رد: إشكالات لا أفهمها في غاية المأمول شرح الرملي على ورقات الجويني
هل يصح التسليم له بالقول بأن أصول الفقه هي الأدلة السمعية ؟
هو لم يقل بأن أصول الفقه هي الأدلة السمعية بل قال موضوعها الأدلة السمعية ، فأصول الفقه في كلامه هنا هو القواعد الأصولية ، وهذه القواعد (الأصول) عملها في الأدلة السمعية.
فمثلاً : الأمر يقتضي الوجوب ، المراد به الأمر في الأدلة الشرعية السمعية.
وقواعد العموم والخصوص والمطلق والمقيد وغيرها إنما يراد بها الكلام في العموم والخصوص في الألفاظ الشرعية (الأدلة السمعية).
فهذه القواعد موضوعها والمقصود بها الأدلة السمعية.
2) ما معنى: " لأنه يبحث فيه عن أحوالها العارضة لها " ؟
المراد صفات الأدلة السمعية ، فإنها قد تكون خبراً أو إنشاءً وقد تكون حقيقة أو مجازاً وقد يكون الدليل السمعي عاماً أو خاصاً مطلقاً أو مقيداً محكماً أو منسوخاً وهكذا ، فهذه هي الأحوال التي تُبْحَثُ من خلال أصول الفقه.
3) ما معنى: " ما يُطلَب لنسبة محموله إلى موضوعه في ذلك العلم " ؟
أعلم أن المحمول والموضوع من مباحث المنطق لكن لا أفهم العبارة في هذا السياق فضلاً عن علاقة العبارة بالمثالين المذكورين .
المحمول هو الحكم والموضوع هو المحكوم عليه ، والمراد بالمحمول والموضوع المسائل الفقهية وأحكامها الشرعية ، فالمسائل الفقهية هي الموضوع والأحكام الشرعية هي محمولها (أي أحكامها)، فإذا قلتَ مثلاً : "مسح الرأس في الوضوء واجب" فمسح الرأس هو الموضوع والوجوب هو المحمول ، لكن نحن لا نحكم على المسائل اعتباطاً أو بالتشهي ، بل لا بد من أمر نعتمد عليه في ربط الحكم (أي المحمول) بالمسألة الفقهية (أي الموضوع) وهذا الأمر هو المراد بقوله : (ما يطلب) ، وقوله : (كعلمنا بأن الأمر بالوجوب) فهذه المعلومة هي ما نطلبه لمعرفة نسبة المحمول (وهو الوجوب في مسألتنا) إلى الموضوع (وهو مسح الرأس) ولولا معرفتنا بأن الأمر للوجوب لما عرفنا بأن المسح واجب ، فنحن نطلب هذه المعرفة لنعرف هذه النسبة.
والله أعلم
في صفحة 71 قال الرملي في تعريف الأصل اصطلاحاً:
" والصورة المقيس عليها "
وذكر المُحَقِّق في الهامش رقم (6) : " الصورة المقيس عليها على اختلاف مذكور في القياس في تفسير الأصل "
أرجو شرح عبارة المُحَقِّق التي حاول بها أن يشرح عبارة الرملي.
قيل في الأصل الذي هو أحد أركان القياس أنه المسألة الفقهية المحكوم عليها بالدليل الشرعي ، وقيل : بل المراد دليله ، وقيل : بل المراد حكمه.
وقول الرملي : (والصورة المقيس عليها) يُراد به الأصل بالمعنى الأول على الرغم من وجود خلاف في تفسيره كما ذكره الرملي نفسه في تفسير الأصل وكما هو مذكور في المصادر التي ذكرها المحقق. هذا هو مراد المحقق.
في صفحة 73 قال الرملي:
" فالمراد بمعرفة الأحكام: التصديق بكيفية تعلقها بأفعال المكلفين لا تصورها؛ لأنه من مبادئ أصول الفقه، ولا التصديق بثبوتها، ولا التدقيق بتعلقها؛ لأنها من علم الكلام، وخرج معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها القطع، كمعرفة أن الله واحد، وأن الصلوات الخمس واجبةٌ، وأن الزنا مُحرَّم، وعِلم الله وجبريل، وكذا النبي - صلى الله عليه وسلم - الحاصل بغير الاجتهاد "
التعليق:
كيف يقول أن " معرفة الأحكام التصديق بكيفية تعلقها بأفعال المكلفين " ثم يقول " ولا التصديق بثبوتها "
لا تعلق للتصديق بكيفية الثبوت والتصديق بالثبوت ، فمثلاً ، قد تعرف أنتَ أن قوله صلى الله عليه وسلم : "لا إنما هو بضعة منك" يفيد عدم النقض بمس الفرج ، وتصدق بأن كيفية استنباط الحكم من هذا الحديث صحيحة ، لكنك لا تصدق ثبوت الحكم في هذه المسألة لضعف الحديث عندك ومعارضته لحديث : "من مس ذكره فليتوضأ"
فالتصديق بكيفية ثبوت الحكم هو التصديق بالقاعدة الإصولية التي تعرفك بكيفية إثبات الحكم من النص في الواقعة ، وعدم التصديق بالثبوت ، اعتقادك بأنه وإن صحت طريقة الإستنباط عندك إلا أن الحكم لا يثبت لمانع أو فقدان شرط ، كأن يكون الدليل المعتمد عليه ضعيفاً أو منسوخاً أو معارضاً بما يقتضي تأويل دلالته وغير ذلك.
