العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المقاصد القرآنية في بناء الشخصية الانسانية وتنميتها فقه التعامل مع الآخر نموذجاً

إنضم
8 أبريل 2012
المشاركات
60
الكنية
كلية الامام الاعظم الجامعة
التخصص
أصول فقه
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
مالكي
الباحث
م .م . ايهاب محمد اللمعي



P
m
إن الناظر لأول وهلة لعنوان البحث فإنه سيجده عبارة عن سلك متظم الأجزاء ؛ فلا يمكن تصور أجزائه على حدة إلا بتصور المفهوم الكلي لهذه الأجزاء ، وأنا لا أنكر استقلالية كل جزء من هذه الأجزاء باحتوائه على مخزون مضموني ، يفرض مفهومه ، لكن في هذا السياق سنحاول أن نقتطف من كل فرد من أفراد المركب جزءاً لتوظيفه في السلك المفهومي في هذا البحث ، وفي الغالب سنكتفي بدلالة التضمن أو الالتزام .
إن الموضوع يبدو من عنوانه أنه بسيط ، فالكلمات المستعملة فيه شائعة ومتداوله في الأوساط العلمية ، ومع ذلك فإن الكلمات تحمل في طياتها قدراً لا يستهان بها من الغموض والالتباس ، ومن احتمال تداخل المعاني ، ومن طبيعة عملها.
ولذلك فقد حرصت في مستهل حديثي على أن أقدم لمحة سريعة عن مجمل ما ترمي إليه هذه المصطلحات ، وما تحويه من مخزون مفهومي معقد التركيب والتوظيف .
وليست هذه مجرد مقدمة ، ولا مجرد تمهيد ، بل إنني أعتقد أن ما يقال في هذا الإطار يدخل بنا في صميم الموضوع الذي نأمل أن نبرزه ونعالجه .
إن الشريعة الإسلامية قصدت من أول تشريعها إعادة صياغة الفكر الإنساني وتخليصه من كل الأفكار السيئة والعدوانية ، التي لا تجلب على الأفراد والمجتمعات إلا الدمار والقتل ، وذلك مساهمة منها في رفع مستوى الفكر الإنساني للإرتقاء الحضاري الذي يجعل من أفراد المجتمع عبارة عن سلك منتظم الأجزاء ، وصف واحد من خلال جملة من الشعائر الربانية .
وقد أحدث القرآن تغييراً شاملاً وملحوظاً في تلك البلاد التي كانت توصف بالجاهلية ، كقوله تعالى : ﭽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ [1] ، وقد أخرج القرآن جيلاً ربانياً وصفه تعالى بقوله : ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﭼ [2] .
ثم جاء من بعد ذلك جيل جاء وصفهم في القرآن بقوله تعالى : ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [3] .
وتقع مسؤولية إعادة أفراد الأمة إلى جادة الصواب وإلى الهدي الإلهي والنور النبوي ، على علماء الدين الذين هم يقومون بدور الأنبياء في عملية التوجية والإصلاح والتقويم .
وقد اتسع الخرق في القرون الأخيرة ، وقد نهض عقلاء كل قرن بدورهم لإطفاء الحريق وإنقاذ الغريق ، ومد اليد للبعيد والصديق ، فكانوا خير من خلف السلف .
وتقع مسؤولية الإصلاح والمصالحة في هذا العصر على أهل العقول الراشدة ، الذين يغلبون صوت العقل على صوت المدفع ، ويقدمون سلاح الكلام على نواسف الحزام .
فنحن نبحث عن أولي بقية من جميع الأطراف والشركاء ، لنكون معهم حلف الفضول ، حلف فضولٍ يدعوا إلى السلام ، وإلى المحبة والوئام ، وللإرتفاع عن وهدة الحروب إلى ربوة الإزدهار والعطاء والبناء .
فلذلك قام هذا البحث بتسليط الأضواء على أهم المرتكزات الرئيسة لتكوين العقل البشري ، لمحاولة ضبطه عقلياً وعملياً لكي لا ينفلت ، وذلك من خلال ضوابط كليات المقاصد القرآنية التي ترسخ الفكر الصالح والنافع ؛ لإيجاد جو من التعايش الآمن في ربوع هذا البلد الجريح .
ولقد اقتضى تقسيم البحث إلى مبحثين :
المبحث الأول : الجانب النظري المقاصدي لبناء الشخصية
المبحث الثاني : الجانب التطبيقي لبناء الشخصية من خلال الدرس المقاصدي














