العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الإستقراء بين أصول الظاهرية وغيرهم

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم إني أبرأ إليك من الإباق في المعاني والسرق في النقل والإبتداع في الدين والغلط على المخالف والعجب بالرأي والزلل عند النظر.

ثم أما بعد:

قالوا : للفعل العقلي طريقان : واحد استنباطي وآخر استقرائي .والقياس أصناف ولكل صنف اندراج تحت طريق من الطريقين.
والموضوع قد تجاذب أطرافه النظار منذ القدم ولا زال التجاذب لهذه اللحظة وكأنه قد ظهر الساعة.
للمشائية فيه كلام ومثلها الرواقية وكذلك الأصولية ثم التجريبية والعقلانية ...

وأحاول – في عجالة من أمري مع ضعف آلات الفحص عندي-أن القي نظرة ولو بطريقة بدائية حول الموضوع وغاية هدفي أن أفجر أسئلة نقدية تفتح بابا للنظر عوض اجترار قول المجدد وقول الشارح وقول الحكيم وقول الزنديق...
وقد اختمرت في ذهني فكرة حول الموضوع لم تزل تعاني من ضباب حاجب ومن زوابع معيقة آمل زوالها بفكر نير سأسمعه من الإخوة والمشايخ وتوسعات علمية دقيقة سأستفيدها من الأحبة الذين ذكرت.

وسأفرد القول هنا للإستقراء راجيا من الله تعالى التوفيق لمناقشة لاحقة حول الإستنباط.

***

قبل الشروع في تفصيلات قضية يلزم تفهم المعنى ودرك المحتوى على الصورة المطابقة علنا نظفر في النهاية بحكم صائب ورأي راجح .وعليه فلا بد من المعنى اللغوي والإصطلاحي ...
فأما ما تعلق باللغوي فقد قال أهل الصناعة عن الإستقراء بأنه التتبع , يقول العلامة سعيد الحميري في شمس العلوم : "الإستقراء":استقرى البلاد أي تتبعها قرية قرية" .
وقال ابن فارس في مادة "قري" : ... . ومن الباب القَرْو، وهو كلُّ شيءٍ على طريقةٍ واحدة. تقول: رأيت القوم على قَرْوٍ واحد. وقولهم إنَّ القَرْو: القصدُ؛ تقول: قروتُ وقرَيْت، إذا سلكت. وقال النابغة: * يَقْرُوا الدَّكادِكَ من ذنبان والأكَما *
وهذا عندنا من الأوّل، كأنه يتبعها قريةً قرية".


وقالوا في الإصطلاح : "تصفح الجزئيات لإثبات الحكم الكلي" (تجدها في معجم التهانوي) وقالوا : " إثبات الحكم في كلي لثبوته في أكثر جزئياته" (البحر المحيط).

قلت : قد تعلمت من مشايخنا عامة وابن تميم خاصة –وفي هذه فالفضل بعد الله له- أن المعنى الإصطلاحي يجب أن يوافق المعنى اللغوي ووجدت ما عضد اجتهاده بارك الله فيه عند الإمام ابن حزم والشوكاني .
وبتطبيق هذه القاعدة الذهبية فإنني لا أتردد مطلقا في ترجيح الحد الأول على الثاني - تصفح الجزئيات لإثبات الحكم الكلي- لعاملين :
1 – أننا بالنظر فيما كتب السادة العلماء حول الإستقراء نجدهم قسموه إلى تام وناقص فالتام ما حصر الجزئيات والناقص ما حكم بناءا على الأغلب من غير حصر .ويظهر بجلاء أن الإستقراء التام هو الحد الأول –المختار- والناقص هو الثاني. وينبني على هذا مسائل :
أ-في اللغة لا يطلق التتبع – فيما علمت ونرجو الإفادة- إلا على ما يشمل الإستقصاء والحصر فقول الحميري ومثله ابن فارس : تتبعها قرية قرية . مشعر بتتبع حاصر .وهذا المعنى نجده في الحد المختار دون غيره ولذلك اخترته (لموافقته المعنى اللغوي).
ب-من أصول سادتنا الظاهرية: "لا علم إلا بيقين ولا باطل إلا في ظن"
والتتبع الحاصر موصل لليقين الذي لم تخالطه شائبة ظن : وهو الإستقراء التام.خلافا للإستقراء الناقص فإن شرود عدد من جزئيات القضية –وإن قلت- يوحي في النفس بإمكانية وقوع حكم غير مطابق جراء هذا النوع.
فبطل عندنا هذا النوع يقينا.
ج-إن أدلة العقول التي فطر الله عليها الخلق بالغة الصرامة : أي أنها عقلانية ومنطقية لأبعد الحدود –فسبحان الله- ومن بالغ عقلانيتها أنه لا نزاع فيها من عاقل أبدا. والإستقراء التام دليل فطري لا سبيل للإنفكاك منه لموائمته للقانون الشهير : مبدأ عدم التناقض .فحكم كلي ينطبق على كل جزئياته لم يشذ عنها شاذ هو حكم منطقي جدا.و قال الإمام ابن حزم في الإحكام : (...ما كان من الدلائل صحيحا مسبورا محققا فهو حجة العقل وما كان منها بخلاف ذلك فليست حجة عقل بل العقل يبطلها). بينما الإستقراء الناقص تعرض له عوامل التناقض وعوامل انعدام اليقينية ...وتجد التفصيل في كتاب الإستقراء لمحمد باقر الصدر.
ثم إن أهل النظر مجمعون على أن الإستقراء التام مفيد للقطع .يقول الزركشي : :" فالتام: إثبات الحكم في جزئي لثبوته في الكلي على الاستغراق. وهذا هو القياس المنطقي المستعمل في العقليات. وهو حجة بلا خلاف."(البحر المحيط).
أما ما أفاد الظن –ولو غالبا- فنحن منهيون عنه بخطاب إلهي . والعقل يشهد بصحة اطراح الظن فلو كان الظن الغالب معمولا به في العلوم التجريبية لما شفي إنسان ولما نجا مخلوق .وإذا كان هذا في الدنيويات فأحرى بهذا الحكم الشرعيات!!(هنا يجوز القياس)
وأمر الرب يكفي لمن كان له قلب...

