبا ، للإحتياج إليها وإن قلنا أنها _أي الأمور التي ينحصر فيها _ جزء من الكتاب وهو المختصر فيصح قولنا تماما وليس تغليبا لكن من علم الأصول يكون تغليبًا.
قال "الثاني الأدلة السمعية" أي الثاني من الأمور التي ينحصر فيها الكتاب كما قلنا أو علم الأصول هي هذه الأدلة السمعية ثم قال "لأن المقصود استنباط الأحكام وإنما يكون منها لأن العقل لا مدخل له في الأحكام عندنا" أي لأجل ذلك تذكر هذه الأدلة التي منها يستنبط الحكم فهي متناولة .
قال "الثالث _ من الأمور _ الترجيح إذ الأدلة الظنية قد تتعارض فلا يمكن الاستنباط إلا بالترجيح وهو بمعرفة جهاته" أي جهات الترجيح .
قال "الرابع الاجتهاد وهو الاستنباط المقصود فلابد من معرفة أحكامه وشرائطه"
..
قال "واعلم أن الحصر في مثله استقرائي"
أي حصر علم أصول الفقه في مثل ما ذكر من الأمور الأربعة هو حصر استقرائي والاستقراء: ( تتبع جزيئات الكل ) ، إلا أن يكون المقصود حصر مختصره الذي ألفه وهو يعرفه فيحق له عندئذ أن يحصر ما فيه حصرا عقليا جازما فيه وسيأتي بعد نهاية هذه الجملة. قال "ومن رام حصرا عقليا فقد ركب شططا" أي تجاوز الحد فإنه لا ينحصر عقلا والحصر العقلي هو بالنفي والإثبات _وهذه الصيغة أقوى صيغ الحصر على الاطلاق ولذلك ارتضاها الله ورسوله لتستخدم في الدخول في الدين ونفي الإلهية إلا لله سبحانه وذلك ثبت بالقرآن والسنة_ فتنفي مثلا الآلهة أجمعين بأنهم ليسوا آلهة ثم تثبت الإلهية لله سبحانه وتعالى _هذا مثال للعقلي_ ؛لأن الحصر العقلي الحقيقي الذي يشمل كل الجزئيات لا يمكن إلا من أعلم العالمين الله سبحانه أو لخلقه الذين يبين لهم سبحانه دلائل الحصر الجازم فيتبعوا قول ربهم وإشاراته ويقيسوا عليها ،وإلا فإن حصرهم استقرائي مما يشاهدون ويكتشفون ؛ولذلك أورد حصرا نكرة ليبين أنه عام لكل حصر. قال "إلا أن يقصد به ضبط يقلل من الانتشار ويسهل الاستقراء" أي هذا الحصر لن يكون عقليا كما قلنا بل ((يقلل)) فقط من الانتشار وعدم الجمع بكلمات مجتمعة ومضاف بعضها إلى بعض تسهل عليك التعرف على الأجزاء وتمنع من الشتات وعندئذ يسهل لك أيها القارئ والمتعلم الاستقراء والتعرف على الجزئيات وأين تكون في الحصر الاستقرائي ولكن لا نجزم بأن كل ما ذكرناه في الاستقرائي هو منه وما لم نذكره فإنه ليس منه ،لا وإنما هذا يكون في العقلي الذي فيه الجزم بالحصر.
..
قال "فيقال ما يتضمنه الكتاب إما مقصود بالذات أو لا"
أي أنا إذا قلنا إن المقصود بالحصر هو الكتاب المختصر فإنا نستطيع أن نستعمل الحصر العقلي الذي هو بصيغة النفي والإثبات ،فإن ما هو موجود فيه من الأمور الأربعة بالتأكيد لا تغليبًا إنه إما أن يكون مقصودا بالذات في الحصر أي أنه يقول مثلًا كتابي هذا إما أن يكون ذاته في الأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد وتوابع ذلك من طرق الاستنباط وكيفيته ونحوه ، وإما أن يكون لغير ذاته مثل المبادئ التي أشار إليها أولًا لتعين على التصور البسيط الذي يعطي فكرة لما سيغوص فيه .
..
قال "الثاني: المبادئ إذ لابد أن يتوقف عليه المقصود بالذات وإلا فلا حاجة إليه أصلًا" أي من قوله 1_مقصودا بالذات أو 2_غير مقصود بالذات والثاني هذا الغير مقصود بالذات هو المبادئ هو الذي لابد أن يتوقف عليه معرفة المقصود بالذات كالأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد وإلا فلا حاجة لنا أصلًا به في سرده في هذا الكتاب ولكن لأنه يتوقف عليه فهم الثلاثة التالية بعده .
..
قال "والأول لما كان الغرض منه استنباط الأحكام" أي الأول وهو المقصود بالذات وهي الثلاثة التالية (الأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد) الغرض منها استنباط الأحكام وكيفية ذلك . قال "فالبحث إما عن نفس الاستنباط وهو الاجتهاد" أي الأول المقصود بالذات البحث فيه إما عن نفس الاستنباط وذاته وذلك هو الاجتهاد أو . قال "أو عما تستنبط هي منه إما باعتبار تعارضها وهو الترجيح" أي أن المقصود بالذات البحث فيه إن لم يكن في نفس الاستنباط فسيكون عما يُسْتَنْبَطُ منه ويكون أصلا للاستنباط وهذا الذي يُسْتَنْبَطُ منه إما أن يكون باعتبار تعارض أصول الاستنباط وهذا هو الترجيح . "أو لا وهو الأدلة" أي لا يكون باعتبار تعارض أصول الاستنباط وإنما هو ذات الأصول ومأخذ الاستنباط وهذه هي الأدلة السمعية _وهنا إشارة بسيطة إلى أن العضد رحمه الله يريد أن يبين لنا معنى الحصر العقلي فاستخدمه عدة مرات فيما إذا كان المقصود هو كتاب ابن الحاجب كما قلنا فأراد أن يرسخ لنا الحصر العقلي باستخدامه وبيان كيفية استخدامه ليظهر لنا وهو صيغة (إما أو لا )_ .
..
قال ابن الحاجب "فالمبادئ حده وفائدته واستمداده" قال الشارح "قد ذكر من مبادئ العلم ثلاثة أمور أحدها :حده ؛لأن كل طالب كثرة"
أي أنه شرع أولًا في المبادئ وهي الأولى من المحصورات الأربعة وذكر منها الحد والفائدة والاستمداد ثم جاء للحد وأراد أن يبين سبب بيان الحد والتعريف وأن ذلك مهم في بداية دراسة أصول الفقه وكل العلوم . قال " لأن كل طالب كثرة تضبطها جهة واحدة حقه أن يعرفها بتلك الجهة" أي أن كل طالب علم به كثرة مسائل وليس صورة واحدة منه يمكن تصورها هي فقط لا بل كثيرة الأجزاء فتصورها هذا ثم هذه الكثرة تضبطها جهة واحدة معينة فحقه أن يعرفها بتلك الجهة التي هي له كأن يقول مسائل أصول الفقه من جهة كونها من الأصول هذه هي الجهة الواحدة التي ينبغي عليك معرفتها كأصولي لا كل مسائل الأصول من الجهات النحوية اللغوية المحضة مثلا أو العقدية المحضة أو المنطقية المحضة فعندها سنتعب أنفسنا ونشتت ذهننا عن إدراك هذا العلم وتعريفه . قال "إذ لو اندفع إلى طلبها قبل ضبطها" أي لو طلب التعرف عليها قبل ضبط مسائلها بالجهة الأصولية المعينة ستكون النتيجة أنه . "لم يأمن أن يفوته ما يعنيه" أي لن يأمن أن يفوته ما يهمه ويعنيه في هذا العلم بخروجه عن حدوده ،هذا أولًا ثم ثانيًا سوف . "ويضيع وقته فيما لا يعنيه" سيكون عندئذ مشتِّتًا نفسه مشتغلا بما لا يعنيه في هذا العلم . قال " ولا شك أن كل علمٍ (مسائل كثيرة تضبطها جهة واحدة) تُعَدُّ " أي هذه المسائل. "علما واحدًا يُفردُ بالتدوين والتعليم. قال :ومن تلك الجهة يؤخذ تعريفه فإن كان حقيقة مسمى اسمه ذلك كان حدًا له " أي من تلك الجهة الواحدة نأخذ تعريفه الذي إن كان حقا هو المنطبق عليه الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة أن هذا المعرف هو أصول الفقه مثلًا ،وكان الجامع لجميع أفراده وأنواعه والمانع لأفراده وأنواعه من الخروج عنه عندئذ يكون هذا حد له وتعريف له بالحد . قال "وإلا فلابد أن يستلزم تميزها فيكون رسمًا له" أي أنه إذا لم يكن كذلك سينزل إلى الدرجة الثانية وهي وصفه بصفات تميزه عن غيره وهذا هو التعريف بالرسم .
..
قال "فإذًا لابد لكل طالب علم أن يتصوره بحده أو برسمه"
ليستوعبه و "ليكون على بصيرة في طلبه" لمعرفته "فإن مَن لمْ يتصور" العلم والفن المعيَّن "كذلك ركب متن عمياء" هذه كلمة تقال في الناقة "وخبط خبط عشواء" فلا يدري ما الذي يحاول فهمه وهل هو هذا أو هذا .
..
