العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أهمية الأمن في الإسلام

رضا السيد عرفه

:: متابع ::
إنضم
8 مارس 2009
المشاركات
13
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
غزه
المذهب الفقهي
شافعي
إن الناظر بعين البصر والبصيرة في شريعة الإسلام ليلحظ بوضوح أنها قد جاءت لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، وأنها قد حفظت للناس ـ كافة ـ حقهم في دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأنسابهم.
يقول الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ: " والمعتمد إنما هو أنَّا استقرينا من الشريعة أنها وُضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهو الأصل: } رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {[SUP]([1])[/SUP]، وقال تعالى: } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {[SUP]([2])[/SUP]"[SUP]([3])[/SUP].
ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
" فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصالح كلها، وحكمةٌ كلها، فكل مسألةٍ خرجتْ عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكْمة إلى العبَث، فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل، فالشريعةُ عدلُ الله بين عباده، ورحمتُه بين خلقه، وظلُه في أرضه، وحكمتُه الدالةُ عليه وعلى صدق رسوله ... "[SUP]([/SUP][4][SUP])[/SUP].
وإن مما أولته الشريعة اهتماما بالغاً، بل وجعلته مقصداً من مقاصدها هو حفظ الأمن على المستوى الفردي والجماعي، فالأمن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإيمان بهذه الشريعة المباركة، وقد وعد الله عزّ وجلّ المؤمنين بالأمن في حياتهم وآخرتهم إذا آثروا الهدى على الضلال، والتقوى على المعصية، والحق على الباطل، فقد قال سبحانه: } وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {[SUP]([5])[/SUP].
وقال جلّ وعلا: } الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون {[SUP]([6])[/SUP].
فالأمن نعمةٌ عظيمة ـ لا يعرف قدرها إلا من فقدها ـ، وهو مطلب الناس أجمعين، ومما يدل على ذلك من نصوص الشرع، قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: } وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير {[SUP]([/SUP][7][SUP])[/SUP].
فإبراهيم عليه السلام سأل الله عز وجل أن يمن على مكة بالأمن والرزق ـ وقدَّم الأمن على الرزق، ذلك أن الرزق لا يكون له طعم ولا يستطيع المرء البحث عنه إذا فُقد الأمن، فبالأمن يهنأ الإنسان ويشعر بلذة الشراب والطعام ـ فاستجاب الله لدعاء نبيه وخليله، وجعل من مكة مستقراً وبلداً آمناً بإرادته ومشيئته، وجعلها وطناً للإسلام بعد اختياره للمصطفى صلى الله عليه وسلم نبياً عربياً، وخاتماً لرسله من صفوة خلقه، ليحمل رسالة الهدى للعالَمين، ولتكون مكة مسقط رأسه، وذلك ببركة دعاء إبراهيم عليه السلام[SUP]([8])[/SUP].
وموسى عليه السلام لما ألقى العصا ـ كما أمرَه ربُه جل وعلا ـ ورأى أنها قد انقلبتْ إلى حيةٍ تسعى، ولَّى مدبراً ولم يلتفتْ من شدة الخوف، فهو أحوج ما يكون في مثل هذه الحالة إلى الأمن، فناداه ربُه قائلاً: } يا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ {[SUP]([9])[/SUP].
ونبينا صلى الله عليه وسلم لمَّا منَّ الله عليه بفتح مكة ذكر للناس ما ينالون به الأمن ـ مما يدل على أهميته عند المؤمنين والكافرين ـ فقال عليه الصلاة والسلام: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن "[SUP]([10])[/SUP].
ولو تتبع المسلم نصوص الكتاب والسنة لعلم يقيناً أن الأمن جزءٌ لا يتجزأ من الإسلام، وهو ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه حين وفد عليه وعرض عليه الإسلام وطمأنه بالمستقبل المشرق للدعوة فقال صلى الله عليه وسلم: " .. يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ " قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: " فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ[SUP]([11])[/SUP] تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لا تَخَافُ أَحَدًا إِلا اللَّهَ ... "[SUP]([12])[/SUP].
ولقد كتب الكثيرون عن السعادة .. فمنهم من قرنها بالمال، ومنهم من قرنها بالصحة، وقرر بعضهم أنها الحب، وقرر آخرون أنها راحة البال، وأفتى آخرون بأنها اجتماع المال والصحة والحب وراحة البال !!
إلا أن الواقع يبين خطأ هذه النظريات، ويؤكد أن أول شرط ـ ليذوق الإنسان طعم الحياة الاجتماعية ـ أن يكون آمناً في مجتمعه، يستطيع تبادل المنافع مع الناس بكل حرية وطمأنينة، بل إن سعادة الدنيا ونعيمها في تحقيق الأمن قال صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم آمناً في سَرْبه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها "[SUP]([13])[/SUP] .
ولا يمكن لأفراد المجتمع ـ أيضاً ـ أن يحصِّلوا المهارات، ويكتسبوا المعارف، ويبلوروا مواهبهم، ويُنَمُّوا طاقاتهم إلا في ظلال الأمن الوارف[SUP]([14])[/SUP].
فالأمن نعمةٌ، واختلاله شرٌ ونقمة، بل إن اختلاله يؤثر حتى في العبادات ـ وهو الهدف الأول من خلق الإنسان ـ، ولهذا كانت صلاة الخوف مختلفة عن صلاة الأمن في صفتها وهيئتها، والوضوء واستقبال القبلة يسقطان عند وجود الخوف وذهاب الأمن، وتسقط بفقدها ـ نعمة الأمن ـ الجمعة والجماعة[SUP]([15])[/SUP].
والحج كذلك يشترط في وجوبه على الإنسان أمن الطريق؛ فإذا كان الطريق غير آمن فلا يجب عليه الحج، فالمفاسد الكثيرة المترتبة على الاختلال الأمني هو الذي جعل بعض السلف يقول: " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان "، قال ابن تيمية معلقاً :" والتجربة تبين ذلك "[SUP]([16])[/SUP].
مما سبق يتجلى لنا بوضوح أن جوهر الشريعة الإسلامية إيمان وأمن يكْفُل عدالةً مطلقةً للبشرية جمعاء دون تمييز بين بني آدم الذين خلقوا من نفس واحدة لا فرق بينهم، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وأكرمهم عند الله أتقاهم، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعباده.
فديننا الحنيف، دين التسامح، والعدل والمساواة، وتحقيق مصالح العباد، وتوفير الوئام والسلام والأمن[SUP]([17])[/SUP].



