العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

القواعد المستخلصة من الشرح الممتع ، لأخينا الفاضل الشيخ /محمد طه شعبان وفقه الله .

إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ،وبعد :
فقد أذن لي أخونا الفاضل أبويوسف محمد طه شعبان وفقه الله بنشر موضوعه الطيب

[h=2]القواعد المستخلصة من الشرح الممتع
(للحبر العلامة محمد بن صالح العثيمين أجزل الله له العطاء وأعلى درجته في الفردوس )
[/h]فقلت أرفعه هنا نفعا وفائدة وبثا للعلم ونشره ، والله المسئول أن يتقبله بفضله وإحسانه
والحمد لله رب العالمين

القاعدة الأولى: ((الاستثناء معيار العُمُوم[SUP]([1])[/SUP]))

قال الشيخ رحمه الله: ((يعني: لو أنَّ أحداً استثنى من كلام عام فإِن ما سوى هذه الصُّورة داخل في الحكم؛ وعلى هذا فكلُّ شيء يُباحُ اتِّخاذه إِلا آنيةَ الذَّهب والفضَّة[SUP]([2])[/SUP]))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((أي: إِذا جاء شيء عام ثم استُثني منه، فكلُّ الأفراد يتضمَّنه العموم، إلا ما اسْتُثْنِيَ[SUP]([3])[/SUP]))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إِلَّا الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ[SUP]([4])[/SUP]»، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم[SUP]([5])[/SUP]))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((كرجل أوقف داره على أولاده فانهدمت الدار، فيجوز أن تباع.
وقوله: «ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه» ظاهره أنه لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الصورة؛ لأن من القواعد المقررة (أن الاستثناء معيار العموم) يعني يدل على العموم فيما عدا الصورة المستثناة؛ فعلى هذا لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الحال، وهي إذا تعطلت منافعه[SUP]([6])[/SUP]))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((الاستثناء معيار العموم؛ يعني أنك إذا استثنيت شيئاً دل ذلك على أن الحكم عام فيما عدا المستثنى[SUP]([7])[/SUP]))اهـ.



[1])) ذكرها الشيخ رحمه الله (1/ 72)، (1/ 330)، (2/ 238)، (11/ 59)، (11/ 87)، (13/ 188).

[2])) (1/ 72).

[3])) (1/ 330).

[4])) أخرجه أحمد (11784)، وأبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2767).

[5])) (2/ 238).

[6])) (11/ 59).

[7])) (13/ 188).
 
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: القواعد المستخلصة من الشرح الممتع ، لأخينا الفاضل الشيخ /محمد طه شعبان وفقه الله .

القاعدة السادسة عشرة: ((تعليق المباح على شَرْط يدلُّ على أنَّه لا يُباح إِلا به[SUP]([1])[/SUP]))

قال الشيخ رحمه الله: ((يُسْتَحَبُّ للجُنُب إِذا أراد النَّوم أن يتوضَّأ، واستُدلَّ لذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أَيَرْقُد أحدُنا وهو جُنُب؟ قال: «نعم، إِذا توضَّأ أحدُكم فلْيَرْقُد وهو جُنُب[SUP]([2])[/SUP]»، وفي لفظ: «توضَّأ واغسلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ[SUP]([3])[/SUP]».
وهذا الدَّليل يقتضي الوُجوب؛ لأنَّه قال: «نعم إِذا توضَّأ»، وتعليق المباح على شَرْط يدلُّ على أنَّه لا يُباح إِلا به، وعليه يكون وُضُوء الجُنُب عند النوم واجبًا، وإلى هذا ذهب الظَّاهريَّة وجماعة كثيرة من أهل العِلْمِ، ولكن المشهور عند الفقهاء والأئمَّة المتبوعين أنَّ هذا على سبيل الاستحباب ، واستدلُّوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم: كان ينامُ وهو جُنُبٌ من غير أن يمسَّ ماءً[SUP]([4])([5])[/SUP]))اهـ.


[1])) (1/ 369).

[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (287)، ومسلم (306).

[3])) البخاري (290)، ومسلم (306).

[4])) أخرجه أحمد (25135)، وأبو داود (228)، وابن ماجه (583)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (224)..

[5])) ((الشرح الممتع)) (1/ 396).




 
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: القواعد المستخلصة من الشرح الممتع ، لأخينا الفاضل الشيخ /محمد طه شعبان وفقه الله .