قال "وثانيهما"
ثاني المبادئ وهو لا زال في الغير مقصودة لذاتها في العلم ليبين أهمية توقف فهم العلم على هذه الثلاث . قال "فائدته ؛ليخرج عن العبث وليزداد جد طالبه فيه إذا كانت مهمة ولئلا يصرف فيه وقته إذا لم يوافق غرضه" أي أن معرفة فائدة تعلم علم من العلوم في البداية ؛ 1_تبين للعبد أنه هل سيكون طلبه عبثًا أم لا إذا عرف أنه سيستفيد هذه الاستفادة .2_ثم إنه إن عرف أن هذه الفائدة مهمة فسيزداد جده واجتهاده في طلبه.3_وإن كان له غرض من تعلم ما فإنه سيعرف هل هذا العلم الذي أذاكره وأحاول فهمه هل يوافق طلبي هذا وغرضي هذا .
..
قال "وثالثهما استمداده إما إجمالًا فببيان أنه من أي علم يستمد ليرجع إليه عند روم التحقيق"
أي الثالث من المبادئ استمداد هذا العلم ومستمده _ثم أعاد الحصر العقلي_ فقال إما إجمالا :أي الاستمداد بالجملة وهو بيان أن هذا العلم يستمد بالإجمال من علم كذا مثلًا علم الأصول يستمد من اللغة والأحكام والمقاصد وهكذا ؛ لنرجع إلى المستمد منه عند احتياجنا إلى التحقيق إذا لم يتبين لنا فهم معنى في نفس علمنا المستمد من غيره ، فقد نفهم من المستمد منه والمصدر .
_ولكن هذا إذا قلنا الاحتياج إلى التحقيق ولكن في التفصيل الذي سيأتي في الفقرة التالية فإنا قد احتجنا حقا للتحقيق وقد نجد المطلب المفهم لنا و قد لا نجده وبيان ذلك في_ ، قوله "وإما تفصيلا فبإفادة شيء مما لابد من تصوره وتسليمه أو تحقيقه" أي وإما عند التفصيل في المسائل نستفيد بالرجوع إلى المستمد منه أمرا لابد من تصوره وإدراكه على ما هو عليه ولم نكن كذلك بدون الرجوع للمستمد منه فيحصل عندنا التصديق ونسلم به على الحقيقة . أو أنا لا نسلم إلا بعد تحقيق وطلب في نفس المستمد منه فلا نجد ما نريد حتى في المستمد منه ، ثم قال "لبناء المسائل عليه" أي في المستمد منه فيكون لنا مرجعا عند التحقيق والتأكد ويكون لأصحاب العلم المتفرع مصدرا من المصادر أعني المستمد منه مصدر للمستمِد.
..
قال ابن الحاجب "أما حده لقبا" قال الشارح "اللقب عَلَمٌ يشعر بمدح أو ذم"
أي تعريف اللقب هو علم والمعنى الأصلي للعلمية فيه يشعر بمدح أو ذم _ومما ينبغي معرفته أن التعريف يعرف بالإضافة في المركبات أو باللقب ،والتعريف باللقب هو تعريفه لكونه لقبا على فن من الفنون وعلم من العلوم ،والتعريف الإضافي الذي فيه تفصيل لتعريف المضاف على حدا وهو عندنا (أصول) والمضاف إليه على حدا وهو (الفقه) ثم التعريف بتركيبهما الاثنين المضاف والمضاف إليه وستأتي النوعان اللقبي أولًا ثم الإضافي_ . قال "وأصول الفقه :عَلَمٌ لهذا العِلمِ الذي يشعر بابتناء الفقه في الدين عليه" أي أن الفقه بني على أصول الفقه . قال "وهو صفة مدح" أي الابتناء والتأصيل صفة مدح للأصول لبيان شرف بناء المهم وهو الفقه على شيء فكيف بهذا الشيء الذي بني عليه المهم . قال "ثم إنه منقول من مركب إضافي فله بكل اعتبار حد" يقصد أصول الفقه ،أنه اسم علم منقول وليس اسم علم مرتجل قد وضع من أول الأمر علمًا على كذا لا لم يكن كذلك وإنما منقول من مركب ،وهذا المركب مركب إضافي كعبدالله وعبدالقادر وليس مركبًا اسناديا كـ تأبط شرًّا أو مركبًا مزجيًا كحضرموت ،ومادام مركبًا فله بكل اعتبار حد فــللمضاف حد وللمضاف إليه حد وهو ما ذكرناه قبلُ في التعريف باللقب والإضافة .
..
قال "أما حده لقبًا فالعلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية"
وقيل حده القواعد التي يتوصل بها ... ، قال "والذي يكشف عن حقيقته أن الأحكام" لا يقصد هنا الأحكام الشرعية أو الفروع الشرعية فقط ولكن يقصد ما هو أوسع وأعم منها وهو ما بمعنى التصديقات والحكم على الواقع (وهو الحكم على شيء عموما) وهذه التصديقات الحكمية قال "قد تؤخذ لا من الشرع كالتماثل والاختلاف" أي قد لا تؤخذ من الشرع كأن تؤخذ من العقل أو الحس كأن تحكم بأن هذا مثل هذا فيأخذ حكمه _كأنه أراد القياس_ أو أن هذا مختلف عن هذا فيأخذ الحكم المضاد أو النقيض _كأنه أراد مفهوم المخالفة_ وهكذا . قال "وقد تؤخذ منه" أي الأحكام الشرعية قال "وتلك إما اعتقادية لا تتعلق بكيفية عمل ،وتسمى أصلية" أي الشرعية إما أن تكون اعتقادية في الجَنان لا أداء لعمل ولا قول فيها وهي التي تُسمى الأصلية قال "أو عملية تتعلق بها وتسمى فرعية وهذه لا تكاد تتناهى" أي أو أحكام شرعية عملية وهي الفرعية وهي تتعلق بالاعتقادية والاعتقادية بالنسبة لها كالأصل والبناء الذي تنبني الفرعية عليه ، وهذه الشرعية العملية لا تكاد تنحصر أو تنتهي أو تتناهى .
قال "فامتنع حفظها كلها لوقت الحاجة للكل" أي والبشر لا يقدرون على حفظها وضبطها كلها إلى وقت الحاجة إليها كلها بما هو كلي يجمعها ، فلم يقدروا على ذلك الجمع لكل الفروع فعندئذ قال "فنِـيطَت بأدلة كلية من عمومات وعلل تفصيلية" أي أنهم لم يقدروا على ما سبق فربطها الشارع بأدلة أكبر عامة كلية تشملها تحتها ،وهذه الكلية من عمومات مثل الأوامر واجبة الفعل ،وعلل عامة كالإسكار ؛لتربط بينها وبين مَنْ تشبهها فـتـفـصِّـل لك أحكام معينة تدخل تحتها ، وبذلك سهل علينا ضبطها بضبط هذه القواعد والكليات _ألا وهي قواعد أصول الفقه_ . قال "أي كل مسألة مسألة بدليل دليل لتستنبط منها عند الحاجة للكل" جاء هنا ليفسر كلامه السابق فقصد كل فرع بدليله فتستنبط عندئذ من الكلية كيف شئت عند الحاجة ولا تجد عناءَ من طلب جمع الفروع . قال "وإذ ليس في وسع الكل أيضًا أن ينتهض له" أي ليس في وسع كل الناس أن يقوموا بالاستنباط أو أن يدركوا الاستنباط والسبب قال "لتوقفه" أي الاستنباط "على أدوات يستغرق تحصيلها العمر" أي تحصيل أدوات الاستنباط وفهم كلام الشارع مثلًا، فما الذي يحصل عندئذ ؟ قال " وكان يفضي إلى تعطل غيره من المقاصد الدينية والدنيوية" أي سيتعطل غير الاستنباط من مقاصد دينية كبر الوالدين ، والدنيوية كالزراعة ، فما الذي حصل عند استقراء تاريخ الإسلام بالنسبة لاستنباط الأحكام يا أيها العضد ؟ قال "فخص قوم بالانتهاض له وهم المجتهدون" أي خص قوم للقيام بالاستنباط وهم المجتهدون ، قال "والباقون يقلدونهم فيه" أي غير المجتهدين يقلدونهم في الاستنباط والحكم "فدوّنوا ذلك وسمّوا العلم الحاصل لهم منها فقهًا" أي جمعوا ودونوا الاستنباط والنتائج والأحكام . والأحكام التي طلعوا بها سمَّوْهَا فقهًا ، قال "وأنهم احتاجوا في الاستنباط إلى مقدمات كلية" أي قواعد ومقدمات كبرى عند ربطها بالمقدمة الصغرى تطلع لك نتيجة الحكم في مسألة ما _مثاله (المقدمة الكبرى :أمر الشارع واجب/ والصغرى :الصلاة مأمور بها /النتيجة : الصلاة واجبة) . قال "كل مقدمة منها يبتنى عليها كثير من الأحكام ، وربما التبست" أي عليهم "ووقع فيها الخلاف فتشعبوا فيها شعبًا وتحزبوا أحزابًا ورتبوا فيها مسائل تحريرًا واحتجاجًا وجوابًا" أي حرروها بكتابتها وإثباتها واحتجوا لذلك وبذلك وأجابوا على المخالف . قال "فلم يروا إهمالها" رأيهم أنهم لا يكتفوا بهذه الكليات لأنفسهم بل يسجلوها ويحرروها على أنها مهمة لا تهمل ولتكون . "نصحًا لمن بعدهم وإعانة لهم على درْك الحق منها بسهولة فدونوها" أي فيستفيد من بعدهم منها ليدركوا الحق الذي يعتقدون بأنهم أدركوه وفي الغالب قد أدركوه لأن المصيب منهم والمخطئ مأجور بنص الحديث . قال "وسموا العلم بها أصول الفقه" أي هذه القواعد. قال "فكان حده ما ذكرنا. وفوائد القيود قد ظهرت" أي بالقيود استفدنا الاحتراز عن محترزات لنخرجها عن التعريف والحد _فــ(القواعد) تخرج لنا الجزئيات/ و(استنباط) يخرج لنا الفقه الجاهز والثمرة المستنبطة الموجودة / و(الشرعية) تخرج لنا الأحكام العقلية ونحوها / و(الفرعية) تخرج لنا الأصلية العقدية / و( الأدلة التفصيلية) تخرج لنا الأحكام التي تتفرع من الأدلة الإجمالية كالحكم المستنبط من مقصد مراعى ومهم في الشرع_. ..
