اخلاص
:: متخصص ::
- إنضم
- 7 ديسمبر 2009
- المشاركات
- 176
- التخصص
- أصول الفقه
- المدينة
- ...
- المذهب الفقهي
- حنفي
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]معارضة خبر الآحاد للكتاب[/FONT]
الروايات:
ذكر عند السيدة عائشة €رضي الله عنها حديث سيدنا عمر t عن رسول الله r: ((إن الميت يعذب ببعض ببكاء أهله عليه)) فقالت: "رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله r ولكن قال(إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه))" وقالت €: "حسبكم القرآن ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾([1])"([2]).
وفي رواية ذُكر عندها إن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما يرفع إلى النبي r: ((إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله)) فقالت: "وهل([3]) إنما قال رسول الله r ((إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه))"([4]).
وفي رواية قالت: "رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئاً فلم يحفظه إنما مرت على رسول الله r جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال: ((أنتم تبكون وانه ليعذب))"([5]) وفي رواية أخرى قالت: "إنما مر رسول الله r على يهودية يبكي عليها أهلها فقال: ((أنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها))"([6]).
القاعدة الأصولية التي يمكن استنباطها:
تُظهر الروايات أن السيدة عائشة رضي الله عنها لا ترى أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه([7]) وجاءت الروايات كلها من طرق صحيحة والملاحظ فيها اختلاف الألفاظ ولبناء القاعدة الأصولية التي أخذت بها السيدة عائشة رضي الله عنها€ يجب فهم هذه الروايات ويمكن حصر ذلك في اتجاهين:
احدهما: إن عذاب القبر ببكاء الأهل خاص بالكافر دون المؤمن وهذا يفهم من روايتها للحديث ((أن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه))، غير إن استدلالها بعموم قوله تعالى ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾يوجه فهمها للحديث إلى انه محمول على ما كان من عادة العرب من الوصية بالبكاء والنياحة فيكون عذاب الميت بوصيته لهم بذلك ([8]).
الثاني: إن الميت يعذب بعمله لا ببكاء أهله ويفهم ذلك من روايتها ((إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وأهله ليبكون عليه)) وهذا موافق للآية التي ذَكَرَتها سابقاً .
وللعلماء رأيان في توجيه رواية السيدة عائشة رضي الله عنها€ أصولياً هما:
الرأي الأول: إن السيدة عائشة رضي الله عنها€ردت الحديث لمعارضته([9]) الكتاب وقال الإمام ابن حجر رحمه الله في ذلك "إن هذه التأويلات عن عائشة رضي الله عنها€ متخالفة وفيه إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضة القرآن"([10]). فجعل أصحاب هذا التوجه الحديث وهو خبر الآحاد مقابل القرآن([11])وردها للحديث دليل على إن ظاهر القرآن لا يخص بخبر الواحد([12])، وعدّ الإمام الشاطبي رواية السيدة عائشة رضي الله عنها€ أصل لمسألة مختلف فيها هي "أن خبر الآحاد إذا كملت شروط صحته هل يجب عرضه على الكتاب أم لا"([13]).
الرأي الثاني: إن للسيدة عائشة رضي الله عنها رواية نقلتها عن النبي r وهذا يدخل في تعارض حديثين نبويين.
وفي ذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله "إن ما روت عائشة رضي الله عنها€ عن رسول الله r أشبه أن يكون محفوظاً عنه r بدلالة الكتاب والسنة"([14])، ومع احتمال خفاء مناسبة قول النبي r عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما([15]) فان السيدة عائشة رضي الله عنها€ عارضت الحديث الذي رواه سيدنا عمر وعبد الله رضي الله عنهما بالحديث الذي عندها و رجحت حديثها بدليل ومرجح مستقل قوي هو الآية الكريمة([16]).
ومما تقدم نخلص إلى إن السيدة عائشة في هذه الرواية قبلت بخبر الآحاد لولا معارضته للحديث الذي عندها فإنها لم تَرُد خبر الآحاد لمعارضته الكتاب ولكن عارضت حديثين فرجحت أحدهما لموافقته عموم القرآن. وهذا الوجه يؤيد مذهب جمهور الأصوليين في جواز تخصيص خبر الآحاد لعموم القرآن([17]).
ويلحق بهذه القاعدة روايات استدركت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها€ بعض الأحاديث لعلمها بسبب ورودها ومناسبتها زيادة على معارضتها لعموم ما جاء في الكتاب والكلام فيها مثل الكلام في مسالة تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ومن هذه الروايات:
ولد الزنا شر ثلاثة والطيرة والتشائم.