القاعدة السابعة عشرة: ((إِذا قُيِّد اللفظ العام بما يوافق حُكْم العام، فليس بِقَيد[SUP]([1])[/SUP]))

قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويَجبُ التيمُّمُ بتُرابٍ»؛ هذا بيان لما يُتيمَّم به، وقد ذكر المؤلِّفُ له شروطًا:
الأول: كونه ترابًا؛ والتُّراب معروف، وخرج به ما عداه من الرَّمل، والحجارة وما أشبه ذلك.
فإِنْ عَدِم التُّرابَ كما لو كان في بَرٍّ ليس فيه إِلا رَمْل، أو ليس فيه إِلا طِين لكثرة الأمطار فيصلِّي بلا تيمُّم؛ لأنَّه عادِم للماء والتُّراب.
والدَّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلت تربتُها لنا طَهُورًا»، وفي رواية: «وجُعِل التُّراب لي طَهُورًا».
قالوا: هذا يُخصِّص عُموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلتْ لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا»؛ لأن الأرض كلمة عامَّة، والتُّراب خاصٌّ، فيُقيَّد العام بالخاص.
ورُدَّ هذا: بأنه إِذا قُيِّد اللفظ العام بما يوافق حُكْم العام، فليس بِقَيد.
وتقرير هذه القاعدة: أنَّ ذكر بعض أفراد العام بحُكم يوافق حُكم العام، لا يقتضي تخصيصه.
مثال ذلك: إِذا قلت: «أكرِم الطَّلَبَة» فهذا عام، فإِذا قلت: «أكرم زيدًا» وهو من الطَّلبة؛ فهذا لا يُخصِّص العام؛ لأنك ذكرت زيدًا بحُكْمٍ يوافق العام.
لكن لو قلت: «لا تُكْرم زيدًا»، وهو من الطَّلبة صار هذا تخصيصًا للعام؛ لأنِّي ذَكرته بِحُكْم يُخالف العام.

ومن ذلك قول بعض العلماء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وفي الرِّقَةِ رُبع العُشرِ»: أنه يخصِّص عموم الأدلَّة الدَّالة على وجوب الزكاة في الفضَّة مطلقًا؛ لأنه قال: «وفي الرِّقَة»؛ والرِّقَة: هي السِّكَّة المضروبة.
فيقال: إِنْ سلَّمْنا أنَّ الرِّقَة هي الفِضَّة المضروبة، فذِكْرُ بعض أفراد العام بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي تخصيصه.
وهذه القاعدة - أعني أن ذكر أفرادٍ بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي التخصيص - إِنَّما هو في غير التقييد بالوصف، أما إِذا كان التَّقييد بالوصف فإِنه يفيد التَّخصيص، كما لو قُلت: «أكرِم الطَّلبة»، ثم قلت: «أكرِم المجتهد من الطَّلبة»، فذِكْر المجتهد هنا يقتضي التَّخصيص؛ لأنَّ التَّقييد بِوَصْف.
ومثل ذلك لو قيل: «في الإِبل صدقة»، ثم قيل: «في الإِبل السَّائمة صدقة»، فالتَّقييد هنا يقتضي التَّخصيص فتأمَّل[SUP]([2])[/SUP]))اهـ.



[1])) (1/ 391).

[2])) (1/ 390- 392).
=====================================
قلت : فالحاصل من كلام الشيخ رحمه الله :

أنَّ ذكر بعض أفراد العام بحُكم يوافق حُكم العام، لا يقتضي تخصيصه، إلا إِذا كان التَّقييد بالوصف فإِنه يفيد التَّخصيص .
================
وهذا الاستثناء لم يذكره أخونا الفاضل أبويوسف محمد بن طه شعبان
 
التعديل الأخير:
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: القواعد المستخلصة من الشرح الممتع ، لأخينا الفاضل الشيخ /محمد طه شعبان وفقه الله .

القاعدة الثامنة عشرة: ((ما كان من باب الغالب فلا مفهوم له، ولا يُخَصُّ به الحكم[SUP]([1])[/SUP]))

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((وقال بعض الظَّاهريَّة: إِنَّ هذا الحُكم فيما إِذا وَلَغَ الكلب، أما بَوْله ورَوْثه فكسائر النَّجاسات؛ لأنهم لا يَرَوْن القياس.
وجمهور الفقهاء قالوا: إِن رَوْثَهُ، وبوله كوُلُوغه، بل هو أخبث، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم نَصَّ على الوُلُوغ؛ لأن هذا هو الغالب؛ إِذ إِن الكلب لا يبول ويروث في الأواني غالبًا، بل يَلِغُ فيها فقط، وما كان من باب الغالب فلا مفهوم له، ولا يُخَصُّ به الحكم[SUP]([2])[/SUP]))اهـ.


