العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المعتمد في المذهب

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
السلام عليكم ورحمة الله
أخرتُ التقديم للبحث حتى يتم لأسباب ستأتي
ونترككم مع البحث
نسأل الله أن يحمل فائدة تنفعنا يوم نلقاه

المعتمد من ألفاظ الترجيح، فالمعتمد من الآراء أرجحها، فإن كان المرجح مجتهداً .. كان مطلوبه الراجح بالنظر إلى الأدلة الشرعية، أي الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها مما يعتمده المجتهد دليلاً، وإن كان المرجح مقلداً .. فمطلوبه المعتمد عند إمامه بالنظر إلى نصوصه وقواعده وأصوله ، وهذا نوع اجتهاد ولكنه مقيد بمذهب إمام بعينه، ويعرف صاحبه بالمجتهد في المذهب.
والمذهب ما ذهب إليه المجتهد من أحكام المسائل ، ويطلق أيضاً على ما ذهب إليه أصحابه ؛ لأنها مبنية على ما ذهب إليه هو، بالتخريج على فروعه المنصوصة والبناء على قواعده وأصوله.
ومن هنا تعرف أن المراد بالأصحاب في التعريف مجتهدي المذهب دون غيرهم.
ولما كان كلامنا في مذهب الشافعي قلنا :
تميز مذهب الشافعي رحمه الله بتدوين إمامه فيه فروعاً وأصولاً وأكثر حتى استوعب أصول المسائل وفروعها، أو كاد، وكثرت الرواية عنه فما لم تجده في مصنفاته وجدته مروياً عنه عند غيره، وقرر أصوله وقواعده الفقهية المعتمدة عنده في مصنفات مستقلة وفي طيات كتبه الفقهية عموماً.
استطراد: ويذكر البعض هنا أنه لم يروَ عن إمام ما روي عن أحمد رحمه الله، وهذا صحيح إن أخذنا الدعوى بهذا العموم، أما عند التفصيل، فإنا نجد أن كثيراً من هذه الروايات هي في أصول الدين أو مسائل الاعتقاد، والأكثر في علوم الحديث رواية، وما كان منها في المسائل الفقهية فإن كثير منها تكرار، كأن يروي عنه ابنه عبدالله حكم مسألة في الطهارة ويروي مثلها ابنه صالح والبغوي وابن العوسج والترمذي و... وربما اختلفت هذه الروايات لكنها تبقى في مسألة واحدة، فكثرتها هو باعتبار عددها فقط لا باعتبار المسائل الفقهية، لذا التخريجات في مذهب أحمد أكثر منها في مذهب الشافعي ـ اعتمدتُ في هذا فقط على النظر في مسائل (التحرير) للمجد ابن تيمية ـ .
عودة : 1. ثم أصحاب الشافعي من بعده إن سئل أحدهم أجاب بنص إمامه عليها، وربما وجد لإمامه قولين متعارضين فربما وفق بين القولين بوجه من أوجه التوفيق وربما حمل كل قولٍ على حال وربما جعل المسألة على قولين ويختلف حكمه تبعاً لاختلاف اجتهاده في القولين، وغيره من أصحاب الشافعي ربما وافقه فيما ذهب إليه وربما خالفه لاختلاف اجتهاده فيتخرج في المسألة طرق لأصحاب الشافعي.
2. فإن لم يجد نصاً للشافعي وكان مع ذلك مطلعاً على نصوص إمامه عارفاً بقواعده وأصوله فقيه النفس قادراً على إلحاق المسكوت بالمنصوص ـ وهذه شروط المجتهد في المذهب ـ .. نظر في كلام إمامه ؛ فإن وجد للمسألة نظيراً في كلام الشافعي .. نقل حكمها إلى مسألته، وهذا هو التخريج، وربما رأى للشافعي كلاماً في نظائر للمسألة إلا أنه مختلف ، فيجتهد فيه بنحو اجتهاده في اختلاف نصوص الشافعي ، وربما وافقه الآخرون وربما خالفوه إما بأن يذكروا نصوصاً للشافعي لم يطلع عليها ، أو يخالفوه في كون المسائل المنصوصة هي نظائر للمسألة موضع البحث ، وربما أبرزوا نظائر أخرى هي أولى عندهم بالمسألة موضع البحث وهكذا فتتخرج لأصحاب الشافعي في المسألة وجوه.
3. وربما لم يجد للمسألة نص في كلام الشافعي، ولا ظفر لها بنظير ينقل حكمه، فيجتهد في استخراج حكمها من الكتاب والسنة معتمدا قواعدَ الشافعي وأصوله في استنباط الحكم عليها. فربما وافقه غيره وربما اعترضوه بأن للشافعي فيها كلام لم يطلع عليه، أو تكلم في نظير لها لم يطلع عليه كذلك، أو يجتهدون فيخالفونه في نتيجة الاجتهاد وهكذا.
4. ثم من بعد هؤلاء يزيد اختلافهم لأنهم يجتهدون في كلام الأصحاب اجتهادهم في كلام الشافعي، فيتسع الرقع.
ومن شأن تراكم الاختلاف إضعاف الأصول والقواعد ؛ لأن الفروع التي تشذ عن القواعد تكثر حينئذٍ إلى درجة لا يعود الأصل معها أصلاً ولا الضابط ضابطاً لعدم تأديتهما الدور الذي أنيط بالأصول والقواعد والضوابط وهو الجمع والمنع.
ولو تُرِك بابُ الاجتهاد في المذهب بلا حد يضبطه، واستمر كل من ظن الأهلية في التخريج لأوشك أن يكون الاجتهاد في المذهب سبباً لزوال المذهب ؛ ومن أجل ذلك قيدوا الاجتهاد بالمذهب بالزمان، واختلفوا فيه بما لا غرض لنا في ذكره هنا ، وننقل كلام ابن أبي الدم في (أدب القضاء) نقلاً عن (توقيف الحكام) لابن العماد لاشتماله على فوائد نفيسة متعلقة بالبحث، قال رحمه الله نقلاً عن الشاشي : (والثاني ـ أي من المفتين ـ من ينتحل مذهب واحد من الأئمة ... وعرف مذهب إمامه وصار حاذقاً فيه بحيث لا يشذ عنه شيء من أصول مذهبه ومنصوصاته. فإذا سئل عن حادثة .. إن وجد لصاحبه نصاً .. أجاب عليه، وإن لم تكن المسألة منصوصة .. له أن يجتهد فيها على مذهبه، ويخرجها على أصول صاحبه، ويفتي بما أداه إليه اجتهاده، وهذا أيضاً أعز من الكبريت الأحمر.
فإذا كان هذا قول القفال مع جلالة قدره في العلم ، وكونه صاحب وجه في المذهب، فكيف بعلماء عصرنا الذين لا يقربون من تلك الدرجة !
ومن غلمانه والمنتمين إليه القاضي حسين المروزي والشيخ أبو القاسم الفوراني والشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين والمسعودي والصيدلاني والشيخ أبو علي السنجي وجماعة غيرهم، وبموت هؤلاء في خراسان وما قرب منها ، وموت أصحاب الشيخ أبي حامد الأسفرايني في العراق ومنهم المحاملي وأقضى القضاة الماوردي والقاضي أبو الطيب الطبري وبقية الطبقة انقطع الاجتهاد وتخريج الوجوه في مذهب الشافعي، فلا يعد أحد بعد هؤلاء صاحب وجه في المذهب، ولا مقاله فيه، وإنما هم نقلة للمذهب، وحَفَظَة لكتب مشائخهم، وناقلون مذاهبهم ووجوههم. ويقع التفاوت بينهم بكثرة النقل وجودة الحفظ والضبط، وصفاء الذهب وحدة الخاطر وذكاوة النظر وصحة الفكر
) انتهى، وقد أساء محقق كتاب (التوقيف) في تفقير كلام ابن أبي الدم.
وقد أقر جماعة ابن أبي الدم على كلامه كابن العماد والبرماوي ـ صاحب الألفية الأصولية ـ وجمل الليل، بل ساقوا كلامه مستدلين به بانين عليه.
وقد استفدنا من كلام ابن أبي الدم أن ما وقع من بعض المتأخرين أن فلان من الناس ممن تأخرت طبقته جداً من أصحاب الوجوه إنما هو مبالغة في الثناء يراد به أن فلان متأهل في نفسه لتلك الدرجة، لا أن أقواله وجوهاً في المذهب على الحقيقة ، ومن جنس ذلك وصف بعضهم ابن دقيق العيد وقبله ابن عبد السلام وغيرهم بالاجتهاد المطلق، ومرادهم التأهل، لا أنهم أصحاب مذاهب كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
وبعد هذه الطبقة تأتي طبقة المجتهد في الفتوى، نتكلم عنها لاحقاً، فقد تعبتُ.
والله سبحانه أعلم
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: المعتمد في المذهب