أما التدقيق بالتعلق ، فالمراد بالتعلق ارتباط خطاب الشارع بفعل المكلف ، وهذا الإرتباط مسألة كلامية تتعلق بارتباط صفات الله سبحانه والحوادث كتعلق علمه سبحانه بجميع الممكنات والواجبات والممتنعات ، وتعلق قدرته بالمخلوقات ، ومنها تعلق خطابه بالمكلفين ، فهذا التعلق ليس هو نفس صفة الكلام لله سبحانه ولا هو نفس الحكم الشرعي المستفاد من الخطاب ، ولكن هو علاقة تربط حكم الفعل بالصفة ، وهذا المقدار لا علاقة له بالفقه ولا أصول الفقه ، بل له علاقة بعلم الكلام.
وأرجو أن هذا موضح للفرق بين قوله : (التدقيق بتعلقها) وقوله : (التصديق بكيفية تعلقها) فإن التدقيق بتعلقها هو النظر في نفس التعلق بين الصفة التي هي خطاب الله (كلامه سبحانه) وبين فعل المكلف ، وكيفية التعلق معرفة كيفية دلالة خطاب الشارع على حكم فعل المكلف ، والمراد بكيفية الدلالة كقولهم (الأمر للوجوب) و(النهي للتحريم).
وكيف نجد في تعريف الأصوليين للفقه بأنه ما ليس بالأحكام القاطعة كما قال المصنف " وأن الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنا مُحرَّم " ثم نجد هذه الأحكام في كتب الفقه ؟
هذه مسألة الفرق بين الأصول والفروع ، وفيها خلاف ، فذهب بعضهم كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى خطأ هذه القسمة وجعل من ضمن اعتراضاته ما ذكرته أنتَ من أنهم حدوا الفروع بأنها ظنية ، مع أن الأركان الخمسة يقينية ، وأن الأصول يقينية مع أن فيه مسائل لا يقين فيها كحكم أولاد الكفار في الآخرة ، مثلاً.
وعموماً لا تعلق لهذه المسألة بعلم الأصول من حيث هو علم يبحث في القواعد الكلية التي تبين كيفية استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية.
نفس الصفحة - أي 73 - الفقرة التالية كلها غير مفهومة:
" وعَبَّر الأئمة هنا بالعلم وبالمعرفة، وإن كانت أدلته ظنية، لأن ظن المجتهد - الذي هو يقويه - قريب من العلم؛ لأنه يجب عليه وعلى مقلديه العمل بمقتضاه، وقيل: لأن الفقه مقطوع به، والظن في طريقه لأن مظنون المجتهد مقطوع به، وهذا الدليل إنما يصح عن المُصَوِّبَة وإلا فهو ممنوع الكبرى عند غيرهم "
استفسار: " وإن كانت أدلته ظنية " هل يدخل في ذلك القرآن والسنة المتواترة ؟ أم هو يقصد شئ آخر ؟
نعم يدخل في ذلك الكتاب والسنة ، لأن الظن لا يقتصر على الثبوت ، بل ويشمل الدلالة ، فقد تكون الآية ظنية الدلالة كدلالة {أو لامستم النساء} على النقض بالمس باليد ، مع أن ثبوتها يقيني.
وقوله : (وقيل : لأن الفقه مقطوع به ...) يعني إستفادة المعرفة ولو ظنية من الأدلة الظنية يقيني ، فمثلاً نحن نتيقن أن الفقيه إذا اطلع على الدليل الظني بأنه يستفيد معرفة ظنية ، وهذه المعرفة هي الفقه ، فنحن متيقنون من حصول هذا الفقه وإن كان هذا الفقه هو في نفسه معرفة ظنية.
ختاماً: التعريف بالرسم، سمعت عنه لا أدري أين ولا أذكر تعريفه ولا أذكر هل له مقابل أم لا فأرجو الإفادة .
في علم المنطق حين يتكلمون عن الحدود ويقسمونها إلى حد تام وحد ناقص وهو بحث منطقي.
هذا والله سبحانه أعلم