العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فتاوى رمضانية متعلقة بفقه الأحناف

ل

لؤي الخليلي الحنفي

زائر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فلا يخفى على كل حريص على دينه أهمية معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بتصحيح عبادته التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، وذلك بتحري معرفة الصواب في حكم المسائل الواقعة له، ومن لا يستطيع الوصول إلى مثل هذه المعرفة فلا بدّ له أن يمتثل لأمر ربنا، وذلك بسؤال أهل العلم والاختصاص ممن يوثق بدينهم وعلمهم عملاً بقوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
وبما أننا مقدمون على شهر الخير والبركة، فقد خصصت هذا الرابط ليضع فيه أحبتنا أسئلتهم واستفساراتهم في ما يخص الأحكام المتعلقة بصيام هذا الشهر العظيم.
وأسأل الله العظيم أن يعييني وإخوتي لبيان مقصود أسئلتكم واستفساراتكم، وسأقتصر في الإجابة على مذهب إمامنا الأعظم، وهمامنا الأفخم الإمام أبي حنيفة النعمان على روحه سحائب الرحمة والرضوان، وربما أتطرق إلى بعض آراء الأئمة الآخرين المرضيين فيما تستدعي إليه الحاجة.

وسأقدم بمقدمة سريعة بين يدي الموضوع، تعين كل دارس لفقه الصيام التعرف على أحكامه فيما يخص المفطرات، واستعين فيها بكتاب (ضابط المفطرات في مجال التداوي) لسيدي الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني رئيس جامعة دار العلوم بكراتشي، وهو الشقيق الأكبر لسيدي الشيخ القاضي المفتي محمد تقي العثماني نائب رئيس جامعة العلوم كراتشي، ونائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي.

الجوف المعتبر في الصيام:
في الإنسان عدة أجواف كجوف المعدة والأمعاء، وجوف الصدر، وجوف الرأس، وجوف القلب، وجوف المثانة، وجوف الأذن، وجوف الرحم للمرأة.
ولا بد من معرفة الجوف الذي يفسد الصوم بوصول المفطر إليه.
فالجوف المعتبر في نفسه عند أئمتنا الحنفية هي: المعدة، والحلق والأمعاء(وهي كذلك عند السادة المالكية)
أما غيرها، فما كان له مسلك إلى هذه الثلاثة يصل إليها مباشرة أو بواسطة جوف آخر فهو معتبر تبعا لها ويأخذ حكمها، وما لا يكون كذلك فليس بجوف معتبر عندنا.
فإذا وصل إلى الجوف المعتبر شيء من المفطرات من منفذ معتبر وصولا معتبرا فسد الصوم. وعلى هذا يحمل قول الإمام رحمه الله تعالى بفساد الصوم عند وصول الدواء الرطب إلى الدماغ بمداواة الآمّة(جراحة في الرأس) كون بين الدماغ والحلق مسلكا، وخالفه صاحباه (والطب الحديث ينكر وجود مسلك بين جوف الدماغ والحلق إلا في حالة كسر قاع الجمجمة)
وكذا يحمل قول الحنفية بفساد الصوم إذا احتشت المرأة في فرجها الداخل كون بينها منفذا لا أنه جوف معتبر في نفسه، وكذا قول المالكية بالفساد بالحقنة في الفرج الداخل.(والطب الحديث ينكر أن يكون بينه وبين الجهاز الهضمي الذي يحوي الحلق والمعدة والأمعاء منفذا)
وكذا قول أبي يوسف بفساد الصوم بالإقطار في الإحليل إذا وصل منه شيء إلى المثانة، فهو مبني على رأيه أن بين المثانة والجوف مسلكا، وخالفه في هذا الإمام أبو حنيفة حيث لا مسلك بينهما (والطب الحديث يوافق قول الإمام)
والطب الحديث لا يفرق بين مثانة الرجل والمرأة، ويصرح أن لا منفذ بين المثانة والجوف، وعلى هذا يحمل كلام الإمام الكاساني رحمه الله أن الإقطار في قبل المرأة يفسد صومها كون لمثانتها منفذا يصل إلى الجوف لا أنه جوف معتبر في نفسه.
وحاصل ما مر عند الأحناف والمالكية أن الأجواف المعتبرة في نفسها عندهم هي المعدة والحلق والأمعاء، خلافا للسادة الشافعية الذين عمموا في الجوف المعتبر وقالوا: أن كل ما يسمى جوفا في جسم الإنسان فهو جوف معتبر في نفسه في فساد الصوم سواء كان له مسلك إلى الحلق أو المعدة أو الأمعاء أو لا كباطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة وباطن الأذن والإحليل والفرج الداخل ونحوها. إلا جماعة قليلة منهم فصلوا في المحيل كالسنجي والقاضي حسين والفوراني والغزالي رحمهم الله.
وبناء على ما مرّ لا يفسد الصوم بمداواة الآمة عند الإمام كما صرح به السرخسي لعدم وجود المسلك بين جوف الدماغ والحلق، فالعبرة عند الإمام للواصل لا للمسلك كما صرح به السرخسي رحمه الله.

