العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مسائل خالف فيها المتأخرون معتمد المذهب (2)

د. محمد بن عمر الكاف

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
20 مايو 2009
المشاركات
326
التخصص
فقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
شافعي

حكم نقل الزكاة من بلد المزكي

يقرر فقهاء الشافعية عدم جواز نقل الزكاة من بلد المزكي إلى بلد آخر .. لأن أهل البلد أحق بالزكاة من غيرهم .
* سرد نصوص الفقهاء في المسألة :
نص الشافعي في «الأم» : (وإذا أخذت الصدقة من قوم قُسِمَتْ على من معهم في دارهم من أهل هذه السُّهمان ، ولم تخرج من جيرانهم إلى أحد حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها)[FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
وفي «مختصر المزني» : (ولا يُخرِجُ عن بَلَدٍ وفيه أهله)[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
ويشرح نص المزني الماوردي (ت 450هـ) في كتابه «الحاوي الكبير» ويذكر في المسألة قولين جديدين للشافعي : قول بجواز النقل ، وقول بعدم الجواز ، مع ترجيح القول بالمنع ، والاستدلال له ، والإجابة عن أدلة القول بالجواز . وعبارته : (ولأن اختصاص الزكاة بالمكان كاختصاصها بأهل السُّهمان ، فلما لم يجز نقلها عن أهل السُّهمان لم يجز نقلها عن المكان ، وأما الأجوبة عن دلائل القول الأول ، فالآية قصدها بيان أهل السُّهمان دون المكان فلم يُعدَل بها عن مقصودها)[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
ويبدو أن القول الثاني قول جديد أيضا مروي عن الشافعي في غير «الأم» و«المزني» .
وقد تقدم أن قولي الإمام إذا لم يعلم تقدم أحدهما أو تأخره ، يكون المعول في ترجيح أحدهما على الآخر مجموعة من القواعد تقدم ذكرها في الباب الثاني .
وإمام الحرمين الجويني (ت478هـ) في «نهاية المطلب» :
(في جواز نقل الصدقات قولان :
أحدهما : يجوز لعموم قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) ..
والثاني : لا يجوز ، لقوله ^ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
ثم توسع في إيراد الفروع والمسائل على كلا القولين ، ولم يرجح أحدهما على الآخر .
ومثله البغوي (ت516هـ) في «التهذيب»[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot])[/FONT].
ثم فرَّع النووي الخلاف في «الروضة» وفصل في تحرير محل الخلاف :
(المسألة الرابعة في جواز نقل الصدقة إلى بلد آخر مع وجود المستحقين في بلده ، خلاف :
وتفصيل المذهب فيه عند الأصحاب :
أنه يحرم النقل ولا تسقط به الزكاة ، وسواء كان النقل إلى مسافة القصر أو دونها ، فهذا مختصر ما يفتى به
وتفصيله أن في النقل قولين :
أظهرهما : المنع
وفي المراد بهما طُرُقٌ :
أصحُّها أن القولين في سقوط الفرض ، ولا خلاف في تحريمه .
والثاني : أنهما في التحريم والسقوط معا .
والثالث : أنهما في التحريم ، ولا خلاف أنه يسقط .
ثم قيل : هما في النقل إلى مسافة القصر فما فوقها ، فإن نقل إلى دونها جاز ، والأصح طرد القولين)[FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] .
فالنووي يشير بتعبير (الأظهر) إلى قوة الخلاف في المسألة بين قولي الإمام الشافعي ، مع ترجيح القول بالمنع .

