العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الحرية والعدل ودورهما في تحقيق الوحدة بين المسلمين

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
أهمية الحرية والعدل في تحقيق الوحدة بين المسلمين
د. نعمان جغيم
بحث منشور في مجلة وحدة الأمة (2004)، يصدرها معهد وحدة المسلمين، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.


مدخل

يُعنى هذا المقال بالتنبيه على أهمية عنصري الحرية والعدل في الإسهام في تحقيق الوحدة بين المسلمين وتمتينها، وهما عنصران يخدم بعضهما البعض، بل إن بينهما تلازما في كثير من الأحيان، فالعدالة الحقيقية تقتضي منح الحريات اللازمة للمواطنين، والحرية لا تكون كاملة إلا بتحقيق العدالة وتوفير لوازمها.

وأول تحدّ يواجه الإنسان عند الحديث عن الوحدة بين المسلمين هو إشكالية التوفيق بين النظري والتطبيقي، وبين المثالي والواقعي.[1] فالمسلمون مُطالَبون بنص القرآن الكريم والسنّة النبوية بأن يكونوا أمة واحدة،[2] وألا يفرقوا دينهم ولا يختلفوا أو يتنازعوا حتى لا تذهب ريحهم،[3] ولكن الواقع التاريخي يكشف بجلاء عن تقصير وتفريط واضحين من قبل المسلمين في هذا الأمر. كما أن التحديد الدقيق لشكل تلك الوحدة المطلوبة يتعرض لشد وجذب بين التفريط في تلك الوحدة بحجة أن واقع التعدد العرقي والعصبي والمذهبي بين شعوب العالم الإسلامي يجعل تحقيق تلك الوحدة أمرا غير واقعي، وبين الفهم المثالي الذي يريد للوحدة أن تكون بمعنى الاتفاق في جميع الأشياء صغيرها وكبيرها، وهو تصور قد يضر بالسعي إلى تحقيق تلك الوحدة أكثر من خدمتها؛ لأنه قد يدفع بصاحب ذلك الفهم إلى اتهام كل مختلف معه بخرق الوحدة وتشتيت الصف وربما أدى ذلك إلى زرع الشقاق بين المسلمين بسبب أمور بسيطة.

وأول ما يُفهم من مصطلح الوحدة بين المسلمين هو الوحدة السياسية التي تقتضي وجود نظام سياسي واحد تنضوي تحته الأقطار التي يحكمها المسلمون، وهو ما سارت عليه الدولة الإسلامية في قرونها الأولى،[4] ولكن الصراعات السياسية التي كثيرا ما غذّتها العصبيات العرقية والفكرية والطموحات السياسية أدّت بالتدريج إلى تفكيك تلك الوحدة السياسية وقيام إمارات ودويلات مختلفة وغالبا متناحرة.

وقد كان الفكر السياسي الإسلامي في بدايته متّفقا على وجوب تلك الوحدة السياسية، وعلى أنها تمثل ركيزة من ركائز نظام الحكم في الإسلام، ولكن الواقع الذي آلت إليه الأمور في العالم الإسلامي دفع ببعض العلماء إلى ما يمكن عدّه اعترافا بإمكانية تعدد النظم السياسية في العالم الإسلامي، وهو ما ذهب إليه إمام الحرمين الجويني في كتابه غياث الأمم في التياث الظلم، بعد إيراده رأي العلماء الذين رأوا إمكانية نصب أكثر من حاكم في أقطار مختلفة عند عدم وجود إمام جامع للمسلمين وتعذُّر نصبه.[5]

ويبدو أن الواقع يفرض علينا قبول هذا التصور ولو مؤقتا في انتظار توفر الظروف المناسبة لتحقيق النموذج المطلوب، فيكون السعي في مرحلة أولية إلى تحقيق الحد الأدنى الذي يمكن تحقيقه من الوحدة بين المسلمين سواء على مستوى الوحدة الفكرية في الأسس المنهجية الكبرى للنظر العقلي في شؤون الكون والحياة في إطار من التعاليم الإسلامية،[6] أو على مستوى وحدة المواقف السياسية المصيرية التي تؤثر في مصير الأمة أو مصير جزء من أجزائها، والتعاون من أجل الدفاع عن بلاد المسلمين وحماية حقوقهم وكرامتهم، والتصدي المشترك لكل عدوان على ذلك، أو على مستوى الوحدة الاقتصادية التي يمكن أن تكون على الأقل على شكل تكامل اقتصادي يعطي الأولوية للتعاون والتكامل الاقتصاديين بين مختلف المجموعات والدول المسلمة بدل التبعية الاقتصادية للغرب.

ويمكن أن يكون التمهيد لتلك الوحدة المنشودة على شكل نظام كونفدرالي تحتفظ فيه كل دولة بسيادتها واستقلالها ومؤسساتها، مع قيام تنسيق في السياسة الخارجية والدفاع وتحقيق تكامل اقتصادي كامل بين تلك الدول، على غرار الاتحاد الأوروبي، ويتدرج الأمر بعد ذلك إلى نظام فدرالي يقوم على حكومة مركزية مع احتفاظ الأقاليم المختلفة بحرية في إدراة شؤونها الداخلية الخاصة.[7]

أثر غياب الحرية والعدل في الفرقة بين المسلمين

بدأت بوادر الفُرقة بين المسلمين في النصف الثاني من خلافة عثمان رضي الله عنه، ولم يكن عثمان رضي الله عنه في نفسه ظالما أو مستبدا، ولكن بعض أقاربه استغلوا ما كان يتصف به من ليونة وحياء للحصول على مناصب في إدارة بعض الأقاليم ولم يكونوا في مستوى تلك المسؤوليات فظهر منهم تقصير في إدارة شؤون الناس وحرمانهم من بعض حقوقهم، واستغلال مناصبهم لمصالحهم الشخصية ومصالح أقاربهم، فظهرت بوادر الظلم والاستبداد بالحكم والرأي وتغييب الناس عن المشاركة في إدارة شؤونهم العامة، وكان ذلك من البواعث على الثورة والفتنة.[8]

وعلى الرغم من الدور البارز الذي قامت به العناصر المندسّة تحت شعار الإسلام من المنافقين والحاقدين عليه مستغلين ظروف الحرية التي كانت منتشرة في الدولة الإسلامية، فضلا عن عامل آخر من العوامل الأساسية المساعدة على تلك الفتنة وهو العقلية العشائرية والقبلية التي كانت منتشرة،[9] والتركيبة الجديدة للمجتمع بعد توسّع رقعة الدولة الإسلامية وانضواء فئات كبيرة تحت لوائها، وهي فئات لم تكن تحمل الوعي الفكري والصفاء الروحي الذي كان عليه مجتمع المدينة، إلا أن تلك المحاولات لم يكن لها أن تنجح لولا وجود تربة خصبة ساعدت على ذلك.

لقد كان من المستبعد أن تنجح تلك المحاولات بتلك الصورة لو لم توجد عوامل داخلية مناسبة تمثلت في بعض الظلم والاستبداد الذي ظهر في بعض أطراف الدولة، وما شعر به الناس من فارق بين النظام المثالي الذي كان على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما آلت إليه الأمور بعد ذلك. فعمل رؤوس الفتنة كان استغلالا لذلك الواقع حيث حعلوه من العوامل الأساسية لإقناع الناس بالثورة على السلطة المركزية.