[1])) ذكرها الشيخ: (1/ 417).

[2])) السابق.
قال نجم الدين الطوفي رحمه الله في ((شرح مختصر الروضة)) (2/ 775، 776): ((الْخَارِجُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الْمُقَيَّدُ بِهَا غَالِبَةً عَلَى الْمَوْصُوفِ؛ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} [النِّسَاءِ: 35]؛ إِذْ خَوْفُ الشِّقَاقِ غَالِبُ حَالِ الْخَلْعِ،
وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبَائِبُكُم اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النِّسَاءِ: 23] ، إِذِ الْغَالِبُ كَوْنُ الرَّبِيبَةِ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ تَبَعًا لِأُمِّهَا،
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الْإِسْرَاءِ: 31]؛ أَيْ: فَقْرٍ وَإِقْتَارٍ، إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ قَتْلَ الْوَلَدِ إِنَّمَا يَكُونُ لِضَرُورَةٍ؛ كَضَرُورَةِ الْفَقْرِ وَقِلَّةِ الْمَعَاشِ))اهـ.
 
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: القواعد المستخلصة من الشرح الممتع ، لأخينا الفاضل الشيخ /محمد طه شعبان وفقه الله .

القاعدة التاسعة عشرة: ((عدم السبب المعيَّن لا يقتضي انتفاء المسَبَّب المعين)) أو: ((انتفاء الدَّليل المعيَّن لا يَستلزِم انتفاء المدلول[SUP]([1])[/SUP]))

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((وذهب أبو حنيفة رحمه الله إِلى أن الشمس تُطَهِّرُ المتنجِّس إِذا زال أثر النَّجاسة بها، وأنَّ عين النَّجاسة إِذا زالت بأيِّ مزيل طَهُر المحلُّ؛ وهذا هو الصَّواب لما يلي:
1- أن النَّجاسةَ عينٌ خبيثة نجاستُها بذاتها، فإِذا زالت عاد الشيء إِلى طهارته.
2- أن إِزالة النَّجاسة ليست من باب المأمور، بل من باب اجتناب المحظور، فإِذا حصل بأيِّ سبب كان ثَبَتَ الحُكم، ولهذا لا يُشترط لإِزالة النّجاسة نيَّة، فلو نزل المطر على الأرض المتنجِّسة وزالت النَّجاسة طَهُرت، ولو توضَّأ إِنسان وقد أصابت ذراعَه نجاسةٌ ثم بعد أن فرغ من الوُضُوء ذكرها فوجدها قد زالت بماءِ الوُضُوء فإِن يده تطهر، إِلا على المذهب؛ لأنهم يشترطون سبع غسلات، والوُضُوء لا يكون بسبع.
والجواب عما استدلَّ به الحنابلة: أنه لا ينكر أن الماء مطهِّر، وأنه أيسر شيء تطُهَّر به الأشياء، لكن إِثبات كونه مطهِّرًا، لا يمنع أن يكون غيره مطهرًا؛ لأن لدينا قاعدة وهي: "أن عدم السبب المعيَّن لا يقتضي انتفاء المسَبَّب المعين"؛ لأن المؤثِّر قد يكون شيئًا آخر؛ وهذا الواقع بالنسبة للنجاسة.
وعبَّر بعضهم عن مضمون هذه القاعدة بقوله: "انتفاء الدَّليل المعيَّن لا يَستلزِم انتفاء المدلول"؛ لأنَّه قد يَثْبُتُ بدليل آخر[SUP]([2])[/SUP]))اهـ.



[1])) ذكرها الشيخ: (1/ 425).

[2])) السابق.
 
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: القواعد المستخلصة من الشرح الممتع ، لأخينا الفاضل الشيخ /محمد طه شعبان وفقه الله .