المبحث الأول : الجانب النظري المقاصدي لبناء الشخصية
يتلخص الجانب النظري لبناء الشخصية الإنسانية ، من خلال جانبين :
الجانب الأول : تحديد مفاهيم الدراسة والإشكالية المصاحبة لها.
الجانب الثاني : تحديد مرتكزات محور الدراسة (فقه التعامل مع الآخر)
تعريف بالمصطلحات : سأتجاوز التعريفات اللغوية للمصطلحات ، لقيام دراسات كثيرة بالحديث عنها .
1 ـ 1 . تعريف المقاصد : قد تعددت التعريفات لمفهوم مقاصد الشريعة الإسلامية ، وقد كان الإمام محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله تبارك وتعالى) أول من وضع لهذا العلم تعريفين ، فقد عرف المقاصد العامة ، وللمقاصد الخاصة ، ثم تتابعت الدراسات المقاصدية وتعددت التعريفات ، ولكن يمكن الاستعانة بأفضل تعريف جمع بين النواحي التي يستهدفها الدرس المقصدي ، وهو تعريف العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه (حفظه الله تبارك وتعالى) ، الذي جمع في تعريفه بين البعد المصلحي ، وبين البعد الدلالي للخطاب ؛ فيقول : ( مقاصد الشريعة هي : المعاني الجزئية أو الكلية المفهومة من خطاب الشارع ابتداء ، أصلية أو تابعة ، وكذلك المرامي والمرامز والحكم والغايات المستنبطة من الخطاب ، وما في معناه من سكوت بمختلف دلالاته مدركةً للعقول البشرية متضمن لمصالح العباد معلومة بالتفصيل أو في الجملة )[4].
إن الناظر لمجمل المقاصد التي جاءت في القرآن ، فإن يدرك ارتباطها بإصلاح الإنسان وسلوكه ، ولكن يصعب الحديث عن جميع هذه المقاصد وأثرها في بناء الشخصية الإنسانية ، فسوف أقتصر على المقاصد القرآنية التي تكون الأقرب إلى مفهوم بناء الشخصية الإنسانية .
1 ـ 2 ـ 1 . بيان مفهوم بناء الشخصية الإنسانية : إن التركيب اللفظي المكون من ثلاثة كلمات يحتاج إلى بيان وتوضيح ثم بعد ذلك ، محاولة ربط هذه المفاهيم بعضها ببعض بسلك مفهومي واحد .
فهذه الإشكاليات التي يطرحها العنوان ، يفرض علينا في البداية تحديد هذه المفاهيم قبل الولوج في بيان البناء المقاصدي القرآني للشخصية الإنسانية وتنميتها .
فنحن إذاً أمام إشكال حقيقي من جانبين :
الأولى : إشكالية المصطلح ذاته ، وذلك من خلال النظر إلى كل كلمة على حدة ، وهذا الجانب يمكن الاستعانة لتبيين مفهومه من خلال ، المادة اللغوية واللسانية ، ومن خلال الجانب الاصطلاحي عموماً .
الثاني : إشكالية الضميمة[5]، وهذا الجانب معقد جداً ، ويتعقد جانب الإشكال من ضميمة لأخرى
فالبناء للشخصية الإنسانية : يمكن الحديث عنه من خلال الجانب الحسي ، وذلك من خلال البناء الجسدي الصحي الملتزم بضوابط الشريعة ومقاصدها ، من خلال عدم الإفراط والتفريط وعدم التبذير والاقتصار على النافع .
ونحن لا يمكن لنا الحديث عن البناء الحسي من خلال رصف صفوف البشر في مكان واحد للدلالة على البناء والتلاحم الجسدي ، بصرف النظر عن قناعة كل جسد عن الآخر ، بل نحن نبحث عن بناء روحي يضم جسد الأمة ، ويجمع هذه القطع المتناثرة ، وذلك من خلال استهداف عنصر رئيسي في الشخصية الإنسانية وهو العقل ، وقديما قيل : الإنسان عقل تخدمه أعضائه .
ويمكن الحديث عن بناء الشخصية الإنسانية ؛ من خلال الجانب المعنوي ، والذي يقصد بالدرجة الأولى ؛ الجانب العقلي ؛ وأنا أعلم بأن دلالة الألفاظ على معانيها ، كمصطلح "الشخصية" لا يدل بمفهوم المطابقة على المعنى الذي سنركز عليه ، وإنما قد يدل عليه بالتضمن والالتزام .
وهنا لا بد من إثارة جملة من الأسئلة التي تساعدنا على تحديد محور الدراسة فنقول : فهل المقصود بها العقل المحرك للذات ؛ أم الصورة الخارجية للشخصية ، بحيث ننظر إلى تنمية الأفعال بصرف النظر عن قناعات الأشخاص ، فهل نحن بحاجة إلى شخصيات مفكرة قابلة للتطوير والإبداع ، أم بحاجة إلى شخصية (ميكانيكية) تفعل ما يراد منها ، أم المقصود بالشخصية الإنسانية النظر في الصفة التي يتصف بها الإنسان من حيث المعتقد ، أم المقصود عموماً.
ويمكن لنا النظر للعقل من زاوية أخرى فهل نقصد بالعقل الإنساني :
بناء الشخصية الإنسانية وتنميتها من خلال محاولة تخزين العقل بنوع من الأفكار الصالحة والنافعة ، فيكون بناء الشخصية الإنسانية من خلال جملة من المبادئ والقيم المقومة للسلوك الإنساني وعلى رأسها مفاهيم الدرس المقاصدي.
أم نقصد بها طريقة التفكير وطريقة تعاملها مع الأفكار، وذلك من خلال التزام طريقة معينة في التفكير ، وهي محاولة جادة لتجاوز جملة من الطرق والأساليب المتطرفة التي تتعامل مع تلك الأفكار بطريقة سيئة ، فبناء الشخصية يقوم على تقويم السلوك من خلال ضبط عملية التفكير ، لمحاصرة الموضوع عقليا من الانفلات المتطرف ، ومحاصرته عمليا من خلال ترسيخ جملة من القواعد العاصمة للفكر من تلك الطرق والتيارات المضادة لبناء الشخصية الإنسانية .
فالشخصية الإنسانية المستهدفة بالبناء والتنمية من خلال جملة من القواعد المقاصدية القرآنية ، التي تعتبر كالأدوية المناعية للجسم ، التي تحاول أن ترشد العقل الإنساني وترسخ فيه جملة من المبادئ والقيم الحية التي تنهض به ، وتجعله في سُلم الارتقاء الحضاري ، وتقوم العملية المقابلة للقواعد التأسيسية ، وهي القواعد المحركة لتلك المبادئ في بيئة حضارية تُصحح الطريق وترشد السالك في الطريق ؛ لإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق .
ويشير إلى ذلك الدكتور محمد عابد الجابري بقوله : ( قيام عقل سائد جديد ، أو على الأقل تعديل أو تطوير ، أو تحديث أو تجديد ، العقل السائد القديم . وواضح أن هذا لن يتم إلا من خلال نقد العقل السائد ، وواضح كذلك أن عملية النقد هذه يجب أن تمارس داخل هذا العقل نفسه ، من خلال تعرية أسسه وتحريك فاعليته وتطويرها واغنائها بمفاهيم واستشرافات جديدة نستقيها من هذا الجانب أو ذاك من جوانب الفكر الإنساني المتقدم ، الفكر الفلسفي والفكر العلمي)[6].
ويمكن لنا في هذا السياق أن نبين جملة من المحاور الرئيسة التي تهدف إلى تكوين الشخصية الإنسانية وتنميتها ، وذلك من خلال التعامل مع الثقافة المكونة للعقل البشري
المحور الأول : تجديد التصفية : ونقصد به محاولة تخليص العقل البشري من بعض القواعد التي لم تعد نافعة ؛ او لم يُحسن توظيفها .
المحور الثاني تجديد إضافة :ونقصد به محاولة إضافة بعض معارف العصر إلى المكونات الرئيسة للشخصية.
المحور الثالث : تجديد المحتوى : ونقصد به محاولة إضفاء الحيوية والواقعية على المضامين العلمية المكونة للعقل والشخصية ، وذلك من خلال إحياء ما اندثر من مكونات رئيسة ، ونفض التراب عنها ، وتجليدها ، وتزيينها ، وتغليفها ، وتقديمها بطريقة جديدة مستعينين بأساليب العصر والتقدم .
وهذه الأطروحة التجديدية مقبولة إلى حد ما ، على مستوى التنظير ، لكن على مستوى التطبيق ، تحتاج إلى تدقيق ومراجعة ، فما هي المبادئ التي هي من الذاتيات في الثقافة ، وما هي من العرضيات ، التي تعتبر كالوسائل ، ويمكن تبديلها من خلال الاستفادة من وسائل أكثر نفعاً وفاعلية .
وهذا الأمر كذلك ينطبق على تجديد الإضافة والمحتوى ؛ لكنها تبقى أقل خطرً على مادة الثقافة العربية أو مكونات العقل العربي ، لأنها محاولة لإحياء التراث العربي وتنشيط محتوياته من جهة ، ومن جهة أخرى محاولة إضافة بعض المباحث الجديدة لتطوير العقل العربي .
نحن لا ننكر ضرورة التجديد في الفكر العربي عموماً ؛ لكن المشكلة هي : هل المدافعون عن التجديد وممثلوه والمنادون بشرعيته وضرورته ، فيما بينهم أولاً ، ثم فيما بينهم وبين مخالفيهم والمتحفظين عليهم والمشككين فيه ثانياً ، هل هم جميعاً يتحدثون عن شيء واحد واضح ، وعن معنى محدد مضبوط ؟ أم كل يغني على ليلاه ؟ تلك هي بحق المشكلة
المشكلة هي : متى نعدُّ ذاك التجديد ضرورياً ومتى لا نعده ؟ ومتى نعده تجديداً واقعياً ومتى نعده تجديداً متطرفاً ؟ ومتى نعدُّ هذه الأداة متهية الصلاحية ومتى نعدها لا تزال صالحة للاعتماد عليها ؟ كل هذه الإشكاليات تحتاج إلى ضبط وتحديد .
ومع ذلك فنحن لا نعترض على أي دعوة تطويرية ولا تجديدية تخدم التراث وتطوره وتدفعه قدماً نحو الارتقاء بالثقافة العربية ، وهنا نذكر إحدى الأطروحات التجديدية للعلامة عبد الله بن بيه (حفظه الله تعالى) عن فكرته لتجديد التراث الرامي إلى تكوين وبناء الشخصية الإنسانية ، بقوله ( ... إن التجديد هو توسيع وعاء الثوابت لتستوعب الحديث ، وقولبة الحديث ليُسْتَوْعَب ، إنه انطلاق من عقال الحيرة ، وتزحزح عن مفترق الطرق ، لسلوك الجادة وولوج الفضاء الرحب في انسجام بين الضمير الجمعي ومتطلبات العصر ...)([7]) .
ويشر العلامة أحمد الريسوني إلى إحدى الوسائل لترقية العقل وتطويره حيث يقول : ( وأرى ـ والله اعلم ـ أن من تزكية الإنسان تزكية عقله ، بتنميته وترشيده وتشغيله ، وهذا ما فعله الشرع حيث عمل على تحريك العقول وإطلاقها من قيودها ، ورفع عنها ما كان يعطلها من أوهام وخرافات وطعَّمها بقيمه وأحكامه ، ثم ترك لها المجال واسعاً لتعمل وتتزكى ، وهذا وجه آخر من وجوه حفظ العقل ، فحفظ الشريعة للعقل ليس منحصراً في تحريم المسكرات والمعاقبة عليها ، فكم من عقول ضائعة وهي لم تر ولم تعرف مسكراً قط ، ولكن أسكرها الجهل والخمول ، والتعطيل ، والتقليد )([8]).
وأخيراً : فإن الموضوع الذي بدأ بريئاً ومسالما ، انتهى إلى جملة من التعقيدات التي أطلت برأسها وفرضت واقعيتها ، إضافة إلى ذلك فإنه من الصعب جداً الحديث عن كل تلك القضايا التي تؤسس الشخصية وتعيد هيكليتها ، فلذلك سأركز على مسألة واحدة في سياق تكوين الشخصية وبناءها ، وهي قضية يعاني منها بلدنا الحبيب وينزف دماً ؛ وهي قضية : التعامل مع الآخر، مستعيناً بالدرس المقاصدي لكي يوضح لنا المعالم .
فالذي يمكن أن نقتصر عليه في هذه الدراسة ، هو النظر إلى المقاصد القرآنية المتعلقة ببناء الشخصية الإنسانية ، من خلال بناء العقل البشري على قواعد ومقاصد الشريعة ،ومن خلال ضبط عملية التفكير والالتزام بتلك المقاصد ، لكي نصل إلى نموذج حي وفاعل يهتدي بمرتكزات ومعايير الدرس المقاصدي .
1 ـ 3 ـ 1 . بيان مفهوم التنمية : تعددت التعريفات لمصطلح التنمية ، لكنها تعود لنفس المعنى ، فيعرفها الدكتور عبد الكريم بكار بقوله : ( التنمية عبارة عن تحريك عملي مخطط لمجموعة من العمليات الاجتماعية والاقتصادية من خلال عقيدة معينة لتحقيق التغيير المستهدف بغية الانتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب فيها)[9]
من خلال التعريف الماضي يتبين لنا جملة من القضايا ، أننا نتعامل مع قضايا مستقرة يراد تحريكها لغرض الوصول لغايات مرغوب فيها ؛ فالتحريك هو عبارة عن محاولة نفض التراب عن الأدوات المستقرة والثابتة ، لإعادتها الى وضعها الطبيعي لتقوم بدورها ومجالها ، وهذه القضية تقع في المرتبة الأخيرة ، وهي محاولة استثمار وتنمية قواعد البناء المقاصدي لتنمية الشخصية الإنسانية ؛ التي تستظل بظل الوحي ، وتسير على المنهج المقاصدي .
وأخيراً يمكن لنا تحديد مجال الدراسة بمحور المقصد السادس الذي ذكره الإمام ابن عاشور ( رحمه الله تبارك وتعالى ) وهو : مقصد التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين ، وما يؤهّلهم لتلقّي الشريعة ونشرها .
ومن المحاور التي لا بد من الحديث عنها في سياق تكوين الشخصية الإنسانية وتنميتها في ظل المقاصد القرآنية الخالدة ، وهي القضايا الحساسة التي يعيشها بلدنا الحبين العراق ، في ظل الاقتتال والتطاحن .
فقضية السلم الاجتماعي ، وقضية التعايش السلمي ، وقضية قبول الآخر ، والإقبال عليه ، تتصدر القضايا الأخرى حسب رأيي ، ولذلك سوف أركز على هذه القضايا ، معتمداً على الرؤية المقاصدية القرآنية ، فسأستظل بظلالها ، واقتطف من ثمارها بما يرفدنا في هذا السياق .
علينا تكوين العقلية السلمية قبل تكوين العقلية المقاتلة ، فلا يعلوا على صوت السلم صوت أبداً ، ولا يعلوا على صوت التعايش صوت ، وليس هناك أجمل من صورة التعايش والتكاتف ، للبناء والنهضة والعطاء .
وعلينا أن نتعامل مع تلك الأفكار والترسبات الفكرية التي جائتنا من خارج الحدود ، تحت غطاء شرعي ، بتعامل جاد ، بفكر مضاد ومقابل ، وذلك من خلال مزاحمته في الساحة ، ومطاردته في كل محلة وزقاق ، لتخليص شباب الأمة من الضياع ، وإهدار الطاقات البشرية ليستغلها الضباع .




