كما أن التاريخ الإسلامي شهد ثورات كثيرة كان سببها الرئيس هو غياب العدل والحرية، وهي الثورات التي أدت إلى تعميق الهوة بين الشعوب والطبقات المختلفة في العالم الإسلامي وإلى تفريق صف المسلمين وإضعاف قوتهم.

ومع أن بعض تلك الثورات لم يكن القائمون بها أصحاب عدل وأنصار حرية، بل كانوا أحيانا مستبدين يبغون الاستحواذ على السلطة لأشخاصهم أو لعشائرهم، ولم يكونوا أقل عنفا واستبدادا من الأفراد أو العشائر التي ثاروا ضدها، إلا أن ذلك لا يعفي من المسؤولية السلطات القائمة التي مارست الظلم، أو غضت الطرف عنه، واستبدت بإدارة الحكم وثروات الدولة، وحرمت الناس من بعض حقوقهم السياسية والاقتصادية، بل منعتهم من أداء واجبهم في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والشاهد هنا هو أن الظلم والاستبداد لا يمكنهما أن يحققا وحدة حقيقية ولا أن يحافظا على وحدة قائمة، بل تكون نتيجتهما الثورة وتفريق الصف.

وفي واقعنا اليوم نرى في مختلف دول العالم الإسلامي كيف أنه لم يكد يسلم حزب أو جماعة بمختلف تياراتها العلمانية والقومية والوطنية والإسلامية من الانقسامات، وقد كان لتغييب حرية الرأي والشورى حظّ وافر من التسبب في ذلك التفرق . فالاستبداد بالرأي ـ سواء الذي تمارسه قيادة تلك الأحزاب والجماعات أو التي تمارسه بعض القوى المعارضة لسياسة القيادة ـ وغياب الشورى وعدم احترام رأي الأغلبية تعدّ من أبرز أسباب تلك الانقسامات. وعلى الرغم من أن كل طرف يبرّر عادة مواقفه الاستبدادية بالمحافظة على الاستقامة الفكرية للصف وعلى وحدته وتماسكه وقوته إلا أن النتيجة تكون دائما هي العكس.[10]

كما أن غياب الحريات السياسية في العالم الإسلامي وسيطرة الاستبداد قد ولَّد سببا آخر من الأسباب التي تلعب دورا كبيرا في الفُرقة بين المسلمين، وهو وجود نخب حاكمة في بعض دول العالم الإسلامي مدعومة ببعض النخب الفكرية، وهي نُخب ذات ولاء فكري للغرب يجعلها مرتبطة به على جميع المستويات والأصعدة. وهو الأمر الذي عرقل كل المحاولات التي شهدها العالم الإسلامي من أجل إقامة تكتلات اقتصادية وسياسية بين دوله، فقد فشلت إلى حد الآن كل تلك المحاولات وعلى رأسها مشروع منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي، وليس سبب ذلك الفشل هو عدم جدوى تلك المحاولات، وإنما هو الموقف السلبي الذي تقفه النخب التغريبية الحاكمة في العالم الإسلامي، إما بسبب ولائها الفكري العميق للغرب مما يجعلها تشعر بأنها أقرب إلى الغرب منها إلى الإسلام والمسليمن كما هو الحال في النُّخب العلمانية المسيطرة على مراكز الحكم الحقيقية في تركيا،[11] أو لأنها تخاف من غضب الغرب إن هي أضرت ببعض مصالحه. وسبب ذلك الخوف يعود إلى قيام تلك الأنظمة على الظلم والاستبداد والمساعدات والدعم الغربيين، وهو الأمر الذي يجعلها لا تجرؤ على الوقوف في وجه الاستغلال الغربي الذي لا يهمه سوى مصالحه. ولو كانت هذه الأنظمة منتخبة انتخابا حرا من قبل شعوبها وتحكم بالعدل لما خضعت بهذا الشكل للابتزاز الغربي خوفا من وقف الدعم عنها وسقوطها، ولكان حصنها الأول هو الدعم القوي الذي تتلقاه من شعوبها.

ولم يكن لمثل هذه النخب التي أضرّت بالأمة وبمصالحها أن تستمر في التّحكم في مصائر هذه الشعوب لولا حالة الاستبداد التي تعيشها غالبية الدول المسلمة والتي تجعل من التغيير نحو الأفضل أمرا عسيرا جدا. ولدينا مثال تركيا التي ظلت لأكثر من سبعة عقود مفصولة عن العالم الإسلامي سياسيا واقتصاديا وعسكريا وصارت من أكبر حلفاء إسرائيل في المنطقة، ولم يكن ذلك بسبب خيار ديمقراطي للشعب التركي، بل هو أمر فُرض عليهم فرضا بالقوة والقهر من طرف نخبة حاكمة ذات ولاء غربي خالص.[12] وقد رأينا كيف أنه لما أتيح للشعب التركي قسط من الاختيار الحر انتخبت غالبيته التيار الذي يمثّل هوية البلد ومصالحه الحقيقية، وبدأت محاولات لاستئناف العلاقات السياسية مع دول العالم الإسلامي والدخول في تكتلات اقتصادية مع بعض دوله من خلال تأسيس مجموعة الثمانية.[13] وعلى الرغم من أن تلك المحاولات قد عُرقلت من طرف التيار العلماني المتطرف الذي مازال يسيطر على السلطة الحقيقية، إلا أنه نموذج يبرز لنا بوضوح كيف يمكن أن تؤدي الحرية السياسية في العالم الإسلامي إلى تحقيق التقارب بين أقطار العالم الإسلامي.

إشكالية الحرية في العالم الإسلامي

تعد قضية الحريات السياسية[14] واحدة من الإشكاليات العويصة التي تواجهها الأمة الإسلامية، فالسعي إلى إطلاق تلك الحريات والمدى الذي يسمح به فيها تواجهه عقبات كثيرة سواء على مستوى الطبقة الحاكمة أو على المستوى الفكري والثقافي لتلك المجتمعات.

فعلى المستوى الثقافي نجد أن الاستبداد جزء من ثقافتنا، فهو ليس مقصورا على مستوى النُّخب الحاكمة، بل هو عند المعارضة أيضا بكل اتجاهاتها الفكرية، وليس هو مقصورا على الهياكل والمؤسسات، بل على مستوى التفكير والسلوك الفرديين أيضا. ولذلك فيمكن القول إن الاستبداد في مجتمعاتنا ليس سلوكا عرضيا يسلكه شخص في لحظة ما، إنما هو ثقافة وطريقة في التفكير. فهو اعتداد مفرط بالرأي والقدرات الذاتية واحتقار للرأي الآخر، وهو مظهر من مظاهر الأنانية، حيث يكون همُّ الشخص تحقيق مصالحه دون مراعاة مصالح الآخرين أو المصلحة المشتركة، وتكون نتيجة هذا كله سعي الشخص إلى تنصيب نفسه وليّاً على الآخرين دون رضاهم وقناعتهم بصلاحيته لتلك الولاية.