القاعدة العشرون: ((لا ضرورة في دواء[SUP]([1])[/SUP]))

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وبَوْلُ ما يُؤكَلُ لَحْمُهُ، وَرَوْثُه، طاهر؛ كالإِبل، والبقر، والغنم، والأرانب، وما شابه ذلك.
فإن قيل: ما الجواب عن نهي النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عن الصَّلاة في مَعاطِنِ الإِبل، فإِن هذا يدلُّ على نجاستها.
فالجواب: أنَّ العِلَّة في النَّهي عن الصَّلاة في معاطِن الإِبل ليست هي النَّجاسة؛ ولو كانت العِلَّة النَّجاسة لم يكن هناك فرق بين الإِبل والغنم؛ ولكن العِلَّة شيء آخر.
فقيل: إن هذا الحكم تعبُّدي، يعني: أنه غير معلوم العِلَّة.
وقيل: يُخشَى أنه إِذا صلَّى في مباركها أن تَأْوي إِلى هذا المبرك وهو يصلِّي، فَتُشوِّش عليه صلاته لِكِبَر جسمها، بخلاف الغنم.
وقيل: إنها خُلِقت من الشَّياطين؛ كما ورد بذلك الحديث[SUP]([2])[/SUP]؛ وليس المعنى أنَّ أصل مادَّتها ذلك؛ ولكن المعنى أنها خُلِقت من الشَّيطنة، وهذا كقوله تعالى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]؛ وليس المعنى أن مادة الخَلْق من عَجَلٍ؛ لكن هذه طبيعته، كما قال تعالى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإِسراء: 11].
فإن قيل: إِن النبي صلّى الله عليه وسلّم أباح شرب أبوال الإِبل للضَّرورة، والضَّرورات تُبيح المحظورات.
فالجواب من وجوه:
الأول: أن الله لم يجعل شفاء هذه الأُمَّة فيما حَرَّم عليها.
الثاني: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يأمرهم بِغَسْل الأواني بعد الانتهاء من استعمالها، إِذ لا ضرورة لبقاء النَّجاسة فيها.
الثالث: القاعدة العامة: «لا ضرورة في دواء»؛ ووجه ذلك: أن الإِنسان قد يُشفَى بدونه، وقد لا يُشفَى به[SUP]([3])[/SUP].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَلَسْت أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ، كَمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ؛ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ مَنَاطِهِ؛ فَقِيلَ: هُوَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِ التَّدَاوِي.
وَقِيلَ: بَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا لِلتَّدَاوِي.
وَقِيلَ: هِيَ مَعَ ذَلِكَ نَجِسَةٌ. وَالِاسْتِدْلَا لُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَحْتَاجُ إلَى رُكْنٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَا تِ النَّجِسَةِ مُحَرَّمٌ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّحْرِيمِ مِثْلُ قَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وَ: {كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ} وَ: {إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} عَامَّةٌ فِي حَالِ التَّدَاوِي وَغَيْرِ التَّدَاوِي، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ، وَخَصَّ الْعُمُومَ؛ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَبَاحَهَا لِلضَّرُورَةِ وَالْمُتَدَاوِي مُضْطَرٌّ فَتُبَاحُ لَهُ، أَوْ أَنَّا نَقِيسُ إبَاحَتَهَا لِلْمَرِيضِ عَلَى إبَاحَتِهَا لِلْجَائِعِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.
قُلْت: لَيْسَ التَّدَاوِي بِضَرُورَةٍ لِوُجُوهِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَرْضَى أَوْ أَكْثَرُ الْمَرْضَى يَشْفُونَ بِلَا تَدَاوٍ؛ لَا سِيَّمَا فِي أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْقُرَى وَالسَّاكِنِينَ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ يَشْفِيهِمُ اللَّهُ بِمَا خَلَقَ فِيهِمْ مِنَ الْقُوَى الْمَطْبُوعَةِ فِي أَبْدَانِهِمْ الرَّافِعَةِ لِلْمَرَضِ وَفِيمَا يُيَسِّرُهُ لَهُمْ مِنْ نَوْعِ حَرَكَةٍ وَعَمَلٍ أَوْ دَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ أَوْ رُقْيَةٍ نَافِعَةٍ أَوْ قُوَّةٍ لِلْقَلْبِ وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ غَيْرِ الدَّوَاءِ، وَأَمَّا الْأَكْلُ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ أَبْدَانَ الْحَيَوَانِ تَقُومُ إلَّا بِالْغِذَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ لَمَاتَ؛ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ التَّدَاوِي لَيْسَ مِنَ الضَّرُورَةِ فِي شَيْءٍ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الْأَكْلَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَاجِبٌ؛ قَالَ مَسْرُوقٌ: "مَنِ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ"، وَالتَّدَاوِي غَيْرُ وَاجِبٍ وَمَنْ نَازَعَ فِيهِ: خَصَمَتْهُ السُّنَّةُ فِي الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ. فَاخْتَارَتِ الْبَلَاءَ وَالْجَنَّةَ، وَلَوْ كَانَ رَفْعُ الْمَرَضِ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ مَوْضِعٌ كَدَفْعِ الْجُوعِ، وَفِي دُعَائِهِ لِأُبَيٍّ بِالْحُمَّى، وَفِي اخْتِيَارِهِ الْحُمَّى لِأَهْلِ قُبَاءَ، وَفِي دُعَائِهِ بِفَنَاءِ أُمَّتِهِ بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ، وَفِي نَهْيِهِ عَنِ الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ؛ وَخَصَمَهُ حَالُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُبْتَلِينَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْبَلَاءِ حِينَ لَمْ يَتَعَاطَوْا الْأَسْبَابَ الدَّافِعَةَ لَهُ: مِثْلَ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِ، وَخَصَمَهُ حَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَالُوا لَهُ: أَلَا نَدْعُوَ لَك الطَّبِيبَ؟ قَالَ: قَدْ رَآنِي قَالُوا: فَمَا قَالُ لَك؟ قَالَ: إنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدَ. وَمِثْلُ هَذَا وَنَحْوِهِ يُرْوَى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ الْمُخْبِتِ الْمُنِيبِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْكُوفِيِّينَ أَوْ كَأَفْضَلِهِمْ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ الْهَادِي الْمَهْدِيِّ وَخَلْقٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصُونَ عَدَدًا، وَلَسْت أَعْلَمُ سَالِفًا أَوْجَبَ التداوي، وَإِنَّمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ يُفَضِّلُ تَرْكَهُ تَفَضُّلًا وَاخْتِيَارًا لِمَا اخْتَارَ اللَّهُ وَرِضًى بِهِ وَتَسْلِيمًا لَهُ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ الدَّوَاءَ لَا يُسْتَيْقَنُ بَلْ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ لَا يَظُنُّ دَفْعَهُ لِلْمَرَضِ؛ إذْ لَوِ اطَّرَدَ ذَلِكَ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ، بِخِلَافِ دَفْعِ الطَّعَامِ لِلْمَسْغَبَةِ وَالْمُجَاعَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَيْقَنٌ بِحُكْمِ سُنَّةِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَخَلْقِهِ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمَرَضَ يَكُونُ لَهُ أَدْوِيَةٌ شَتَّى فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِالْمُحَرَّمِ انْتَقَلَ إلَى الْمُحَلَّلِ، وَمُحَالٌ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِي الْحَلَالِ شِفَاءٌ أَوْ دَوَاءٌ، وَاَلَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً إلَّا الْمَوْتَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَدْوِيَةُ الْأَدْوَاءِ فِي الْقِسْمِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا»، بِخِلَافِ الْمَسْغَبَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ انْدَفَعَتْ بِأَيِّ طَعَامٍ اتَّفَقَ إلَّا أَنَّ الْخَبِيثَ إنَّمَا يُبَاحُ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ فَإِنْ صَوَّرْتَ مِثْلَ هَذَا فِي الدَّوَاءِ فَتِلْكَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ أَنْدَرُ مِنَ الْجُوعِ بِكَثِيرِ، وَتَعَيُّنُ الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ وَعَدَمُ غَيْرِهِ نَادِرٌ، فَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا. عَلَى أَنَّ فِي الْأَوْجُهِ السَّالِفَةِ غِنًى. وَخَامِسُهَا: وَفِيهِ فِقْهُ الْبَابِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ خَلْقَهُ مُفْتَقِرِينَ إلَى الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ، لَا تَنْدَفِعُ مَجَاعَتُهُمْ وَمَسْغَبَتُهُم ْ إلَّا بِنَوْعِ الطَّعَامِ وَصِنْفِهِ فَقَدْ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا النَّوْعَ الْكَاشِفَ لِلْمَسْغَبَةِ الْمُزِيلَ لِلْمَخْمَصَةِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَإِنَّهُ يُزِيلُهُ بِأَنْوَاعِ كَثِيرَةٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ رُوحَانِيَّةٍ وَجُسْمَانِيَّة ٍ، فَلَمْ يَتَعَيَّنِ الدَّوَاءُ مُزِيلًا[SUP]([4])[/SUP]))اهـ.


[1])) ذكرها الشيخ: (1/ 453).

[2])) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا»، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ»،
وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ». أخرجه أبو داود (184)، والترمذي(81)، وابن ماجه (494).

[3])) (1/ 450- 453)، بتصرف واختصار.

[4])) ((مجموع الفتاوى)) (21/ 562- 565 )، باختصار.
 
أعلى