العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تواليف مالكية مهمة 39: أنوار كواكب نهج السالك بمزج موطأ الإمام مالك/ للزرقاني

شهاب الدين الإدريسي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
20 سبتمبر 2008
المشاركات
376
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك بن أنس

اعتنى العلماء بكتاب «الموطأ» للإمام مالك منذ تأليفه عناية لا تكاد تحصر، واستمرّت العناية به دون انقطاع على مرّ الزمان وفي مختلف الأصقاع حتى يومنا هذا، ومن شروحه التي شاعت وذاعت في القرون الأخيرة؛ كتاب «أنوار كواكب نهج السالك بمزج موطأ الإمام مالك» لإمام المالكية في عصره العلّامة المحدّث أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن علوان الزُّرقاني ـ بتشديد الزاي وضمهاـ المالكي الأزهري المصري.

وُلِد الإمام الزرقاني في مصر سنة (1055هـ)، في بَيْتِ علمٍ وفضلٍ وأَدَبٍ، فتَلَقّى تعليمه الأَوَّلي عن والده العلامة الجليل عبد الباقي بن يوسف شارح «مختصر خليل»، وحَرَِص على التحمل على أبرز شيوخ بلده المعروفين؛ منهم الإمام نور الدين علي الشَّبْـرَامَلِّسِي، والحافظ أبي عبد الله محمد بن علاء الدين البَابِلي، والإمام أبي الإرشاد نور الدين الأُجْهُورِي، وغيرهم، فخدم العلم خدمة جليلة ما يقارب سبعا وستين سنة، إلى أن وافته المنية ببلده في مصر سنة (1122هـ). وله ـ رحمه الله ـ آثار غزيرة النفع، جليلة القدر، من أبرزها «شرح المواهب اللدنية»، وعدد من المصنفات الحديثية. على أن أشهرها على الإطلاق هو شرحه على الموطأ الذي تداوله طلبة العلم بالأزهر الشريف واهتموا بقراءته ودرسه، ثم انتشر في عدد من بلدان العالم الإسلامي وأصبح معتمد الفقهاء في شرح أحاديث الموطأ إلى وقت قريب، وبالرجوع إلى مقدمته نجد واضعه العلامة الزرقاني يفصح عن سبب تأليفه فيقول: «لما منّ الله عليّ بقراءة الموطأ بالساحات الأزهرية... كتبت عليه ما أتاحه لي ذو المنة والفضل، وإن لم أكن لذلك ولا لأقلّ منه بأهل؛ لأنّ شروحه وإن كثرت عزّت بحيث لا يوجد منها في بلادنا إلا ما قلّ».

فشرحه هذا أتى ليسد فراغا يجده طلبة العلم ببلده في شرح كتاب الموطأ، وقد افتتحه ـ رحمه الله ـ بمقدّمة أبان فيها عن مقصده من التأليف، ثم أتبعه بترجمة وافية للإمام مالك، وقيمة كتابه «الموطأ» عند أهل الشّأن، واعتنى كثيراً بضبط الغريب وتفسيره، وشرَحَ جميع ألفاظ الكتاب معتمداً على كتب اللّغة والمعاجم، مع الاعتناء بأوجه الإعراب اعتناءً فائقًا، ومزج متن الموطأ بالشّرح على ترتيب الأصل، وهي طريقةٌ مفيدةٌ مسلوكةٌ عند أهل العلم، واعتنى في شرحه بحكاية أقوال العلماء في المسائل الفقهيّة وأوجهِ الخلاف فيها مع بيان أدلّتهم عليها، وغالباً ما يورد أدلّة المالكيّة منافحًا عنها وناقضًا لما قيل فيها من قدحٍ واعتراض، ثم يذكر من تابع الإمام مالكاً سواء متابعةً تامّة أو قاصرة، ويأتي في تخريج الأحاديث بذكر من أخرج الحديث من أصحاب الكتب الستّة وغيرهم، وخاصّة إذا كان الحديث المشروح في الصّحيحين أو أحدهما، وقد اعتنى عنايةً فائقةً بالجمع بين الأحاديث الّتي ظاهرها التّعارض والإشكال، إمّا بأجوبةٍ منقولةٍ عن أهل العلم السّابقين، أو بما أدّاه إليه اجتهاده وفهمه الثّاقب.
وبالنظر في موارده التي استقى منها واعتنى بالنقل عنها نجده يعتمد كتب الحديث المعتمدة كالأمّهات الستّة، ومعاجم الطّبراني، وكتب الدّار قطني، ومستدرك الحاكم، وصحيح ابن حبان، وغيرها من كتب متون الحديث، كما اعتمد رحمه الله على كتب شروح الموطأ والصحيحين فنقل كثيرا عن التّمهيد لابن عبد البرّ، والمنتقي للباجي، وشرح مسلم للنّوويّ، وفتح الباري لابن حجر، وغيرها، فجاء شرحه جامعا ماتعا، غزير الفوائد، لا يسع الأقلام إلا أن تنطق بالثناء عليه؛ قال الكاندهلويّ ـ وهو أيضا من شراح الموطأ ـ: «شرحهُ نفيسٌ أكثره مأخوذٌ من فتح الباري للحافظ...، واستعنت بشرحه رحمه الله في هذا التّعليق كثيراً كأنّه ملخصٌ منه». وقال محمد بن علوي المالكيّ الحسني: «فلا أظنّ أنّني مجانبٌ للواقعِ الصّادقِِ إن قلت: إنّ هذا الشّرح أحسن شروح الموطأ المتوسّطة، مفيدٌ لمن اقتصر عليه، وجيّدٌ لمن رجع إليه»، ويكفي في بيان قيمة هذا الشرح ما سبق الإشارة إليه من كون هذا الكتاب كان مقررا على طلبة العلم في جامع الأزهر لعهد طويل، وقد تمخض عن ذلك ذيوع خبره، وانتشار نُسخه بين الناس، وقد عني العلماء به فوضعوا عليه حواش وتعليقات منها «تعليق» لسلطان المغرب المولى سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي (تـ1238هـ).

طبع هذا الكتاب لأول مرة سنة 1280هـ /1863م، ومازالت طبعاته تتوالى إلى اليوم، ولا تزال بحاجة إلى تحقيق علمي يصل بالكتاب إلى المستوى المأمول.

--------------------------------------------------------
سلك الدرر للمرادي (4/41-42)،
عجائب الآثار، للجبرتي (1/221)،
الرسالة المستطرفة، للكتاني (ص191)،
فهرس الفهارس، لمحمد عبد الحي الكتاني(1/456-457)
 
أعلى