الجانب الثاني : تحديد مرتكزات محور الدراسة (فقه التعامل مع الآخر)
ومن أهم القضايا التي تعاني منها الأمة الإسلامية في الآونة الأخيرة ، هي قضية التوفيق بين الموروث الفقهي ، وبين متغيرات الواقع المعاصر ، بحيث أصبح لدينا انفصام واضح وفاضح بين التفكير والواقع ، مما أحدث تمايزاً واضحاً بين أفراد المجتمع ، مما أنتج حالة من الانعزالية والانزواء بين شرائح المجتمع بسبب هذه الترسبات الفكرية ، التي لم ندرك إلى الآن أن أغلب الموروث الفقهي هو اجتهاد ظرفي ، جاء تكييفاً لواقع معين ، انتهت معالمه واختلفت عوالمه .
ومن تلك القضايا الرئيسة التي أوقعت المجتمعات الإسلامية بحالة من الاحتراب والتقاتل والتصادم ، هي قضية التعامل مع "الآخر" فلم تستطع المجتمعات الإسلامية أن تتقبل الآخر ، بكل صوره وأشكاله ، وبالمقابل فإن الطرف الآخر ، ينظر لهم بنفس الرؤية .
ومن المصائب التي أحلت بنا ، أن مصطلح الآخر بدأ يطلق على كل من يخالفنا في الرأي ، سواء في المعتقد أو في أي اتجاه فكري آخر ، وبدأ هذا المصطلح يفرض حالة من الانعزال والتقوقع على الذات ، وبالتالي أصبحت المجتمعات الإسلامية عبارة عن كيانات صغيرة منطوية بعضها على البعض ، على شكل دوائر ضيقة ، أرجعت الأمة إلى المربع الأول ، وذلك لعدم التوظيف الحقيقي للنور الخالد .
" فقه التعامل مع الآخر احترام الهويات بدلاً من صراع الهويات من خلال نحن والآخر "
إن هذا الموضوع ليس واضح المعالم ، ولا معلوم المراسي ، فهو من الألفاظ التي إذا أردت تعريفها زدتها غموضاً ، وذلك لأنها من الكلي المشكك الذي يختلف في محاله ، فعلاقة أفراده بالكي ليست على درجة واحدة ، فلذا لا بد من مراعاة التفاوت بين الأفراد ولا نعطيها وصفاً واحداً وإنما نعطي لكل وصف ما يناسبه ، لكي نتجنب التطرف في الأحكام
ومن الإشكاليات التي تصاحب الموضوع هي : تضمن هذا التركيب جملة من المصطلحات التي تحمل من المعاني المتضاربة فيما بينها ، والتي تحمل من الضبابيه في مخزون معناها ، ولأن التفاوت في تقدير معناها مختلف باختلاف الزاوية التي ننظر من خلالها إليها ، وكذلك للزمان والمكان تأثير حقيقي في تحديد مضمونها .
فلكي تكون صورة الموضوع واضحة ، ونستطيع إعطاء صورة كاملة عن مفهوم التعايش المنشود لا بد من تحديد مضامين هذه المصطلحات ( الاحترام / الهوية / نحن / الآخر) .فلكي نستطيع تصور الكل لا بد من تصور الجزء .
1 ـ 1 الاحترام : إن مصطلح الاحترام له تصور جزئي بسيط ، يمكن أن نتصوره في موضوعنا بأنه إعطاء صورة من الارتياح والقبول وتقديم كل وسائل التواصل المحمود ، لكنه لا يظهر معناه إلا من خلال متعلقاته ، لذلك فإننا عندما نطلب الاحترام ؛ كمطلب أساسي للتعايش ، فكيف سنتصور الاحترام وإلى أي حد نعطي للأفكار والأفعال الاحترام ، وهل مجرد السكوت يعني الاحترام ، أم عدم الإساءة للغير يعتبر احتراماً ، أم أنه لا بد من السكوت ويصاحبه نوع من القبول .
وحسب رأيي : إن الاحترام الذي ننشده هو إيجاد حالة من القبول النفسي لكل ما يمارسه الآخر ، وليس فقط السكوت الذي يحمل في الصدر عدم الرضا ، فإذا كنا نبحث عن السلم الاجتماعي فعلينا بالاحترام .
2 ـ 1 الهوية : ماذا نقصد بالهوية ، وهل نحن متفقون على هوية خاصة بنا .
وقد ذكر الدكتور جعفر شيخ إدريس[10] في مقالة له الفرق بين المواطنة والهوية حيث يقول : ( المواطنة انتساب جغرافي ، والهوية انتساب ثقافي ... الهوية لازمة للمواطنة ؛ لأن المواطنين لا بد لهم من نظام سياسي ، وعلاقات اقتصادية واجتماعية ، وقوانين تضبط هذه العلاقات ، وكل هذا إنما يبنى على معتقدات وقيم ومعايير أي على هوية معينة ... فالهوية إذن هي النظارة التي يرى من خلالها المواطنون ما هو مناسب أو غير مناسب ، صالح أو غير صالح لوطنهم . فإذا اختلفت النظارات اختلف تقويم الناظرين إلى ما ينظرون إليه ، وإن اتفقوا على الحقائق الحسية ...)[11] .
وأنا لا أؤيد الدكتور جعفر في تطبيق مبدأ الهوية في كل عصر على حساب المواطنة ، وإن كنت معه في أنها أهم ، لكني أقول نحن نحتاج إلى ترسيخ الهوية الخاصة بنا في أول الأمر ، لكي نعصم مجتمعنا من الذوبان في خضم هذه التيارات الفكرية التي تعج بها الساحة الفكرية المعاصرة ، وبعد ذلك نقوم باحترام الهويات الأخرى على حساب المواطنة أو غيرها .
ولبيان مفهوم الهوية بصورة أكثر أنقل جزء من مقالة لـ ـعبد الرحمن فرحانة حيث تكلم عن أسئلة الهوية فيقول: ( وفق مفهوم التربية الشامل ينبغي لأي أمة أن تجيب عن هذين السؤالين قبل التحرك بأي اتجاه ؛ ومن باب أولى في حالة خوض الصراعات مع الآخر .
تأتي أهمية السؤالين من أن أحدهما : يُحَدِّدُ إطار الهوية وهي الجدار المتماسك الذي يحفظ الكينونة ، وتشكل نقطة الاتفاق حول تصور الذات من قبل أفراد الأمة ، ويأتي السؤال الآخر ليحدد ما الهدف الذي تسعى إليه الأمة ، وما هي رسالتها ؟ وغياب الإجابة عن هذين السؤالين تعني بالمفهوم التربوي سيولة في القيم ، وفوضى فكرية مؤداهما التيه والضياع ...وعلى صعيد مكونات الهوية تتميز الهوية الإسلامية بمفردات أساسية ومناخ يندر أن تتوافر لهوية أخرى وبالكثافة نفسها والتماسك الذي تتمتع به ، وهي :

