د. أريج الجابري
:: فريق طالبات العلم ::
- إنضم
- 13 مارس 2008
- المشاركات
- 1,145
- الكنية
- أم فهد
- التخصص
- أصول الفقه
- المدينة
- مكة المكرمة
- المذهب الفقهي
- المذهب الحنبلي
كتب فى : 18-02-2016 | الكاتب : أ.د. غازي بن مرشد العتيبي
( 1/2 )
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
مما تكثر مباحثته والحديث عنه في مجالس طلاب العلم ولا سيما المشتغلين بعلم أصول الفقه واقعُ الأمثلة في مدونات أصول الفقه ، بعد الإمام الشافعي رحمه الله ، وأثرُ هذا الواقع في وضوح علم أصول الفقه ، وتحصيل المقصود منه وهو معرفة مآخذ الأحكام ، وتفقيه المتعلم .
وقبل الحديث عنه أشير إلى أن الإمام الشافعي في رسالته الأصولية الشهيرة كان شديد العناية ببيان الأمثلة للأصول التي يقررها ، وكانت الأمثلة التي يوردها نابعة من فهمه العميق لنصوص الكتاب والسنة ودلالاتها على ما تقتضيه في الخطاب العربي ، أو راجعة للإجماعات الثابتة والأقيسة الصحيحة التي انتزعها من دلالات النصوص ، وقد يكرر الأمثلة ، ويورد الاعتراضات عليها ، ويجيب عنها ، في أسلوب حواري ممتع .
ومن ذلك قوله – عند كلامه على علل الحديث - : ( فقال لي قائل : فمثل لي كل صنف مما وصفت مثالاً تجمع لي فيه الإتيان على ما سألت عنه ، بأمر لا تكثر علي فأنساه ، وابدأ بالناسخ والمنسوخ من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، واذكر منها شيئاً مما معه القران ، وإن كررت بعض ما ذكرت ، فقلت : ... ) ([1]) .
وقوله : ( ولهذا أشباه في السنة من الناسخ والمنسوخ . وفي هذا دلالةٌ على ما كان في مثل معناها ، إن شاء الله . وكذلك له أشباه في كتاب الله ، قد وصفنا بعضها في كتابنا هذا ، وما بقي مفرق في أحكام القران والسنة في مواضعه )([2]) .
ولما ذكر صفة نهي الله ونهي رسوله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال : فصف لي هذا الوجه الذي بدأت بذكره من النهي بمثال يدل على ما كان في مثل معناه . فقلت له ... )([3]) ، وذكر مجموعة من الأمثلة ثم قال : ( ومثله – والله أعلم – أن النبي نهى عن الشغار ، وأن النبي نهى عن نكاح المتعة ، وأن النبي نهى المحرم أن ينكح أو ينكح )([4]) .
ولما ذكر أن المعصية المتعلقة بالمباح لا تحرمه على كل حال قال : ( فإن قيل : فما مثل هذا ؟ قيل له : الرجل له الزوجة والجارية ، وقد نهي أن يطأهما حائضتين وصائمتين ، ولو فعل لم يحل ذلك الوطء له في حاله تلك ، ولم تحرم واحدة منهما عليه في حال غير تلك الحال ، إذا كان أصلهما مباحاً حلالاً )([5]) .
وقال – في باب الاختلاف - : ( فأما ما كلفوا فيه بالاجتهاد فقد مثلته لك بالقبلة والشهادة وغيرها . قال : فمثل لي بعض ما افترق عليه من رُوي قوله من السلف مما لله فيه نص حكم يحتمل التأويل ، فهل يوجد على الصواب فيه دلالة ؟ )([6]) .
وهذه الحقيقة – وهي اهتبال الإمام الشافعي بالأمثلة الواقعية المأخوذة من الأدلة المعتبرة – أوضح من الشمس في رابعة النهار .
