العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أطوار الخلق من سنن الله

إنضم
16 نوفمبر 2009
المشاركات
59
التخصص
شريعة إسلامية
المدينة
سرت
المذهب الفقهي
مالكي
لله –عز وجلّ- سننٌ في خلقه، يُجريها عليهم أجمعين، العاقل منهم وغير العاقل، مع وجود فروقٍ في جريانها عليهم بحسب طبيعة المخلوق، وبحسب دوره الذي خُلق من أجله.

فالإنسان كالنبات كالحيوان، اختلافُهم اختلاف نهايةٍ ومآلٍ، نتيجة اختلاف السبب الذي خُلق كلٌ منهم لأجله.
فالإنسان خلقه الله خليفةً في الأرض، ينهى عن الفساد، ويُصلح ما وجد لذلك سبيلا، يعبد الله؛ يشهد له بالألوهية والربوبية والوحدانية، ولا يشرك به أحدًا.
قال الله في سورة هود: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَï´¾. ولذلك خلقهم أي لأجل النهي عن الفساد، ولأجل الإصلاح.
وقال في سورة النور: ï´؟وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَï´¾، أي دور الإنسان في الحياة عبادة الخالق مع فعل الصالحات.
وقال في سورة الذاريات: ï´؟وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُï´¾.
إذن خلق الله الإنسان لهدفٍ سامٍ، ولسمو الهدف كتب له الخلود في الحياة الآخرة، لكنه إما خلود في الجنة والنعيم، إلى جوار ربه تعالى، حيث ينقله إلى طور آخر أسمى، وإما خلودٌ في نار جهنم، ليكون وقودًا لها ليس إلا، فهو لا يصلح –بكفره وعدم صلاحه- سوى أن يكون قودًا للنار.
فالله عز وجل خلق البذرة التي يخرج منها النبات، هذه البذرة جرت سنة الخالق على أنها تتعرض لنوع ابتلاء، فإذا صلحت ارتقت إلى طور أكثر علوًا وتطورًا، وهو طور النبات، الذي يُبتلى هو الآخر بنوع بلاء في هذا الطور، فإذا صلح النبات أمام هذا البلاء، ارتقى إلى الطور الأرقى، وهو طور الشجرة، التي تبتلى هي الأخرى، ليخرج منها الثمر، فإذا خرج منها الثمر أُبقي عليها، وإلا كانت معرضةً لأن تكون وقودًا للنار، وتظل هكذا حتى تفنى، بالنار أو بغيرها.

الإنسان هو الآخر تجري عليه مثل هذه السنن، لكنه بخلاف الشجر والحيوان ثمرته في الآخره، فالله عز وجل خلق الإنسان ليكون إلى جواره في الآخره، بمعنى أن الإنسان ليس كغيره، الإنسان هو الكائن الذي اصطفاه الله ليكون من أهل الآخرة، أي ليكون إلى جوار الله.

وقد بدأ الله خلق الإنسان من طين، ثم جعله نطفة في الرحم الذي هو قرارٌ مكينٌ قادرٌ على حفظ هذه النطفة التي تتعرض لنوع من الابتلاء، فإذا صلحت انتقلت إلى الطور الثاني وهو طور العلقة، التي تتعرض لنوع من الابتلاء، فإذا صلحت انتقلت إلى الطور الثالث الذي هو المضغة، وهكذا ينتقل الإنسان من طور إلى آخر داخل الرحم، فإذا تخطى هذه الأطوار بنجاح، خرج إلى الدنيا، ودخل طورًا آخر، هو طور الإنسان الذي يعيش في الدنيا، ويستعمل عقله للتعرف على الخير والشر، والحق والباطل، فإذا صلح في هذا الطور الذي يبدأ فعليًا ببلوغه سن الرشد، أي سن اكتمال أداة القياس والمعرفة، وهي العقل، ونجح في تخطي أنواع الابتلاءات، واستطاع أن يقاوم وسوسة الشيطان، وهو البلاء الأكبر، فإنه بصلاحه في الدنيا يكون أهلا لأن ينتقل بعد موته إلى طور أكثر رقيًا وتطورًا، وهو طور الإنسان الرباني، الذي يُسكنه الله إلى جواره في جنة الخلد، وإذا لم يصلح في طوره الدنيوي، وانقاد لشهواته، وضعف أمام وساوس الشيطان، فإنه لن يكون صالحًا إلى الانتقال إلى طور الإنسان الرباني، بل يكون مثله مثل الشجرة التي ليس لها ثمر، فيلقى في النار ليكون وقودًا لها.

قال تعالى –في سورة الحج- في بيان أطوار خلق الإنسان، مشيرًا إلى أن سنة الإنشاء والخلق واحدة في المخلوقات، فالبشر كالشجر في سنة الخلق، لم يكونوا شيئًا فخلقهم، وكلاهما من الأرض: ï´؟يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍï´¾.
وبيّن تعالى في سورة التحريم مصير الإنسان الذي يخفق في طور الدنيا، أمام الابتلاء الذي يتعرض له من الشيطان والنفس والهوى، وأنه بإخفاقه يثبت أنه غير صالح للانتقال إلى الطور الآخر، وهو طور الإنسان الرباني الذي هو أهل لجوار ربه في جنة الخلد، قال تعالى: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَï´¾، وقال قبلها في سورة البقرة مبينًا مصير من نجح في الابتلاء في الدنيا، وثبت أنه صالح للانتقال إلى الطور الأرقى، ومصير من يفشل: ï´؟وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَï´¾.
وقد بين بشكل واضح الطور المنتظر لعباد الله الذي اتبعوا الصراط المستقيم الذي دلَّهم عليه، قال الله تعالى في سورة الأنعام: ï´؟وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَï´¾، والآيات كثيرة في هذا البيان.
 
أعلى