  1. وحدة المُقدس الديني (العقيدة)
  2. وحدة اللسان (اللغة العربية) مع تعددية لغوية لا تتعارض مع لغة القرآن
  3. وحدة التاريخ
  4. تواصل سكاني إنساني في مدى جغرافي متصل تقريبا[12].
بناء على ما سبق ، فيمكن لنا القول بأن ترسيخ الهوية الإسلامية في المجتمع العراقي كمرحلة أولية لا بد أن تتظافر على إحيائه وترسيخه جهات عدة بناء على تنوع ركائز الهوية .
ويتحكم في تكوين وبناء الشخصية أربعة عوامل : الوراثة ، التراث الاجتماعي ، الدين ، البيئة[13] .
2 ـ 2 الوراثة : لا أحد ينكر ما للوراثة من أثر على الكائن البشري في اكتساب خصائصه ومميزاته وطبائعه وعلاقته مع غيره، بل ( إن العلم أثبت أن العيوب والنقائص التي تخلفها المعاصي تنتقل بفعل قوانين الوراثة إلى البنين والحفدة . ومن ثم لا يكون العبد العاصي مسؤلاً عن معصيته وحسب ، بل يكون مسؤولاً عما قد يصيب بنيه وحفدته من عجز وقصور واستعداد للانحراف )[14].
2 ـ 3 التراث الاجتماعي : ونقصد بالتراث الاجتماعي : ذلك الميراث الذي يرثه الفرد من مجتمعه عبر السنين ، بل والقرون أيضاً ، ويصم :
2 ـ 3 ـ 1 اللغة : وهي مرآة صافية تعكس التاريخ الاجتماعي ، فكلما تحضرت أمة وتعددت مظاهر حضارتها وسما تفكيرها نهضت لغتها وتنوعت فنونها ودقت مفرداتها وكثرت المصطلحات الفنية فيها ، ولذلك نجد أن لغة الأمة التي تنهض فيها الصناعة والزراعة أغزر ثروة من لغة بلد ينهض على الزراعة وحدها . كذلك تتأثر اللغة بالنظام الطبقي ؛ لأن كل طبقة تعبر عن نفسها بأسلوب يختلف عن غيرها ، وهذا أمر ملاحظ ومعيش[15] .
فعلى كافة المؤسسات التعليمية والتربوية في الجامعات والمدارس أن تُحيي العربية في خطابها اليومي ، وإحلال العربية في حياتنا بدل المصطلحات الوافدة التي غزتنا وأضاعت هويتنا ، فلا بد من الإسراع إلى ذلك ، بثورة على الواقع ، فالمصطلحات التي نتداولها فيها من السموم التي تعصف بالأفكار وتهدم الأخلاق والمعتقدات ، فعلى كل جهة أن تتبنى مسؤوليتها وعدم ترك الأمر حتى تضيع الأمة ويكبر الخرق.
2 ـ 3 ـ 2 العادات والتقاليد والعرف : وتختلف من مجتمع إلى آخر ، ومن تجمع سكني إلى آخر ، وهي التي تحفظ للمجتمعات كيانها . يقول الدكتور مصطفى الخشاب عن العادات والتقاليد والعرف : ( إنها الدعائم الأولى التي قام عليها التراث في كل بيئة اجتماعية ، وهي إلى هذا تعتبر القوى الموجة لأعمال الأفراد والمؤثرة فيها)[16].
2 ـ 3 ـ 3 الثقافة : كان تايلور ( Tailor) أول من قدم تعريفاً للثقافة ، فقال : ( إنها ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والعادات ، وأي قنوات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو من المجتمع )[17] .
2 ـ 3 ـ 4 الدين : ويعتبر الضابط الأساس الذي به ينضبط المجتمع ، أيا كان نوعه ، وهو ذو سلطة وتأثير أبلغ من تأثير العادات والتقاليد والأعراف ولا يشبهها . والدين هو الأصل الذي تستمد منه المعايير الاجتماعية وإليه ترجع ، فإن كان هناك خلل في المعايير الاجتماعية فإن هناك بالأكيد خللاً في التدين وفي التعامل مع الدين [18]
فالعقيدة الدينية الصافية بأصولها القطعية : تقع مسؤولية إحيائها وترسيخها على عاتق المؤسسات الدينية عموماً ، فلا بد من توجيه الخطباء والعلماء المصلحين ليقوموا بدورهم المناط بهم ، لإعادة الأمة إلى سابق عزها ، ولبقائها حية تحتاج إلى إحياء اعتقادها من خلال تمييزها عن غيرها ، وإبراز الهوية الصافية الحقيقية لأهلنا ، بدل ترك الأمر لغيرنا ليرسخوا في عقول أبنائنا الغث والسمين .
ويعتبر الدين أهم مصادر التفكير في بناء الشخصية الانسانية وذلك لكونه يحتوي على جملة من القواعد المعيارية التي تضبط جميع تلك القنوات ، قبل أن تؤثر في بناء الإنسان ، فهي متأثرة بنصوص الوحي ، فهي عملية توازنية ، ومصادر تسقى بماء واحد .
وأما قضية التاريخ : فهي محاولة لتصفية تاريخنا من كل ما دخل عليه من الثقافات الأخرى وشوهت صورة تاريخنا الإسلامي الناصع ، من قلب الحقائق والإساءة إلى الرموز والشخصيات ، وطمس المعالم الحضارية والإنسانية لكبار المصلحين لدينا .
ومن القضايا الآخذه بالاحتدام في السياق التاريخي قضية (الفتنة) في عهد الصحابة (رضي الله عنهم) ونحن في العراق قد شغلتنا هذه القضية قروناً ، فلكي نوجد حالة من التوافق المضموني لمجمل أحداث تلك الفترة ، فلا بد من مبادرة جادة وسريعة لعقد مؤتمرات علمية هادفة ، لتقريب وجهات النظر ، ووضع إطار عام لمحاور تلك الفترة ، وإيجاد القواسم المشتركة بين الأطراف المختلفة ، لكي نتجاوز الأزمة .
ومن الاقتراحات العملية لهذه القضية الحساسة : تشكيل لجنة علمية متخصصة ببحث تلك الفترة ، ببحث متجرد ، وتعلو على سمته الإنصاف ، ليبحثوا في أحداث تلك الفترة ، ويسجلوا لنا أهم القضايا المتفق عليها ، والقضايا المختلف فيها ، وإلزام الخطباء والإعلاميين بالحديث عبر وسائل الإعلام عن القضايا المتفق عليها ، والمسائل المختلف فيها يبقى الحديث عنها في إطار ضيق ، خلف الكواليس وبعيداً عن الأضواء ، اعترافاً لنا بحقه وقناعته وخصوصيته ؛ لنتجنب الفتن والاقتتال الطائفي الذي مزق وحدة البلد ، وأدخل الأمة في صراع لا نهاية له .
وأما التواصل الحضاري مع أخواننا في الهوية والمعتقد ، حتى نتقوى بهم ويتقوون بنا ، فهي مسؤولية تكاملية تقع على عاتق من في طنجة وفي جاكرتا ، فنحن أمة واحدة ، تتأثر بما يتأثر به القريب والبعيد ، ولكن حتى نستطيع التواصل مع الذات ومن بعدها بمن هو خارج الذات فلابد من إحياء روح هويتنا في داخل مجتمعنا كمرحلة أولية ومن بعدها نتطلع بتصديرها إلى جيراننا .
وقد يرى البعض بأن أهم ركيزة لإحياء هويتنا هي المرتكز الأول وهي العقيدة ، فأقول قد تكون العقيدة هي أهم مرتكز يجب الابتداء به ؛ لكنه لن يعطينا تصور كامل عن هويتنا الأم ، فنحن امة بقيت حية بعقيدتها ولغتها وبتمسكها بتراثها التاريخي الأصيل وبمساعدة إخوانه ، فهذه الركائز هي كجناحي الطائر لا يطير إلا بجميع الريش الذي على جنبيه ، وقد يكون في فقه الأولوليات أن نقدم جانب العقيدة على غيره ، فلا بأس في ذلك على أن لا تترك الركائز الأخرى ، بل لا بد أن توضع على جدول الأعمال ، وسأذكر بعد القليل كيفية إحياء الذات من خلال المؤسسات الدينية .
فهذه الثورة لإحياء الذات لا يمكن القيام بها من خلال جهة واحدة ؛ بل لا بد أن تتضافر الجهود جميعا ، لكي نستطيع أن نتلمس الإحياء الديني المنشود في ربوع بلدنا ، وتشرق شمس هويتنا عالية ، ونكون قوة فاعلة في بلدنا لخدمة ديننا وأمتنا .
وهناك مؤثرات خارجية تساهم في تكوين الشخصية ، ويكون لها الأثر الفاعل في التعامل مع القضايا الفكرية سلباً وإيجاباً ، وعليه فعلى القيادات مراعاة تلك المؤثرات البيئية حين التعامل مع الأفراد وتكوينهم الفكري والديني .
2 ـ 3 ـ 5 البيئة : تعتبر البيئة الطبيعية أو الجغرافية هي التي تكسب الجماعات البشرية خصائصها ومقوماتها الذاتية ، إلا أن هناك فريقا من العلماء يرى أن هذا التقدير مبالغ فيه . غير أنه لا أحد من الفريقين ينكر تأثيرات البيئة الطبيعية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية [19].
وقد أشار الدكتور أحمد بوعود إلى التأثيرات البيئية في سلوك المجتمعات ، والتي لها آثار جانبية تنعكس على السلوك فيقول :
ففي المناطق المعتدلة مثلاً : نجد الناس أعدل الأجسام واللون والديانة ، وأقدر على التعقل والتحلم والرزانة وكبت الانفعالات وضبط النفس ، كما أن أصحاب المناطق المعتدلة أوفر إدراكا وقويو التفكير والتحليل والملاحظة .
أما في المناطق الحارة : فإننا نجد الناس ذوي بنية نحيفة ، وجسم صحيح ، أقوياء الحس والإرادة ، وذلك لنمط عيشهم القاسي ... كما يغلب عليهم الخمول والكسل ، وعلى خلقهم الطيش وكثرة الطرب ، حتى إنهم ليوصفون بالحمق واللامبالاة .. ويفضلون الزواج المبكر ، ونسبة الخصوبة لديهم عالية .
أما أهل المناطق الباردة : فيمتازون بالصبر ، والقدرة على مواجهة الظروف القاسية التي تفرضها عليهم منطقتهم بخصائصها ، طبعهم بارد وعاطفتهم راكدة ...
وأهل المناطق الساحلية أو المجاورة لدول أخرى : تقاليدهم وعاداتهم مختلفة عن تقاليد وعادات أهل الداخل أقرب إلى الدول المجاورة [20].
فعلى المتصدرين للخطاب أن يراعوا تلك التغيرات المصاحبة للبيئة ، لكي لا تصدر عنهم آثار سلبية لا يحمد عقباها ،
فإذا أصبح لنا تصور عن مفهومي الاحترام والهوية منفصلين ، فالآن لا بد من بيانهما مجتمعين بين المصطلح وضميمته ، فالمصطلح هو الهوية والضميمة هي الاحترام .
فالذي أراه أن عملية الاحترام لا بد أن تكون منضبطة مع ثوابت الدين ومقدساته ، بحيث لا يعني الاحترام الاستهانة بالمقدسات والثوابت ، ويمكن لنا التساهل في الظنيات لنوجد جو من التعايش وقبول ما عند الآخر .
وصراع الهويات : ما المقصود بالصراع ، وهل هناك صراع حقيقي بينهما ، ام هناك هجوم ويقابله دفاع ، أو هناك هجوم ويقابله استسلام ، ام هناك صراع متبادل .
وهل الصراع فكري ، من خلال طمس الهوية ، أم هو صراع البقاء .من خلاله يريدون طمس الهوية ،
ثم إن الفئة التي تريد طمس الهوية أو تغييرها ، هل جميع الأفراد الذين ينتسبون لهذه الفئة يوضعون في جانب واحد ام يفرق بينهما
ثم إن اليد المعينة لهذه الفئة التي تريد تغيير الهوية وهم أفراد من جانب الذات ، هل يعتبرون من تلك الفئة أم لا يزالون يعتبرون من الذات أم ينظر إلى نوع المساعدة التي يقدموها لتلك الفئة وبعدها نستطيع توصيفها ؟
وبما أننا نحاول توصيف الواقع العراقي فنقول : إن الصراع موجود على أرض الواقع ، بل تعدى الصراع كل مظاهر العقلانية ، فأصبحنا نعيش في غابة ، البقاء فيها للأقوى ، وكأن فلسفة الحياة قامت على نظرية لا حياة لي بوجود الآخر .
إننا ندعو إلى شعار بديل هو : لا حياة لي بدونك
إن الصراع الموجود في الواقع تقوم به فئة قليلة شوهت الصورة ومزقة النسيج الاجتماعي العراقي ، فلكي نتجاوز محنتنا وننهي الصراع ، لا بد من احترام الهويات كافة وقبول الآخر على ما هو عليه حسب الضوابط التي تبقي لي هويتي .
يقول العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه (جفظه الله تعالى ) : ( إن الإيحاء بحتمية الصدام نتيجة تنوع الحضارات إنما هو دليل على فشل إحدى الحضارتين في أن تدرك أهمية الاعتراف بحق التنوع وهو الحق الذي سيكون أساساً للحوار ووسيلة للتعارف ... فالهدف الأسمى من الحوار والتواصل هو إيجاد خرق في جدار هذا التصور الغالي المتطرف ، الذي لن يؤدي إلا إلى تطرف وغلو وصدام ، ففي المثل : من يزرع الريح لن يحصد إلا العاصفة )[21]
مفهوم التعامل مع الآخر : ويعود سبب الغموض في تعريف الآخر هو الاختلاف في الزاوية التي ننظر لتلك الأفراد
فما مقياس اعتبار الآخر ، فهل مقياس إطلاق مصطلح الآخر على المخالف بالدين ، أم المخالف في طريقة التفكير ، أم هو الذي لا يشاركني دار الإقامة .
وعلى كل حال نحن بحاجة إلى إيجاد جو التعايش مهما كانت ظروف الدار التي نعيش فيها ، لأن ما رأيناه في السنين الأخيرة ولا نزال نشاهد يدعونا إلى المراجعة الفكرية في كثير من القضايا التي كنا نطالب بها .
إننا لا بد من تخفيف كثير من الإضافات التي ألزمنا أنفسنا بها ، لتكون من تركيبة هويتنا ، وهي لا تعدو أن تكون من الجزئيات التي لا يتناسب معها حتى الاختلاف في الرأي ، فكيف بالقتل .
وقبل قبول الآخر : هو قبول الذات ، فعلينا أولاً ترتيب بيتنا كمرحلة أولية ، فعبثاً نحاول قبول الآخر ونحن لم نقبل بأنفسنا ، فلا بد من إيجاد روح التوافق على الكليات ويعذر بعضنا البعض في الجزئيات ، بما أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وأفضل وسيلة لتوحيد الصف هي توحيد الخطاب المنبري ، وبالأحرى هي مؤسسة الأوقاف بالأخص ، وهي الأم الحاضنة لهذه التيارات الفكرية ، فالتوحد من خلالها وترتيب البيت من أبوابها ، بدل التخبط في نواحي لا صلة لها بذلك .
والحل هو توحيد الخطاب من خلال توحيد فكرة الاتفاق على الكليات ونترك الجزئيات ، على حدة ، ونترك تكفير بعضنا بعضا ، وندع الحوار في قاعات مغلقة بدل التصارع بها من خلال المنابر ، وعلى شاشات وسائل الإعلام .
فلا بد أن تخطو مؤسسة الوقفين خطوة جادة لتوحيد الذات من خلال خطبائها وموظفيها من إيجاد معايير حقيقية للتوافق ، وتشكيل لجان ذات كفاءة علمية لذلك .
وتوحيد الخطاب يكون من خلال إلزام كل خطيب ومفكر وأستاذ جامعي ومستشار فكري من إعطاء تصور نهضوي لإعادة هوية الذات من خلال (52) ورقة على مدار السنة ، يتم من خلالها بلورة هذه الرؤى وصياغتها وإلزام الخطباء بها ، لكي نستطيع إحياء بذرة الذات في جميع أنحاء بلدنا الحبيب .
وكذلك إقامة ورش عمل ومؤتمرات وندوات ولقاءات لمناقشة التطورات التي وصل إليها المشروع ، وما يعتريه من نقص لتكميله وتطويره .
وأخيراً يمكن لنا بالقول :
إن المشهد العراقي اليوم لا يدعونا للنظر إلى شركائنا في الوطن على أنهم أعداء ، بل لا بد للنظر إليهم على أنهم مواطنون لهم ما لنا وعليهم ما علينا .
فلا بد من التعايش السلمي بكافة صوره وأشكاله ، وقبول الآخر على ما هو عليه ، من أفكار عقائدية مخالفة ، أو أعمال تعبدية مخالفة ، فإذا كان الدين يدعونا للاختلاف معهم ، فإن الدين كذلك يدعونا إلى الموازنة بين الكلي والجزئي .
فإننا لو نظرنا إلى عاقبة الأمر من جراء إنكار المنكر الذي في غير محله ، فإنه سيؤدي إلى فوضى وقتال وتهجير ، وفيه فتح الباب لفئات مغرضة تصطاد في الماء العكر لكي تخرب وتقتل من كلا الطرفين ، فتسيل الدماء وتضيع الحقوق ، فهنا قد عاد الفرع وهو إنكار المنكر ، على أصله بالإبطال وهو توحيد الصف وحقن الدماء فحينئد يكون عدم إنكار المنكر هو المصلحة.
لذلك هناك أربع مراتب تتجاذب إنكار المنكر : فإما إنكار يؤدي إلى تغيير المنكر بدون مفسدة وهذا هو المطلوب ، وإنكار يؤدي إلى تقليل المنكر دون مفسدة تصاحبه وهذا أيضا مطلوب ، وإنكار يؤدي إلى إزالة المنكر لكن مع مفسدة تساويه وهذا محل اجتهاد ، وإنكار يؤدي إلى منكر أكبر وهذا ليس مشروعاً ، بل هذا حرام بمعنى أن المطلوب هنا هو عدم الإنكار ، وأن تطبيق الشريعة هنا هو ترك تطبيق الجزئية لوجود كلية تعارضها .
والحادثة الشهيرة مع الإمام ابن تيمية حين رأى التتار يشربون الخمر ، وحاول أصحابه أن ينكروا عليهم شرب الخمر ، باعتباره منهياً عنه للمفاسد التي يتضمنها شربه .
فكان اجتهاده أكثر واقعية ونظراً لمآلات الفتوى حيث قال : دعهم ، فإنما حرم الله الخمر ؛ لأنها تصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، وهؤلاء تصدهم الخمر عن سفك الدماء ونهب الأموال .
ويبن العلامة القرضاوي بأن فتوى الإمام ابن تيمية تضمنت مراعاة جانبين مهمين :
الأول تغيير فتواه حسب حال المفتى في أمرهم
الثانية : مراعاة مقاصد الشريعة في التحريم والتحليل ، وعدم الوقوف عند ظواهر النصوص وحدها ، فهو سكت عن منكر ، مخافة منكر أكبر منه [22]
إضافة إلى ذلك فإننا نبصر بأن حال النصارى في ديارنا أفضل من حالنا بكثير ؛ فإنهم وإن كانوا أقلية في هذا البلد إلا أنهم عرفوا كيف يجدوا لأنفسهم مخرجاً مما هم فيه ، وهم في مأمن من جميع أطراف النزاع .
فعلينا أن ننظر إلى جميع الشركاء في هذا البلد كما ننظر إلى للنصارى ، دون تمييز وبهذا نستطيع تجاوز جزء من إشكاليتنا ونتحرر من قيود الجزئيات للتشبث بالقواعد الكلية مع مراعات المصالح والمفاسد .