قال "وأما حده مضافًا فلابد في معرفة المركب من معرفة مفرداته من حيث يصح تركيبها"
أي أولًا :لابد في معرفة المركب من معرفة صحة تركيب مفرداته وأنها متلائمة التركيب . قال "وأصول الفقه :مفرداته الأصول ، والفقه من حيث دلالتهما على معنييهما" ثانيًا :لابد في معرفة المركب من معرفة دلالة معنى مفرداته كلٌ على حدا .فعندئذ تعرف المركب . قال "والأصل ،في اللغة :ما يبتنى عليه الشيء ،ويقال في الاصطلاح" اصطلاح الأصوليين الفقهاء _وأتى بأربعة معاني، الأول قال "للراجح ،يقال الأصل الحقيقة" أي في الكلام ، الثاني قال "وللمستصحب يقال: تعارض الأصل والطارئ" أي الأصلي الباقي على ما كان عليه والطارئ الحادث. الثالث قال "وللقاعدة الكلية يقال :لنا أصل ، وهو أن الأصل مقدم على الطارئ" أي ما تنطبق عليه القاعدة أصل فلا يتحول عنه إلى المخالف إلا بقرينة. الرابع قال "وللدليل يقال :الأصل في المسألة الكتاب والسنة" الدليل من الكتاب .. قال "وإذا أضيف إلى العلم فالمراد دليله" يقصد بالعلم هنا الفقه.
..
قال "والفقه العلم بالأحكام الشرعية (الفرعية عن أدلتها التفصيلية) بالاستدلال"
يقصد بالاستدلال أي عن طريق الشاهد أو وجه الدلالة من الآية أو الحديث مثلًا عرفوها قال "وبهذا القيد الأخير احترزنا عما عرف من بالأدلة ضرورة" أي من دون استدلال ولا نظر ولا صحيح نظر وإنما هو حاصل معرفة لا طلبًا أو استدلالًا مثل ما قال " كعلم جبريل والرسول عليهما السلام ،ومن لم يجعله عن الأدلة" أي من لم يجعل علم جبريل والرسول عليهما السلام من طريق أدلة فهو يقصد قال "إما للتصريح بما عُلِمَ التزامًا" أي أنه حذف الأدلة ليصرح في أنه ليس معلومًا من طريق أدلة ولا توصل بصحيح نظر في ذلك وإنما هو التزامًا من الفرعية مباشرة قال "وإما لدفع الوهم" أي الوهم الحاصل من أن قولي مثلاً أدلة أنها قد تكون بلا استدلال _فأراح نفسه ولم يذكر لا أدلة ولا استدلال_ قال "وإما للبيان دون الاحتراز" أي دون احتراز عن الأدلة والاستدلال في أن ذكر أي شخص للفظة أدلة هو بحد ذاته دليل على أن هناك استدلال سواء ذكرت أنك تقصد أن الطريق بالاستدلال أم لا ؛لأن ذلك ما يتبادر إلى الذهن . قال "وباقي القيود عرفت مما تقدم" أي عرفت وعرفت محترزاتها .
..
قال "واعلم أن له جزءًا آخر كالصورة وهو الإضافة" أي أصول الفقه له جزء آخر غير المضاف (أصول) والمضاف إليه(الفقه) وهذا الجزء الثالث هو ذات الإضافة أي معنى الارتباط بين المضاف والمضاف إليه واختصاص المضاف بالمضاف إليه. قال "وإضافة اسم المعنى تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه باعتبار (ما دل عليه لفظ المضاف)" أي كما بينا قبل في أن القصد اسم المعنى لا الذي وقعت فيه الإضافة لا اسم العين مثل قال "تقول :مكتوب زيد والمراد اختصاصه به لمكتوبيته له" أي بمجرد الإضافة عرفنا الاختصاص ولم نحتاج إلى دليل خارجي للخصوصية والخصوصية مقيدة بالمكتوبية للإضافة . قال "بخلاف اسم العين فإنها تفيد الاختصاص مطلقًا" لا بتقييد الإضافة. قال "فإذا أصول الفقه :أدلة العلم من حيث هي أدلته ، ونُقِلَ إلى ما ذكرناه عرفًا" أي نُقِلَ إلى ما ذكرناه من أنها الأدلة وغيرها من الترجيح والاجتهاد وذلك كان عرفا باصطلاح . قال "ولو حُمِلَ الأصول على معناه اللغوي حتى يكون معناه ما يستند إليه الفقه" كما قلنا لغة هو ما يبتنى عليه أو يستند إليه . قال "لشمل الأقسام فلم يحتج إلى النقل" أي لشمل كل الأدلة والترجيح والاجتهاد وذلك لأنها تشترك في معنى بناء الفقه على الأصول بأدلة وترجيح وهكذا .
..
قال ابن الحاجب "وأورد إن كان المراد البعض" قال الشارح "أورد على حد الفقه أن المراد بالأحكام إن كان هو البعض"
أي ليس كل الأحكام الفقهية قال "لم يطرد" أي لم يكن الحد مانعًا وصار جامعًا فقط ، قال "لدخول المقلد" وذلك أنه مثل المجتهد يعلم بعض الأحكام الفقهية قال "إذا عرف بعض الأحكام كذلك لأنا لا نريد به العامي" الذي لا يعرف حتى بعض الأحكام ،لا هذا لا نقصد به المقلد وإنما المقلد بين مرتبة المجتهد والعامي فالمقلد يعرف بعض الأحكام فدخل ضمن الاجتهاد. قال "بل من لم يبلغ درجة الاجتهاد" أي هذا هو المقلد . قال "وقد يكون عالمًا" أي عالم بعلم غير الفقه كالحساب ونحوه. قال "يمكنه ذلك مع أنه ليس بفقيه إجماعًا".
قال "وإن كان هو الكل"
أي أن المراد بالأحكام الفقهية كل الأحكام.
قال "لم ينعكس" أي لم يصبح جامعًا. قال "لخروج بعض الفقهاء عنه لثبوت لا أدري عمن هو فقيه بالإجماع ،نُقِـل أن مالكًا" أي الإمام مالك ابن أنس رحمه الله قال "سئل في أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين منها :لا أدري ،والجواب" على هذا الاعتراض قال "أنا نختار أن المراد البعض" أي بعض الأحكام قال "قولكم لا يطرد لدخول المقلد فيه ممنوع" أي أن قولكم أنه غير مانع وغير مطرد لدخول المقلد قولكم هذا ممنوع وذلك أن قال "إذ المراد بالأدلة الأمارات" أي الأمارات التي تفيد الظن فلا تعطي القطع في الأحكام. قال "ولا يعلم شيئًا من الأحكام كذلك إلا مجتهد ،يجزم بوجوب العمل بموجب ظنه ،وأما المقلد فإنما يظن ظنًا ولا يفضي به إلى علم ؛لعدم وجوب العمل بالظن عليه إجماعًا." أي ظن المجتهد يعمل به أما المقلد فلا إجماعًا.
قال "أو نختار أن المراد الكل" أي كل الأحكام. قال "قولكم لا ينعكس" أي غير جامع "لثبوت لا أدري قلنا ممنوع" أي قولكم وذلك أن "لا يضر ثبوت لا أدري إذ المراد بالعلم بالجميع التهيؤ له" ومعنى التهيؤ "هو أن يكون عنده ما يكفيه في استعلامه بأن يرجع إليه فيحكم" أي عندما يرجع إلى مراجعة القواعد والأدلة سيخرج الحكم ولن يصعب عليه فعندئذ يحكم . قال "وعدم العلم في الحالة الراهنة" وقت السؤال "لا ينافيه ؛لجواز أن يكون ذلك" وهوعدم العلم "لتعارض الأدلة أو لعدم التمكن من الاجتهاد في الحال" وقت السؤال "لاستدعائه زمانًا"
..
قال ابن الحاجب "وأما فائدته" قال الشارح "فائدة أصول الفقه معرفة أحكام الله تعالى"
_وإن الأولى لو قال معرفة القدرة على التوصل لأحكام الله تعالى لكان أليق_، قال "وهي سبب الفوز بالسعادة الدينية والدنيوية" .
..