([1]) سورة النساء:الآية (165).

([2]) سورة الأنبياء: الآية (107).

([3]) الشاطبي: الموافقات (2/16).

([4]) ابن القيم: إعلام الموقعين (3/3).

([5]) سورة النور: الآية (55).

([6]) سورة الأنعام: الآية (82).

([7]) سورة البقرة: آية (126).

([8]) محمد عبد العزيز: نظم الأمن (ص5،6).

([9]) سورة القصص: من الآية (31).

([10]) ابن هشام: السيرة (2/401)، ابن كثير: السيرة النبوية (3/549)، ابن سيد الناس: عيون الأثر (2/188)، الحلبي: السيرة الحلبية(3/19)، المباركفوري: الرحيق المختوم (ص407)، الخضري: نور اليقين (1/164).

([11]) الظعينة: بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة المرأة في الهودج وهو في الأصل اسم للهودج. المباركفوري: تحفة الأحوذي (8/232).

([12]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب المناقب، باب:علامات النبوة في الإسلام 3/1316ح 3400).

([13]) أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب الزهد، باب القناعة( 2/1387 ح 4141) وحسنه الألباني: السلسلة الصحيحة (5/317 ح 2318).

([14]) المصري: نظرية الأمن والإيمان (ص 143)، حسان: حق المسكن والأمن (ص 13)، الخطيب: أثر القرآن في حفظ الأمن (1/6)، الجمل: أمن الأمة (ص 30, 31).

([15]) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (22/609).

([16]) ابن تيمية: السياسة الشرعية (ص 217)، ومجموع الفتاوى (28/391).

([17]) عبد العزيز: نظم الأمن (ص 13).
 
أعلى