المبحث الثاني : الجانب التطبيقي المقاصدي لبناء الشخصية من خلال الدرس المقاصدي
إن القرآن الكريم قد تضمن كليات الشريعة وقواعد مقاصدية كلية وجزئية ، لتقويم مسيرة البشرية ، ولتضع نصب عينيها أهم غرض خلق لأجله الإنسان ، وهي قيام العبودية الخالصة لله تبارك وتعالى .
وقد وضع الإسلام نظاماً عاماً لتقويم سير الحياة البشرية دون تصادم ، بحيث تسير البشرية دون تقاطع ولا تناحر ، بل خلق الإنسان مدنياً بطبعه متعايشا مع جنسه ، يكمل بعضه بعضا . لذلك يقول العلامة محمد الطاهر بن عاشور : ( ... وأما الصلاح الجماعي فيحصل أولاً من الصلاح الفردي ، إذ الأفراد أجزاء المجتمع ، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه ، ومن شيء زائد على ذلك ، وهو ضبط تصرفات الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية ، وهذا هو علم المعاملات ، ويعبر عنه الحكماء بالسياسة المدنية)[23].
فعملية الإصلاح الجماعي ، هي عملية تفاعلية ، من خلال مراحل عملية ، تقوم أولاً بإصلاح الأجزاء من خلال مجموعة من القيم والمبادئ النافعة ، وتنتهي تالياً بتلاقح الأفكار الجماعية ، بوحدة المصدر القيمي ، وانتهائاً بالتنوع الفردي الإصلاحي المتفاوت في مراتب الإصلاح من خلال الاقتناع بالأفكار الإصلاحية ، والانتهاء بالإبداع الإصلاحي.
ويشير العلامة ابن عاشور إلى أهمية التعايش بقوله : ( لم تزل فكرةُ التآلف والتناصر تخامر عقولَ البشر من عهد نشأته في هذه الأرض من حيث ما في طبعه من اتساع المطمع وقلة المقدرة ؛ فلذلك كان بطبعه محتاجاً إلى إسعاف بعضه بعضاً بِمُكمَّلات ما يعجز عن نواله من جلب الملائم ودفع المؤلم . وبذلك كان مدنّياً بالطبع ، أي محتاجاً إلى التجمع والتحبب للتمكن من الاستنجاد عند احتياجه إلى النوال أو الدفاع . وعن تلك الفكرة نشأ نظامُ العائلة وهو جامعة صغيرة تتفرع عن النسب الفردي ، ثم نظام الصهر والخؤولة ، ثم نظام القبيلة ، وهو جامعة واسعة تتفرع عن النسب البعيد الجامع وعن الوطن وعن اللغة )[24].
ولكي نستطيع إيجاد "التعايش السلمي في المجتمعات الإسلامية" لا بد من ترسيخ جملة من القواعد المقاصدية لتكوين الشخصيات الإنسانية القابلة للتعايش والمعايشة ، لتجاوز الأزمات الماحقة ، وقبل بيان القواعد المقاصدية لبناء الشخصية فلا بد من بيان مجمل مقاصد القرآن
1 ـ 1 . المقاصد القرآنية : إن العلماء المعاصرين وعلى رأسهم الإمام محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله تبارك وتعالى) قد حصر مقاصد القرآن الكريم في ثمانية مقاصد كبرى .
1 ـ 2 . المقصد الأول : إصلاح الاعتقاد ، وتعليم العقد الصحيح ، وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق ؛ لأنه يزيل عن النفس عادة الإذعان لغير ما قام عليه الدليل ، ويطهّر القلب من الأوهام الناشئة عن الإشراك والدّهرية وما بينهما ، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى : ﭽﭷﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ[25].
1 ـ 3 ـ المقصد الثاني : تهذيب الأخلاق ، قال تعالى : ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [26]
1 ـ 4 ـ المقصد الثالث : التشريع ، وهو الأحكام خاصّة وعامّة ، قال تعالى : ﭽﯦﯧﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ [27] .
1 ـ 5 ـ المقصد الرابع : سياسة الأمة ، وهو باب عظيم في القرآن ، القصد منه صلاح الأمّة وحفظ نظامها ، كالإرشاد إلى تكوين الجامعة بقوله تعالى : ﭽﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷ ﭼ [28]
1 ـ 6 ـ المقصد الخامس : القصص وأخبار الأمم السّالفة للتأسي بصلاح أحوالهم ، قال تعالى : ﭽﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﭼ [29]وقال:ﭽﯬ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﭼ[30] ،وللتحذير من مساويهم ،قال تعالى : ﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﭼ [31]
1 ـ 7 . المقصد السادس : التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين ، وما يؤهّلهم لتلقّي الشريعة ونشرها ، وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار ، وكان ذلك مبلغ علم مخاطبي العرب من أهل الكتاب ، وقد زاد القرآن على ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحّة الاستدلال في أفانين مجادلاته للضّالين ، وفي دعوته إلى النّظر ، ثمّ نوّه بشأن الحكمة ، وقد لحق به التّنبيه على فائدة العلم .
1 ـ 8 . المقصد السابع : المواعظ والإنذار والتّحذير والتّبشير ، وهذا يجمع آيات الوعد والوعيد ، وكذلك المحاجّة والمجادلة للمعاندين ، وهذا باب الترغيب والترهيب .
1 ـ 9 . المقصد الثامن : الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول [32] .
إن الناظر لمجمل المقاصد التي جاءت في القرآن ، فإن يدرك ارتباطها بإصلاح الإنسان وسلوكه ، ولكن يصعب الحديث عن جميع هذه المقاصد وأثرها في بناء الشخصية الإنسانية ، فسوف أقتصر على المقاصد القرآنية التي تكون الأقرب إلى مفهوم الشخصية الإنسانية المسالمة ؛ التي تدعوا للسلام والتعايش بأمان .
2 ـ 1 ـ التعايش يرتكز على المحافظة على الكليات
إن من أهم المعايير الرئيسة لإيجاد جو التعايش في المجتمعات الإنسانية ، جملة من القواعد المقاصدية المؤسسة للعقلية التعايشية ، التي تهدف إلى إيجاد جيل من الشخصيات الايجابية ، في ظل كليات الشريعة الإسلامية .
وأهم مقصد من مقاصد الشريعة هو الحفاظ على أهم شيء في الكون هو الحفظ على الإنسان ، من خلال المحافظة على عقل الإنسان وصلاحه ( إذا نحن استقرينا موارد الشريعة الدالة على مقاصدها من التشريع ، استبان لنا من كليات دلائلها ومن جزئياتها المستقرأة أن المقصدَ العام من التشريع فيها هو حفظُ نظام الأمة واستدامةُ صلاحه بصلاح المهيمن عليه ، وهو نوع الإنسان . ويشمل صلاحُه صلاحَ عقله ، وصلاحَ عمله ، وصلاحَ ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه )[33].
فالعقل هو المحرك الذاتي للتصرفات والأفعال ، فالمخزون الفكري في العقل لا بد أن ينضبط بضوابط التعقل ، وقبول الآخر ، واحترام الأديان والخصوصية الفردية والجماعية ، لكي يعيش المجتمع بأمان واحترام .
فكليات الشريعة تقوم بدور الموازنة لضبط عملية التفكير والتصرفات الإنسانية ، بمقياس كليات الشريعة الضابطة للمجتمع الإسلامي ، الذي يساهم في الارتقاء الإنساني .
2 ـ 2 ـ التعايش واحترام الأديان :
إن قيمة التعايش الإنساني لكي ترى النور وتلقى القبول الجماعي ، لا بد من احترام الأديان جميعاً ، في ظل واقع تغيرت معالمه وآثاره ، في ظل الواقع المعاصر الذي فرض جملة من القضايا التي تدعونا إلى مراجعة كثير من الفتاوى القديمة التي كانت موافقة لواقعهم ، وقد وضعوا لها ضوابط وأحكام ، فكانت اجتهادات رائعة ، أما اليوم فقد اختلفت الظروف والمعادلات ، فاحتاج الواقع إلى إعادة القراءة والمراجعة لهذه الاجتهادات ، ومن القضايا الحساسة ذات الصلة بموضوعنا قضية "الدار" لذلك ينقل العلامة عبد الله بن بيه (حفظه الله تعالى ) نص قرار المجلس الأوربي ، والذي هو أحد أعضائه البارزين ، جاء فيه : ( أولاً : تقسيم الدور في الفقه الإسلامي إلى دار إسلام ، ودار حرب ، ودار عهد ؛ يعود إلى الصدر الأول ، وفي سياق الحرب ؛ وهي حالة استثنائية إذ إن الإسلام يقرر أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو التعايش السلمي . ثانياً : جميع ما تضمنه الفقه الإسلامي من آثار ذلك التقسيم ، والأحكام الشرعية التي ترتبت عليه ، كان تبعاً للحالة القائمة يومئذ بين الدولة الإسلامية وسائر العالم من حولها ...)[34].
وهذا التقسيم الظرفي لا بد من اعتباره اجتهاداً أدى دوره وفاعليته ، ولا يمكن استحضاره في ظل الواقع المعاصر ، الذي اختلفت معالمه ومظاهره ، فلابد من النظر للواقع من زاوية أخرى تتلائم مع واقع الحياة .الذي يدعوا إلى التعايش السلمي على أرض مشتركة ، والبحث عن قواسم مشتركة تحافظ على كليات الشريعة الإسلامية ، وكليات الحياة العامة ، سواء كان التعامل مع المسلمين أو غيرهم .
ولكي يتم التعايش السلمي الحقيقي ، فلا بد من احترام الأديان عموماً ، لكي نحافظ على السلم الاجتماعي الحقيقي فلابد أن نحترم مقدسات الآخرين ، ( وهو ما تحتاج الأمة إليه لاقتناء مصالحها وانتظام أمورها على وجه حسن)[35].
2 ـ 3 ـ التعايش يحافظ على الأنفس :
في جو الأمن والأمان نستطيع المحافظة على الكليات جميعها ، وإذا استطعنا الحفاظ على النوع البشري فإن الكليات الأخرى تأتي تباعاً ، ( فإذا أصبحت النفوس عرضة للتلف والهلاك والاقتتال والمجاعات والأوبئة ، واستشرى ذلك واستمر مدة من الزمن ، فإنه يؤدي إلى الهلاك وإلى شبه الهلاك ، وإلى الانحلال وإلى ما نعرفه جميعاً )[36].
فإن واقع الصدام الحضاري يقضي على كل قوام المجتمع ، واهم ركيزة في الكون وقطبه المحوري ، والغاية المستهدفة من جميع الكليات هو الإنسان ، فإذا أصبح الإنسان أرخص شيء في الكون ؛ فاقرأ على الدنيا السلام .
ويشير العلامة ابن بيه دور الأمن في ازدهار المجتمعات فيقول : ( ففي جو الأمن تتبلور المواهب ويجد الفكر الإنساني فرصة سانحة ليبدع ليتعامل مع محيطه ليعمل ذهنه فيما يشاهد من حوله من مخلوقات ليكتنه كنهها فيشيد العمارة الجميلة والمباني الشامخة وليخرج خبء الأرض لينتفع وليحسن القيام على ثمارها فيصفف البساتين الغناء ويدرس طبيعة الكائنات الكبيرة والصغيرة فيطلع على الذرة ويدرس الكواكب والمجرات )[37]
2 ـ 4 ـ التعايش يحافظ على العقل :
وهنا جئنا إلى بيت القصيد في ورقتنا هذه ، فلكي نستطيع أن نحقق السلم الاجتماعي فلا بد من ترشيح الأفكار وتصفيتها ، بمقايسس العقلاء والمصلحين ، لكي لا تحل في العقول الأفكار المتطرفة التي تدعوا للفكر الإرهابي المتطرف ، والفكر الطائفي ، ويستنبط العلامة ابن عاشور من خلال الاستقراء جملة من المصالح التي يتضمنها إصلاح التفكير بقوله : ( بهذا نستدل على أن إصلاح التفكير من أهم ما قصدته الشريعة في إقامة نظام الاجتماع من طريق صلاح الأفراد ، وبهذا نفهم وجه اهتمام القرآن باستدعاء العقول للنظر والتذكر والتعقل والعلم والاعتبار ، وإن ذلك جرى على هذا المقصد فأنبأنا الاستقراء عن اهتمامه به والإفصاح عنه بكلام رسوله )[38] ومن هذا الأصل نستطيع أن ننزله على حالة إصلاح التفكير ، فعقول الأمة متفاوتة في مستوى الاستقبال والتفكير [39]، فإذا حافظنا على إصلاح التفكير الفردي لأفراد الأمة ، فنحن بلا شك نسير نحو إصلاح اجتماعي عام يشمل الأمة جميعها ، رجالها ونسائها ، صغارها وكبارها .
وقد استقرأ الإمام ابن عاشور نواحي التفكير ومدى إيجاد الوسائل في إصلاحها ، فانتهى إلى ثمانية نواح تودي إلى نجاح الفرد والجماعة في المجتمع:ومما يتصل بموضوعنا : التفكير في المعاملة : ينبني التفكير في المعاملة بين الناس على الشعور بما لأجله احتاج المرء إلى المعاملة مع الناس ، وعلى الإنصاف من النفس. وأشار إلى الأول : قوله تعالى :ﭽﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﭼ[40] فإذا كانت الحكمة من تكوين القبائل والشعوب حصول التعارف وجب أن يسعى الإنسان إلى ما به يدوم التعارف[41]. ولذلك يشير الإمام بقوله : (وجعلت علة جعل الله إياه شعوبا وقبائل. وحكمته من هذا الجعل أن يتعارف الناس، أي يعرف بعضهم بعضا.والتعارف يحصل طبقة بعد طبقة متدرجا إلى الأعلى ، فالعائلة الواحدة متعارفون ، والعشيرة متعارفون من عائلات إذ لا يخلون عن انتساب ومصاهرة ، وهكذا تتعارف العشائر مع البطون والبطون مع العشائر، والعشائر مع القبائل، والقبائل مع الشعوب لأن كل درجة تأتلف من مجموع الدرجات التي دونها.فكان هذا التقسيم الذي ألهمهم الله إياه نظاما محكما لربط أو إصرهم دون مشقة ولا تعذر فإن تسهيل حصول العمل بين عدد واسع الانتشار يكون بتجزئة تحصيله بين العدد القليل ثم ببث عمله بين طوائف من ذلك العدد القليل ثم بينه وبين جماعات أكثر. وهكذا حتى يعم أمة أو يعم الناس كلهم وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم )[42].
وأشار إلى الثاني : بقول النبي (r) : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[43] أي لا يكون مؤمناً كاملاً إذا لم يبلغ هذه الغاية ، فنفي الإيمان هنا بمعنى نفي الكامل من نوعه على طريقة المبالغة[44].
2 ـ 5 ـ الصلح مقدم على نظرية تطبيق الحق :
إن محاولة تطبيق مبدأ التعايش السلمي يفرض علينا الاستنجاد بجملة من الفتاوى التي تؤصل للقضايا ذات الإشكال الواسع وعام البلوى .
إن مبدأ التعايش السلمي يفرض علينا أن نقوم بتقريب الأطراف المتنازعة ، إلى أقرب نقطة التقاء ، بحيث يمكن من خلال التقريب القضاء على أشكال الطائفية والمذهبية ، وتمزيق النسيج الاجتماعي .
فقضية الحق لا يمكن تطبيقها في جميع محالها على مدى الزمان ، بل هناك حالات يكون تطبيق الصلح فيها هو الأولى ، كمنهج من مناهج فقه الأولويات وفقه الواقع والتوقع ، فالمفاسد التي تأتي من تطبيق الحقوق قد تعود بنتائج عكسية ، ويعود الفرع على أصله بالإبطال ، وهذه قاعدة نستفيدها من المذهب المالكي : ( وأما لو خشي القاضي بالحكم اتساع الأمر والفتنة بين المحكوم له والمحكوم عليه ؛ فإنه يجب عليه الأمر بالصلح دفعاً للمفسدة )[45] .
فعلى هذا لا بد على العقلاء وأهل الحل والعقد من جميع الأطراف أن تكون لديهم رؤية للواقع وللمتوقع ؛ فإذا كان تطبيق الحق يؤدي إلى مصلحة جزئية في الوقت الحاضر ، بمقابل مفاسد كثيرة وكبيرة ستقع في المستقبل ، فمن المصلحة ترك المصلحة الجزئية لدفع المفسدة .
3 ـ 1 ـ التعايش من خلال المواطنة يحقق السلم الاجتماعي :
يعرف العلامة ابن بيه المواطنة بقوله : ( عبارة عن علاقة متبادلة بين أفراد مجموعة بشرية تقيم على أرض واحدة ، وليست بالضرورة منتمية إلى جد واحد ، ولا إلى ذاكرة تاريخية موحدة ، أو دين واحد ، إطارها دستور ونظم وقوانين تحدد واجبات وحقوق أفرادها ، إنها شبه جمعية تعاونية ينتمي لها بصفة طواعية أفرادها بشكل تعاقدي ، فالذي ينضم اليوم إليها له نفس الحقوق التي كانت لأقدم عضو)[46] .
فعلى جميع الأفراد أن يؤمنوا بهذه الطريقة الجديدة التي تحافظ على الاستقلال الفردي واحترام الجميع على حد سواء ، فهذه الطريقة عند التعامل معها في بيئة كالعراق توجد حالة من الانسجام المجتمعي والترابط المذهبي ، لكي نستبعد كل الأفكار المنحرفة والمتطرفة .
ويشير العلامة ابن بيه إلى ضرورة الابتعاد عن التيارات الفكرية التي تحاول هدم الأساس وتهد البنيان ( كما أن على الفئات بالمقابل أن تظهر تجاوزاً لبعض المظاهر النفسية للفئة التي تجعلها وكأنها ليست معنية بالهم الوطني الاجتماعي والاقتصادي والأمني ، وأن تكذب تكهن أولئك الذين يريدون شيطنة تلك الفئة التي يستجيب بعض سفهائها فيرتكبون عمليات تخريب أو إرهاب فيصبحون بذلك حلفاء طبيعيين للمتطرفين من الجانب الآخر الذين يبتهجون لذلك . إننا نبحث عن تعاون وتضامن بين القيم وليس عن صدام وصراع )[47].
فالتعايش في ظل المواطنة يقوم بإذابة الحضارات في بوتقة واحدة ، تجمع المفرق ، وتجعلهم في مستوى واحد ، في التعامل مع الأحداث الداخلية والخارجية ، ويتعاملون كأسرة واحدة .
التعايش يستلزم محاربة أشكال التطرف والعنف بكل صوره وأشكاله ، فمحاربته يهدف إلى المحافظة على الكليات الشرعية المقاصدية ، ويحافظ على النسيج الاجتماعي ، فلا بد من رفض كل هذه الأصناف من التصرفات ، التي تهدم البنيان وتخر على المجتمعات السقف .