قال ابن الحاجب "وأما استمداده" قال الشارح "هذا العلم يستمد من الكلام"
علم الكلام، "ومن العربية ومن الأحكام ، أما الكلام فلتوقف الأدلة الكلية أي الإجمالية" الأدلة الإجمالية المقعِّدة للقواعد متوقِّــفة أن تكون أدلة إلا إذا كانت حججًا للأحكام فذلك مثل قال "ككون الكتاب والسنة والإجماع حجة على معرفة الباري تعالى" فهذا الإدراك محله العقل وما يستنبطه قال "ليمكن إسناد خطاب التكليف" وهو الكلام "إليه ، ويعلم لزومه" وهذا هو الغرض من ذلك "حينئذ . وتتوقف" معرفة وجود الباري سبحانه "على أدلة حدوث العالم" لا العكس وهو أن حدوث العالم دليل وجود الصانع فنقول لا وإنما العالم حادث والدليل عليه الصانع سبحانه وليس العالم بقديم قبل الله سبحانه كما يقول الفلاسفة "وأيضا أنه يتوقف" أي كون الكتاب وأنه حجة "على صدق المبلغ" أي أن المبلغ والرسول إذا كان صادقًا صار الكتاب حجة فتوقف الثاني على الأول. قال "وهو يتوقف على دلالة المعجزة" أي بيان أن المبــلِّــغ والرسول صادق متوقف على أن يأتي بمعجزة دالة على ما يدعي. قال "ودلالتها تتوقف على امتناع تأثير غير القدرة القديمة فيها" أي أن دلالة المعجزة لا إعجاز فيها وهو متوقف على امتناع تأثير قدرة للمخلوقين فيها ونفاذ القدرة القديمة الخارقة فيها التي لا يستطيعها المخلوقين . قال "ويتوقف على قاعدة خلق الأعمال وعلى إثبات العلم والإرادة" أي والعلم بذلك الامتناع الذي هو أنه لا تأثير في دلالة المعجزات إلا لقدرة قديمة خارقة متوقف هذا على قاعدة خلق الأعمال لله سبحانه وحده فهو سبحانه المؤثر والعلم والقدرة له سبحانه فهو العالم الموجد للأمر الخارق للعادة فعندئذ فهو سبحانه الواحد في العلم والقدرة والتأثير وإيجاد ذلك .
..
قال "ولا تقليد في ذلك لاختلاف العقائد فلا يحصل به علم"
أي لا تقليد في علم الكلام مثل التقليد في الفقه وذلك أن التقليد لا يفيد العلم والعلم في الكلام والعقائد لازم ضروري لاختلاف عقائد الناس فيها فهم يتناقضون في تلك المسائل فعندئذ ستجد نفسك تقلد واحدا في الحدوث وواحدا في القدم فإنك ستجد عالمين اثنين حينها .
..
قال "وأما العربية فلأن الكتاب والسنة عربيان والاستدلال بهما يتوقف على معرفة اللغة من حقيقة ومجاز وعموم وخصوص وإطلاق وتقييد ومنطوق ومفهوم وغير ذلك" كما قلنا في توقف ما سبق على ما يستلزمه في علم الكلام السابق في الجمل السابقة لهذه الجملة وهي هنا أن معرفة الكتاب والسنة متوقف على معرفة اللغة العربية وما فيها ألفاظها وسياق جملها من حقيقة ومجاز ووو...
..
قال "وأما الأحكام فالمراد تصورها ،وذلك لأن المقصود إثباتها ونفيها" فلزم من الإثبات أو النفي لها لازم وهو تصور هذه الأحكام وهذا هو فقط مدخل الأحكام إلى أنها مما يستمد منه علم الأصول استمداده وذلك أن المقصود كما نعرف من علم الأصول والثمرة هي إثبات أو نفي الحكم. قال "في الأصول إذا قلنا الأمر للوجوب" فالتصور أنه حصل هنا إلزام وسيكون هناك عقاب مثلا على الترك فتصور هذا هو المطلوب للاستمداد في الأصول ، قال "وفي الفقه إذا قلنا :الوتر واجب مثلًا" كذلك . قال "ولا يمكن بدون تصورها" هذا هو المقصد من الاستمداد .
قال "ولا يريد بالأحكام العلم بإثباتها أو نفيها لأن ذلك فائدة العلم" أي ولا يريد باستمداد الأحكام العلم بإثباتها أو نفيها لأن ذلك هو فائدة علم الأصول وليس استمداده . قال "فيتأخر حصوله عنه" ولا يكون مستمدًا وإنما متأخرًا كمثل الثمرة من العلم. قال "فلو توقف عليه العلم كان دورًا" أي لو كان استمداد علم الأصول وهو العلم بإثباتها أو نفيها فعندئذ يأتي الدور والإعادة والتكرار ؛لأنك كأنك تقول فائدته استمداده واستمداده فائدته فلن تعرف ما هو الاستمداد من الأحكام، وأيضًا لأننا لو قلنا الأصول تستمد من الأحكام وهي الفقه والفقه هذا يستمد من الأصول فعندئذ يأتي الدور. قال " وستقف على ذكره لأحكام الأحكام إثباتًا ونفيًا" أي وحتى أحكام الأحكام مثل أن الوجوب ليس إباحة والوجوب تركه يعاقب عليه سيقف على ذلك الفائدة والثمرة . قال "وهو خارج عن الأمرين" أي أن المبادئ _ونحن ما زلنا في المبادئ_ خارجة عن أن تكون الأمر الأول هنا وهو تصور الأحكام أو الثاني العلم بإثباتها أو نفيها .
..
قال ابن الحاجب "الدليل لغة المرشد" قال الشارح "لما كان استمداده من المواضع الثلاثة كان مبادئه منهما فشرع في ذكرها"
أي أنه لما كان الاستمداد من علم الكلام والعربية والأحكام الشرعية فكان الابتداء بها أليق وافضل لنعرف أصل هذا العلم ثم نعرفه ، قال "وهذه هي مبادئ الكلام" أي مبادئ كلامية لعلم أصول الفقه. "والدليل لغة: يقال للمرشد" والمرشد هو لــ وهو أولًا "وهو الناصب" وأيضا المرشد هو ثانيًا لــ "والذاكر" وأيضا ثالثًا لــ "ما يحصل به الإرشاد" 1_ والناصب هو الواضع للدليل ، 2_ والذاكر هو الذي يذكر لنا الدليل ويبين أنه دليل على الناصب الواضع ، 3_ وما يحصل به الإرشاد أي طريق الاستدلال أو الارشاد وما فيه هذه الدلالة والارشاد. قال "وهذا ما صرح به في الإحكام" أي ما صرح به الآمدي في كتابه الإحكام. قال "ولا يبعد أن يجعل للمرشد وهو للمعاني الثلاثة" وهي الناصب والذاكر وما يحصل به الارشاد. قال "فإن ما به الارشاد يقال له المرشد مجازًا. فيقال الدليل على الصانع هو الصانع" وهو الناصب على ما سبق. "أو العالِم" بكسر اللام أي من العلماء الذاكر الذي دلنا على الناصب والواضع. "أو العالَم" بفتح اللام وهو الذي حصل به الاستدلال والارشاد بقربه منا ومن نظرنا إليه فانقدح في ذهننا أن لهذا العالم صانع فصار العالم دليلًا.
قال "واصطلاحًا :أما عند الأصوليين فما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري" أي الدليل في اصطلاح الأصوليين هو الذي أمكننا عندما نظرنا فيه نظرة صحيحة سليمة لوجه الاستدلال وفهم معنى هذا الوجه وصلنا إلى المطلوب فيه على ما أخبر.
قال "وذكر الإمكان" أي وذكر ابن الحاجب بقوله (ما يمكن) ؛"لأن الدليل لا يخرج عن كونه دليلًا بعدم النظر فيه" أي بعدم النظر هو دليل ،وبالنظر فيه أيضًا هو دليل.
قال "وقيد النظر بالصحيح لأن الفاسد لا يتوصل به إليه" أي إلى الدليل والاستدلال. قال "وإن كان قد يفضي إليه اتفاقًا" أي أحيانا وبالمصادفة قد يفضي النظر الفاسد إلى الاستدلال. قال "وهذا يتناول الأمارة أي الظني منه وربما قيل إلى العلم بمطلوب خبري فلا يتناولها" أي أن التعريف السابق كله الذي أورده في اصطلاح الأصوليين هو قد يتناول الدليل والأمارة ، والأمارة كما نعرف تختلف عن الدليل بأنه بطريق ظني أما الدليل فقد قيل في تقييد تعريفه بالعلم (ليس الظن) بمطلوب خبري فعندئذ لا يتناول الأمارة وإنما يكون تعريفًا واقعًا على الدليل فقط.
"وأما عند المنطقيين" أي الدليل اصطلاحًا قال "فقولان فصاعدًا" أي قضيتان معقولتان تقدر أن تسكت إذا قلتهما وتظهر النتيجة والنتيجة قال "يكون عنه قول آخر" أي عن هاتين القضيتين فصاعدًا. قال "وهذا يتناول الأمارة" أي وقولهم هذا يتناول الأمارة والدليل لماذا؟ "؛لأنه يجمع القياس البرهاني" أي القطعي. "والظني" و "والشعري" أي الشعوري التخيلي كالحُبْ. "والسفسطي" أي الفلسفي . فمن ثم بهذه كلها تأتي النتيجة فتكون هذه أدلة .
قال "وربما قيل بدل يكون يستلزم لذاته" أي بدل تعريف المنطقيين السابق الذي قالوا فيه (قولان فصاعدًا يكون عنه قول آخر) بدل قولهم يكون قالوا يستلزم . "يستلزم لذاته قولًا آخر" ليصلوا إلى القطع لا الظن "فتخرج الأمارة" وتصبح من محترزات تعريفهم للدليل.
قال "إذ يختص بالبرهاني منه" أي صار إلى القطع كما قلنا. "فإن غيره" أي غير البرهاني "لا يستلزم لذاته شيئا" أي قولًا آخر والمعنى أن لا يكون من طريق القطع بل بالظن ،(فعندئذ يصح القول أنها هي قضايا متى ما سلمت بها يلزمك وليس ظنًا أن تعرف أو تخرج بالنتيجة) _والتسليم قرين القطع والعلم ،والظن عكس ذلك_.