أما على مستوى الطبقة الحاكمة والنخب الفكرية الداعمة لها فإنها عادة ما تبرّر تقييدها للحريات السياسية ورفض الممارسة الديمقراطية الحقيقية بكون الشعوب في هذه الدول مازالت لم تصل إلى مرحلة النضج أو الرشد السياسي الذي يخوّل لها ممارسة الحكم الديمقراطي، أو بتعبير أدق الخوف من وصول التيار الإسلامي إلى السلطة بحكم أنه التيار الأكثر شعبية في كثير من الدول الإسلامية. وقد ألغيت الانتخابات الحرة في كثير من بلدان العالم الإسلامي واستُبدلت بحكم عسكري استبدادي بحجة أن الشعب لم يصل إلى مرحلة النضج السياسي في ممارسة الديمقراطية، وأن اختياره في تلك الانتخابات كان اختيارا خاطئا يجب إلغاؤه.[15] ومُنِعت ومازالت تُمنع الانتخابات الحرة في غالبية دول العالم الإسلامي بالحجة نفسها.[16]

وهي ولا شك حجة متهافتة، إذ أن هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على هذه الشعوب ليسوا أنضج عقلا ولا أرشد فكرا ولا أقوم سلوكا من غيرهم من المواطنين. ومع الإقرار بوجود نقص في الوعي السياسي لدى شعوب العالم الإسلامي وأن البعض قد يسيء استخدام تلك الحريات، إلا أن الحلّ ليس في الاستمرار في ممارسة الاستبداد والكبت السياسي، وإنما الحلّ في فتح باب الحرية السياسية والعمل تدريجيا على تغيير العقليات العشائرية والاستبدادية من أجل الوصول بالمجتمع سواء على مستوى النخب الحاكمة أو على مستوى الشعوب إلى درجة المجتمع الشوري الذي أراده الله سبحانه وتعالى لنا في قوله واصفا المؤمنين الحقيقيين: }وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ{ (الشورى: 38).

ومن المعلوم أن شعوب المجتمعات الديمقراطية لم تولد ديمقراطية، بل عاشت فترات طويلة من التخلف والاستبداد، ولكنها بجهود مخلصة وبعد مسيرة طويلة استطاعت الوصول إلى هذا النضج السياسي الذي يحفظ لها توازن مجتمعاتها واستقرارها، وهو الأمر الذي عاد عليها بالرفاه الاقتصادي والتقدم العلمي.

والمسؤولية عما نعانيه من استبداد وضعف في الوعي السياسي مسؤولية مشتركة بين الطبقتين المثقفة والحاكمة. فمسؤولية الطبقة الحاكمة أنها خلقت الاستبداد وكرسته، وأرست دعائمه وعمقت جذوره ورعته أفضل رعاية في هذه المجتمعات. كما أنها من جهة أخرى منعت كل المحاولات الجادة من أجل تغيير العقليات الاستبدادية والعشائرية، ومارست على الساعين إليها الإرهاب والاضطهاد بشتى فنونه وألوانه. ولا أعتقد أن هناك أملا كبيرا في التعويل على النخب السياسية أو العسكرية الحاكمة في بناء مجتمع مدني تسوده الحرية والشورى. إذ إنه من الصعب على عقلية العسكريين ـ الذين يحكمون كثيرا من بلاد المسلمين ـ أن يتأقلموا مع نظام شوري أو ديمقراطي، فهم قد تكونت عقلياتهم على النظام الصارم الذي يكون في شكل طاعة مطلقة للقيادة دون اعتراض ومناقشة، ومثل هذه العقليات ليس من السهل تغييرها عندما تصل إلى الحكم بعد أن تكون قد تطبّعت بهذا الطبع لسنوات طويلة.[17] كما أن كثيرا من محترفي السياسة في عالمنا الإسلامي يتميز سلوكهم بركوب الموجة التي توصلهم إلى السلطة، فهم يركزون على فنّ الحسابات التي توصلهم إلى مراكز السلطة والنفوذ من أجل تحقيق طموحاتهم، أكثر من تركيزهم على التغيير الاجتماعي الذي يسعى إلى تكوين مجتمع مدني قوي تسوده الجدية والفاعلية والشورى.

أما مسؤولية الطبقة المثقفة في مجتمعاتنا فأنها في مجملها لم تتمكن من الوصول إلى ذلك النضج السياسي الذي يجعل الشورى أساس سلوكها، كما أنها لم تنجح في القيام بتغيير حقيقي يمكن أن يؤدي إلى تغيير عقلية الناس وسلوكهم من الاستبداد إلى الشورى وليس إلى تغيير مستبدين بمستبدين آخرين. فمحاولات التغيير في عالمنا الإسلامي باتجاهاتها العلمانية والإسلامية ظلت تركّز على التغيير السياسي الذي يسعى إلى تغيير السلطة الحاكمة أكثر من اعتمادها على التغيير الاجتماعي الذي يؤدي إلى بناء مجتمع راشد يولِّد بالضرورة قيادة راشدة وعادلة، ولا يقبل العمل تحت قيادة ضحلة. ومن أسباب ذلك ترسّخ التصور الاشتراكي لوظيفة الدولة في أذهاننا، وهو التصور الذي ينظر إلى السلطة الحاكمة على أنها هي الأداة الأساسية ـ بل ربما الوحيدة ـ لتغيير المجتمع من جميع النواحي: سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، وأخلاقيا الأمر الذي جعل الراغبين في التغيير يركزون كل جهودهم على تغيير السلطة الحاكمة.

وأمام ضعف مستوى الوعي السياسي لدى شعوب العالم الإسلامي، والطبيعة المتمردة التي يتسم بها الكثير منها، وبدعوى الحفاظ على وحدة الصف وحماية المجتمع من تقسيمه إلى أحزاب وشيع شتى، نجد من يعتقد أن أنسب نظام للحكم في دول العالم الإسلامي هو النظام "الديكتاتوري العادل". والسؤال هنا هو: هل يمكن الجمع بين العدل والاستبداد؟[18] إن الديكتاتورية تعني الانفراد بالرأي وفرضه على الناس، وحرمان المواطنين من المشاركة في إدارة شؤون حياتهم العامة، وهذا حرمان لهم من بعض حقوقهم الأساسية، وفي المقابل فإن العدل يعني إعطاء كل ذي حق حقه، واحترام حقوق الناس وحرياتهم المشروعة، ومنها المشاركة في إدارة شؤونهم العامة، وتقويم ما يرونه من فساد وخلل في المؤسسات والهياكل التي تشرف على إدارة تلك الشؤون. فهل يمكن مع هذين المفهومين للديكتاتورية والعدل أن يجتمعا في شخص واحد؟

ويبدو أن فكرة "الديكتاتور العادل" ناتجة عن خلط بين مفهومي الحزم والديكتاتورية. فما يطبع مجتمعاتنا من صفات التمرد على النظام العام، والإهمال والتسيّب فيما يتعلق بالمصالح العامة، وغياب كثير من القيم الاجتماعية التي لابد منها لإقامة مجتمع متماسك ومتطور، يجعل البعض يشعر بأنه لا يمكن قيادة هؤلاء الناس نحو الانضباط والتقدم إلا بالقوة. ولكن هذا التصور على ما فيه من إخلاص إلا أنه يخلط بين تقوية سلطة القانون التي هي من أهم دعائم بناء مجتمع قوي ومتطور، وبين الاستبداد الذي يضعف المجتمع ويقوده نحو الانحطاط والتردّي.