3 ـ 2 ـ محاربة ثقافة العنف
إننا بحاجة للوقوف صفاً واحداً لمحاربة أي صورة من صور العنف ، وعلينا بوئد العنف في بدايته قبل أن يستفحل أمره ويكبر خطره ، ويعود على الأصل بالإبطال ، فإشاعة جو التعايش والسلم الأهلي يتناقض مع جو العنف والتطرف .
ووسائل المحاربة متنوعة ، منها وسائل حسية ، ومنها وسائل معنوية ؛ وهذا الأخير هو ميدان بحثنا ومجاله ، فلا بد من محاربة الفكر الدافع نحو الجريمة والتطرف والطائفية ، فهو الذي يحافظ على الأيدي النظيفة التي لم تتلطخ أيديها بالدماء ، لكي نطهر ألسنتهم وعقولهم من تلك الأفكار المريضة .
ويشير العلامة ابن بيه إلى الوسائل التي تصنع الإرهاب بقوله : ( إن هذه التوجهات الفكرية عندما تتجاوز حدها لتكون تياراً حاداً يعبر عن نفسه بالعنف ويلغي وجود الآخر يحكم عليها بأنها ضارة وليست في صالح الإنسان ، إذ أصبحت تشكل خطراً على المجتمع ... إن هذه التيارات بالإضافة إلى ثقافة العنف التي تروجها وسائل الإعلام التي تذيع أسرار القرية الكونية حتى غدت بلا أسرار ولا حواجز ؛ فالإعلام أصبح مقدمة ونتيجة ووسيلة وغاية ، لا يوجه الأفكار فقط بل يصوغ العقول ، فأخبار الجرائم وعصابات الإجرام مع الرد والتكرار تعدي الأصحاء وتنكس الأسوياء ، تتفنن في عرض النزاعات مما يمثل تحريضاً فما ينشب نزاع حتى تصنف أطرافه ليدفع الإعلام لكل منهم لقباً يدافع عنه ، وهكذا تذكي الصحافة نار الفتنة بإيعازها الماكر تؤجهها بالكلمة المسمومة والعبارة المحمودة وقديما قيل : إن الحرب أولها الكلام)[48]
فنحن بحاجة لتكوين جيل واعٍ ومنضبط بأحكام الشريعة ، فلا يسمع إلا لصوت الحق ، ولا يقدم إلا مبدأ السلام على السلاح ، بحيث يكون المجتمع منسجما بعضه مع بعض ، متفاعلاً مع محيطه ، منفتحاً مع شركائه .