قال "فإنه لا علاقة بين الظن وبين شيء لانتفائه مع بقاء سببه" أي لا علاقة بين الظن وبين شيء آخر أو نتيجة أخرى ما ،بحيث يمنع الاختلاف عنه بمجرد اِنتفاء الظن مع بقاء السبب لذلك _مثاله الغيم الكثيف الأسود أمارة للمطر فإن زال الظن بأن المطر سينزل لسبب ما كأن يأتينا تنتشر مادة مثلًا مثلًا تزيل الماء ،فإن هذا لا زوال الغيم ولكن قد ينتفي الناتج ويبقى ما أعطانا توقع حصول هذا الناتج.
قال "وفيه بحث مذكور في الكلام" أي في علم الكلام بحث مذكور هو أن الممكنات مستندة إلى الله سبحانه هو مرجعها وأن العلم والظن يأتي بعد الدليل والأمارة بخلق الله تعالى بغير تأثير لهما بما لهما من إيجاب مثلًا .
قال "واعلم أن الحاصل أن الدليل عندنا على إثبات الصانع :هو العالَم ، وعندهم " أي عند المنطقيين هو "أن العالَم حادث وكل حادث فله صانع" فعندنا الأصوليين يعرف بكلمة واحدة بدلالتها أم عندهم فمن قضيتين.
..
..
.
قال ابن الحاجب "مسألة لا تثبت اللغة قياسًا" قال الشارح "قد اختلف في جوز إثبات اللغة بالقياس"
أي أن الأسماء لا تثبت بالقياس وإنما هي موضوعة كأعلام على المسميات وأشياء كل اسم على مسماه ، وليس الاسم ثابت بطريق القياس بأن تجد أصلا كالخل مثلًا هو حامض فتقول كل حامض خل وتسمي بذلك وتقيس على كل حامض لا . كذلك مثلًا الوطء اسم للزنا فلا تقيس وتسمي كل واطئ زانٍ . وهكذا.
قال " فجوزه القاضي أبو بكر وابن سريج وبعض الفقهاء" أي جوزوا التسمية بالقياس _والقاضي هنا في المختصر والشرح دائمًا هو أبو بكر الباقلاني رحمه الله علم من أعلام الأصول ومن أوائلهم والمتقدمين منهم ومن أصحاب أوائل المؤلفات في الأصول ألا وهو التقريب والإرشاد الكبير والأوسط والصغير ،وهو شافعي وقيل هو مالكي وقد كان يفتي بهما لتوسع علمه وقيادته للمذهبين في زمانه مع غيره أيضًا ،وهو أيضًا الأشعري وقيل أنه صار إلى السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة قبل وفاته وقد رد كثيرًا على الجهمية والخوارج وغيرهم وهو المتوفى في العام الثالث بعد المئة الرابعة (بعد الأربعمئة)_ ، _وابن سريج هو أحمد بن سريج البغدادي الملقب بالباز الأشهب وهو شافعي ومن أعمدة الشافعية حتى إنه مفضل عند بعضهم على المزني وهو صاحب المسألة السريجية في الطلاق المشهورة التي خالف فيها الجمهور وهو المتوفى في العام السادس بعد الثلاثمئة_.
قال "والأصح منعه" منعه من أن تقاس الأسماء على بعض في التسمية ، وممن منعه الجويني الشافعي الأشعري أبو المعالي إمام الحرمين (ت 478 هــ) ، ومنعه أيضا الغزالي (ت 505 هــ) والآمدي (ت 631 هــ) وابن الحاجب (ت 646 هــ) .
قال "ولابد من تحرير محل النزاع أولًا" أي في اختلافهم هذا . "لتوارد النفي والإثبات على محل واحد" أي جواز القياس ومنعه أو نفيه ، قال "فنقول ليس الخلاف فيما ثبت تعميمه بالنقل كالرجل والضارب" أي ليس في المسمى المعلوم معناه بالنقل وقد عرفت تسميته وإنما الخلاف في المسكوت عن تسميته وستأتي ، قال "أو الاستقراء كرفع الفاعل ونصب المفعول" إذا استقرينا مثلًا جزئيات الفاعل فيثبت لنا أن كل فاعل مرفوع فإن قولنا مرفوع أو المفعول به منصوب ليست هذه التسمية بالوضع الموضوع مسبقًا (هذا بالتأكيد لعمل العقل فيها) ،ولا هي أيضًا مع أنها بالقياس فإنها ليست مقصودة هنا عندنا في محل الخلاف الذي نتكلم فيه . فافهم ما هو محل الخلاف ، قال "وإنما الخلاف في تسمية مسكوت عنه" ولم يسم بالوضع أو النقل ، وهذا المسكوت عنه سمي "باسم إلحاقًا" أي قياسًا "له بمعين سمي بذلك الاسم لمعنى" أي لعلة "تدور معه وجودًا وعدمًا . فيرى أنه ملزوم التسمية " أي هذه العلة وهذا القياس "فأينما وجد وجب التسمية به" أي أينما وجدنا هذه لعلة منطبقة في فرع وجب علينا التسمية بذلك الاسم الأصلي الذي قسنا عليه _وهنا إشارة إلى أهمية العلة وأنها هي السبب في القياس وهي الركن الأقوى ولذلك عدها بعض العلماء ركن القياس الوحيد.
ثم انتقل إلى التمثيل فــ قال "كتسمية النبيذ خمرًا إلحاقًا له بالعُقَار" أي أن الخمر نبيذ العنب فقط فعندئذ كل نبيذ لعنب أو غيره نسميه خمرًا إلحاقًا وقياسا على العقار بضم العين وهو الخمر.
وسبب ذلك هو قال "لمعنى هو التخمير للعقل المشترك بينهما" _أي أنا وجدنا أن سبب تسمية الخمر خمرًا هو معنى التخمير الموجود في الخمر والتخمير هو التغطية والستر ووجدنا أيضًا أن ذلك موجود في كل نبيذ فعندئذ كل نبيذ خمر لوجود التغطية في النبيذ وليس في الخمر فقط_.
قال "الذي دار معه التسمية" أي في المسمى فإن وجد التخمير وجدت التسمية

قال "فما لم يوجد في ماء العنب لا يسمى خمرًا بل عصيرًا وإذا وجد فيه سمي به وإذا زال عنه لم يسمّ" _أي فالجزء الذي لا يولد تخميرًا للعقل في ماء العنب هو المسمى عصيرًا وليس خمرًا وإن كان فيه التخمير الذي يسمى به سميناه خمرًا ؛ فعندئذ ليس قولنا خمرا هو لأنا وجدنا العنب وجعلناه علمًا عليه لا لم يكن كذلك ، وإنما هو لوجود المخامرة للعقل . فعندئذ نسمي مثلًا التفاح الذي لا تخمير فيه ولا إسكار نسميه عصير التفاح وإن وجدنا التخمير والإسكار فنسميه خمرًا لوجود المخامرة للعقل ،وقد سلمنا جميعًا بهذا في نبيذ العنب فلماذا نخالف في غيره كالتفاح ونحوه_.
قال "بل خلّا" أي بل نسميه خلّا إذا صار العصير خمرًا ثم انتقل إلى حالة ثالثة بعد العصير والحمر ألا وهي التسمية ب خل .
قال "وكذلك تسمية النباش سارقًا للأخذ بالخفية" _أي مثل الخمر وقياس عصير التفاح عليه في التسمية التي قلنا في آخرها إن نبيذ التفاح خمر، مثل تسمية النباش سارق وهو ليس بسارق فلا يقام عليه حد السرقة وهذا قول في هذه المسألة وقيل بل سارق مثل السراق ، المهم الذي يعنينا هو أنه يسمى سارق لوجه الأخذ خفية كمثل السارق وكان سبب تسمية السارق سارقًا هو أنه أخذ المال خفية إذ لو كان أخذ المال بغير خفية لقلنا مثلًا هو بيع أو هبة ولكن لما كان بالخفية سميناه سارقًا فكذلك النباش يأخذ في الخفية فلنسميه سارقًا_.
قال "واللائط زانيًا للإيلاج المحرم" _أي وكذلك الواطئ لأي امرأة هو زان لأن معنى الزنا أخذ من مثل الإدخال والحقن ، وقصده هنا في مسألة الوطء هو أن ذلك في بالتسميات فقط وليس بناء الحكم عليه إذ إنه لا يوجد عاقل مسلم يقول كل من وطئ فهو زان فلنقم عليه حد الزنا وإن كان وطئ زوجته لا لانتعدى لبناء الحكم هنا وإنما فقط قياس التسمية.
قال "إلّا أن يثبت في شيء من هذه الصور" الصور كالنباش وكاللائط الواطئ فإذا ثبت لمثل هذه الصور "نقل أو استقراء فيخرج عن محل النزاع فلا يكون المثال مطابقا فلا يضر" أي أن نعلمه بنقل أو استقراء لا بقياس فيخرج كما سبق في الكلام عن ما هو ليس من محل النزاع.
قال "فإن المثال يراد للتفهيم لا للتحقيق" أي أنا جئنا بالمثال فقط لنبين ونفهم كيفية التسمية بالقياس عندهم وليس ذلك عندهم في بناء الحكم عليه بتحقيق التسمية فعلًا في المسمى.
قال "لنا أن القياس في اللغة إثبات اللغة بالمحتمل وهو غير جائز" أي ودليلنا على بطلان قولهم في أن المسميات يجري فيها القياس في التسمية دليلنا هو أن معنى القياس في اللغات والمسميات هو أن وجدنا في إثبات التسميات ما لا يكون صريحًا للاسم في تسميته بل يكون له ولغيره ، وأيضًا قد يحتمل أن الذي يقصد به للتسمية هو وضع غير صريح في المسمى كأن يكون مجازًا مثلًا أو مؤول وهذا كله محتمل فيما تقيسون عليه ، فعندئذ لا يجوز قياسكم الذي تثبتون به محتمل.