فالحاصل أن شرط الإستقراء المعتبر هو حصر كل الجزئيات ويدل عليه كلام المحقق الجرجاني : "لابد في الإستقراء من حصر الكلي في جزئياته ثم إجراء حكم واحد على تلك الجزئيات ليتعدى ذلك الحكم إلى ذلك الكلي"(كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي مادة "استقراء).

فصل

قال الجمهور –وكلام الجمهور خطير- : الإستقراء هو : "تتبع الحكم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة"
" وهذا الظن حجة عندنا وعند الفقهاء."
كذا قال القرافي رحمه الله وكل علماء أهل الإسلام في كتابه شرح التنقيح.
وقال الزركشي: "والناقص: إثبات الحكم في كلي لثبوته في أكثر جزئياته من غير احتياج إلى جامع. وهو المسمى في اصطلاح الفقهاء ب "الأعم الأغلب""(البحر المحيط)

قلت : خطأ هذا المذهب له ما يبرره وهو قول القرافي : "" وهذا الظن حجة عندنا وعند الفقهاء."
فإن فساد هذا الأصل- أعني اعتبار الظن, قد جر على الجمهور ما لاحصر له من المتاعب العلمية. ولن استرسل في نقده احتراما لمقام الكبار فقد ظهر المعنى فيما سبق.
على أن النهي عن مطلق الظن وعدم إفادته ظاهر في قوله تعالى:"وإن الظن لا يغني من الحق شيئا" وفي مقابلها قال تعالى : "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" والبرهان كما قال الراغب في المفردات- رحمه الله- : "البرهان أوكد الأدلة وهو الذي يقتضي الصدق أبدا لا محالة" .
وانطباق معنى الظن في الإستقراء الناقص ومعنى القطع في التام واضح فاختر سبيلك أيها الفاضل فإنهما اثنان لا غير.

***
الفرق بين الإستقراء وأنواع القياس:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض الرد على المتفلسفة و المناطقة :
"إما أن يستدل بالكلي على الجزئي، أو بالجزئي على الكلي، أو بأحد الجزأين على الآخر، والأول هو القياس، والثاني هو الاستقراء، والثالث هو التمثيل ‏."(مجموع الفتاوي)
وقال أرسطو موضحا الفرق بين قياس الشمول والإستقراء : "وينبغي أن تعلم :أن الإستقراء ينتج أبدا المقدمة الأولى التي لا واسطة لها لأن الأشياء التي لها واسطة بالواسطة يكون قياسها إما الأشياء التي لا واسطة لها فإن بيانها يكون بالإستقراء و الإستقراء من جهة معارض للقياس لأن القياس بالواسطة يبين وجود الطرف الأكبر في الأصغر وأما بالإستقراء فيبين الطرف الأصغر وجود الأكبر في الأوسط"
(التحليلات الأولى نقلا عن الإستقراء للصدر)

قلت يشير كلام أرسطو وابن تيمية إلى فرقين واضحين :
*فالقياس الشمول انتقال من الكل إلى الجزء عبر واسطة(الحد الأوسط).
*والإستقراء انتقال من الجزء إلى الكل بلا واسطة .