b






الخاتمة
إن هذه الدراسة رامت تسليط الأضواء على بيان أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، وأن فيها كل الحلول التي تحتاجها الأمم والشعوب لحل مشاكلها ، وتجاوز أزماتها .
وقد أثار البحث جملة من القضايا الحساسة والشائكة ، فحاول البحث أن يصف الواقع نظرياً ، ومحاولة طرح بعض الحلول العملية لتجاوز الأزمة الراهنة على أيدي العقلاء والصلحاء .
وفي ختام هذا البحث ، لا بد من الإشارة إلى أهم المسائل التي أثارها البحث وتصول إليها الباحث .

  1. إن الشريعة الإسلامية فيها من الحلول النظرية والعملية ، التي لو تمسكت بها الأمة لتجاوزت نكبتها ، ونهضت من كبوتها ، ولصحت من رقدتها .
  2. إن كليات الشريعة أشارت وأكدت على حماية الإنسان ، فقد وضعت جملة من الوسائل للمحافظة عليه وعلى كل القضايا الضرورية ، التي تكفل له الحياة الكريمة والسعيدة .
  3. إن الإنسان يتأثر بمحيطه وواقعه ، فعلى المصلحين أن يقوموا بدورهم لترشيد السلوك الإنساني وتقويمه بمعيارية مقاصد الشريعة الإسلامية .
  4. إن ترك الساحة لغير أهلها ، أوجدت تياراً متطرفاً ، يستبيح الدماء ، ولا يراعي حرمة لمعتقد ولا انسان . فعلى أهل الحل والعقد أن يقوموا بدورهم التربوي والإصلاحي ، فلا بد من الرجوع للواقع ومحاولة إعادة الشباب إلى موضعهم الحقيقي .
  5. إن التوضيف الخاطئ لنصوص الشريعة ، من خلال التفسير الخاطئ والتأويل البعيد ، دون الإلتزام بضوابط الدرس الأصولي وكليات الدرس المقاصدي ، أوجد تيارات تكفيرية ، تطرب بالأنين ، وتلتذ بأنهار الدم التي تسيل ، وتعشق الصراخ والعويل .
  6. أشار البحث إلى جملة من المصادر المكونة لبناء الشخصية مساعدة لنصوص الشريعة ، كالتاريخ والوراثة واللغة ، والعادات والتقاليد ، والثقافة ، التراث الاجتماعي ، والبيئة ، فعلى جميع المؤسسات التربوية أن تقوم بدورها ، بمحاولة جادة وسريعة لترشيد هذه القنوات الفكرية ، وتصحيح مسارها ، وضبطها ، للمحافظة على البناء الصحيح للشخصية الانسانية .