قال "أما الأولى" أي المقدمة الأولى وهو أن القياس في اللغة إثبات اللغة بالمحتمل، وستأتي المقدمة الثانية والنتيجة. قال "فلأنه يحتمل التصريح بمنعه كما يحتمل باعتباره" أي في المقدمة الأولى من دليلنا هو أن وجه الاحتمال وهو أن يمنع انطباق التسمية على المسمى بأن تكون مثلًا عامة له ولغيره وقد يكون معتبرا له في سياق وفي غيره لا.
قال "بدليل منعهم طرد الأدهم والأبلق والقارورة والأجدل والأخيل وغيرها مما لا يحصى" أي والدليل أنهم يسلمون بما نسلم به هو أنهم يمنعون إطراد الأدهم وهو معنى من معاني السواد فلا يقولونه في كل ما فيه سواد ،وكذلك الأبلق وهو الذي فيه معنى من معاني التخطيط بخطوط فلا يقولونه في كل أبلق مخطط بخطوط ،وهكذا القارورة وهو معنى من معاني الوعاء ،ولا الأجدل وهو معنى من معاني القوة ،ولا الأخيل وهو نوع من أنواع الصقور . والمهم هو معرفة أن_ليس كل أسود أدهم ولا كل مخطط أبلق ولا كل وعاء قارورة ولا قوي أجدل وليس الأخْيل ام لكل أنواع الصقور_ وهذا عندنا وعندهم.
قال "فعند السكوت عنهما يبقى على الاحتمال" الذي ذكرناه
قال "وأما الثانية فلأنه بمجرد احتمال وضع اللفظ للمعنى لا يصح الحكم بالوضع فإنه تحكم باطل" أي ومقدمتنا الثانية وهي أن إثبات اللغة بالمحتمل غير جائز وهي أنه بمجرد طروق الاحتمال في نفس وضع اللفظ لن نقدر على أن نجزم بأنه لمعنًى من المعاني فهذا تحكم وهوى في أنه لهذا المعنى أم لذاك أم للآخر فمن الذي يحكم في هذا وقد قلنا جميعًا أنها تشمل مثلًا المسميات الكثيرة فإطلاقها على واحد كيف يكون؟! .
(وإن النتيجة بعد المقدمة الأولى التي تقول إن القياس في اللغة إثبات اللغة بالمحتمل /والمقدمة الثانية التي تقول إن إثبات اللغة بالمحتمل غير جائز = فالنتيجة هي أن القياس باللغة غير جائز).
قال "وأيضًا يجب الحكم بوضع اللفظ بغير قياس إذا قام الاحتمال وهو باطل بالاتفاق" أي وأيضًا إذا قلنا أنه يجب الحكم بالوضع للفظ بغير قياس أي من عندنا نحن وهذا كله مع الاحتمال فإن هذا أيضًا باطل بالاتفاق _ فلا نصير إلا إلى أن الوضع الأصلي للمسمى هو الاسم ولا قياس_.
قال "قالوا :أولًا دار الاسم مع المعنى وجودًا وعدمًا" أي أن هذا اعتراض أولٌ منهم. قال "فدل على أنه المعتبر لأن الدوران يفيد ظن العلية" أي أنه لما دار الاسم مع معناه وجودًا وعدمًا مثل معنى الإسكار موجود مع نبيذ التفاح _خمر التفاح عند الذين يقيسون_ وإذا لم يوجد الإسكار لم نقل نبيذ بل نقول عصيرًا فمتى ما وجد خمر التفاح وجد الإسكار ومتى ما عدم هذا الخمر عدم الإسكار ولم نجده وهكذا في غيره ، فبين الشارح أن اعتراضهم الأول هو أن هذا الدوران معه وجودا وعدما يفيد ظن التعليل للاسم بهذا المعنى كالإسكار فهو ما سمي خمرا إلا لتخميره وإسكاره فكذلك غيره فليسم مثله لاعتبار التعليل وصلاحه.
قال "فالجواب" على اعتراضهم "المعارضة على سبيل القلب بأنه دار مع المحل ككونه ماء العنب ومال الحي ووطئ في القبل فدل على أنه معتبر كما ذكرتم فالمعنى جزء العلة فلا يستلزم" أي إن كان دليلكم هو عمل العلة غالبًا في الأصل والفرع فإن دليلنا هو أنا أقمنا عليكم بأن العلة لا تعمل في الوجوه المحتملة التي ذكرناها لكم وسلمتم بها ولا يصح القياس فيها وإنما عندكم فقط في عدم الاحتمال في الأصول الموضوعة وليست المقيسة كماء العنب وخمره ومال الحي وسرقته ووطأ القبل والزنا به فهذه الأصول كما قلنا لكم معتبرة ولكن المعنى ليس كل العلة والتعليل وقيامها على كل الأجزاء وإنما جزء فقط فلا يستلزم قولكم القياس وصحته (والدوران الذي ذكرتموه صحيح ولمنه أمارة ظنية كما قلتم وليس هو القطعي الذي يستلزم القياس وصحته).
قال "قالوا :ثانيًا ثبت القياس شرعًا فيثبت لغة" أي أن اعتراضهم الثاني هو أن القياس ثبت شرعًا فنقيس اللغة على الشرع ونجعله عاملًا في الكل _بجامع أن كلا من اللغة والشرع هي أنواع لجنس علوم وفنون نستفيد منها في ديننا ودنيانا_.
قال "إذ المعنى الموجب للثبوت فيهما واحد وهو الاشتراك في معنى يظن اعتباره بالدوران" أي أن المقصد هو أنه لما كان الدوران في التعليل بما يوجد عند وجود العلة وما ينعدم عند انعدام العلة هذا معتبر شرعًا عندنا وعندكم لقياس الفروع على الأصول شرعًا ،فإنه حتى في اللغة ما وجد فيه الدوران وهو علة وما في الدوران التعليل الذي يجري عليه القياس _فلما كان الدوران موجودا في الاثنين فإن الاعتبار كذلك موجود فيهما_.
قال "الجواب / لا نسلم أن المعنى واحد إذ المعنى في الشرع بالحقيقة هو الإجماع على ثبوته من أو ذلك مع الإجماع ولم يتحقق ههنا" أي أن المعنى في التعليل والقياس في الشرع مجمع عليه وهو القياس بين الأصول والفروع في الأحكام أو أن ذلك المعنى مع الإجماع هو دليل يستدل به وسلم بأنه دليل ومصدر للتشريع سلم بهذا نحن وأنتم ، ولم يتحقق هذا الإجماع هنا في اللغة.
قال "فإن قيل فبم أوجب الشافعي رحمه الله قطع النباش وحد النبيذ" _أي أنه إن قيل اعتراض افتراضي وهو كثير في الأصول لئلا يدع مجال للشك في أدلته_. فيقول إن قيل إن الشافعي أوجب قطع يد النباش وإقامة حد شرب الخمر على من شرب نبيذ أي من العصائر التي فيها تخمير العقل وإسكاره . "قلنا ذلك إما لتعميم السرقة والخمر بالنقل وإما لقياسهما على السارق والخمر قياسًا شرعيًا لا ؛لأنه يسمى سارقًا وخمرًا بالقياس في اللغة" فالجواب أن نقول لهم إن ذلك ليس لأنه يعمل بالقياس في اللغة وإنما لأن المنقول عندنا يبين أن النباش سارق لأن لفظ سارق فيه عموم وهذا العموم ليس من عقولنا وإنما هو منقول نقلًا لا عقلًا ، فيشمل النباش فكان معلومًا بالنقل من أن النباش سارق ، وما كان ذلك بقياس النباش على السارق لا ليس كذلك. وكذلك شارب النبيذ ألحقناه بشارب الخمر لأن المنقول عندنا في عموم وذه العموم منقول نقلًا لا عقلًا وهو أن الخمر يطلق على المسكرات وليس أن القياس هو أن الشارب للنبيذ نقيسه على الشارب للخمر لقياس اللغة .
وإما _وهذا رد ثان_ وإما لقياس النباش والنبيذ على السارق والخمر بالقياس الشرعي الذي نسلم به نحن وأنتم وليس اللغوي الذي يكون في قياس التسمية .
..
..

قال ابن الحاجب "مسألة :الواو للجمع" ،قال الشارح "الواو العاطفة تجمع بين أمرين في ثبوت ، نحو ضُرِبَ زيد وأُكْرِمَ عمرو" أي لو قلنا ضُرِبَ زيد أكرم عمرو ، بلا واو فلا نتصور ثبوت الاجتماع لكن بالواو ثبت ذلك. "أو في حكم ، نحو ضُرِب زيد وعمرو" أي أن حكم الضرب وقع عليهما فصارا مجتمعين في حكم. "أو في ذات نحو ضُرِبَ وأكرم زيد" أي تجمع في ذات واحدة وهي هنا نحو زيد فقط فعلمنا أن الضرب والإكرام مجتمع في ذات زيد.
قال "ولا يجب الاجتماع في الزمان وهو المعبر عنه بالمعية ولا عدم الاجتماع" أي المعية هي باجتماع المعطوف والمعطوف عليه معًا في زمان واحد تمامًا ولا يجب أيضًا بالعطف بالواو عدم الاجتماع تمامًا فقد يكون هذا وقد يكون هذا. "وكونهما في زمانين مع تأخر ما دخلت هي عليه وهو المعبر عنه بالترتيب" أي وإن كان المعطوف والمعطوف عليه في زمانين متأخر المعطوف على المعطوف عليه فهذه هي إفادة الواو للترتيب وستأتي. "بل للجمع المشترك بينهما" أي بين المعية والترتيب "المحتمل في الوجود لهما من غير تعرض في الذكر لشيء منهما" أي قد تكون الواو للمعية وحتى إن لم يدل دليل متصل بالجملة التي فيها الواو على المعية ، أو تكون هي حقًا للترتيب ولا دليل متصل على الترتيب ، وإنما هي القرينة التي تدل على ذلك أو نعرف هذا من السياق.