وبعد الإمام الشافعي سلك الأصوليون مسلكاً آخر ، سوف أذكره ، ثم أوضح الأثر الذي ترتب عليه ، ثم أذكر بعض الآفاق لما يؤمل أن تكون عليه الأمثلة في البحوث والدراسات الأصولية المعاصرة ، وذلك كما يلي :
توصيف واقع الأمثلة في كتب أصول الفقه عند الجمهور :
يمكن توصيف واقع الأمثلة في كتب أصول الفقه عند الجمهور في العناصر التالية :
1- التسامح في الأمثلة :
فيورد الأصوليون أمثلة وإن كانت مدخولة ؛ لأن المقصود بالتمثيل عندهم إنما هو تصوير القاعدة وتوضيحها ، قال ابن قاسم العبادي – مقرراً ذلك - : ( التمثيل كثيراً ما يتسامح فيه ؛ لأن المقصود به الإيضاح )([7]) .
ومن ذلك :قول محمد البرَوي الشافعي: ( والجنس في العين : كتعليل رخصة الجمع في الحضر بعذر المطر ، فجنس الحرج معتبر في عين هذه الرخصة بالإجماع ) ، ثم قال : ( وليس من غرضنا تصحيح المثال ، والمقصود تصوير القاعدة )([8]) ، فهو يشير إلى أن المثال المذكور فيه بحث ، لكن عادة الأصوليين يتساهلون في مثل هذا ؛ لأن مقصودهم ليس تحقيق المثال وإنما هو توضيح القاعدة .
وقد ذكر الجلال المحلي مثالاً لتعذر ترك الحرام إلا بترك غيره من المباح ، فقال : ( كماءٍ قليلٍ وقع فيه بول ) ، قال البناني : ( تبع في التمثيل به المحصول ، ونوقش بأنه إنما يتمشى على مذهب الحنفية من أن الماء باق على طهوريته [ ثم قال ] : وقد يجاب عن الشارح بأنه قد اشتهر أن المثال يتسامح فيه ، ويكتفى فيه بالغرض ، فضلاً عن كونه على قول )([9]) .
2- عدم التقيد في التمثيل بمذهب معين :
وذلك لما تقدم من أن المقصود هو تصوير القاعدة ، ويوضح ذلك : أن أبا الربيع الطوفي لما ذكر مسألة اجتماع مطلق ومقيدين متضادين أورد المثال الذي ذكره ابن قدامة في الروضة وهو : الصوم ، فهو في كفارة الظهار مقيد بالتتابع ، وفي متعة الحج مقيد بالتفريق ، وفي كفارة اليمين ورد مطلقاً ، وشرح المثال ، ثم ذكر أن الأصح في التمثيل هو : أن غسل الأيدي في الوضوء ورد مقيداً بالمرافق ، وقطعها في السرقة ورد مقيداً بالكوع ، ومسحها في التيمم ورد مطلقاً .
ثم قال : ( أما تردد صوم كفارة اليمين بين صوم الظهار والحج فمثال ذكره أبو محمد ، وفيه نظر ؛ لأن الصوم في كفارة اليمين ما ورد عن الشرع إلا متتابعاً ، بناء على العمل بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، وأنها إما قرآن ، أو خبر ، كما تقدم .
[ ثم قال ] : نعم يصح تمثيل الشيخ أبي محمد به بناء على قول من لا يرى التتابع فيه ، وضرب الأمثلة في أصول الفقه لا يختص بمذهب )([10]) .
وللحديث بقية ....
-----------------------------------
([1]) الرسالة ، فقرة ( 600 ) .
([2]) الرسالة ، فقرة ( 707 – 709 ) .
([3]) الرسالة ، فقرة ( 930-931 ) .
([4]) الرسالة ، فقرة ( 939 ) ، وانظر الفقرات : ( 942 ، 943 ، 946 ) .
([5]) الرسالة ، فقرة ( 957-958 ) .
([6]) الرسالة ، فقرة ( 1680-1681 ) .
([7]) الآيات البينات ( 4/253 ) .
([8]) المقترح في المصطلح ( ص:221 ) .
