العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دور جهاز المخابرات في تحقيق الأمن للمسلمين

رضا السيد عرفه

:: متابع ::
إنضم
8 مارس 2009
المشاركات
13
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
غزه
المذهب الفقهي
شافعي
إن العلم بأحوال العدو ضرورة حيوية لكل جيش، سواء كان ذلك قبل الاشتباك الحربي أم خلال الحرب، فبواسطة الجواسيس ـ المخابرات ـ يعرف القائد نيات العدو، ويطلع على معلوماتٍ تفيده في وضع خططه، وهي من ألزم الأمور للجيش المحارب إذا توجه إلى أرض العدو، ولا بد أن يسعى القائد لمعرفة أكبر قدرٍ من المعلومات عن عدوه من حيث كفاءته العسكرية وأسلحته وأساليب قتاله، وعن مصادر قوته من الناحية الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وعن أهدافه ونواياه إلى غير ذلك من المعلومات[SUP]([1])[/SUP].
ولقد مثلوا لجهاز المخابرات في أية دولةٍ بمثابة غرفة عمليات طبية، تُمارَس فيها عملية تشريح جثة العدو بصورة غيابية، للتدقيق بتحركات واختلاجات الأعضاء، والإمساك بالسكين الذي سيعمل تقطيعاً بالمفاصل الهامة له، وصولاً للإجهاز عليه بصورةٍ كاملة، فالتخابر وسيلة من وسائل الظفر والانتصار في المعارك ووسيلة لهدم أعظم الدول بأقل وقت وأقل خسائر، ذلك أن المجهول ـ الغموض ـ هو الظرف المهيمن على الحرب، فكان اختراق المجهول وتأمين أكبر قدر ممكن من المعلومات؛ هو العنصر الأساسي للأمن، وحرية الجيش في العمل معتمدة على نجاحها([2]).
ومن هنا جاء دور المخابرات في تحقيق الأمن والذي أذكر منه ما يلي:
1. تزويد الدولة بما يلزم من المعلومات الكافية لإحراز النصر:
فعنصر المخابرات هو الركيزة الأولى لوضع الخطة المدروسة، والتي لا تكون صحيحة إلا بالحصول على المعلومات السابقة عن العدو، وفي ذلك يقول اللواء محمود شيت خطاب: " من المعروف أن الأمة التي تريد أن تحرز النصر على عدوها لا بد أن تعرف ذلك العدو، معرفةً دقيقةً صحيحة، وتعرف طبيعةَ الأرضِ التي ستدور عليها المعركة، معرفة شاملة مفصلة. أما الذين يقاتلون عدواً لا يعرفون عنه معلومات وافية؛ فإنهم لن ينتصروا عليه أبداً، لأن الخطة العسكرية الناجحة لا بد أن تُبنى على أسس من المعلومات الواضحة السليمة عن العدو. والقائد الذي يقاتل عدوه؛ وهو في جهل مطبق عن قوته عَدداً وعُدداً إنما يقاتل وهو أعمى البصر والبصيرة، لذلك لا يكون نصيبه إلا الإخفاق والاندحار "[SUP]([3])[/SUP].

2.
إجهاض عمليات العدو قبل وقوعها:
جهاز المخابرات على مر التاريخ له دور هام في حسم المعركة قبل أن تبدأ، بل حتى أثناء التفكير والإعداد لها، ومن ذلك ما قام به عبد الله بن أنيس رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لقتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي، لأنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن ابن نُبيح جمع الجموع لحربه، فقال لعبد الله: ائته فاقتله، فقال: صفه لي يا رسول الله حتى أعرفه، قال: إذا رأيته هبته وفرقت منه، ووجدت له قشعريرة[SUP]([4])[/SUP]، وذكرت الشيطان، قال عبد الله: وكنت لا أهاب الرجال فقلت: يا رسول الله ما فرقت من شيءٍ قط، فقال: آية ما بينك وبينه ذلك، واستأذنته أن أقول، فقال: قل ما بدا لك، وقال: انتسب لخزاعة، فأخذت سيفي وخرجت أعتزي لخزاعة فلما وصلت إليه لقيته يمشي ووراءه الأحابيش[SUP]([5])[/SUP]؛ فهبته وعرفته بنعت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: صدق الله وصدق رسوله، وقد دخل وقت العصر حين رأيته فصليت وأنا أمشي وأومئ برأسي إيماءً، ثم دنوت منه فقال: من الرجل؟ قلت: من بني خزاعة، سمعت بجمعك لمحمدٍ فجئت لأكون معك، قال: أجل إني لفي الجمع له، فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي، فقلت له: عجباً لما أحدث محمدٌ من هذا الدين المحدث؛ فارق الآباء وسفَّه أحلامهم، ثم مشيت معه وهو يتوكأ على عصاً يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه، وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبةٍ منه وهم يطيفون به، فقال: هلم يا أخا خزاعة، فدنوت منه، قال: اجلس، فجلست معه حتى إذا نام الناس اغتررته وقتلته وأخذت رأسه ... وكنت أسير الليل، وأتوارى النهار خوفاً من الطلب أن يدركني، حتى قدمت المدينة فوجدته صلى الله عليه وسلم بالمسجد فقال صلى الله عليه وسلم: " أفلح الوجه "، قلت: أفلح وجهُك يا رسول الله، فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري..[SUP]([SUP][6][/SUP][/SUP]).

يتبع بإذن الله تعالى


([1]) الجزائري: المخابرات والعالم (ص 585)، محفوظ: العسكرية الإسلامية (ص 118).

([2]) الخويطر: عقوبة التجسس (ص 5)، زهر الدين: موسوعة الأمن والاستخبارات (1/9)، العسلي: المذهب العسكري الإسلامي (ص 312).

([3]) شيت خطاب: الوجيز في العسكرية الإسرائيلية (ص 11) نقله: الدغمي: التجسس وأحكامه (ص 40).

([4]) في بعض الروايات (اقشعريرة) بالألف، والمشهور قشعريرة بلا ألف، وهي قيام الشعر على الجلد، وهي الرِّعدة كما في اللسان وغيره.

([5]) الأحابيش هم: الجماعات من قبائل شتى. الحميدي: تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (192).

([6]) أخرجه أحمد في المسند، الجزء الخامس عشر، (ص 440 ح 16047) وقال الأرنؤوط: رجاله ثقات، الحلبي: السيرة الحلبية (3/156)، أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: الرخصة في الصلاة ماشيا عند العدو،(2/91)، ابن هشام: السيرة (2/619)، الواقدي: المغازي (1/532).
 
أعلى