فما تحتاج إليه مجتمعاتنا لضبط ذلك التسيّب والإهمال والتمرّد هو تقوية سلطة القانون بإصلاح النظام القضائي بإعطائه الاستقلالية التامة، وإسناد مهماته إلى أشخاص ذوي كفاءة ونزاهة، وسنّ قوانين تتسم بالعدل والمصداقية في بلوغ أهدافها. والواقع أن مثل هذا الإصلاح لا يمكن أن يتم في ظل نظام ديكتاتوري، لأن النظام الديكتاتوري لا يمكن أن يسمح بالاستقلال الفعلي للسلطة القضائية. وإذا لم تكن السلطة القضائية مستقلة استقلالا حقيقيا فإنه يكون من العسير جدا إصلاحها، هذا فضلا عن أن أفضل بيئة لازدهار الفساد الإداري من رشوة ومحسوبية وغيرهما هو النظام الديكتاتوري. وفي مثل هذه الظروف يكون من العسير تقوية سلطة القانون بالشكل الذي يحقق العدل ويكبح جماح الفساد، ولا تكون الصرامة في تطبيق القانون سوى على أفراد المعارضة السياسية ومن يشم منه رائحة تأييدها ودعمها.

ولذلك فإنه من العسير أن يوجد نظام ديكتاتوري وعادل في الوقت نفسه، ولكن يمكن أن يكون هناك نظام يجمع بين الحزم والعدل.

وأفضل مثال يمكن ضربه للحاكم الحازم العادل في التاريخ الإسلامي، هو مثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعمر لم يكن مستبدا، حيث كان يمارس الشورى على أوسع نطاق ويسمع لاقتراحات كل المواطنين رجالا ونساء،[19] ويفتح بابه ليل نهار لسماع شكاوى المواطنين ومظالمهم،[20] وكان يراقب ولاته أشدّ مراقبة، ويعزل من لا يقوم بشؤون المواطنين خير قيام.[21] ولكنه كان حازما في تطبيق القانون، لا يسمح لأحد مهما كان أن يتجاوز القانون ويعتدي على حقوق المواطنين أو المصالح العامة،[22] ولا يسمح لأصحاب النفوس الصغيرة والأفكار التافهة بشغل الناس بصغائر الأمور والقضايا التي لا داعي لها.[23]

فعمر بن الخطاب لم يحقق وحدة المسلمين بالاستبداد والظلم، بل حققها بالعدل والحزم في تطبيق القانون على الجميع بدءا من المسؤولين والولاة وصولا إلى المواطنين البسطاء، والتفاني في أداء واجباته وخدمة الوطن والمواطنين، وإشراك الناس في إدارة شؤونهم العامة من خلال فتح باب الشورى وحرية الرأي والنقد، وإشغال الناس بالقضايا المهمة في إعمار الأرض والدفاع عن أطراف البلاد الإسلامية، وهي العوامل التي ضمنت للأمة وحدتها.

وحتى مع افتراض إمكانية وجود حاكم "ديكتاتور وعادل" يستطيع النهوض بالمجتمع وتحقيق الرفاهية والعدل، فإن المشكلة تبقى مطروحة في ما بعد ذهاب هذا "العادل المستبد". ففي ظل الاستبداد يكون من العسير إفراز قيادة راشدة ذات كفاءة تخلف ذلك المستبدّ، لأن الاستبداد غالبا ما يرتقي فيه المتملّقون أصحاب المصالح الشخصية والنفوس الضعيفة، الطالبون لـ"التّمجّد" ـ على تعبير الكواكبي ـ الذين يحتالون للترقّي في سلّم السلطة وتحقيق المصالح الشخصية، ومثل هؤلاء الأشخاص سوف يكونون خطرا على الدولة بعد تفردهم بالسلطة، حيث سوف يمارسون الاستبداد الذي يحرم الرأي الحرّ الناضج من الظهور، كما أن مثل هؤلاء يمكنهم أن يخونوا مصالح الأمة بسهولة.[24] أما صاحب النفس الأبيّة والرأي الحرّ فإنه يصعب عليه في ظروف الاستبداد الوصول إلى المناصب العليا. وبذلك تكون النتيجة أن الاستبداد يفرز عادة قيادات ضعيفة تهدد وحدة الأمة أو الدولة ومصيرها.

ومن المبررات التي تُساق للاستبداد ومنع الحريات السياسية الزعم بأن فتح باب الحرية واسعا قد يُسْتَغلّ من قبل أعداء الأمة لإيجاد مواطئ أقدام لهم على أرضنا، وتكوين طابور خامس يعمل على خدمة مصالحهم وتفريق صفوف الأمة. وكثيرا ما استغلت بعض الدول العربية حالة الحرب ضد إسرائيل لكبت الحريات السياسية وممارسة الاستبداد، أما شعارات "أمن الدولة" و"الأمن الوطني" فهي من أكثر الشعارات التي استغلت لتكريس الاستبداد وقمع كل أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر.

والواقع أن الاستبداد ومنع الحريات السياسية لا يساعدان على حماية الأمة من الأعداء، بل إن ظروف الاستبداد أكثر ملائمة للعملاء للتّسلل إلى مراكز حساسة في الدولة دون أن تكون هناك إمكانية للكشف عنهم أو انتقادهم، إذ أنهم سوف يستغلون مناصبهم لفرض أنفسهم والفتك بكل من يحاول نقدهم أو التشكيك في مصداقيتهم، لأنهم قد صاروا جزءا من السلطة وانتقادهم يعني انتقاد السلطة وهو أمر محرّم في الأنظمة الاستبدادية، فيستلغون سلطتهم لقمع كلّ من يحاول التشكيك في أعمالهم بحجة حماية النظام، بل ويتهمون المخلصين بأنهم عملاء للأعداء، ويقضون عليهم تحت تلك الذريعة. أما في أجواء الحرية السياسية الحقيقية فإن كشف العملاء الذين يخدمون مصالح الأعداء لا يكون أمرا عسيرا، ولذلك نجد الغرب الاستعماري يتعامل بازدواجية فيما يتعلق بالديمقراطية مع العالم الإسلامي والعالم الثالث عموما، فالأنظمة الديكتاتورية التي تخدم مصالحه وتمنع الوطنيين من الوصول إلى الحكم يباركها ويدعمها ولا يعترض على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لأن تلك الظروف هي أنسب ظروف لتحقيق مصالحه. أما الأنظمة التي لا تخدم مصالحه فإنه يوجه إعلامه لممارسة الدعاية ضدها، ويسعى بكل الوسائل للضغط عليها وإسقاطها، حتى ولو كانت أنظمة فيها ديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان.

مقوّمات الوحدة الإسلامية

لا يفتقر العالم الإسلامي إلى المقومات الأساسية للوحدة مثل المقوّم الروحي المتمثّل في وحدة الدين، والمقوّم الثقافي المتمثّل في الثقافات المتقاربة بحكم محورية الإسلام في تلك الثقافات، والمقوّم الجغرافي حيث أن الغالبية العظمى من تلك الدول ذات امتداد جغرافي واحد، والمقوّم الاقتصادي المتمثّل في توفّر العالم الإسلامي على كل الثروات اللازمة للاستقلال الاقتصادي، ولكن الواقع أثبت أن هذه المقومات لا تكفي لتحقيق تلك الوحدة لأسباب داخلية أبرزها العصبية والأنانية، وأسباب خارجية تتمثل في النفوذ الغربي بكل أبعاده: الفكرية والثقافية، والسياسية، والعسكرية.

لقد تحققت الوحدة الأولى بين المسلمين بحكم الوازع الديني القوي الذي وحّد بين قلوب المسلمين وجعلهم يمتثلون لأمر القرآن الكريم والسنة النبوية بأن يكونوا أمة واحدة، وهو الوازع الذي ولّد فيهم وعيا سياسيا عميقا كان كفيلا بتحقيق تلك الوحدة واستمرارها فترة من الزمن.