وأصول الحنفية في الباب تقضي بعدم فساد الصوم بمداواة الآمة، أو الإقطار في قبل المرأة والأذن والإحليل.
وتفصيل ذلك: أن مداواة الآمة فالدواء يصل إلى الدماغ لا الحلق لعدم المسلك بينهما إلا إذا وجد كسر في قاع الجمجمة فحينئذ يمكن أن يصل منه إلى الأنف ومنه إلى البلعوم الأنفي والحلق.
أما قبل المرأة: فلأن الدواء يصل إلى الرحم أو المثانة لا إلى الجوف المعتبر لعدم المنفذ بينها وبين المعدة والأمعاء، فما يخرج من المثانة يخرج رشحا، ولا يعود كما هو معروف طبيا.

أما الأذن: فلأن الدواء أو الماء أو الدهن لا تصل بالإقطار فيها إلى الحلق إذا كانت طبلة الأذن سليمة غير مخرومة؛ لأن فتحة الأذن ليست بنافذ إلى الحلق إلا إذا كانت مخرومة.

أما الإحليل: فما يقطر في الإحليل لا يصل إلى المثانة، وهي جوف غير معتبر عند الحنفية.

ويلحق بما مرّ عدم اعتبار المسام بتشربها إلى الجوف غير مفسد للصوم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر جنبا في رمضان من غير حلم فيغتسل ويصوم كما في البخاري، ولما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر.

وأيضا العين: فما يصل منها إلى الحلق بالكتحال أو التقطير غير مفطر للآثار الواردة في ذلك؛ لأن الواصل من العين إلى الحلق بالاكتحال أو التقطير إنما يصل إليه بواسطة باطن الأنف، والمنفذ من العين إلى الأنف لصغره وخفائه ملحق بالمسام عندنا فيكون ما يصل إلى الحلق معفوا عنه كالغبار والدخان يدخل حلقه.

ونختم هذه المقدمة ببيان ما يدخل من أحد السبيلين (القبل والدبر) لكثرة مسائله والحاجة إليها طبيا في زماننا

الدبر:
ومما يدخله الحقنة الشرجية، ومنظار الشرج، وأصبع الطبيب والغرزجات (اللبوس) وغيرها
فعندنا فيه تفصيل:
أن استقرار الواصل في الجوف وغيبوبته فيه شرط للفطر بالإتفاق، والشرط الثاني فيه خلاف وتفصيل، وهو أن الواصل إلى الجوف إما أن يكون صالحا للبدن أو لا، ففي الأول يفسد الصوم عندهم جميعا، وفي الثاني اختلفوا على ثلاثة أقوال: الفساد مطلقا وذهب إليه السرخسي والكاساني والزيلعي، والثاني لا يفسد إلا إذا وصل بصنع الصائم كما قاله قاضي خان واستظهره ابن الهمام.
والثالث عدم الفساد مطلقا لعدم الابتلاع وإليه ذهب المرغيناني صاحب الهداية.
أما منظار الشرج واللبوس وأصبع الطبيب فلا يفسد بإدخالهما في الدبر عندنا لعدم الاستقرار فيه، ولبقاء الطرف الآخر للمنظار والأصبع واللبوس بيد الطبيب يمنع استقرارها فيه، إلا أن ينفصل منها شيء ووصل إلى قدر المحقنة واستقر فيه.
وكذا عند المالكية لكونها جامدة شرط أن لا تكون متلبسة بمائع أو بما ينماع ولو بعد الدخول، وعند الشافعية والحنابلة يفسد بشرط أن يصل بقصد الصائم واختياره أو إذنه.

الإحليل:
لا يفسد الصوم بإدخال شيء فيه كالماء والدواء والماصة الطبية (انبوبة تدخل في المسالك البولية لإفراغ المثانة) عندنا وعند المالكية وإن وصل إلى المثانة، خلافا لأبي يوسف إن وصل إليها.
ويفسد عند الشافعية إذا كان بقصد الصائم واختياره وإن لم يجاوز الحشفة عند الأكثر، وعند جماعة منهم لا يفسد مالم يصل إلى المثانة.

فرج المرأة:
حكمه عندنا كحكم الحقنة في الدبر، فاستقرار الواصل في الجوف وغيبوبته فيه شرط بالاتفاق، وعند المالكية يفسد إذا كان الواصل مائعا أو مما ينماع، وعند الشافعية يفسد بخول شيء فيه إن كان بقصدها واختيارها وإن لم يستقر فيه.
وعلى هذا التفصيل يؤخذ حكم تنظيف الرحم والتحاميل المثبتة للحمل وغيرها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيكم ونفع بكم
متابعين ومنتفعين بإذن الله.
 

فاتن حداد

:: متخصص ::
إنضم
14 يوليو 2009
المشاركات
553
الجنس
أنثى
الكنية
أصولية حنفية
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
إربد
المذهب الفقهي
المذهب الحنفي
جزيت خيرا
ولو أكملت وتابعت يا رعاكم الله
 
أعلى