قال "ولا يلزم من عدم التعرض للمعية التعرض للترتيب" أي ولا يلزم أنه إذا نفى الترتيب أثبت المعية. "وقيل إنه للترتيب" في مثل المسألة السابقة. "فقوله لا لترتيب" أي قول ابن الحاجب لا لترتيب "تنبيه على الخلاف" أي تنبيه على أن هناك خلاف في المسألة والخلاف يقول بل هي الترتيب فقال ابن الحاجب لا للترتيب. "وقوله ولا معية ؛لئلا يتوهم أنه ينفي الترتيب اشتراطًا للمعية" أي نفس ما قلنا قبل وهو أنا إذا قلنا ليست للترتيب فليس ذلك اشتراط منا أنها للمعية.
"لنا النقل عن أئمة اللغة أنها كذلك نقل أبو علي الفارسي أنه مُجْمَعٌ عليه وذكر سيبويه في خمسة عشر موضعًا من كتابه" أي من أدلتنا على أنها للجمع المطلق وهي مرتبة بين المعية والترتيب وتجمع بينهما وهذا هو قول الجمهور وابن الحاجب والشارح ، قال من أدلتنا النقل عن أئمة وأعلام من أهل اللغة على أنها كذلك فهذا أبو علي الفارسي _الحسن بن أحمد النحوي القارئ صاحب الإيضاح في النحو (ت 288)_ بل وزاد أنه انعقد الاجماع عند أهل اللغة على أنها للجمع المطلق ، وسيبويه هو _إمام النحو الأول الأوحد أبو بشير عمرو بن عثمان (ت 177 )_ من تصانيفه هذا الكتاب الذي أشار إليه الشارح العضد المسمى بكتاب سيبويه واستدل في كتابه هذا لهذا القول أنها للجمع المطلق في خمسة عشر موضعًا وفي بعض نسخ الكتاب سبعة عشر موضعًا ولا يتوهم أنه يقصد بالكتاب هنا مثلًا كتاب الله سبحانه لظن أن المواضع منه لا كل ذلك غير صحيح.
قال "واستدل عليه بأنها لو كانت للترتيب لزم محذورات منها أنه يتناقض قوله تعالى (وادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة) مع الآية الأخرى وهو قوله (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدًا) إذ القصة واحدة والتناقض في كلامه محال" أي واستدل ابن الحاجب بأنها لو كانت للترتيب لكان يلزم منها ما هو محذورات ومن هذه المحذورات : أولًا :التناقض في كلام الله سبحانه وذلك في الآيتين اللتين ذكرها قبل فكيف يقول في قصة قد وقعت وليس لها إلا صورة واحدة في وقت معين وهي أنهم إمام أن يدخلوا الباب ثم يقولوا حطة أو أنهم فعلوا العكس إذا قلنا إن الواو للترتيب أي لترتيب الدخول بعد القول أو القول بعد الدخول ولكن لا ، فالواو هنا ليست للترتيب لأن التناقض في كلامه سبحانه متناقض بل للجمع المطلق.
"ومنها أن لا يصح تقاتل زيد وعمرو إذ لا يُتَصَوّر في فعل يعتبر في مفهومه الإضافة المقتضية للمعية ترتيب" أي ومن المحذورات : ثانيًا :لا يصح في قولك تقاتل زيد وعمرو الدلالة على الترتيب فإن التقاتل مفاعلة بين اثنين فهو فعل يفهمنا إضافة التقاتل إلى المتقاتلين كزيد وعمرو وهذه الإضافة تقتضي المعية للاثنين في آن واحد وليس يتصور فيه الترتيب .
"وأنه صحيح باتفاق" أي وهذا السابق أعني المحذور الثاني وما فيه.
"ومنها أن يكون قولنا :جاء زيد وعمرو بعده تكرارًا لاستفادة البعدية من الواو" أي ومن المحذورات :ثالثًا : أن يكون قولنا (جاء زيد وعمرو بعده) فيكون قولنا بعده تكرارًا وليس تأكيدًا صالحًا بل كان ما أراده هنا في الجملة التأكيد بــبعده ولم يحسن منه ذلك فهو تكرار ؛لأنا فهمنا من الواو أن عمرو بعد زيد فبعده كَرَّرتْ لَنا هذا المعنى فهذا دليل على أنها بإطلاق لا تدل على الترتيب لعدم إدراك الترتيب عند عدم وجود دليل عليه وسيأتي. "وقولنا جاء زيد وعمرو قبله تناقضًا وهو مجيئه بعد الواو" أي وقولنا (جاء زيد وعمرو قبله) متناقض لأن ما بعد الواو وهو عمرو هو بعد زيد فإن كان قبله صار متناقضًا مع معنى البعدية بعد الواو فالصحيح أن تقول جاء عمرو قبل زيد ولا تأتي بالواو لأنها قد تكون للبعدية ، "وقبل لقبله" ما يكون قبل الواو وتريد إيصاله للسامع فتأتي به قبل الواو وهو هنا عمرو كما في المثال السابق.
"واللازم منتف باتفاق" أي المحذورات .
قال "والجواب غاية ما ذكرتم صحة إطلاقها من غير إرادة ترتيب" أي الجواب على ما تدعون هو أنها عندما تأتي في جملة مطلقة لا قرائن لها ولم يتصل بها ما يدل على معية أو ترتيب فإنها ليست للإثنين تمامًا أي ليست للمعية ولا للترتيب ، وإن جاءنا دليل على الترتيب فبالدليل أو بالقرينة نعرف الترتيب لا عند الجملة المطلقة التي فيها الواو ، وإن جاءنا أيضا دليل أو قرينة على المعية فتفيد المعية بسبب الدليل الذي جاءنا أو القرينة لا بإطلاق الجملة المشتملة على الواو.
"ولا يلزم كونه حقيقة فيه" أي ولا يستلزم أن يكون الترتيب حقيقة في الدلالة على الترتيب إذ إنه قد يكون المعنى للمجاز.
"غايته أن يقال المجاز خلاف الأصل" أي أنا وإن قلنا المجاز وهو هنا الترتيب خلاف الأصل.
"فنقول لكن يجب المصير إليه إذا دل الدليل عليه" فلا يصار إلى المجاز بمجرد إرادة مثلًا من المتكلم لا ، وإنما بالدليل الذي يدل على اعتبار للمجاز.
"وما سنذكره من أنه للترتيب يدل عليه" أي يدل على أن الترتيب مجاز في الواو عند إطلاقها في جملة مطلقة وسيأتي بيان ذلك.
"ولا يخفى عليك أن هذه معارضة لا تنفي صحة الدليل" أي اعتراضاتنا عليهم لا تنفي صحة أدلتهم بل أدلتهم صحيحة وذلك لاشتراك الواو في المعية والترتيب والجمع المطلق ولكنا نقول إنها الجملة المطلقة للجمع المطلق. قال "نعم لو تم" أي دليلهم لو تم فماذا سيحصل؟ قال "لتوقف دليلنا للتعارض فوجب الترجيح وأنه لا يتم كما سترى" أي لو كان دليلهم تامًا صحيحا على أن الواو في الحقيقة للترتيب والمجاز في ها هو المعية أو الجمع المطلق نعم لسقط دليلنا ووجب الترجيح ولكن ذلك لم يكن وما تم ولا أفاد ذلك وإنما يأتون في مواضع فيها الدلائل على المجاز وليست حقيقية بدون دلائل ويقولن دليل على الترتيب . ثم هو سيبين أدلتهم وينقضها دليلًا دليلًا.
"قالوا : أولًا قال تعالى (اركعوا واسجدوا) ففهم منه أن السجود بعد الركوع ولولاه لجاز الأمران" أي أن من أدلتهم على أنها للترتيب قوله تعالى السابق الذي عرفنا منه أن السجود بعد الكوع إجماعًا وقالوا لولا أن تكون الواو للترتيب لجاز الركوع قبل السجود أو السجود بعد الركوع وهذا باطل لأنه ليس مفهومًا من الواو_. "والجواب لا نسلم أن الترتيب فهم منه ولعله مستفاد من غيره إذ لا يلزم من موافقة الحكم للدليل كونه منه ولا من عدم دلالته مطلقا" أي الجواب على دليلهم وبطلانه أن الواو لم نستفد منها في هذا الحكم الترتيب من ذات الواو والإتيان بها وإنما من دليل من غيره كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه لا يلزم من أن تجد حكمًا من الأحكام الشرعية موافقًا لدليل عام من القرآن مثلًا أن يكون الحكم على نفس صورة الدليل وإنما استفدنا من الدليل الحكم لا الصورة ولذلك دائما يأتي بيان الصور في السنة ، ولا من أن الدليل بإطلاقه في وجود الواو فيه دل على الترتيب وقام الترتيب بذاك الإطلاق لجملة الواو.
"قالوا : ثانيًا لما نزل (إن الصفا والمروة من شعائر الله) قال عليه السلام (ابدؤوا بما بدأ الله به) ،فصرح بوجوب الابتداء بما بدأ الله به ويفهم منه ترتيب الوجوب على ابتداء الله به ولولا أنه للترتيب لما كان كذلك" ثانيًا من الأدلة عندهم على أنها للترتيب هذه الأدلة السابقة وهي واضحة في أن التصريح بالبداءة بما بدأ الله به وفهم من ترتيب الله في الآية حكم هو وجوب الترتيب على ما بدأ الله سبحانه به فدل ذلك على أنه للترتيب.