من رسالتي للماجستير
([1]) سورة الأنعام من الآية 164.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز باب قول النبي r يعذب الميت ببعض بكاء أهله إذا كان النوح من سنته: 2/101، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجنائز باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه: 3/42 في حديث طويل واللفظ له.
([3]) وهل: أي ذهب وهمهُ إلى ذلك، ويجوز أن يكون بمعنى سها وغلط [ينظر: النهاية لابن الأثير: 4/233].
([4]) أخرجه مسلم كتاب الجنائز باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه: 3/44،وفي لفظ لأحمد وابن أبي شيبة "قال رسول الله r: ((إن أهل الميت يبكون عليه وانه ليعذب بجرمه)) مسند أحمد في مسند عائشة €: 17/390 رقم 24518،مصنف ابن أبي شيبة: 4/639.
([5]) أخرجه مسلم: 3/44، والنسائي كتاب الجنائز باب النياحة على الميت: 4/17.
([6]) أخرجه البخاري كتاب الجنائز باب قول النبي r يعذب الميت ببعض بكاء أهله...: 2/102.
([7]) اختلف العلماء في المسألة على أقوال وهي بايجاز:
1. إن الميت يعذب ببكاء الحي متمسكين بالأحاديث الواردة في ذلك ومنهم سيدنا عمر وابن عمر وبعض الصحابة y وهو ما ذهب إليه ابن تيمية [ينظر الفتاوى الكبرى لابن تيمية أحمد بن عبد الرحيم (ت 728هـ)، تحقيق عبد القادر عطا و مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ-1987م: 3/65].
2. حمل بعض العلماء الأحاديث على من كان النوح من سنته، ولم ينه أهله فذلك يعذب ببكاءهم وهو الذي ذهب إليه الإمام البخاري وأبو البركات [ينظر: صحيح البخاري: 2/100، الفتاوى الكبرى: 3/65].
3. إن الميت لا يعذب مطلقاً ببكاء أهله عليه، وهو مذهب عائشة € وهو قول الشافعي [المجموع: 5/307].
4. جمع جمهور العلماء بين الروايتين بتأويل كل منهما فحملت الأحاديث المثبتة على من أوصى بذلك في حياته لأنه قد تسبب إلى وجود فعلية إثم الوصية فيعذب.[ينظر: المجموع: 5/308، الإجابة: 187، الفقه الإسلامي وأدلته أ.د. وهبة الزحيلي، دار الفكر ودار الفكر المعاصر، إعادة ط1، 1425هـ-2004م: 2/1574].
([8]) ينظر: شرح صحيح مسلم للإمام النووي: 6/229، الموافقات: 478، شرح الزرقاني: 2/24.
([9])ينظر: الفصول للجصاص: 1/160،الوصول للتمرتاشي: 267.
([10])فتح الباري: 3/198، تفسير القرطبي: 10/151.
([11])قولها "حسبكم القران" يدل عليه.
([12])هذا رأي الحنفية، ينظر: الفصول للجصاص: 1/160.
([13])الموافقات للإمام الشاطبي: 478، وقال في المسألة: "قال الشافعي لا يجب لانه لا تتكامل شروطه الا مخالفاً للكتاب وعند عيسى بن ابان يجب محتجاً بحديث في هذا المعنى وهو قوله: "إذا روى لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافق فاقبلوه والا فردوه" فهذا الخلاف كما ترى راجح إلى الوفاق".
([14]) الأم الشافعي: 9/46 وقال بعدها: "فان قيل فأين دلالة الكتاب؟ قيل في قوله تعالى: ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ وقوله ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ وقوله ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ قال الشافعي وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبي مليكة وحديثها أشبه الحديثين، أن يكون محفوظاً فإن كان الحديث على غير ما روى ابن مليكة من قول النبي r ((إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها)) فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لانها بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه، وان كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح لان على الكافر عذاباً أعلى فان عذب بدونه فزيد في عذابه فبما استوجب وما نيل من كافر من أدنى على أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه له لا بذنب غيره في بكائه عليه، فان قيل أين دلالة السنة؟ قيل قال رسول الله r لرجل((ابنك هذا؟)) قال: نعم قال ((أما انه لا يجني عليك ولا تجني عليه)) فاعلم رسول الله مثل ما اعلم الله من إن جناية كل من امريء عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه".
([15])ينظر: الإجابة للزركشي: 187.
([16])هذا الكلام يفهم من الرواية وهو قول العلماء عند الترجيح بين المتعارضين [ينظر: التعارض والترجيح في الأدلة الشرعية أ.د. عبد اللطيف: 1/122]
([17])سبق ذكره في تخصيص الكتاب بالسنة ص 127.