ثم بعد هذه الطبقة استقر المذهب تأصيلاً وتفريعاً وتخريجاً، فلا يُستفتى المفتي عن مسألة إلا وجد لها نقلاً في مسطورات المذهب، أو وجد نقلاً في نظيرها الذي يقطع معه بنفي الفارق من غير فضل فكر، أو كانتْ جلية الإندراج تحت أصلٍ أو قاعدة ممهدة.
أما أن تخرج المسألة عن ذلك فلو أمكن فنادر كما ذكره الجويني في (الغياثي) ونقله عنه ابن الصلاح معتمداً عليه، وفي هذه الحالة (فعليه الإمساك عن الفتيا) كما قاله ابن الصلاح.
فالذي تحصل من كلامهم المذكور أن المفتي بعد الطبقة المذكورة ليس مجتهداً أصلاً، فإنه لا يستنبط الأحكام لا بالبناء على الأدلة الكلية كما هو الحال بالنسبة للمجتهد المطلق ولا المذهبية كما هو الحال بالنسبة للمجتهد في المذهب، فإن وجدتَ تخيرجاً للمتأخر فتخريجه ليس بقصد بيان الحكم الذي يفتى ويقضى به في المذهب، بل هو من جملة الأبحاث التي تنسب لصاحبها دون المذهب؛ لأن قوله لا هو نص لإمام المذهب ولا وجهاً فيه لأن الفرض أنه ليس من أصحاب الوجوه.
وربما وجد له كلام على سبيل الاجتهاد أو التخريج ـ لأنه أهل في نفسه ـ ولكنهم يجعلونه اختياراً له لا تنسب للمذهب؛ ضبطاً منهم للمذهب كما تقدم، وسيأتي الكلام على بعض هذه الاختيارات.

ومع ذلك كثيراً ما تجابه هذا المفتي النصوص والأوجه المختلفة، فيرجح بينها ويفتي بما هو الراجح عنده، ومن هنا سموه مجتهد الفتوى.
وسيأتي الكلام عن كيفية الترجيح لاحقاً.

والله أعلم

 
التعديل الأخير:
أعلى