ولكن ضعف ذلك الوازع وصعوبة استعادته، وطغيان الأنانية والعصبيات يجعلنا نبحث عن أرضية للسعي إلى تحقيق تلك الوحدة تكمّل تلك المقومات الأساسية، ويمكن أن تكون تلك الأرضية هي المصلحة المشتركة بين الشعوب والجماعات التي تكوّن العالم الإسلامي، فيمكن أن تبدأ تلك الوحدة على أساس تلك المصالح في انتظار تعميقها لتصير وحدة قائمة على الشعور الديني الواحد فضلا عن المصالح المشتركة.

ولكن إقامة وحدة على المصالح المشتركة يقتضي توفر عنصري الحرية والعدل. والمقصود بالحرية هنا أن يكون قرار الوحدة قائما على حرية الاختيار لكل شعب بناء على قناعته بأهمية تلك الوحدة وفائدتها له، ولا تكون الوحدة مفروضة بالقوة من طرف جهة ما على جهة أخرى لأن الوحدة المفروضة بالقوة وحدة هشة ومزيَّفة يمكن أن تنهار في أي لحظة وبأبسط العوامل. أما العدالة فإنها عامل أساسي في استمرار الوحدة وتمتين روابطها، وهي العدالة في توزيع الثروات والاستحقاقات، وإعطاء أهل كل إقليم الحق في حكم أنفسهم وإدارة شؤونهم الداخلية والاستفادة من ثرواتهم.

إن الوحدة الحقيقية التي يمكن أن تستمر هي الوحدة التي تقوم على قناعات مشتركة من قبل الأطراف المشترِكة فيها، والعدل بينها، أما الوحدة التي تقوم على الضمّ بالقوة واستغلال طرف لطرف آخر فإنها لا يمكنها أن تدوم أو تعمّر طويلا. ولنا في التاريخ المعاصر نماذج كثيرة. فوحدة الولايات المتحدة الأمريكية قامت على قناعة غالبية أطرافها بفائدتها المشتركة، وهي قائمة على العدل في توزيع الثروات بين تلك الولايات، وإعطاء كل ولاية الحرية في إدارة شؤونها، ولذلك نجد تلك الوحدة مستمرة بقوة. وفي المقابل رأينا كيف قامت وحدة الاتحاد السوفييتي على الضمّ بالقوة، والاستغلال، وسيطرة العنصر الروسي على مقاليد الأمور مع حرمان الشعوب والأعراق الأخرى أو منحها أدوارا هامشية، وعدم احترام الخصوصيات الدينية والثقافية للشعوب التي أُرْغِمَت على الدخول في ذلك الاتحاد، فلم تستمر سوى عقود من الزمن انفرط بعدها عقد ذلك الاتحاد في أول فرصة أتيحت لتلك الجمهوريات للعودة إلى حريتها. فما أن ضعفت السلطة المركزية حتى سارعت كل تلك الجمهوريات إلى إعلان الانفصال، ولم يبق منها سوى الجمهوريات الصغيرة (وأغلبها من المسلمين) التي ليس لها القوة الكافية ولا الدعم الخارجي اللازم لتحرير نفسها من السيطرة الروسية.

أما على مستوى العالم الإسلامي فإن هناك تجارب للوحدة كُلِّلت بالنجاح إلى حد كبير، كما أن هناك محاولات أخرى باءت بالفشل. فتجربة الاتحاد الماليزي الذي قام بين تسع سلطنات،[25] تحقق له نجاح كبير، وكذلك محاولة الإمارات التي شكلت دولة "الإمارات العربية المتحدة".[26] والسر في ذلك النجاح أن تلك الوحدة قامت على أساس حرية الاختيار المبنيّة على قناعة مشتركة بأهمية تلك الوحدة وفائدتها لجميع الأطراف، فضلا عن أنها قامت على احترام خصوصيات سكان كل إمارة وإعطائهم الحق في إدارة شؤونهم الداخلية والاستفادة من ثرواتهم، وبذلك استطاعت تلك الوحدة أن تصمد أمام العقبات والتحديات وأن تستمر.

وفي المقابل نجد تجربة الوحدة المصرية السورية التي انتهت بالفشل السريع لأنها لم تكن قائمة على أسس متينة، بل كانت قائمة على استبداد الطرف المصري،[27] ونموذج إندونيسيا التي شهدت محاولات كثيرة للانفصال، نجحت منها محاولة تيمور الشرقية المدعومة من قبل الغرب المسيحي. ومازالت محاولة "آتشي" (Acheh) مستمرة، وهناك مناطق أخرى مؤهلة لأن تسير في طريق الانفصال. ومن أهم أسباب ذلك الممارسة الاستبدادية للسلطة المركزية في إندونيسيا، واتباع أسلوب الضم بالقوة، وعدم احترام إرادة الشعوب المحلية وخصوصياتها، والظلم في توزيع الثروات من خلال استحواذ السلطة المركزية على أغلب ثروات تلك المناطق مع حرمان سكان تلك الأقاليم من التمتع بعائدات ثروات أقاليمهم، وتركهم للفقر. فمثلا مُنعَ شعب "آتشي" منذ سنة 1951 من مجرد الاحتفاظ بمحافظة خاصة بهم في إطار السلطة المركزية، وتمّ ضمّهم إلى مناطق أخرى ليتم تشكيل مقاطعة "سومطرة الشمالية"، كما مُنعوا من حكم أنفسهم بالإسلام والعيش في ظل الديانة التي ارتضوها لأنفسهم، وفُرضت عليهم نُظُم علمانية فاسدة. كما أن السلطة المركزية استبدت بالحكم ونصبت عليهم مسؤولين مستوردين من جزيرة جاوة، وكأنهم ليست لهم القدرة على إدارة شؤونهم الخاصة بأنفسهم.[28] وفي مثل هذه الظروف يكون من المنطقي أن يطالب سكان تلك المقاطعة بالانفصال؛ إذ ما فائدة وحدة لا تعود عليهم بأي نفع؟

حرية الرأي والوحدة الفكرية

يعيش العالم الإسلامي شتاتا فكريا موشحا بالتعصب؛ حيث يسيطر على العالم الإسلامي تياران فكريان كبيران يتشعب كل منهما إلى فرق وطوائف غالبا ما تكون متناحرة فيما بينها، وهما: التيار العلماني الذي يصف نفسه عادة بالحداثة، والديمقراطية، والحرية، والتنوير، وغيرها من الألقاب، والتيار الإسلامي المحافظ الذي يعتبر نفسه يمثل الحق والأصالة. وبين التيارين خلافات وصراعات حادة، حيث يتهم الأول الثاني بالجمود والانغلاق والرجعية، ويتهم الثاني الأول بالانحلال والاستغراب. وعلى ما بين التيارين من تناقض إلا أنهما يشتركان في ثقافة الاستبداد وعقلية الإقصاء، وكل منهما يمارس الاستبداد والإقصاء في مجال نفوذه سواء داخل التيار نفسه أو ضد التيار الآخر.