كما أن الإستقراء فيه شبه بقياس التمثيل دليله قول الإمام ابن حزم في التقريب : فمن ذلك شيء سماه الأوائل الاستقراء وسماه أهل ملتنا القياس " (التقريب لحد المنطق).
وبيانه : أن الإستقراء انتقال الذهن على سبيل الفحص بين كل الجزئيات التي لها رابط واحد . وقياس التمثيل انتقال ذهني كذلك بين متشابهين أو أكثر قصد إجراء حكم كلي عليها.

ولإزالة أي لبس أفصل القول راجيا من الله تعالى مددا لاينقضي ما كان في العمر فسحة :

حصرت المشائية الإستدلال في أصناف ثلاث –ورفض ابن تيمية هذا الحصر-:
1-قياس: وهو طريقة أرسطو وهاجم ما سواه ثم استثمرها.
2-استقراء : وهو طريق سقراط ولا غناء لأرسطو عنها.
3-تمثيل : وهو طريق الأصوليين الإسلاميين.
(بقيت قسمة أفلاطون وانتصر لها الجويني والبرهان لبقراطيس).(مناهج البحث عند مفكري الإسلام لعلي النشار).
ونعلم أن القياس لفظ يطلق بالإشتراك على معنيين : قياس التمثيل الفقهي(مماثلة حكمية بين شبيهين) وقياس الشمول(حكم للجزئي بنفس حكم الكلي المندرج تحته) ولا وجه للمشاكلة بينهما أبدا كما هو ظاهر.
قلت : ولم يخف هذا الفرق إلا عن عدة أغبياء يدرسون معي في الصف وقد شرحته لهم لمدة سنة ولم يأت الفرج وبنوا على عيهم هذا أن الظاهرية يقيسون قياس شمول وهو أمر مستفظع عندهم.. فتأملوا المزلق الذي يؤدي إليه فساد مقدمة عن سقم فهم. هذا مع التنبيه إلى أنهم من أكثر الخلق "شغبا=مشاركة" في مادة المنطق!!
كما أنه لا مماثلة بين قياس الشمول والإستقراء إذ الأول انتقال من الكل (المقدمة الكبرى)للجزء .بينما الثاني-كما سبق بيانه- انتقال من الجزء للكل.
فقياس الشمول يبحث فيما يندرج تحت الكلية الكبرى المقطوع بصحتها وكليتها.وعليه فالنتيجة ذاتية لازمة. ولذلك قال أسطو في حده: "قول إذا وضعت فيه أشياء أكثر من واحد لزم من الإضطرار عن تلك الأشياء الموضوعة بذاتها لا بالعرض شئ ما آخر غيرها" (القياس لأرسطو)
قال الشارح (ابن رشد):"...وقوله لزم من الإضطرار: إنما يشترط فيه من الإضطرار من قبل أن اللزوم منه ضروري وغير ضروري وبهذا الشرط ينفصل القياس من الأقاويل التي يلزم عنها الشئ لزوما غير ضروري وهي الإستقراء ..." (شرح ابن رشد على تلخيص كتاب القياس).

قلت : إذا كان المخرج من العملية القياسية العقلية(التي تنتقل للجزئي) لازما لأنه –أي المخرج مندرج تحت الكلي العام, فإن الإستقراء ليس كذلك فمخرجاته ليست حتمية لإمكانية تخلف جزئيات ندت عن الذهن أثناء عملية حصر هذه الجزئيات للإنتقال للحكم الكلي.
فمثلا : نقول في قياس الشمول كل إنسان فان فهذه كلية توصلنا حتما وضرورة ل: مظفر فان (لأنه إنسان) فنحن انتقلنا من الكل للجزء ضرورة حتمية.
في حين نقول في الإستقراء : التمساح يأكل والنمس يأكل والنمر يأكل ..فالنتيجة الكلية : الحيوانات تأكل . فهنا انتقلنا من الجزئي للكلي مع التنبيه على عدم لزومية هذه الكلية لإمكان تخلف حيوان ما عن هذا الوصف.
وهنا مربط البغل :
فالإستقراء فيه نوع شبه بقياس التمثيل (الفقهي) دون الشمول.لاشتراكهما في خاصية النظر في الجزئيات والحكم لما تشابه منها بحكم واحد.
ولذلك قال ابن حزم –كما سبق-:
فمن ذلك شيء سماه الأوائل الاستقراء وسماه أهل ملتنا القياس ""