"والجواب أنه لنا لا علينا فإن الترتيب مستفاد من قوله (ابدؤوا بما بدأ الله به) ولو كان الواو للترتيب لفهموه من الآية" أي والجواب على دليلهم هذا أنه دليل لنا لا لهم فإن الترتيب عرفناه من دليل آخر لا دخل فيه للواو وهو قوله عليه السلام ابدؤوا... ولو كان لحرف الواو معنى أولي عند الاطلاق في الترتيب لفهموا هذا المعنى من الآية _أو قد يكون القصد على الصحابة الذين رافقوا النبي في ذلك فإنهم لم يفهموا الترتيب من الآية وإن قلنا فهموا الترتيب من الآية ونتيجة حالهم أنهم ، "فلم يشكوا فيه فلم يسألوا فلم يحتاجوا إلى قوله ابدؤوا فلما سألوا علمنا أنها ليست للترتيب" فلما كان منهم كل ذلك علمنا عدم وجود معنى الترتيب في حقيقة الجملة المشتملة على عطف بواو.
"قالوا ثالثًا :خطب أعرابي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال" أي الأعرابي "(من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى) فقال صلى الله عليه وسلم (بئس خطيب القوم أنت قل ومن عصى الله ورسوله) ولولا أن الواو للترتيب لما كان بين العبارتين فرق فما كان للرد والتلقين معنى" هذا الثالث من أدلة القائلين أن الواو للترتيب وحاصله ما سبق وهو واضح في أن إنكار النبي عليه السلام على الأعرابي لما جمع الله ورسوله في ضمير متصل واحد هو (هما) ولكن بالواو يفهم أن الله سبحانه في مرتبة ثم النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة وذاك دليل الترتيب ؛ وظاهر إنكار النبي عليه السلام على ما بينا من الفرق وإلا لم يكن لرد النبي عليه السلام وتلقينه للأعرابي بما هو صحيح بالترتيب بالواو أي معنى.
"والجواب : لا نسلم عدم الفرق حينئذ إذ الإفراد بالذكر فيه تعظيم ليس في القران" أي ليس في المقارنة والاقتران والجمع "مثله فرد عليه لتركه التعظيم الذي كان يحصل بالإفراد لو أفرد" أي أن الإنكار لأجل الاقتران وجمع الله سبحانه ونبيه في ضمير متصل واحد وهذا الذكر ينقص التعظيم ويظهر التساوي بين الله سبحانه ونبيه صلى الله عليه وسلم فعندئذ ينبغي أن يصار إلى التفريق والإفراد لله سبحانه ثم نبيه عليه السلام بالذكر وليس الترتيب بالواو _مجرد تفريق لا عطف بواو أو صيغة معينة_ وفي التفريق أو الإفراد بيان للتعظيم والتفريق بين الله ورسوله.
"ويدل عليه أن معصيتهما لا ترتيب فيها لأن كلًا آمر بطاعة الآخر فمعصيته معصية لهما ولأنهما تطابقا في الأوامر طُرًّا" ومعصية الله أو رسوله هي في أي حالة معصية لله ولرسوله ولا ترتيب فيها كما سيلزم إذا قلنا بقولهم إن الواو هي التي أفادت الترتيب والتعظيم وليس التفريق فالله أو رسوله آمر بطاعة الله ورسوله ومعصية الله أو رسوله هي معصية لله ورسوله فتطابق الله ورسوله في الأوامر والنواهي جميعًا _وهنا ينبغي الإشارة إلى أن العضد قد ارتكب نفس ما ارتكبه ذلك الأعرابي وهو أن جمع الله ورسوله في ضمير في قوله (معصيتهما) وغيرها أيضًا ، وقال شيخنا ابن حميد بأن النهي قد يكون في حال الخطابة فقط لا في مثل حالتنا هذه. وأقول أيضًا إن العضد قد يكون وجد صعوبة في تحاشي ذكر الله ورسوله في ضمير وقد وجدت هذه الصعوبة جدا أنا ولكن قد يكون العضد أفهم معنى أكبر وأقوى بالجمع في ضمير أكبر مما لو كان لم يجمع في ضمير واحد فقد يكون هذا جائزًا ولائقًا وسائغًا في التعليم والإفهام كحالتنا_.
قال "قالوا :رابعًا لو قال قائل لغير المدخول بها : أنت طالق وطالق وطالق وقعت واحدة ولو قال :أنت طالق ثلاثًا وقعت الثلاث وما ذلك إلا بإفادة العبارة الأولى الترتيب فتبين بالطلقة الأولى فلا يبقى المحل قابلًا للثانية والثالثة" هذا الدليل الرابع للقائلين إن الواو للترتيب وهذا قولٌ ورواية عند المالكية في هذه المسألة ، قوله وما ذلك إلا بإفادة العبارة الأولى الترتيب أي قوله طالق وطالق وطالق الواو فيها للترتيب لأنها بانت منه بالطلقة الأولى فترتبت الثانية على الأولى واعتبرت الأولى فلا تقع الثانية على المحل وهو هنا المطلقة أي فلا تقع الثانية على المطلقة قبل الدخول لأنها بانت منه فكيف يطلق مطلقته البائنة ، ولم يكن للطلقة الأولى والثانية والثالثة جمع بينهم كلهم لا ، وإنما ترتبت هذه على هذه أعني الثانية على الأولى وهكذا وذلك بسبب الواو.
قال "ولا ترتيب في العبارة الثانية فلحقها الثلاث دفعة" أي في العبارة الثانية وهي قوله (أنت طالق ثلاثًا) لا يوجد فيها ترتيب وذلك لعدم وجود الواو فتأتي الثلاث طلقات مجتمعة فتكون بائنة منه بينونة كبرى وحتى إن كان قبل الدخول فلا يتزوجها ولو بعقد ومهر جديد لا وإنما حتى تنكح زوجًا غيره.
قال "ولولا أن الواو للترتيب لما كان بينهما فرق" ولو كانت الواو تفيد الجمع لما كان في التفريق بين المسألتين معنى إذ المسألة الأولى ظاهر فيها الترتيب بالواو والثانية ظاهر فيها الجمع بدون الواو.
قال "والجواب منع وقوع الواحدة في العبارة الأولى بل يقع الثلاث وهو الصحيح من مذهب مالك رحمه الله عند المصنف" وهذا الرد بالرواية الثانية في المذهب وهو الصحيح عند ابن الحاجب ولعل العضد يتبعه وهو واضح المعنى.
قال "فإن قيل فقد قال مالك رحمه الله أنها" أي الواو "مثل ثمُّ والاتفاق على أن ثمَّ للترتيب وأنه لا يقع بها إلا واحدة" أي إن قيل بنقل هذا عن مالك أن الواو للترتيب مثل ثم فالطلاق بالواو مثل الطلاق بـثم فيقع واحدًا كما قلنا قبل من أن الترتيب يجعل الطلقة الأولى تعتبر فتكون الزوجة بانت بالأولى ، والطلقة الثانية والثالثة لا تعملان لأنها مطلقة قبل الدخول فتبين بطلقة واحدة بينونة صغرى. (المهم هنا هو الاعتراض بأن مالكًا الذي تستدلون بما روي عنه فهو يخالفكم في معنى الواو أنها للترتيب مثل ثم).
قال "قلنا إنما قال ذلك في المدخول بها ولا يعني به أن الواو مثل ثم في المعنى بل في الحكم" أي أن مالكًا ما قال هذا مطلقًا في كل واو وإنما فقط في مسألة (المدخول بها) وهي تختلف عن (غير المدخول بها) التي كنا نتكلم عنها فيما سبق لأنها لا تبين بواحدة بينونة صغرى ، لا ، وإنما تكون مطلقة ثلاث طلقات وذلك كان بالواو التي هي هنا بمعنى ثم في المدخول بها فاعتبرنا الطلقة الأولى ثم الثانية التي عقبتها بالواو ثم الثالثة كذلك فبانت المدخول بها بينونة كبرى وليست مثل السابقة التي اعتبرنا فيها الطلقة الأولى أما الثانية والثالثة فلم نعتبرها ،لا هذا لم يكن وإنما اعتبرنا الكل لجعل الواو بمعنى ثم هنا في هذه فقط _وهذا قول مالك في هذه فقط ليبين أن الواو في هذه المسألة فقط بمعنى ثم فيعلم تلاميذه مثلًا ما يقصد ولا يكثر الكلام لهم أو ليزيد لهم المعنى والتفهيم_.
قال "فيقع الثلاث ولا يُنَوّى في التأكيد تنوية أي لا يوكل إلى نيته إذا قال أردت به التأكيد إرادة أن لا يقع إلا واحدة" أي لا يسأل عن نيته في المسألة ولا تعتبر النية إذا قال أنا أردت بالواو التأكيد على ألا يقع الطلاق إلا بطلقة واحدة.
قال "لأن التأكيد يؤتى بغير الواو غالبًا والواو ظاهر في التعدد ومثله لا يعتبر فيه النية" أي أن التأكيد يكون بغير حرف الواو غالبًا وقليلًا بالواو _كجوابي لمن ينكر صلاتي مثلًا والله إني صلّيتُ وصلّيتُ وصلّيت تأكيدًا_ ، وحرف الواو ظاهر في التعداد والتنوع والمغايرة وليس الإعادة والتكرار وهذا الحرف بما يغلب عليه يعتبر وليس بما يكون في قائله من نية.
...
..
.
قال ابن الحاجب "الحكم : قيل خطاب الله" قال الشارح "قد بين الحاكم
 
أعلى