ولا شك أن هذا الشتات والصراع الفكريين من العراقيل التي تعرقل تحقيق الوحدة في بلدان المسلمين سواء على مستوى القطر الواحد أو فيما بين الدول، وهي عقبة ينبغي معالجتها من خلال الحوار وإنصاف الطرف الآخر. فلا بد من فتح قنوات للحوار خاصة بين الإسلاميين والعلمانيين المعتدلين من أجل تكوين قواسم مشتركة.[29] وينبغي أن يكون أكثر الناس حرصا على هذا الحوار هم الإسلاميون لأن نتيجة هذا الحوار سوف تكون لا محالة في صالحهم، حيث أنها سوف تؤدي إلى استعادة كثير من أولئك المثقفين من الاستلاب الغربي الذي وقعوا فيه، وتحييد البعض، ودفع آخرين إلى الاعتدال، وهي كلها نتائج تخدم الوحدة الفكرية بين أبناء العالم الإسلامي التي سوف تكون من أهم أسس الوحدة السياسية.

وحرية الرأي التي تؤدي إلى الحوار والنقاش المتواصل يمكن أن توصل التيارات المختلفة في المجتمع إلى تكوين قناعات وقواسم مشتركة تحترمها جميع الأطراف من أجل العيش في وئام وسلام وحماية المصالح المشتركة في المجتمع. كما أنها قد تثمر أُسُساً فكرية مشتركة تكون هي أساس الوحدة الفكرية بين المسلمين، ذلك أن حرية الرأي تفتح الباب لكل طرف للإدلاء برأيه والاحتجاج له والسعي إلى بيان صوابه، وفي المقابل يسعى الطرف الآخر المخالف إلى بيان أوجه ضعف ذلك الرأي وكشفها، وبيان ما هو أقوى أو أقرب إلى الصواب منها، ومثل هذا النقاش يؤدي إلى تمحيص الآراء والوصول إلى أقربها إلى الحق واقتناع الجميع أو الغالبية به. وحتى الطرف الذي لا يقتنع بنتيجة النقاش الحرّ لا يُتَوَقَّع عادة أن يدفعه خلافه وعدم اقتناعه إلى الانشقاق وتفريق الصف، فقلبه سوف يكون خاليا من الإحن والغيظ تجاه الآخرين، لأنه قد فُسِح له المجال لتسويق فكرته والإقناع بها، ولكنه فشل في ذلك. وما دامت الأغلبية قد اقتنعت برأي ما وتبنّته فما عليه إلا أن يحترم ذلك من دون أي شعور بالظلم والغبن الذي يسببه الاستبداد ومنع الناس من إبداء آرائهم بحرية ومحاولة الإقناع بها. وحتى إذا أراد الانشقاق فلن يجد كثيرا من الأنصار للسير معه.

أما الاستبداد وغياب الحوار فإنه يؤدي إلى انغلاق كل تيار على نفسه واعتداده المفرط بمبادئه وأسسه الفكرية مع جهله بحقيقة ما تحمله الأطراف الأخرى، والإنسان عدوّ ما جهل. وفي مثل هذه الأجواء يصعب تحقيق أي تفاهم أو تقارب بين تلك التيارات ناهيك عن الوحدة.

وقد يرى البعض أن فتح باب الحرية واسعا هو الذي كان السبب في انتشار الفرق المنحرفة والشاذة التي أسهمت في تفريق صف الأمة الإسلامية. ولكن الواقع قد لا يؤيد ذلك، فلم يكن سبب ظهور تلك الفرق والمذاهب وما قامت به من دور سلبي هو الحرية في ذاتها، بل إن الناظر في التاريخ الإسلامي يشهد أن تلك الفرق والمذاهب شقّت طريقها في ظل السرية والاستبداد، إما بوصفها ردَّ فعلٍ للاستبداد والظلم، أو استغلالا له، أو أنها فُرِضت ونُشِرت بعامل الاستبداد المحلي أو الاستعماري. وساعد على ذلك غياب التوعية الإيجابية والمناقشة العلمية الرصينة لأفكار وآراء تلك المذاهب، إما لأن أهل الحق مُنِعوا من ذلك منعا من طرف السلطة المستبدة، وإما لعجزهم عن ذلك بسبب ضعفهم الذاتي، وإما لإهمالهم لتلك الظواهر وعدم أخذ أمرها بجدّ إلا بعد فوات الأوان.

فالمعتزلة ـ مثلا ـ لم يستطيعوا فرض رأيهم في خلق القرآن الكريم سوى بالسوط والسجن عندما تمكّنوا من السلطة السياسية ودفعوا بعض الخلفاء العباسيين إلى فرض تلك الفكرة على الناس ومنع أهل العلم من مناقشتها بحرية، ولذلك نرى أنه بمجرد تخلي السلطة السياسية عن فرض الفكرة انهارت ولم يعد لهم نفوذ.[30] كما أنه لم يتطور التشيّع سوى في ظل ظلم بعض الأمويين والعباسيين واستبدادهم بالسلطة السياسية وثروات الأمة، ثم فُرِض بعد ذلك على الشعب الإيراني فرضا من قبل الصفويين، مع استغلال لما ساد الدولة العثمانية في تلك الحقبة من ظلم واستبداد.[31]

وتعدّ تجربة عمر بن عبد العزيز في التمكن من استعادة قسط كبير من وحدة المسلمين خير دليل على قوة عاملي العدل والحرية في بناء وحدة حقيقية قائمة على دعائم متينة. فقد جاء عمر بن عبد العزيز إلى الحكم في مرحلة الحكم الأموي التي شهدت ألوانا شتى من الفرقة والصراع بين أبناء الأمة الإسلامية. فعلى المستوى السياسي كانت الدولة تخوض صراعا سياسيا وعسكريا ضد الخوارج وبعض الشيعة، وبعض الثائرين هنا وهناك، ولا شك أن من أسباب ذلك الصراع ما اتّسم به الحكم الأموي في أغلب مراحله من قلة العدل وشيوع الاستبداد بالحكم والثروة، والتصرف فيهما حسب رغبات الأمراء وحاشيتهم، وحرمان قطاع واسع من الشعب سواء من المشاركة السياسية في إدارة شؤون الدولة أو من الاستفادة من ثروات الدولة وخيراتها.

وعلى مستوى الفُرقة الفكرية ظهرت بعض الفرق العقائدية مثل الخوارج والقدرية عملت هي الأخرى على تفريق صفّ المسلمين. ولم يكن هناك اهتمام من قبل السلطة بحماية الوحدة الفكرية للمسلمين ومواجهة الفكر الشاذ والمنحرف بالحجة والدليل لتقويم أصحابه والمنع من انتشاره، وكل ما كان هناك هو محاولات فردية من قبل علماء الأمة، وهي محاولات على عِظمها وإخلاصها كان ينقصها التنظيم والدعم الكافيين لمواجهة ذلك الفكر.

فلما جاء عمر بن عبد العزيز وأقام العدل والشورى وردّ المظالم إلى أهلها وفتح باب الحرية السياسية والفكرية، وواجه أصحاب الأفكار الشاذة والمنحرفة بالحوار والمناقشة بالحجة والدليل بدأت الأوضاع تتغير، فبدأت عوامل الفُرقة تنحسر وبدأت الوحدة تعود إلى صف المسلمين، وربما لو قدر لحكمه أن يطول لاستطاع أن يعود بالدولة الإسلامية إلى ما كانت عليه في عهد جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه.[32]
لقد أدى عدل عمر بن عبد العزيز ومعاملته الحسنى للخصوم والخارجين على الدولة؛ تلك المعاملة التي كانت قائمة على عدم بدئهم بالقتال وعدم حرمانهم من حقوقهم السياسية والمالية والدخول معهم في حوار مفتوح عبر المراسلات أحيانا واللقاءات المباشرة أحيانا أخرى، إلى اعتراف الخوارج بحكمه وعدله، وكان هو أول شخص يعترف له الخوارج بالخلافة بعد أبي بكر وعمر بن الخطاب.[33] ومع أن فترة حكمه قد شهدت معركة ضد فرقة من الخوارج، إلا أن تلك المواجهات انحسرت بشكل كبير جدا. وقد شاءت الأقدار أن يقضِي أهل الشر عليه قبل أن يقضي هو على الفتنة والفُرقة بين المسلمين.