([9]) شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني ( 1/197 ) ، وانظر : شرح الكوكب المنير ( 4/27 ) .
([10]) شرح مختصر الروضة ( 2/645-646 ) .
الأمثلة عند جمهور الأصوليين واقعها وآفاقها
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
مما تكثر مباحثته والحديث عنه في مجالس طلاب العلم ولا سيما المشتغلين بعلم أصول الفقه واقعُ الأمثلة في مدونات أصول الفقه ، بعد الإمام الشافعي رحمه الله ، وأثرُ هذا الواقع في وضوح علم أصول الفقه ، وتحصيل المقصود منه وهو معرفة مآخذ الأحكام ، وتفقيه المتعلم .
وقبل الحديث عنه أشير إلى أن الإمام الشافعي في رسالته الأصولية الشهيرة كان شديد العناية ببيان الأمثلة للأصول التي يقررها ، وكانت الأمثلة التي يوردها نابعة من فهمه العميق لنصوص الكتاب والسنة ودلالاتها على ما تقتضيه في الخطاب العربي ، أو راجعة للإجماعات الثابتة والأقيسة الصحيحة التي انتزعها من دلالات النصوص ، وقد يكرر الأمثلة ، ويورد الاعتراضات عليها ، ويجيب عنها ، في أسلوب حواري ممتع .
ومن ذلك قوله – عند كلامه على علل الحديث - : ( فقال لي قائل : فمثل لي كل صنف مما وصفت مثالاً تجمع لي فيه الإتيان على ما سألت عنه ، بأمر لا تكثر علي فأنساه ، وابدأ بالناسخ والمنسوخ من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، واذكر منها شيئاً مما معه القران ، وإن كررت بعض ما ذكرت ، فقلت : ... ) ([1]) .
وقوله : ( ولهذا أشباه في السنة من الناسخ والمنسوخ . وفي هذا دلالةٌ على ما كان في مثل معناها ، إن شاء الله . وكذلك له أشباه في كتاب الله ، قد وصفنا بعضها في كتابنا هذا ، وما بقي مفرق في أحكام القران والسنة في مواضعه )([2]) .
ولما ذكر صفة نهي الله ونهي رسوله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال : فصف لي هذا الوجه الذي بدأت بذكره من النهي بمثال يدل على ما كان في مثل معناه . فقلت له ... )([3]) ، وذكر مجموعة من الأمثلة ثم قال : ( ومثله – والله أعلم – أن النبي نهى عن الشغار ، وأن النبي نهى عن نكاح المتعة ، وأن النبي نهى المحرم أن ينكح أو ينكح )([4]) .
ولما ذكر أن المعصية المتعلقة بالمباح لا تحرمه على كل حال قال : ( فإن قيل : فما مثل هذا ؟ قيل له : الرجل له الزوجة والجارية ، وقد نهي أن يطأهما حائضتين وصائمتين ، ولو فعل لم يحل ذلك الوطء له في حاله تلك ، ولم تحرم واحدة منهما عليه في حال غير تلك الحال ، إذا كان أصلهما مباحاً حلالاً )([5]) .
وقال – في باب الاختلاف - : ( فأما ما كلفوا فيه بالاجتهاد فقد مثلته لك بالقبلة والشهادة وغيرها . قال : فمثل لي بعض ما افترق عليه من رُوي قوله من السلف مما لله فيه نص حكم يحتمل التأويل ، فهل يوجد على الصواب فيه دلالة ؟ )([6]) .
وهذه الحقيقة – وهي اهتبال الإمام الشافعي بالأمثلة الواقعية المأخوذة من الأدلة المعتبرة – أوضح من الشمس في رابعة النهار .