ثم يشرح الأذرعي(ت783هـ) ذلك ويلخصه فيقول [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] في كتابه« قوت المحتاج شرح المنهاج » :
(قال: (وَالْأَظْهَرُ: مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ) أي: عن الموضع الذي وجبت فيه وهو به؛ لخبر معاذ السالف عند اعتبار إسلام المستحق؛ ولأن طمع مساكين كل بلدة يمتد إلى زكاة ما فيها من المال, والنقل يوحشهم, والثاني: الجواز؛ لأن الآية مطلقة, وقياسًا على الكفارة, والنذر, والوصية على المذهب فيها, وفيه نظر، ثم أصح الطرق أن القولين في سقوط فرض الزكاة, وأما النقل لغير الإمام فحرام قطعًا.
قال القاضي الحسين: وعليه عامة أصحابنا, وقيل: بالعكس, وقيل: بجريانهما في الأمرين, وقيل: هما في النقل إلى مسافة القصر, ويجوز إلى ما دونها.
والحاصل أربعة أقوال:
أصحها: لا يجوز ولا يجزئ .
والثاني: عكسه .
والثالث: يجزئ ولا يجوز .
والرابع: يجزئ ويجوز إلى ما دون مسافة القصر, ولا يجزئ, ولا يجوز إليها)
فتفرع من هذين القولين في المسألة أربعة أقوال ، أصحها : حرمة نقل الزكاة ، وعدم إجزائها إذا نقلت .
ويشير الدميري (ت808هـ) إلى ترجيح القول بجواز النقل فيقول في « النجم الوهاج شرح المنهاج »:
(قال الخطابي والبغوي : عليه أكثر العلماء ، واختاره الروياني وأفتى به ابن الصلاح وابن الفركاح عند وجود مصلحة لأجل قريب ونحوه) [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
وشيخ الإسلام(ت926هـ) في «شرح المنهج» يقرر معتمد المذهب ويعرض عن الأقوال المخالفة للمعتمد :
(ولا يجوز للمالك) أي يحرم عليه ولا يجزيه (نقل زكاة) من بلد وجوبها مع وجود المستحقين فيه إلى بلد آخر فيه المستحقون ليصرفها إليهم، لما في خبر الصحيحين صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )[FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot])[/FONT].
ولكن تلاميذه كالشيخ ابن حجر (ت974هـ) في «التحفة» يشيرون إلى القول المقابل للأظهر ، يقول : (وَالْأَظْهَرُ) وإن نقل مقابله عن أكثر العلماء وانتصر له ( مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ )[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] .
وكذلك الرملي (ت1004هـ) في «النهاية» :
( وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ ) ... وَالثَّانِي :الْجَوَازُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَنُقِلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَانْتَصَرَ لَهُ )[FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
وإليه أشار أصحاب الحواشي وأرشدوا إلى تقليده للحاجة إلى ذلك كالقليوبي (1069هـ) بقوله :
(قوْلُهُ : ( وَالثَّانِي يَجُوزُ النَّقْلُ وَتُجْزِئُ ) وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ الْفِرْكَاحِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ : وَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَكَذَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، كَالْأَذْرِعِيِّ وَالسُّبْكِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ)[FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] .
ومثله الجمل(1204هـ) في «حاشية الجمل على شرح المنهج»[FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]ومثله الشرواني(ت1301هـ) في «حاشية الشرواني»[FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] .
وهو الذي تعرض له الشيخ ابن حجر بالتفصيل عندما سئل عن ذلك في «الفتاوى» : [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
(وسئل رضي الله تعالى عنه :
عما حكي عن الفقيه أحمد بن موسى نفع الله سبحانه وتعالى به أنه قال :
ثلاث مسائل لا يفتى بها على مذهب الإمام الشافعي بل على مذهب الإمام أبي حنيفة وهن :
1- نقل الزكاة .
2- ودفع زكاة شخص إلى صنف واحد
3- وإلى شخص واحد
وقال الأصبحي في فتاويه في الجواب عن ذلك :
اعلم أن ما حكي عن الفقيه أحمد بن موسى نفع الله سبحانه وتعالى به قد حُكِيَ مثلُهُ عن غيره من أكابر الأئمة ، كالشيخ أبي إسحاق ، والشيخ يحيى بن أبي الخير ، والفقيه الأحنف وغيرهم ، وإليه ذهب أكثر المتأخرين ، وإنما دعاهم إلى ذلك عُسر الأمر ، وقد قال الله تعالى و(ما جعل عليكم في الدين من حرج) .
فما نقل عن هؤلاء الأئمة صحيح هذا النقل فما تحقيق ذلك وهل يجوز تقليدهم في ذلك أم لا ؟
فأجاب :
ما نقل عن الأئمة المذكورين لا بأس به في التقليد فيه لعُسْرِ الأمر فيه سِيَّما الأخيرتان ، ومعنى القول بأنها لا يفتى فيها على مذهب الإمام الشافعي : أنه لا بأس لمن استُفْتِيَ في ذلك أن يرشدَ مستفتيه إلى السهولة والتيسر ويبين له وجه ذلك بذكر الشروط عند الشافعي رضي الله تعالى عنه ، فإن وطَّن نفسه على تحمل تلك المشاق ورعاية مذهبه فهو الأولى والأحرى لكثرة الخلاف في جواز التقليد وعسر استيفاء شروطه ، إذ يلزم من قلد إماما في مسألة أن يعرف جميع ما يتعلق بتلك المسألة في مذهب ذلك الإمام ، ولا يجوز له التلفيق ...
وحيث اتفق مالك مثلا وبعض أصحابنا على حكم مخالف للمذهب وأراد الإنسان التقليد في ذلك الحكم فالأولى تقليد مالك لأنه مجتهد مطلق بالإجماع ، وأما بعض الأصحاب فليس مجتهدا كذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وهذا الأمر جرى عليه المتأخرون مثل الشيخ عبدالرحمن بن زياد الزبيدي [FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] ، العلامة عبدالرحمن المشهور(ت 1320هـ) [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] ، الأستاذ محمد الشاطري(ت1422هـ) [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][18][/FONT][FONT=&quot])[/FONT]، وغيرهم ، وهو من الاختيارات المشهورة لفقهاء حضرموت المخالفة لمعتمد المذهب[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][19][/FONT][FONT=&quot])[/FONT] .