وربما أطلق "قياس التمثيل " على "الإستقراء" وهذا ما يؤكد لك وجه الشبه ...برهانه –إضافة إلى قول ابن حزم السابق- :
ما قاله التهانوي في مادة "قياس":
"بالكسر وتخفيف الياء هو في اللغة التقدير والمساواة .وفي عرف العلماء : يطلق على معان : منها قانون مستنبط من تتبع ألفاظهم(أي العرب) الموضوعة وما في حكمها...ولا يخفى أنه من قبيل الإستقراء"
وانظر معي إلى قول السيوطي في القياس النحوي :
"القياس في العربية على أربعة أقسام حمل فرع على أصل وحمل أصل على فرع وحمل نظير على نظير وينبغي أن يسمى الأول والثالث قياس المساوي والثاني قياس الأولى والرابع قياس الأدون"
(مقدمة تحقيق ارتشاف الضرب : أبو حيان وموقفه من أصول النحو)
ويبدو لي على ضوء ما سبق – والله أعلم- أنه لا معنى لقول صاحب معدن الغرائب "أن القياس اللغوي هو قياس أهل النحو العقلي هو قياس الكمة والكلام والمنطق" (كشاف التهانوي)

قلت : ويطلق على الإستقراء التام القياس المقسم. (السابق)

***

مجالات استثمار كل من التام والناقص عند الجمهور:

قال الغزالي:" التام يصلح للقطعيات وغير التام لا يصلح إلا للفقهيات"
(البحر المحيط)
قلت : وفق أصولهم فهذا الكلام سليم :
1-جمهورهم يرى أن العقائد لا تثبت إلا بقطعي و الإستقراء الناقص غير قطعي بإجماع أهل الأرض فلا يصلح للعقائد. ولذلك ترى وجوههم قد صفقت واعتبروا أن الأدلة النقلية لا تفيد اليقين : وهذا ما أكده شارح المواقف "الجرجاني" ونسبه لكل المعتزلة وجمهور الأشاعرة .
(القائد إلى تصحيح العقائد للعلامة المعلمي ص185 الطبعة3 : المكتب الإسلامي وقد برأ فيه متقدمي الطائفتين من هذا الهذر)
وقد وقف الرازي موقفا واضحا وغاية في الفساد من هذه القضية.وجاءنا -هذا الأصولي العظيم- بآبدة الأوابد : "موانع القطع العشرة"0
2-في الفقهيات يتعبدون الله تعالى بكل ساقطة ولاقطة وكل جيدة ورديئة
لأن الفروع –حسب تعبيرهم- مبنية على غالب الظن بإجماع منهم..و الإستقراء الناقص يفيد عند جمهورهم الظن الغالب.


***

يبقى الحديث عن الأسس المنطقية للإستقراء وحكمه عند أهل الظاهر(الحديث)-كما أتصور وربما أتخيل-.
إلى ذلك الحين أتحفكم بهذا النص من كتاب التقريب لابن حزم:
"ذكر أشياء عدها قوم براهين وهي فاسدة
وبيان خطأ من عدها برهانا:
فمن ذلك شيء سماه الأوائل " الاستقراء " وسماه أهل ملتنا " القياس " فنقول وبالله تعالى التوفيق: إن معنى هذا اللفظ هو أن تتبع بفكرك أشياء موجودات يجمعها نوع واحد وجنس واحد ويحكم فيها بحكم واحد فتجد في كل شيء من أشخاص ذلك النوع أو في كل نوع من أنواع ذلك الجنس صفة قد لازمت كل شخص مما تحت النوع أو في كل نوع تحت الجنس أو في كل واحد من المحكوم فيهم، إلا انه ليس وجود تلك الصفة مما يقتضي العقل وجودها في كل ما وجدت فيه، ولا تقتضيه طبيعة أن تكون تلك الصفة فيه ولا بد، بل قد يتوهم وجود شيء من ذلك النوع خاليا من تلك الصفة. وكذلك أيضاً لم يأت لفظ في الحكم بأنه ملازم لكل شيء مما فيه تلك الصفة فيقطع قوم من اجل ما ذكرنا على ان كل أشخاص ذلك النوع، وان غابت عنهم، ففيها تلك الصفة وان كل ما فيه تلك الصفة من الأشياء فمحكوما فيه بذلك الحكم. ولعمري لو قدرنا على تقصي تلك الأشخاص أولها عن آخرها حتى نحيط علما بأنه لم يشذ عنا منها واحدة فوجدنا هذه الصفة عامة لجميعها لوجب أن نقتضي بعمومها لها، وكذلك لو وجدنا الأحكام منصوصة على كل شيء فيه تلك الصفة لقطعنا به أنها لازمة لكل ما فيه تلك الصفة، وأما ونحن لا نقدر على استيعاب ذلك ولا نجده أيضاً في الحكم منصوصا على كل ما فيه تلك الصفة فهذا تكهن من المتحكم به وتخرص وتسهل في الكذب وقضاء بغير علم وغرور للناس ولنفسه أولا التي نصيحتها عليه اوجب"
 
أعلى