وبعد الإمام الشافعي سلك الأصوليون مسلكاً آخر ، سوف أذكره ، ثم أوضح الأثر الذي ترتب عليه ، ثم أذكر بعض الآفاق لما يؤمل أن تكون عليه الأمثلة في البحوث والدراسات الأصولية المعاصرة ، وذلك كما يلي :
توصيف واقع الأمثلة في كتب أصول الفقه عند الجمهور :
يمكن توصيف واقع الأمثلة في كتب أصول الفقه عند الجمهور في العناصر التالية :
1- التسامح في الأمثلة :
فيورد الأصوليون أمثلة وإن كانت مدخولة ؛ لأن المقصود بالتمثيل عندهم إنما هو تصوير القاعدة وتوضيحها ، قال ابن قاسم العبادي – مقرراً ذلك - : ( التمثيل كثيراً ما يتسامح فيه ؛ لأن المقصود به الإيضاح )([7]) .
ومن ذلك :قول محمد البرَوي الشافعي: ( والجنس في العين : كتعليل رخصة الجمع في الحضر بعذر المطر ، فجنس الحرج معتبر في عين هذه الرخصة بالإجماع ) ، ثم قال : ( وليس من غرضنا تصحيح المثال ، والمقصود تصوير القاعدة )([8]) ، فهو يشير إلى أن المثال المذكور فيه بحث ، لكن عادة الأصوليين يتساهلون في مثل هذا ؛ لأن مقصودهم ليس تحقيق المثال وإنما هو توضيح القاعدة .
وقد ذكر الجلال المحلي مثالاً لتعذر ترك الحرام إلا بترك غيره من المباح ، فقال : ( كماءٍ قليلٍ وقع فيه بول ) ، قال البناني : ( تبع في التمثيل به المحصول ، ونوقش بأنه إنما يتمشى على مذهب الحنفية من أن الماء باق على طهوريته [ ثم قال ] : وقد يجاب عن الشارح بأنه قد اشتهر أن المثال يتسامح فيه ، ويكتفى فيه بالغرض ، فضلاً عن كونه على قول )([9]) .
2- عدم التقيد في التمثيل بمذهب معين :
وذلك لما تقدم من أن المقصود هو تصوير القاعدة ، ويوضح ذلك : أن أبا الربيع الطوفي لما ذكر مسألة اجتماع مطلق ومقيدين متضادين أورد المثال الذي ذكره ابن قدامة في الروضة وهو : الصوم ، فهو في كفارة الظهار مقيد بالتتابع ، وفي متعة الحج مقيد بالتفريق ، وفي كفارة اليمين ورد مطلقاً ، وشرح المثال ، ثم ذكر أن الأصح في التمثيل هو : أن غسل الأيدي في الوضوء ورد مقيداً بالمرافق ، وقطعها في السرقة ورد مقيداً بالكوع ، ومسحها في التيمم ورد مطلقاً .
ثم قال : ( أما تردد صوم كفارة اليمين بين صوم الظهار والحج فمثال ذكره أبو محمد ، وفيه نظر ؛ لأن الصوم في كفارة اليمين ما ورد عن الشرع إلا متتابعاً ، بناء على العمل بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، وأنها إما قرآن ، أو خبر ، كما تقدم .
[ ثم قال ] : نعم يصح تمثيل الشيخ أبي محمد به بناء على قول من لا يرى التتابع فيه ، وضرب الأمثلة في أصول الفقه لا يختص بمذهب )([10]) .
وللحديث بقية ....
-----------------------------------
([1]) الرسالة ، فقرة ( 600 ) .
([2]) الرسالة ، فقرة ( 707 – 709 ) .
([3]) الرسالة ، فقرة ( 930-931 ) .
([4]) الرسالة ، فقرة ( 939 ) ، وانظر الفقرات : ( 942 ، 943 ، 946 ) .
([5]) الرسالة ، فقرة ( 957-958 ) .
([6]) الرسالة ، فقرة ( 1680-1681 ) .
([7]) الآيات البينات ( 4/253 ) .
([8]) المقترح في المصطلح ( ص:221 ) .
([9]) شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني ( 1/197 ) ، وانظر : شرح الكوكب المنير ( 4/27 ) .
([10]) شرح مختصر الروضة ( 2/645-646 ) .