([1]) الشافعي ، الأم (3/151) .

([2]) المزني ، مختصر المزني (ص151) .

([3]) الماوردي ، الحاوي (8/481-483) .

([4]) الجويني ، نهاية المطلب (11/535) .

([5]) البغوي ، التهذيب (دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1418هـ) (5/203) .

([6]) النووي ، الروضة (2/332) .

([7]) الأذرعي ، قوت المحتاج ، ، ج6 لوحة 146.

([8]) الدميري ، النجم الوهاج، (6/496) .

([9]) زكريا الأنصاري ، فتح الوهاب شرح منهج الطلاب (4/108) .

([10]) ابن حجر ، تحفة المحتاج ، (7/172) .

([11]) الرملي ، نهاية المحتاج ، (6/167) .

([12]) القليوبي ، حاشية على شرح المحلي ، (3/204) .

([13]) الجمل ، حاشية على شرح المنهج (4/108) .

([14]) الشرواني ، حاشية على تحفة المحتاج (7/172) .

([15]) ابن حجر ، الفتاوى الكبرى الفقهية (4/75) .

([16]) المشهور ، غاية تلخيص المراد من فتاوى ابن زياد ، مطبوع بهامش بغية المسترشدين (ص110) .

([17]) المشهور ، بغية المسترشدين ، (ص105) .

([18]) محمد بن أحمد الشاطري ، شرح الياقوت النفيس (1/441)

([19])باسودان ، المقاصد السنية ، ص79 .
 

آدم جون دايفدسون

:: متفاعل ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
450
الإقامة
أمريكا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مــــالك
التخصص
الترجمة
الدولة
أمريكا
المدينة
مدينة القرى
المذهب الفقهي
مذهب الإمام محمد بن إدريس الشــــافعي
رد: مسائل خالف فيها المتأخرون معتمد المذهب (2)

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
31 أكتوبر 2011
المشاركات
70
الكنية
ابا محمد
التخصص
النحو
المدينة
المنيا
المذهب الفقهي
الشافعى
رد: مسائل خالف فيها المتأخرون معتمد المذهب (2)

حبذا لو جمع أحد مخالفات علماء حضرموت لمعتمد المذهب الشافعي
 
أعلى