  1. القرآن الكريم
  2. الإرهاب التشخيص والحلول ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، سلسلة محاضرات منتدى الفكر الإسلامي ،
  3. الإسلام والبيئة ، عبد الواحد إسماعيل القاضي ، دار الاعتصام ، القاهرة .
  4. أصول النظام الاجتماعي ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ( تـ 1394هـ) ، خرج أحاديثه : محمد الطاهر الميساوي ط (1) دار النفائس عمان (1421 هـ/ 2001م) .
  5. البوشيخي : الشاهد ، دراسات مصطلحية ، ط (1) ، دار السلام (1433هـ/2012م) .
  6. التحرير والتنوير ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ( تـ 1394هـ) ، الدار التونسية ، (1884م).
  7. تكوين العقل العربي ، د محمد عابد الجابري ، ط (11) ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت (2011م) .
  8. تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن والسنة ، الدكتور يوسف القرضاوي ، ط (3) ، مكتبة وهبة ، (1424هـ 2003م)
  9. خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام ، د عبد الله بن الشيخ المحفوظ ولد بيه ، ط (1) الرياض ، (1419هـ 1999م) .
  10. شرح مختصر خليل ، محمد بن عبد الله الخرشي (تـ 1101هـ) ، دار الفكر ، بيروت .
  11. الجامع الصحيح للإمام أبي محمد بن إسماعيل البخاري، مع شرحه فتح الباري ، أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الطبعة السلفية
  12. صناعة الفتوى وفقه الأقليات ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، ط (1) الرابطة المحمدية للعلماء ، (1433هـ 2012م) .
  13. علم الاجتماع ، مصطفى الخشاب ، الدار القومية ، (1965م) .
  14. علم النفس الاجتماعي ، محمد كامل عويضة ، مراجعة محمد رجب بيومي ، ط (1) ، دار الكتب العلمية (1996م) .
  15. فتاوى فكرية ، العلامة عبد الله بن بيه ، ط (1) ، دار الأندلس الخضراء ، (1420هـ /2000م) .
  16. فقه الواقع ، أصول وضوابط ، أ . د . أحمد بوعود ، ط (1) ، دار السلام ، (1426هـ 2006م) .
  17. مجلة البيان ، عدد (211) السنة العشرون ، ربيع الأول 1326 هـ / ابريل / مايو 2005م .
  18. محاضرات في مقاصد الشريعة ، العلامة أحمد الريسوني ، ط (2) دار الكلمة ، مصر (1434هـ 2013م) .
  19. مدخل إلى التنمية المتكاملة ، د عبد الكريم بكار ، ط (1) ، دار القلم ، دمشق ، (1420هـ 1999م) .
  20. مشاهد من المقاصد ، معالي العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، ط (2) ، دار تجديد ، ((1433هـ 2012م) .
  21. معالم وضوابط التواصل مع الآخر ووسائله وآلياته ، مولانا العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه http://www.binbayyah.net/portal/
  22. مقاصد الشريعة الإسلامية ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ( تـ 1394هـ) ، تحقيق : محمد الطاهر الميساوي ، ط (2) دار النفائس عمان (1421 هـ /2001م) .
  23. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ، د أحمد عبد السلام الريسوني ، ط (2) دار الكلمة (1421هـ/2010م)
  24. الوراثة والبيئة ، علي عبد الواحد وافي ، ط (2) ، (دار النهضة مصر ، القاهرة ، (1970م) .






[1] المائدة: ٥٠

[2] الحشر: ٩

[3] مريم: ٥٩

[4] مشاهد من المقاصد ، معالي العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، ط (2) ، دار تجديد ، ((1433هـ 2012م) ، (32 ، 33) .

[5] يقول سيدي الشاهد البوشيخي : ( الضمائم وتتضمن : كل مركب مصطلحي (ضميمة) مكون من لفظ المصطلح المدروس ، مضموماً إلى غيره ، أو مضموماً إليه غيره ، لتفيد الضميمة المركب في النهاية مفهوماً جديداً خاصاً مقيداً ، ضمن المفهوم العام المطلق ، للمصطلح المدروس ، فكأن المصطلح بضمائمه ينمو ويتشعب مفهومياً من داخله . وأبرز أشكال الضمائم :

  • ضمائم الإضافة : سواء أضيف المصطلح إلى غيره ، أو أضيف غيره إليه .
  • ضمائم الوصف : وقد يكون فيها المصطلح واصفاً أو موصوفاً ، ينظر :البوشيخي : الشاهد ، دراسات مصطلحية ، ط (1) ، دار السلام (1433هـ/2012م) (34).

[6] تكوين العقل العربي ، د محمد عابد الجابري ، ط (11) ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت (2011م) . (16 ، 17) .

([7])فتاوى فكرية ، العلامة عبد الله بن بيه ، ط (1) ، دار الأندلس الخضراء ، (1420هـ /2000م) ، (1010) .

([8]) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ، د أحمد عبد السلام الريسوني ، ط (2) دار الكلمة (1421هـ/2010م) (263) .

[9] مدخل إلى التنمية المتكاملة ، د عبد الكريم بكار ، ط (1) ، دار القلم ، دمشق ، (1420هـ 1999م) ، (13) .

[10] رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة

[11] مجلة البيان ، عدد (211) السنة العشرون ، ربيع الأول 1326 هـ / ابريل / مايو 2005م ، ص (38)

[12] مجلة البيان ، عدد (202) ، السنة التاسعة عشر ، جمادى الآخرة ، 1425هـ / يوليو /اغسطس ، 2004م ص (110) .

[13] ينظر : فقه الواقع ، أصول وضوابط ، أ . د . أحمد بوعود ، ط (1) ، دار السلام ، (1426هـ 2006م) ، (55) .

[14] الإسلام والبيئة ، عبد الواحد إسماعيل القاضي ، دار الاعتصام ، القاهرة . (57) .

[15] ينظر : علم الاجتماع ، مصطفى الخشاب ، الدار القومية ، (1965م) .، (60) ؛ فقه الواقع ، (55 ، 56) .

[16] علم الاجتماع ، (189) .

[17] علم النفس الاجتماعي ، محمد كامل عويضة ، مراجعة محمد رجب بيومي ، ط (1) ، دار الكتب العلمية (1996م) ، (156) .

[18] ينظر : فقه الواقع ، (57) .

[19] ينظر : الإسلام والبيئة ، عبد الواحد إسماعيل القاضي ، دار الاعتصام ، القاهرة ، (28) ؛ الوراثة والبيئة ، علي عبد الواحد وافي ، ط (2) ، (دار النهضة مصر ، القاهرة ، (1970م) .، (89) .

[20] ينظر : فقه الواقع ، (45 ـ47) .

[21] معالم وضوابط التواصل مع الآخر ووسائله وآلياته ، مولانا العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه http://www.binbayyah.net/portal/

[22] تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن والسنة ، الدكتور يوسف القرضاوي ،ط (3) ، مكتبة وهبة ، (1424هـ 2003م) ، (100) .

[23] التحرير والتنوير ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ( تـ 1394هـ) ، الدار التونسية ، (1884م).، (1/41) .

[24] أصول النظام الاجتماعي ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ( تـ 1394هـ) ، خرج أحاديثه : محمد الطاهر الميساوي ط (1) دار النفائس عمان (1421 هـ/ 2001م) .، (171) .

[25] سورة هود: ١٠١

[26] سورة القلم: ٤

[27] سورة النساء: ١٠٥

[28] سورة آل عمران: ١٠٣

[29] سورة يوسف: ٣

[30] سورة الأنعام: ٩٠

[31] سورة إبراهيم: ٤٥

[32] ينظر : التحرير والتنوير ، الإمام محمد الطاهر بن عاشور ، (1/40 ، 41) .

[33] مقاصد الشريعة الإسلامية ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ( تـ 1394هـ) ، تحقيق : محمد الطاهر الميساوي ، ط (2) دار النفائس عمان (1421 هـ /2001م) ، (173) .

[34] صناعة الفتوى وفقه الأقليات ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، ط (1) الرابطة المحمدية للعلماء ، (1433هـ 2012م) .، (369) .

[35] مقاصد الشريعة الإسلامية ، (306) .

[36] محاضرات في مقاصد الشريعة ، العلامة أحمد الريسوني ، ط (2) دار الكلمة ، مصر (1434هـ 2013م) .، (155) .

[37] خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام ، د عبد الله بن الشيخ المحفوظ ولد بيه ، ط (1) الرياض ، (1419هـ 1999م) ، (26) .

[38] ينظر : ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (90) .

[39] يقول الإمام ابن عاشور : (لأنك تجد كل أحد مشتملاً على حالتين من التفكير : حال الاستقلال بالفكر فيما يبلغ إليه فكره ، وحال التلقي والاسترشاد فيما يتجاوز حد تفكيره ) . ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (92)

[40] سورة الحجرات : ١٣ .

[41] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (103/104)

[42] ابن عاشور: التحرير والتنوير (26/259 ،260).

[43] صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، (1/11) ، رقم الحديث (13) .

[44] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (104) .

[45] شرح مختصر خليل ، محمد بن عبد الله الخرشي (تـ 1101هـ) ، دار الفكر ، بيروت ، (7/162) .

[46] صناعة الفتوى وفقه الأقليات ، (381 ،382) .

[47] صناعة الفتوى وفقه الأقليات ، (385 ، 386) .

[48] الإرهاب التشخيص والحلول ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، سلسلة محاضرات منتدى الفكر الإسلامي ، (16) .
 

لبنى السموني

:: متابع ::
إنضم
24 أكتوبر 2013
المشاركات
24
الكنية
ام عمر
التخصص
دراسات اسلامية
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
المالكي
رد: المقاصد القرآنية في بناء الشخصية الانسانية وتنميتها فقه التعامل مع الآخر نموذجاً

بحث يستحق القراءة على روية موفق استاذ ايهاب
 
إنضم
19 يونيو 2014
المشاركات
16
الكنية
ابوماریة
التخصص
الفقه واصوله
المدينة
برلین
المذهب الفقهي
الشافعی
رد: المقاصد القرآنية في بناء الشخصية الانسانية وتنميتها فقه التعامل مع الآخر نموذجاً

مطلب رائع
 
أعلى