وسعيا إلى استرجاع الوحدة الفكرية، دخل عمر بن عبد العزيز في مناقشات مع القدرية عن طريق المراسلات وعن طريق المناظرات المباشرة. ويذكر التاريخ أنه استطاع أن يفحم زعيمهم غيلان الدمشقي ويقنعه بالتوقف عن بدعته، حتى قال: "يا أمير المؤمنين لقد جئتك ضالاًّ فهديتني، وأعمى فبصرتني، وجاهلا فعلمتني، والله لا أتكلم في شيء من هذا أبدا".[34]

خاتمة

والخلاصة أن طريق الوحدة بين المسلمين ـ سواء على مستوى الجماعة أو الحزب أو على مستوى القطر الواحد أو على مستوى الأمة ـ طريق طويل يحتاج إلى تمهيد من خلال إيجاد قناعة مشتركة بفائدة تلك الوحدة، وهذه القناعة لا تكون مبنيّة على مجرد الانتماء المشترك لدين واحد (وإن كان ذلك هو الأساس الأول لتلك الوحدة) وإنما تحتاج إلى تحديد مصالح وقواسم مشتركة تجعل كل طرف يشعر عمليا باستفادته من تلك الوحدة. كما أن الوحدة الحقيقية التي يمكنها أن تستمر هي الوحدة التي تقوم على حرية الاختيار من قبل كل الأطراف، وهي التي تقوم على العدل في توزيع الثروات وإعطاء كلّ شعب الحق في حكم نفسه والانتفاع بثرواته، وليست هي الوحدة الظاهرية التي تقوم على القهر وتسلُّط شعب من الشعوب أو عنصر من العناصر. ثم يحتاج استمرار هذه الوحدة بعد ذلك إلى عاملين أساسيين: أولهما فسح المجال واسعا لحرية الرأي من أجل تقديم النصح وتقويم المسيرة وتصحيح الخطأ، وثانيهما تحقيق العدل في الحكم.

مراجع البحث

الأفندي، عبد الوهاب، "ظاهرة الانشقاق عند الإخوان: الحالة السودانية"، الجزيرة نت، 4/12/2002.
أمين، أحمد، فجر الإسلام (القاهرة :مكتبة النهضة المصرية، ط9).
أوغلي، أكمل الدين إحسان (إشراف وتقديم)، الدولة العثمانية: تاريخ وحضارة، ترجمة صالح سعدواي (استانبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، 1999).
ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج، تاريخ عمر بن الخطاب (بيروت: دار الكتب العلمية، ط3، 1407هـ).
ابن شبة، أبو زيد عمر، تاريخ المدينة المنورة، تحقيق فهيم محمود شلتوت (بيروت: دار التراث/ الدار الإسلامية، 1410هـ/ 1990).
بشر، إسكندر، دولة الإمارات العربية المتحدة: مسيرة الاتحاد ومستقبله (بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1402هـ).
الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، غياث الأمم في الْتياث الظلم، تحقيق عبد العظيم ديب (الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ط1، 1400هـ).
حجازي، محمد عبدالواحد، الدكتاتورية محنة الإسلام والعالم (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، ط1، 1409هـ/ 1988م).
حماد، أحمد جلال، حرية الرأي في الميدان السياسي (القاهرة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1408هـ/ 1987م).
حماد، مجدي، العسكريون العرب وقضية الوحدة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1987).
الخطيب، عبد الكريم، عمر بن الخطاب (القاهرة: دار الفكر العربي، ط1، 1978).
خليل، عماد الدين، ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز (بيروت: مؤسسة الرسالة).
شاكر، محمود، الفاروق وأسرته (بيروت المكتب الإسلامي، ط1، 1417هـ).
الشنقيطي، محمد بن المختار، "ملامح المأزق القيادي لدى الإخوان المسلمين"، الجزيرة نت، 4/12/2002.
صافي، لؤي، العقيدة والسياسة (فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1416هـ/ 1996م).
عمارة، محمد، الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين (القاهرة: دار نهضة مصر، 2000).
عمارة، محمد، عبد الرحمن الكواكبي شهيد الحرية ومجدد الإسلام (بيروت: دار الشروق، ط2، 1408هـ/ 1988).
العيدروس، محمد حسن، دولة الإمارات العربية المتحدة من الاستعمار إلى الاستقلال (الكويت: ذات السلاسل، ط1، 1409هـ).
الغزالي، محمد، الإسلام والاستبداد السياسي (القاهرة: مطبعة دار التأليف، 1404هـ/ 1984م).
القرضاوي، يوسف، "عوامل الوحدة الإسلامية"، حوار ضمن برنامج الشريعة والحياة بقناة الجزيرة، بتاريخ: 28/03/1999م.
الكاتب، أحمد، تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه (لندن: دار الشورى، ط1، 1997).
الكواكبي: نصوص مختارة، قام باختيارها أدونيس وخالدة سعيد، ضمن سلسلة ديوان النهضة (بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1982).
مركز دراسات الوحدة العربية، الوحدة العربية: تجاربها وتوقعاتها (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1989م).
المسعودي، مروج الذهب (بيروت: المكتبة العصرية، 1988).
مشهداني، عبد الكريم، العلمانية وأثرها على الأوضاع الإسلامية في تركيا (الرياض: المكتبة الدولية/ دمشق: مكتبة الخافقين، ط1، 1403هـ/ 1983م).
النجار، عبد المجيد: دور حرية الرأي في الوحدة الفكرية بين المسلمين (هيرندن/فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1413هـ).
نجم الدين أربكان، "تطورات الحياة السياسية في تركيا"، حوار معه ضمن برنامج "بلا حدود" بقناة الجزيرة، بتاريخ: 24/11/1999.
النشرتي، حمزة، وجماعة، خامس الخلفاء الراشدين (د. م: د. ن، 1990).
النفيسي، عبد الله، الحركة الإسلامية: ثغرات في الطريق (الكويت: مطابع القبس التجارية، ط1، د. ت).

Lukman Thaib, Acheh’s Case: A historical study of the National Movement for the Independence of Acheh-Sumatra, pp.353-355.
Department of Information, Ministry of Information Malaysia, Official Year Book; Malaysia 89, pp.3-13.
Dabbas, Hashim Ahmed (1964), Arab unity: prospects and problems, Ph.D. Dissertation presented to the Faculty of Graduate School University of Missouri, January 1964



* أستاذ مساعد بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.

[1] صافي، لؤي، العقيدة والسياسة (فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1416هـ/ 1996م) ص111-112.

[2] سورة الأنبياء: 92، المؤمنون: 52.

[3] سورة آل عمران: 103، آل عمران: 105، الشورى: 13، الأنفال: 46.

[4] الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، غياث الأمم في الْتياث الظلم، تحقيق عبد العظيم ديب (الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ط1، 1400هـ) ص172 وما بعدها.

[5] المرجع نفسه، ص174-179.

[6] انظر: النجار، عبد المجيد: دور حرية الرأي في الوحدة الفكرية بين المسلمين (هيرندن/فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1413هـ) ص30.

[7] القرضاوي، يوسف، "عوامل الوحدة الإسلامية"، حوار ضمن برنامج الشريعة والحياة بقناة الجزيرة، بتاريخ: 28/03/1999م.

[8] ابن شبة، أبو زيد عمر، تاريخ المدينة المنورة، تحقيق فهيم محمود شلتوت (بيروت: دار التراث/ الدار الإسلامية، 1410هـ/ 1990) ج4، ص1283، و الكواكبي: نصوص مختارة، قام باختيارها أدونيس وخالدة سعيد، ضمن سلسلة ديوان النهضة (بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1982) ص38، والغزالي، محمد، الإسلام والاستبداد السياسي (القاهرة: مطبعة دار التأليف، 1404هـ/ 1984م) ص37-45.

[9] القرضاوي، مرجع سابق.

[10] انظر في ذلك مثلا: النفيسي، عبد الله، الحركة الإسلامية: ثغرات في الطريق (الكويت: مطابع القبس التجارية، ط1، د. ت)، والشنقيطي، محمد بن المختار، "ملامح المأزق القيادي لدى الإخوان المسلمين"، الجزيرة نت، 4/12/2002 (http://www.
aljazeera.net/in-depth/muslims_brothers/2002/12/12-2-21.htm، والأفندي، عبد الوهاب، "ظاهرة الانشقاق عند الإخوان: الحالة السودانية"، الجزيرة نت، 4/12/2002 (http://www.aljazeera.net/in-depth/ muslims_brothers/2002/12/12-2-20.htm)

[11] حجازي، محمد عبدالواحد، الدكتاتورية محنة الإسلام والعالم (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، ط1، 1409هـ/ 1988م) ص55-82.

[12] انظر في تفصيل ذلك: مشهداني، عبد الكريم، العلمانية وأثرها على الأوضاع الإسلامية في تركيا (الرياض: المكتبة الدولية/ دمشق: مكتبة الخافقين، ط1، 1403هـ/ 1983م) ص211 وما بعدها.

[13] انظر في ذلك مثلا: "تطورات الحياة السياسية في تركيا"، حوار مع نجم الدين أربكان، ضمن برنامج "بلا حدود" بقناة الجزيرة، بتاريخ: 24/11/1999.

[14] انظر في تفصيل الحريات السياسية في الإسلام: حماد، أحمد جلال، حرية الرأي في الميدان السياسي (القاهرة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1408هـ/ 1987م) ص189 وما بعدها.

[15] من أبرز الأمثلة على ذلك إلغاء الانتخابات التشريعية التي جرت في الجزائر في نهاية سنة 1991 واستبدالها بحكم عسكري مباشر، والزج بالمنتخَبين الذين اختارهم الشعب لتمثيله في معتقلات في الصحراء.

[16] انظر مثالا لذلك كلمة الرئيس المصري حسني مبارك في افتتاح المؤتمر الذي عقد حول "الإصلاح في العالم العربي" بتاريخ 13/03/2004 بالاسكندرية، حيث برّر منع فتح أبواب الحريات السياسية والانتخابات الحرة بالخوف من وصول "الأصوليين" إلى السلطة. http://www.islamonline.net/English/News/2004-03/13/article04.shtml

[17] انظر في تحليل العقلية العسكرية العربية: حماد، مجدي، العسكريون العرب وقضية الوحدة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1987).

[18] عمارة، محمد، عبد الرحمن الكواكبي شهيد الحرية ومجدد الإسلام (بيروت: دار الشروق، ط2، 1408هـ/ 1988) ص84-85، 90-91.

[19] انظر في ذلك مثلا: قصة اقتراحه تحديد المهور واعتراض إحدى النساء على ذلك. ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج، تاريخ عمر بن الخطاب (بيروت: دار الكتب العلمية، ط3، 1407هـ) ص149-150.

[20] انظر مثلا فيما يتعلق بسماعه لشكاوى المواطنين: محمود شاكر، الفاروق وأسرته (بيروت المكتب الإسلامي، ط1، 1417هـ) ص278-288.

[21] انظر مثلا في سياسته في اختيار الولاة ومحاسبتهم: محمود شاكر، الفاروق وأسرته، ص278-288، 306-323.

[22] انظر في ذلك مثلا موقفه من محمد بن عمرو بن العاص والي مصر. ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص93-94.

[23] انظر في ذلك مثلا قصته مع الرجل الذي جعل شغله الشاغل هو التنقل بين المسلمين ومحاولة شغلهم بمعاني الحروف المقطعة في القرآن وبعض الألفاظ الغريبة. الخطيب، عبد الكريم، عمر بن الخطاب (القاهرة: دار الفكر العربي، ط1، 1978) ص315-319.

[24] انظر تحليلا جيدا لنفسيات وسلوكيات أصحاب هذه الفئة في: الكواكبي: نصوص مختارة، ص56-67.

[25] See: Department of Information, Ministry of Information Malaysia, Official Year Book; Malaysia 89, pp.3-13.

[26] انظر في ذلك مثلا: بشر، إسكندر، دولة الإمارات العربية المتحدة: مسيرة الاتحاد ومستقبله (بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1402هـ) ص24 وما بعدها. والعيدروس، محمد حسن، دولة الإمارات العربية المتحدة من الاستعمار إلى الاستقلال (الكويت: ذات السلاسل، ط1، 1409هـ) ص205 وما بعدها.

[27] انظر في تقييم تجربة الوحدة المصرية السورية: Dabbas, Hashim Ahmed (1964), Arab unity: prospects and problems, Ph.D. Dissertation presented to the Faculty of Graduate School University of Missouri, January 1964؛ وأحمد، أحمد يوسف، "تجربة الجمهورية العربية المتحدة: مساهمة في قراءة جديدة لها"، ص205-247، وطربين، أحمد، "المشاريع الوحدوية في النظام العربي المعاصر"، ص409-445، وبشور، معن، "العوائق الذاتية لدى الوحدويين العرب" ص529-567، أبحاث ضمن كتاب: الوحدة العربية: تجاربها وتوقعاتها (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1989م).

[28] Lukman Thaib, Acheh’s Case: A historical study of the National Movement for the Independence of Acheh-Sumatra, pp.353-355.

[29] عمارة، محمد، الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين (القاهرة: دار نهضة مصر، 2000) ص7 وما بعدها.

[30] انظر: أمين أحمد، فجر الإسلام (القاهرة :مكتبة النهضة المصرية، ط9) ص161-207.

[31] انظر: الكاتب، أحمد، تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه (لندن: دار الشورى، ط1، 1997)، ص378، وأكمل الدين إحسان أوغلي (إشراف وتقديم)، الدولة العثمانية: تاريخ وحضارة، ترجمة صالح سعدواي (استانبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، 1999)، ص194-201.

[32] انظر في إنجازات عمر بن عبد العزيز مثلا: عماد الدين خليل، ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز (بيروت: مؤسسة الرسالة).

[33] انظر في ذلك مثلا: المسعودي، مروج الذهب (بيروت: المكتبة العصرية، 1988) ج3، ص200-203.

[34] انظر: النشرتي، حمزة، وجماعة، خامس الخلفاء الراشدين (د. م: د. ن، 1990) ص333-335.



 
التعديل الأخير:
أعلى